ملخص
عدت الإدارة العليا لمعسكر زمزم موافقة قادة الجيش و"الدعم السريع" على دخول المساعدات الإنسانية إلى النازحين بشمال دارفور بادرة إيجابية تجاه تخفيف معاناة آلاف المدنيين المتضررين من النزاع الدائر.
بينما لم تنقطع المواجهات والمطاردات بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" على جبهات القتال في كل من العاصمة الخرطوم وكردفان، لا تزال مظاهر التوتر العسكري والقصف المدفعي العشوائي وتنامي أعداد ضحايا الموت والجوع تهيمن على محور دارفور، وبخاصة مدينة الفاشر حاضرة شمال دارفور وعاصمة الإقليم، التي أنهكها طول الحصار.
وبحسب الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني في الفاشر، أسفر القصف المدفعي العشوائي الذي شنته قوات "الدعم السريع" على أحياء سكنية داخل المدينة ومعسكري أبوشوك ونيفاشا للنازحين خلال أمس الثلاثاء واليوم الأربعاء عن سقوط 31 قتيلاً من المدنيين، وجرح أكثر من 30 آخرين بينهم نساء وأطفال، منهم ثمانية قتلوا أمس بينما سقط 23 في تجدد للقصف صباح اليوم.
وقالت الفرقة في بيان لها اليوم إن قواتها سيطرت على مواقع جديدة داخل مدينة الفاشر كانت تستخدمها "الميليشيات" منصات لإطلاق المدفعية، وقُتل العشرات من عناصرها الفارين خلال اشتباكات.
وفي وقت أثارت فيه معاودة الطائرات المسيرة (الاستراتيجية) التابعة لـ"الدعم السريع" التحليق في أجواء المدينة رعب ومخاوف السكان، نبهت لجان مقاومة الفاشر المواطنين بضرورة توخي الحيطة والحذر.
وقالت اللجان في بيان صحافي، إن القصف المدفعي المتعمد استهدف، أمس الثلاثاء، مناطق مكتظة بالسكان وأسفر عن ثمانية ضحايا، وهناك عدد من المصابين في حال حرجة في ظل صعوبة عمليات الإسعاف.
أشبه بالجحيم
وفي بيان جديد للمنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين بدارفور، أمس، وصفت الوضع الإنساني المتردي في معسكري النازحين (زمزم وأبوشوك) ومدينة الفاشر بأنه بات أشبه بالجحيم، حيث يحاصر القصف المدفعي والجوع والعطش والمرض والصدمات النفسية المدنيين، الذين هم على شفا الموت.
تتابع المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين بقلق بالغ استمرار قصف قوات "الدعم السريع" لمخيم أبوشوك للنازحين، والذي أودى بأبرياء وأسفر عن مئات القتلى والجرحى وتدمير البنية التحتية.
واتهمت المنسقية، كلاً من الجيش والقوات المشتركة بملاحقة واعتقال قادة النازحين الذين استخدمتهم دروعاً بشرية ولأغراض حربية، وجدد البيان، الدعوة إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار لأغراض إنسانية وأخلاقية، مطالبة كل أطراف النزاع الالتزام بقواعد القانون الإنساني الدولي والامتناع عن استهداف المناطق المأهولة بالسكان، مناشدة مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الإنسانية الإقليمية والدولية القيام بواجبها الإنساني والأخلاقي.
عمق الفاشر
وقالت قوات "الدعم السريع" على منصاتها بموقع التواصل الاجتماعي إن قواتها باتت تحكم الطوق وتتقدم صوب الفرقة السادسة مشاة للجيش بعدما وصلت طلائع قواتها إلى منطقة عمق المدينة في أطراف سوق الفاشر.
وبثت مقاطع فيديو تؤكد فيها حشد قوة كبيرة من العربات القتالية تحت مسمى "متحرك الطوفان الغربي" يصل داخل مدينة الفاشر ويسيطر على أحياء الذيادية والنصر والسوق الكبير (حجر قدو) ويتقدم باتجاه الفرقة السادسة بثبات.
أعلنت عن بسط سيطرتها على منطقة الحقينة النفطية بولاية شمال كردفان، وتقدمها الميداني المتسارع باقترابها من مدينة النهود بعد سيطرتها السابقة على مدينة أم كدادة.
تحت السيطرة
في المقابل كشفت مصادر ميدانية، عن بدء تراجع عناصر الميليشيات من معسكر زمزم وسحب عدد من ارتكازاتها حول الفاشر نتيجة القصف المدفعي من الجيش عليها، مشيرة إلى مقتل 20 من عناصرها وإصابة 14 آخرين خلال مهاجمة تحصيناتهم بمحيط المدينة.
وأكد المتحدث باسم القوات المشتركة أحمد حسين، أن جميع القوات في الميدان متماسكة ومستمرة في معركتها من أجل تحقيق النصر، ونفى إحراز "الدعم السريع" أي تقدم داخل مدينة الفاشر، بل على العكس من ذلك هناك حالات هرب كبيرة تشهدها عناصر الميليشيات من تخوم المدينة.
أوضح المتحدث أن تكثيف الميليشيات قصفها المدفعي الممنهج على الأحياء السكنية ومعسكري أبوشوك ونيفاشا للنازحين بزعم أنها تمثل قواعد عسكرية، يؤكد فشلها العسكري والسياسي والاجتماعي وسيكرر ذات مأساة معسكر زمزم.
قلق وغموض
في السياق أوضح المحلل الأمني والعسكري عزالدين عبدالمجيد، أن التصعيد العسكري المتزايد والصراع المحتدم على مدينة الفاشر بين الجيش وقوات "الدعم السريع" جعل مصير المدينة بوصفها آخر المعاقل المهمة للجيش في دارفور، محاطاً بكثير من القلق والغموض، بحيث لا يمكن التنبؤ بمآلات الوضع خلال الأسابيع القليلة القادمة.
يرى عبدالمجيد، أن عقدة الحرب باتت الآن في الفاشر التي تمثل هدفاً استراتيجياً لكلا الطرفين، وأصبحت مفتوحة على كل السيناريوهات، مضيفاً "في حال خسر الجيش المدينة كآخر معقل له في دارفور فهو بذلك سيخسر معها كل الإقليم، وسيضع الواقع الجديد للبلاد أمام حرب طويلة قد تمتد لأعوام مقبلة، أما إذا خسرت ’الدعم السريع‘ الفاشر فسيخسر معها الحرب كلها، وربما يمثل ذلك نهاية مبكرة للحرب التي بدأت في الخرطوم لتوضع أولى خطوات نهايتها في دارفور".
موت ودمار
أشار المحلل الأمني، إلى أن استمرار المواجهات والمعارك العنيفة، قد يجر المدينة لاحقاً إلى مرحلة حرب المدن وقتال شوارع، مما يهدد بتدمير ما تبقى من مرافق خدمية بالمدينة، ويضاعف خطر فقدان مزيد من أرواح المدنيين.
لم يستبعد عبدالمجيد، احتمالات التدخل الدولي بتصعيد الضغوط المباشرة على طرفي القتال لوقف إطلاق النار، في ظل الكارثة الإنسانية الماثلة والوضع المأسوي الذي يواجهه المدنيون مع تفاقم النزوح ونقص الغذاء والدواء، وانهيار الخدمات.
ولفت عبدالمجيد، إلى أن فشل قوات "الدعم السريع" في اقتحام المدينة لما يقارب أكثر من عام من الهجمات المستمرة، تسبب في إحباط كبير لقوات "الدعم السريع"، ويؤكد صلابة دفاعات الجيش والقوات المشتركة، مرجحاً أن يمثل وصول تعزيزات جديدة من الجيش إلى الفاشر ذروة الصدام الكبير المتوقع بين الطرفين في معركة حاسمة تحدد مصير المدينة.
قصف ومحاصرة
في محور كردفان قصفت مسيرة تابعة لقوات "الدعم السريع" محطة الضخ رقم "3" في منطقة الحقينة الجلابة، قرب أم سيالة ولاية شمال كردفان.
ونعى وزير الطاقة والنفط محيي الدين نعيم، أمس، مقتل اثنين من موظفي شركة "بترولاينز لخام النفط" (بتكو) اللذين سقطا في عملية قصف المحطة أثناء العمليات الفنية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعد المحطة "3" محطة حيوية في نقل خام النفط القادم من جنوب السودان إلى موانئ التصدير في ميناء بشائر بالبحر الأحمر شرق البلاد، وسبق أن تعرضت هذه المحطة إلى الضرر في مارس (آذار) 2024 تسببت في توقف خام نفط جنوب السودان عبر الأراضي السودانية منذ ذلك الوقت.
وكشفت مصادر عسكرية، عن تنفيذ طيران الجيش لعملية إسقاط جوي ناجحة للفرقة 22 مشاة التابعة للجيش في مدينة بابنوسة بغرب كردفان التي تحاصرها قوات "الدعم السريع" منذ أواخر يناير (تشرين الثاني) العام الماضي.
اعتداءات ومداهمات
وفي محور العاصمة الخرطوم قالت مصادر ميدانية، إن مواجهات عنيفة وقعت بين الجانبين في منطقة الصالحة جنوب غربي أم درمان آخر معاقل التمرد بالمدنية، بينما تتواصل عمليات النزوح الجماعي وإجلاء سكان مناطق الجموعية جنوب أم درمان بسبب هجمات الميليشيات عليهم.
وشكت لجان مقاومة منطقة الصالحة غرب المدينة، من عمليات قتل واختطاف ونهب تمارسها الميليشيات في حق المواطنين في المنطقة، مشيرة إلى أنها منعت المدنيين من الذهاب إلى الأسواق والمحال التجارية لشراء الحاجات الأساسية.
وأوضحت في بيان لها، أمس، أن قوات الميليشيات تفرض حصاراً محكماً على المنطقة وتمنع خروج المدنيين من المنازل والذهاب إلى السوق والمحال التجارية، مشيرة إلى أن الميليشيات منذ هزائمها في شرق النيل والخرطوم، حولت منطقة الصالحة إلى ثكنات عسكرية بقيادة مرتزقة من دولة مجاورة، ويطلقون الرصاص على المدنيين لأقل الأسباب.
وفي محلية أم بدة غرب أم درمان داهمت قوة خاصة من استخبارات القطاع الأول بالاحتياط المركزي بأم درمان أحد المنازل بالحارة "16" كانت تستخدمه الميليشيات المتمردة مخزناً للعتاد العسكري.
وضبطت القوة بحسب المكتب الصحافي للشرطة، عدداً كبيراً من مقذوفات المدفعية الثقيلة وملحقاتها وقاذفات (آر بي جي) الصاروخية وكميات من المناظير بعيدة المدى والذخيرة.
انفراجه منتظرة
وفيما يبدو مثل بصيص أمل بحدوث انفراجه منتظرة في توصيل المساعدات الإنسانية لمدينة الفاشر، أكد مساعد الأمين العام للأمم المتحد توم فليتشر في منشور على حسابه بمنصة "إكس"، أنه تحدث إلى كل من قائدي الجيش و"الدعم السريع" والتزم كلاهما بمنح الأمم المتحدة إمكانية الوصول الكامل لإيصال المساعدات الإنسانية، مضيفاً "نحن في حال تعبئة وجاهزون للوصول إلى المدنيين وتقديم الدعم العاجل لهم خاصة في مدينة الفاشر"، مشيراً إلى تقارير مروعة من الفاشر وزمزم في السودان تتضمن عمليات قتل وعنف جنسي ونزوح هائل وحاجات مهولة.
وكانت الحكومة السودانية وافقت على طلب الأمم المتحدة بإقامة قواعد لوجيستية للإمداد الإنساني في مناطق مليط وطويلة المجاورة، على خلفية المحادثة الهاتفية بين عبدالفتاح البرهان وفليتشر.
وقال إعلام مجلس السيادة الانتقالي، إن البرهان وفليتشر بحثا إمكانية إيصال المساعدات إلى الفاشر شمال دارفور المحاصرة بواسطة قوات "الدعم السريع" منذ قرابة العام، مع تجنب العوائق التي تعترض سير القوافل الإنسانية من "الدعم السريع" أو الجماعات الأخرى، كما تم تأكيد سرعة إيصال المساعدات عبر الطرق التي يسهل عبرها مرور القوافل الإنسانية إلى الفاشر.
بادرة إيجابية
بدورها عدت الإدارة العليا لمعسكر زمزم موافقة قادة الجيش و"الدعم السريع" على دخول المساعدات الإنسانية إلى النازحين بشمال دارفور، بادرة إيجابية تجاه تخفيف معاناة آلاف المدنيين المتضررين من النزاع الدائر.
تحفظت إدارة المعسكر، على المناطق المقترحة كنقاط انطلاق لتوزيع المساعدات، خصوصاً تلك الواقعة تحت سيطرة أحد أطراف النزاع، مطالبة باعتماد معسكر زمزم مركزاً إنسانياً محايداً ومنزوع السلاح وتشكيل لجنة محايدة تضم ممثلين للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية تتولى مهمة الإشراف على توزيع المساعدات والتأكد من وصولها إلى المحتاجين من دون تمييز أو تدخل سياسي أو عسكري.
ومنذ أشهر تشهد مدينة الفاشر تصعيداً عسكرياً متواصلاً وهجمات لا تهدأ من جانب قوات "الدعم السريع" ضمن محاولاتها المستميتة لبسط سيطرتها على آخر عاصمة ولائية لا تزال تحت نفوذ الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه في إقليم دارفور.
وفي الـ13 من أبريل (نيسان) الجاري، اجتاحت قوات "الدعم السريع" مخيم زمزم للنازحين (15 كيلومتراً جنوب مدينة الفاشر) مما تسبب في واحدة من أكبر موجات التهجير القسري والنزوح التي لا تزال متواصلة إلى داخل مدينة الفاشر ومناطق طويلة وجبل مرة في ظروف إنسانية شديدة التدهور.
وقدرت الأمم المتحدة أعداد النازحين من معسكري زمزم وأبوشوك ومخيمات أخرى بنحو 400 إلى 450 ألف شخص، محذرة من تفاقم مخيف للأوضاع الإنسانية في شمال دارفور.