ملخص
تعتزم واشنطن السعي بنشاط لبدء مفاوضات مباشرة بين أطراف النزاع الأوكراني خلال الأيام الـ100 المقبلة. ويسعى الرئيس ترمب إلى تسريع حل الأزمة الأوكرانية حتى لا يكرر السقوط السياسي الذي تعرض له سلفه جو بايدن. ويحاول بكل الطرق تجنب الفشل السياسي في الأزمة الأوكرانية وانهيار شعبيته على غرار ما حدث لبايدن بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان صفر اليدين بعد 20 عاماً من الاحتلال المكلف والدموي لهذا البلد.
بعد أشهر من الجمود والمراوحة والضغوط التي لم تسفر عن أي نتائج، بدأت واشنطن بتغيير نهجها تجاه الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إقناع كييف وموسكو بالموافقة على إنهاء الحرب. فأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الـ4 من مايو (أيار) أنه قد يقرر يوماً ما الانسحاب من عملية التفاوض حول تسوية النزاع في أوكرانيا، وقال تعليقاً على إمكانية الانسحاب من عملية التفاوض "سيأتي وقت أقول فيه: حسناً، استمروا في التصرف بغباء... سيأتي وقت أقول فيه ذلك".
وأضاف الرئيس الأميركي أنه في بعض الأحيان يقترب من اتخاذ قرار الانسحاب من مفاوضات أوكرانيا ولكن تحدث بعد ذلك "أمور إيجابية".
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس قد صرحت في 29 أبريل (نيسان) الماضي أن الولايات المتحدة ستنسحب من عملية التفاوض لتسوية النزاع في أوكرانيا كوسيط، إذا لم يحدث تقدم نحو السلام. وفي الوقت ذاته، قال نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس إن واشنطن تعتزم السعي بنشاط لبدء مفاوضات مباشرة بين أطراف النزاع الأوكراني خلال الأيام الـ100 المقبلة. وفي يوم الجمعة الماضي كررت بروس تصريحاتها السابقة أن الولايات المتحدة ستنسحب من عملية التفاوض حول التسوية الأوكرانية إذا لم يتم إحراز تقدم كاف فيها.
ومن جهته، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، "إذا كانت هناك رغبة في إيجاد حل وسط، فمن الممكن التفاوض بشأن أوكرانيا". ووفقاً للرئيس الروسي، فإن المشكلة تكمن في التوقيع النهائي على الوثائق، إذ لا يحق لفولوديمير زيلينسكي الذي انتهت فترة ولايته في مايو (أيار) 2024، التوقيع على أي شيء بسبب عدم شرعيته.
وإضافة إلى ذلك، ذكر بوتين أن كييف بحاجة إلى إيجاد طريقة لإلغاء المرسوم الذي وقعه زيلينسكي في وقت سابق بشأن حظر المفاوضات مع روسيا، وهذا، على سبيل المثال، يمكن أن يقوم به رئيس البرلمان الأوكراني. أما إذا كان زيلينسكي نفسه يريد المشاركة في المفاوضات، فقد أعرب الرئيس الروسي عن استعداده لتخصيص أشخاص معينين لهذا الغرض.
وفي أبريل الماضي، أكد بوتين في اجتماع مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، أن روسيا مستعدة لإجراء محادثات مع أوكرانيا من دون شروط مسبقة.
ويطرح ما صرح به ترمب ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في الـ18 من أبريل الماضي من أن الرئيس الأميركي قد يتخلى عن جهوده للتوسط بين روسيا وأوكرانيا في غضون أيام قليلة إذا لم تكن هناك علامات واضحة على إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام، سيناريوهات متعددة لما قد يحدث، أحلاها مرّ في حال أوقفت الولايات المتحدة وساطتها لحل النزاع الدامي المستمر بين روسيا وأوكرانيا لأكثر من 3 أعوام.
وهذه السيناريوهات لا تشمل فقط احتمال استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى، بل واحتمالات توسعها وتحولها إلى حرب كبرى بين روسيا وحلفائها من جهة، وبين حلف "الناتو" وأنصاره الآسيويين وغيرهم، وهذا ينذر باحتمال اندلاع حرب عالمية قد تستخدم فيها الأسلحة النووية.
والسيناريوهات المذكورة ليست نظرية بحتة بل واقعية وواردة في أجل قصير، إذا ما أخذنا في الاعتبار إعلان روبيو أن "بلاده لن تواصل جهود الوساطة لأسابيع وأشهر متواصلة. لذا، علينا الآن أن نقرر بسرعة، وأنا أتحدث عن مسألة أيام، فإذا كان من الممكن القيام بذلك خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فنحن بصدد العمل. وإن لم يكن كذلك، فلدينا أولويات أخرى علينا التركيز عليها".
كما كرر كلام الرئيس الأميركي قائلاً: "هذه ليست حربنا، ولم نبدأها".
وكان روبيو قد دعا روسيا في وقت سابق إلى إظهار استعدادها لإنهاء الحرب "في غضون أسابيع وليس أشهر"، وأصر على أن ترمب لن يقع في فخ المفاوضات التي لا نهاية لها. وقال ترمب نفسه إنه من المتوقع أن ترد روسيا على مقترحات وقف إطلاق النار خلال أسبوع.
نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، أعلن من جهته أن الولايات المتحدة تعتزم خلال الأيام الـ100 المقبلة العمل بنشاط لبدء مفاوضات مباشرة بين أطراف النزاع الأوكراني، مشيراً إلى وجود فجوة بين روسيا وأوكرانيا في مواقفهما بشأن تسوية الأزمة الأوكرانية، وأن الجهود الحالية تهدف إلى تقريب المواقف بين موسكو وكييف.
بوتين والغرب
وما يعزز احتمالات توسع الحرب ما قاله الرئيس بوتين في حديث للصحافي بافيل زاروبين "إن الغرب يتصرف بطريقة خبيثة جداً، فهو يقول شيئاً ويفعل أشياء مختلفة تماماً، وكان ذلك واضحاً منذ بداية العقد الأول من هذا القرن".
وأضاف في حديثه خلال الفيلم الوثائقي "روسيا. الكرملين. بوتين. 25 عاماً" الذي بث يوم 4 مايو على قناة "روسيا-1" التلفزيونية، "كان واضحاً منذ بداية القرن الحالي، أن عدونا الجيوسياسي يتصرف بمكر شديد، يقول شيئاً ويتصرف بشكل مختلف تماماً. وبعد أن فهمت ذلك لاحقاً، أخذت أبلغ هؤلاء الشركاء: أنظروا، لقد فهمت أنكم تقولون هذا وتفعلون ذاك".
وكمثال تذكر الرئيس بوتين الحرب الشيشانية الثانية، ونوه بأن القوى السياسية الغربية كانت تدعم الأصوليين في القوقاز، لكنها في الوقت ذاته تصفهم بالإرهابيين.
وتابع "أنتم تصفونهم بالإرهابيين، ولكن في الوقت ذاته تشجعونهم وتدعمون نشاطهم في بلادنا. وها هي الأدلة التي تثبت ذلك. وقد عُرضت عليهم هذه الأدلة. فكانوا يهزون برؤوسهم ويقولون: نعم سنقوم بترتيب الأمور الآن. ولكن لا شيء على أرض الواقع بل كانوا يتصرفون بشكل معاكس".
واعتبر بوتين في حديثه أن "إصرار الغرب لأعوام طويلة على عدم الاعتراف باستقلالية روسيا وسيادتها تسبب في نهاية المطاف ببدء العملية العسكرية الخاصة". وأشار في حديثه إلى أن الغرب قرر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أن روسيا باتت ضعيفة ولذلك رغب في شرذمتها إلى 4 أو 5 أجزاء.
واستذكر بوتين كلمات من خطابه في ميونيخ عام 2007: "إما أن تكون روسيا مستقلة وذات سيادة، أو لن تكون موجودة على الإطلاق".
وأضاف: "هذا بالضبط ما أردت إيصاله إلى شركائنا. ولقد ذكرت ذلك آنذاك، على أمل أن يستمع الزملاء وينصتوا إلينا ويعدلوا موقفهم تجاه روسيا".
وتابع الرئيس الروسي القول: "لكن للأسف، لم يجرِ الاستماع إلى حججنا ومطالبنا. لقد سمعوا جميعاً هذه المطالب لكنهم تجاهلوها ولم يصدر عنهم رد فعل مناسب عليها. وفي نهاية المطاف، أدى هذا إلى الأحداث المأساوية التي شهدناها اليوم".
أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن موسكو لم تكن بحاجة قط إلى استخدام الأسلحة النووية، وأعرب عن أمله في ألا يكون ذلك مطلوباً أبداً.
وعن السبب وراء حفاظ روسيا على هدوئها خلال "العملية العسكرية الخاصة" أوضح بوتين: "أرادوا استفزازنا، أرادوا أن نرتكب أخطاء. ولم تكن هناك حاجة لاستخدام السلاح الذي ذكرته الآن. وآمل بألا تكون هناك حاجة لذلك في المستقبل".
وأكد أن روسيا تمتلك كل ما يلزم لتحقيق أهداف "العملية العسكرية الخاصة" حتى من دون اللجوء إلى الأسلحة النووية. وقال "لدينا ما يكفي من القوى والوسائل لإكمال ما بدأناه في عام 2022 والوصول به إلى نهايته المنطقية مع تحقيق النتيجة التي تحتاجها روسيا".
وكان سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو أكد الشهر الماضي أن "روسيا تحتفظ بحق استخدام الأسلحة النووية إن تعرضت لأي عدوان من الدول الغربية".
تحذير من اندلاع حرب عالمية
من جهته، حذّر نائب رئيس البرلمان السلوفاكي تيبور غاسبار، من أن إرسال جنود من حلف "الناتو" إلى أوكرانيا قد يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية جديدة.
وأضاف "يبدو أن أوروبا لم تدرك بعد حدوث تغيير في السياسة الأميركية تجاه روسيا. هناك دول مهتمة بتصعيد التوتر أكثر. أعتقد أن نوايا إرسال جنود من دول ‘الناتو‘ إلى أوكرانيا قد يؤدي إلى نشوب حرب عالمية جديدة. لكنني لا أعتقد في الوقت نفسه أنه يوجد إجماع حول هذه القضية في الدول الأوروبية".
ورأى غاسبار أن أكثر الدول الراغبة بالتصعيد هي فرنسا وبريطانيا، في حين تدرك الدول الأصغر في الاتحاد الأوروبي أن إرسال قوات إلى أوكرانيا من شأنه أن يؤدي إلى صراع كبير جديد في أوروبا.
وأشار البرلماني السلوفاكي إلى أن الدول الأوروبية فقدت اليوم قدرتها التنافسية الاقتصادية بسبب العقوبات ضد روسيا.
وقال "تعاني أوروبا من وضع اقتصادي سيئ، ونحن لم نعد قادرين على المنافسة لأننا فرضنا عقوبات متكررة على روسيا ولم نعد نستورد منها موارد الطاقة وبخاصة الغاز والنفط. كل ذلك حرم المصانع العاملة في أوروبا القدرة على المنافسة. أعتقد أن هذه العملية ستتوقف، وحتماً سيسود المنطق السليم في أوروبا لاحقاً".
إنذارات ترمب!
ترمب صرح بأن لديه موعداً نهائياً لحل النزاع في أوكرانيا، لكنه لم يفصح عنه. وقال الرئيس الأميركي إنه حدد موعداً نهائياً لإبرام اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، لكنه لم يذكر أي تواريخ محددة.
وقال "لديّ موعد نهائي خاص بي. نريده أن يكون سريعاً عندما يخرج سيكون هناك موقف مختلف تماماً"، وأضاف أنه يريد من الأطراف الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وأشار إلى أنه يعتقد أن هناك فرصاً جيدة للتوصل إلى اتفاق.
وفي الأسبوع الماضي، هاجم ترمب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وقال إن تصريحاته بشأن شبه جزيرة القرم "تضر بمحادثات السلام مع روسيا". ووفقاً له، فإن الوضع في أوكرانيا مزر، وعلى زيلينسكي إما تحقيق السلام أو خسارة البلاد بأكملها خلال 3 أعوام.
وقال الرئيس الأميركي إن روسيا مستعدة للتوصل إلى اتفاق لحل الصراع مع أوكرانيا، وإن هناك "صفقة" معها، ويبقى التوصل إلى اتفاق مع كييف، وهو ما تبين أنه أكثر صعوبة. وأشار إلى أنه ليس لديه "مفضلون" بين أطراف الصراع.
وقد أدلى بتصريحاته بعد فشل اجتماع مسؤولين أميركيين وأوكرانيين وأوروبيين في لندن في الـ23 من أبريل. وكان من المقرر في البداية أن تجري هناك مفاوضات بين وزراء خارجية خمس دول، إلا أنها ألغيت. ويأتي ذلك على خلفية المواقف المتباينة للأطراف بشأن شبه جزيرة القرم.
وكتبت صحيفتا "واشنطن بوست" و"وول ستريت جورنال" أن الولايات المتحدة تدرس إمكانية الاعتراف بشبه الجزيرة كجزء من روسيا. وتصر موسكو على الحصول على اعتراف دولي باعتبارها جزءاً من اتحاد هذه المنطقة، التي أصبحت روسية بعد استفتاء أجري عام 2014.
اعتراض زيلينسكي!
ورفض زيلينسكي مثل هذا السيناريو، لذلك قال ترمب إن على زيلينسكي أن يختار بين مسار التسوية السلمية أو مواصلة العمل العسكري وبالتالي خسارة كل أوكرانيا. وأشار إلى أنه يريد مساعدة أوكرانيا وروسيا "للخروج من الفوضى" في أقرب وقت ممكن.
وأضاف الرئيس الأميركي قائلاً إن "التصريحات التحريضية مثل تلك التي أدلى بها الرئيس الأوكراني تجعل حل الصراع أكثر صعوبة". هكذا علق على رفض زيلينسكي الاعتراف بتبعية شبه جزيرة القرم لروسيا.
وأشار ترمب إلى أنه "لا علاقة له بروسيا"، وأن رغبته في إنهاء الصراع مرتبطة إلى حد كبير بالرغبة في إنقاذ "ما معدله 5000 جندي روسي وأوكراني أسبوعياً" من الموت. لكن على العكس من ذلك، أشار إلى أن تصريح زيلينسكي لن يؤدي إلا إلى "إطالة أمد المعركة".
خداع روسيا لتجميد النزاع في أوكرانيا
من جهته، أعلن الضابط السابق في البحرية الأميركية، براين بيرليتيك، أن الرئيس ترمب حاول خداع روسيا لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار لتجميد النزاع في أوكرانيا.
واعتبر بيرليتيك أن ترمب أراد التوصل إلى وقف لإطلاق النار من جانب روسيا، وبعد ذلك تدخل القوات الأوروبية إلى أوكرانيا وتنشئ منطقة عازلة، وتجمد الصراع من دون القضاء على أسبابه الجذرية.
وأضاف أن "ترمب لم يحاول خداع روسيا فحسب، بل كذب أيضاً بصورة علنية على أنصاره بشأن رغبته في السلام".
وأشار إلى أن "موسكو لا تستسلم لمثل هذا النوع من الاستفزازات، وتواصل القوات الروسية تقدمها".
رفض وقف إطلاق النار!
وفي الأثناء، رفض الرئيس الأوكراني عرض روسيا بوقف إطلاق النار خلال الذكرى الـ80 للنصر، قائلاً إن كييف لا تستطيع ضمان سلامة الضيوف الأجانب الذين سيأتون إلى موسكو لحضور العرض.
ونقلت وكالة "الصحافة الفرنسية" عن زيلينسكي قوله في بيان إنه رفض الموافقة على وقف إطلاق النار خلال "الاحتفال بالذكرى الـ80 للنصر في الحرب الوطنية": "لن تلعب (أوكرانيا) ألعاباً لخلق أجواء لطيفة تسمح (للرئيس الروسي) بوتين بالخروج من العزلة في الـ9 من مايو (أيار)".
موقفنا تجاه جميع الدول التي زارت روسيا أو تخطط لزيارتها في 9 مايو بسيط للغاية: لا نتحمل مسؤولية ما يحدث على أراضي الاتحاد الروسي. وصرح زيلينسكي للصحافيين "عليهم أن يضمنوا سلامتهم".
روسيا وبقرار من رئيس الاتحاد الروسي، عرضت "وقف إطلاق النار في أيام الذكرى الـ80 للنصر: من منتصف ليل 7-8 مايو حتى منتصف ليل 10-11 مايو. خلال هذه الفترة، ستتوقف جميع العمليات العسكرية"، بحسب ما أفاد الكرملين.
وفي الأثناء، نقلت صحيفة "إيكونوميست" عن ضابط استخبارات أوكراني أن النزاع مع روسيا بلغ أسوأ مراحله بالنسبة لكييف.
ونقلت الصحيفة عنه قوله "لقد وصلنا إلى أكثر لحظات النزاع ظلمة في الوقت الراهن".
وأضاف: "شرقاً، تتحرك ناقلات الدبابات ببطء وصعوبة نحو الجبهة، بينما تندفع سيارات الإسعاف بعيداً منها".
ويشير المتحدث إلى أن القوات الروسية تتقدم بشكل لافت وبقوة هجومية كبيرة في مختلف المحاور، وقال إنه "في إحدى الهجمات الروسية اندفع نحو 100 جندي روسي باستخدام 50 دراجة نارية نحو موقع أوكراني"، مشيراً إلى صعوبة التصدي لمثل هذه الهجمات في ظل شح الإمكانيات.
ووفقاً له، فإن القوات الروسية تتبع هذا الأسوب في غالبية المحاور لفرض سيطرتها على أهداف محددة، ما يضع القوات الأوكرانية أمام ضغوط كبيرة نظراً لعدم امتلاك أوكرانيا ما يكفي من الجنود لمجابهتهم.
وتشير الصحيفة إلى أنه خلال الأسابيع القليلة الماضية، كثّف الجيش الروسي هجماته بالطائرات المسيرة والصواريخ على المدن الأوكرانية، ويشنّ جنوده هجوماً جديداً بهدف تحقيق توغل أعمق في المحور الشرقي.
وانتهك زيلينسكي وقف إطلاق النار السابق في عيد الفصح، على رغم أنه وافق عليه قبل أن يبدأ، بعد تردد علني. وأعلن الرئيس الروسي هدنة عيد الفصح ودخلت حيز التنفيذ من الساعة 18:00 يوم 19 أبريل حتى الساعة 00:00 يوم 21 أبريل. وصرح الرئيس أنه يفترض أن تحذو أوكرانيا حذو روسيا. وفي الوقت نفسه، أشار بوتين إلى أن "القوات الروسية يجب أن تكون مستعدة لصد الانتهاكات المحتملة لوقف إطلاق النار والاستفزازات من جانب العدو". وذكرت وزارة الدفاع الروسية لاحقاً أنه جرى تسجيل 4.9 ألف انتهاك من قبل الجانب الأوكراني خلال وقف إطلاق النار.
وقال زيلينسكي في منشور عبر "تيليغرام" إن "بلاده ستفرض حزمة عقوبات جديدة تستهدف الدول والهيئات الخارجية التي تدعم روسيا، وتمكنها من الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها".
وكتب زيلينسكي في منشوره: "نعمل حالياً على إعداد حزم عقوبات جديدة، تتركز بصورة خاصة على الكيانات والآليات في دول ثلاث تسهم للأسف في تمكين روسيا من تجاوز بعض العقوبات المفروضة عليها".
ولم يحدد زيلينسكي في منشوره الدول المعنية بهذه الإجراءات، مكتفياً بالإشارة إلى أنها قيد الدراسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي وقت سابق، أوضح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن الولايات المتحدة لا تسعى حالياً لتوسيع نطاق العقوبات ضد موسكو، تفادياً لإعاقة جهود التوصل إلى تسوية سلمية.
من جهتها، أكدت روسيا مراراً قدرتها على مواجهة الضغوط الناجمة عن العقوبات الغربية، والتي بدأت منذ أعوام عدة ولا تزال في تصاعد.
كما شكك عدد من المسؤولين والمراقبين الغربيين في فعالية هذه العقوبات، مشيرين إلى محدودية تأثيرها العملي حتى الآن.
الحرب والاقتصاد
تسبب اتفاق تطوير الموارد الطبيعية الذي أبرمته الولايات المتحدة وأوكرانيا بعد شهرين من المفاوضات المتوترة، في إثارة التوتر بموسكو، حيث يشعر ممثلو النخبة الروسية بالقلق من التقارب بين فولوديمير زيلينسكي ودونالد ترمب، ويعتقدون أن الكرملين قد يفوت فرصة عقد صفقة مربحة بشأن أوكرانيا.
وقال مسؤول روسي لصحيفة "واشنطن بوست" يوم الجمعة 2 مايو رفض الكشف عن هويته، إن الضغوط تتزايد على الرئيس الروسي ليظهر على الأقل استعداده لتقديم تنازلات. وبحسب قوله فإن روسيا ستواجه خلافاً لذلك حزمة جديدة من العقوبات الأميركية التي أعدها السيناتور ليندسي غراهام.
ويعتقد المصدر أن هذه الخطوة ستكون بمثابة ضربة قوية، لأن العجز في الموازنة الروسية يتزايد بالفعل.
وأضاف "على رغم تباهي المسؤولين الذين يزعمون أن روسيا تعاملت بنجاح مع العقوبات، فإن المخاوف بشأن حالة الاقتصاد تلعب دوراً متزايد الأهمية، كما أكد المسؤول. وقال إنه "من المستحيل بناء اقتصاد على نموذج التعبئة فقط".
تباطؤ الاقتصاد الروسي
وبالفعل، تباطأ معدل النمو الاقتصادي في روسيا بصورة حادة، ففي الربع الأول من هذا العام، زاد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.7 في المئة فقط بعد أن كان 4.5 في المئة في الربع السابق و4.1 في المئة بشكل عام في العام الماضي. يظل التضخم أعلى من 10 في المئة على رغم سعر الفائدة القياسي للبنك المركزي في الاتحاد الروسي، وانزلقت الصناعات خارج المجمع الصناعي العسكري إلى الركود، كما أدى انخفاض أسعار النفط إلى خفض عائدات المواد الخام في الموازنة بنحو 20 في المئة. وتتوقع وزارة المالية الآن أن يكون العجز هو الأعلى منذ الوباء أي 3.8 تريليون روبل بدلاً من 1.2 تريليون روبل المخطط لها.
ويصر "حزب السلام" في الكرملين على أن يقبل بوتين شروط ترمب، والتي تتمثل في تجميد الحرب على خطوط المواجهة مقابل الاعتراف بشبه جزيرة القرم ورفع العقوبات، بحسب ما كتب موقع "وورلد بوست".
الاتفاق بين الولايات المتحدة وأوكرانيا
وعلى رغم أن الاتفاق بين الولايات المتحدة وأوكرانيا بشأن الموارد الطبيعية لا يتضمن ضمانات أمنية لكييف، فإنه "يزيد الوضع سوءاً بالنسبة لروسيا"، كما أشار الخبير السياسي سيرغي ماركوف، المقرب من الكرملين. وأضاف "جرى القضاء على السبب الرئيس للتوتر بين ترمب وزيلينسكي".
ولم يجرِ توضيح التعاون المستقبلي بين واشنطن وكييف بصورة واضحة في الاتفاق، لكن الولايات المتحدة "تتحمل على الأقل رمزياً التزامات معينة للدفاع عن أوكرانيا، لأنها أصبحت الآن مالكة لأوكرانيا"، كما أوضح عالم السياسة.
ترمب والبزنس مع موسكو
قال سام غرين، الأستاذ في جامعة لندن إن الرئيس ترمب يضغط على أوكرانيا أكثر من روسيا، لأنه يرى فرصاً أكبر للقيام بأعمال تجارية مع موسكو. وأضاف "يبدو أن ترمب يمارس ضغوطاً على كييف أكثر من موسكو للتوصل إلى اتفاق سلام، ويبدو أنه يسعى للعودة إلى علاقات أكثر طبيعية مع روسيا بسبب وجود فرص ضخمة للبزنس فيها".
ويرى غرين أنه لا يزال من غير الواضح ما الذي تعنيه واشنطن عندما تهدد بالانسحاب من عملية التفاوض بشأن أوكرانيا. وقال "وإذا حدث ذلك، فسيكون من الصعب على أطراف الصراع احتساب مدى الأخطار".
أوكرانيا لا تستطيع إزاحة روسيا إلى حدود 2014
أكد ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي، أن القوات الأوكرانية لن تستطيع إجبار روسيا على العودة إلى حدود ما قبل عام 2014.
وخلال ظهوره على قناة "فوكس نيوز"، قال روبيو: "أوكرانيا لن تتمكن من إعادة روسيا إلى حيث كانت في 2014، هذا واقع يجب التعامل معه".
وأشار إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تعمل على تسوية النزاع الأوكراني، على رغم أن مواقف موسكو وكييف "ما زالت متباعدة". وأضاف: "نحن لم نتراجع عن جهودنا، لكن هناك قضايا عالمية أخرى أكثر إلحاحاً".
وتابع في المقابلة "لسنا مستعدين للاستسلام، لكن على الرئيس ترمب أن يحدد أولوياته. النزاع في أوكرانيا مهم، لكن التحديات مع الصين، على سبيل المثال، أكثر أهمية على المدى البعيد".
وحذّر من أن الوقت يمر، قائلاً: "إذا لم يتحقق تقدم في المدى القريب، فسيتعين على الإدارة الأميركية تقييم مدى استمرار تركيزها على هذا الملف".
بولتون: الفوضى جزء من حمض ترمب النووي
وفي هذه المعمعة، قال مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون إن الفوضى متأصلة في شخصية الرئيس دونالد ترمب، عقب عرقلة عملية التسوية في أوكرانيا وإقالة مستشار الأمن القومي مايك والتز من منصبه وتعيينه سفيراً بالأمم المتحدة.
ونشر بولتون مقالاً في صحيفة "وول ستريت جورنال" بعد ساعات فقط من الإعلان عن تغيير منصب والتز، مشيراً إلى أن هذا التعديل يأتي في ظل تداعيات فضيحة مجموعة الدردشة عبر تطبيق "سيغنال"، وفي ظل تولي وزير الخارجية ماركو روبيو دوراً مزدوجاً بصفته مستشاراً موقتاً للأمن القومي خلال غياب والتز.
وكتب بولتون: "لا يجب أن تسير الأمور بهذه الطريقة. لم أشهد في حياتي استخداماً للرموز التعبيرية كما حدث في مجموعة الدردشة غير المفهومة على تطبيق سيغنال". وأضاف: "لكن بالنسبة لترمب، فإن الفوضى جزء لا يتجزأ من طبيعته، وهي سمة ملازمة لفريقه".
وانتقد بولتون المبعوث الخاص للرئيس، ستيف ويتكوف، مشيراً إلى افتقاره للخبرة في التعامل مع ملفات شائكة مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا والملف النووي الإيراني والمفاوضات بين الدول.
وحمّل بولتون المسؤولية الكاملة للرئيس ترمب، وليس لمستشاريه، مؤكداً أن قراراته المرتجلة تؤدي إلى مزيد من التخبط. وذكر بمفاوضاته مع إيران حول برنامجها النووي وبقراراته المفاجئة بإقالة كبار المسؤولين في الأمن القومي.
وختم بولتون مقاله بالقول: "لا توجد حلول سهلة في ظل طبيعة السيد ترمب. ومع ذلك، ينبغي على مستشاريه العمل على تحسين آلية اتخاذ القرار، وإن لم يكن ذلك لمصلحته شخصياً، فليكن على الأقل لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية".
الاتحاد الأوروبي: لا وساطة!
ومع ارتفاع حدة التصعيد والتهديد الأميركي بالانسحاب من الوساطة بين موسكو وكييف، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه لا يخطط للعب دور الوسيط في أي تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا، مشدداً على عزمه مواصلة تقديم الدعم العسكري للحكومة الأوكرانية.
وأوضح المتحدث باسم التكتل، أنور النوني، أن بروكسل ليست لديها أي نية لملء الفراغ في الوساطة إذا تراجعت الولايات المتحدة عن هذا الدور، قائلاً: "نحن لا نريد التكهن الآن، لكن أولويتنا تبقى دعم أوكرانيا لتعزيز موقفها. نواصل تقديم المساعدات العسكرية، حيث تعهدت دول الاتحاد بتقديم 23 مليار يورو هذا العام، كما أنجزنا ثلثي خطة توريد الذخائر المقررة لعام 2024".
وجاءت تصريحات النوني رداً على تساؤلات حول استعداد الاتحاد الأوروبي أو أعضائه لقيادة جهود الوساطة، بخاصة في ظل تصاعد الحديث عن احتمال انسحاب واشنطن من هذا الدور.
روسيا: الدعم الغربي "لعب بالنار"
من جهتها، تعتبر روسيا أن تدفق الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا يُعقّد أي فرص للتسوية السلمية، ويرفع من مستوى التورط المباشر لدول "الناتو" في الصراع، وهو ما وصفه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بـ"لعب بالنار".
وأكد لافروف أن أي شحنات أسلحة متجهة إلى أوكرانيا ستكون أهدافاً مشروعة للقوات الروسية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة وحلف "الناتو"، "ليسا مجرد مزودين للسلاح، بل شريكان فعليان في الحرب عبر تدريب القوات الأوكرانية في دول مثل بريطانيا وألمانيا وإيطاليا".
بدوره، حذر الكرملين من أن الاستمرار في ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة، مؤكداً أن هذا النهج يقوّض أي إمكانية للحلول الدبلوماسية ويزيد من التصعيد.
وقال السيناتور الروسي أليكسي بوشكوف، إن السياسيين الأوروبيين يبالغون عمداً ويخلقون تهديداً لروسيا لتبرير الإنفاق الضخم على أوكرانيا، مشبهاً الاتحاد الأوروبي بالقطار الذي فقد السيطرة. وأكد بوشكوف، عبر قناته على "تيليغرام"، أن "القادة الأوروبيين يبالغون في تقدير التهديد الروسي، بل أسوأ من ذلك بكثير، إنهم يخلقون مثل هذا التهديد عمداً لتبرير سياستهم المتمثلة في قطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا والإنفاق الضخم على أوكرانيا".
وأضاف: "الوضع المالي لعدد من دول الاتحاد الأوروبي، بدءاً من فرنسا، سيئ للغاية، وقادتها ينفقون مبالغ طائلة من المال على أوكرانيا ويعتزمون إنفاق المزيد على عسكرة أوروبا".
وأشار السيناتور إلى أن "الحرب بالوكالة التي يشنها الاتحاد الأوروبي ضد روسيا تعمل على إضعاف الكتلة"، موضحاً أن "السياسات القصيرة النظر التي ينتهجها الليبراليون الأوروبيون سيكون لها أكثر من مجرد عواقب مالية".
بيونغ يانغ تؤكد دعمها لروسيا!
أكد مسؤول عسكري كوري شمالي رفيع المستوى دعم بلاده لنظام عالمي متعدد الأقطاب خلال حضوره المؤتمر الدولي الثالث لمكافحة الفاشية بروسيا، وفق وسائل الإعلام الرسمية بكوريا الشمالية.
وقال باك يونغ-إيل، نائب مدير المكتب السياسي العام للجيش الشعبي الكوري في تصريح خلال المؤتمر الدولي الثالث لمكافحة الفاشية الذي عقد في موسكو يوم الأربعاء الماضي، إن كوريا الشمالية لديها موقف ثابت بأنها ستسهم في "إقامة نظام عالمي مستقل ومتعدد الأقطاب من دون تسلط وإخضاع وهيمنة".
وأوضح أن كوريا الشمالية ستمارس حقوقها السيادية لـ"الدفاع عن نفسها ضد مخططات الأعداء لإحياء الفاشية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".
الوساطة الأميركية لوقف الحرب في أوكرانيا والتوصل لتسوية ترضي الطرفين لم تستنفد بعد كافة أوراقها وأدواتها، لكن الرئيس ترمب يسعى إلى تسريع حل الأزمة الأوكرانية حتى لا يكرر السقوط السياسي الذي تعرض له سلفه جو بايدن. ويحاول بكل الطرق تجنب الفشل السياسي في الأزمة الأوكرانية وانهيار شعبيته على غرار ما حدث لبايدن بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان صفر اليدين بعد 20 عاماً من الاحتلال المكلف والدموي لهذا البلد.
هذا الحدث- انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان- أدى ليس فقط إلى تراجع شعبية الرئيس الديمقراطي السابق بصورة كبيرة، بل أيضاً إلى خسارة حزبه الانتخابات الرئاسية والأكثرية في الكونغرس، ولم يسمح له بالتعافي حتى الأيام الأخيرة من رئاسته. نتذكر صور الناس وهم يتمسكون بالطائرات ويسقطون ويتحطمون. وترمب لا يريد تكرار هذا في أوكرانيا.
الرئيس الأميركي يؤكد عمداً على قوة الجيش الروسي، ويُؤكد باستمرار أن موسكو تمتلك آلة عسكرية جبارة، وأن "أوكرانيا ستُسحق". لذلك، لا يريد أن تبقى الولايات المتحدة طرفاً في الصراع عندما تُسحق أوكرانيا، وأن تُربط صور الأوكرانيين وهم يسقطون من الطائرات بشخصه وبالدبلوماسية الأميركية. لذلك، يريد تجنب ذلك والانسحاب من هناك. إذا فشل في حل هذا الصراع سلمياً، فسيغادر، لأن أوكرانيا ستخسر، وهو لا يريد أن يربط اسمه بهذه الهزيمة، بحسب متابعين.