Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المواجهة مع الدولة: "حزب الله" هل يكرر سيناريو ما بعد حرب 2006؟

مخاوف من محاولة تكرار سيناريو احتلال بيروت عام 2008 ومراقبون: المعادلات تغيرت

تصريحات قادة الحزب حملت تهديداً واضحاً لأية جهة تطالبه بتسليم السلاح (أ ف ب)

ملخص

يواجه لبنان أخطر اختبار سيادي منذ أعوام، مع تصعيد من "حزب الله" الذي انتقل من الدفاع إلى الهجوم، رافضاً تسليم سلاحه. فبتصريحات قادته، من محمود قماطي إلى وفيق صفا ونعيم قاسم، رفع سقف المواجهة مع الدولة، مكرراً سيناريو ما بعد حرب 2006، حين التوى على القرار 1701. اليوم، وسط تغير في المعادلات الإقليمية، يحاول الحزب فرض شروطه مجدداً، في ظل مخاوف من انقلاب ناعم أو تصعيد أمني.

يبدو أن "حزب الله" بدأ يتحرك من موقع الدفاع إلى اعتماد استراتيجية الهجوم، ورفع سقف التحدي بمواجهة القرار الرسمي اللبناني بنزع سلاح الميليشيات، ففي ساعات معدودة، أطلق "صلية" من مواقف التحدي ورفض تسليم السلاح، بدأت عبر حملة إعلامية منظمة، واستكملت بتصاريح مرتفعة السقف للقيادي في الحزب محمود قماطي الذي قال إن "اليد التي تمتد على السلاح ستقطع"، وبعده مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا الذي عد أنه "لا توجد قوة تستطيع نزع السلاح"، قبل أن يتوجه الأمين العام للحزب نعيم قاسم بتأكيد رفضت أي تسليم للسلاح، قائلاً "شيلوها من قاموسكن، لن نسمح لأحد أن ينزع سلاحنا".

تلك التصريحات إذا ما جمعت مع بعضها بعضاً، تعني أن الحزب اتخذ قراراً بالمواجهة الإعلامية والسياسية في الأقل، وقد تتوسع المواجهة إلى أبعد ما هو إعلامي وسياسي، كما تعكس أيضاً تحرك "حزب الله" لإعادة ترميم وتعزيز سلطته العسكرية، مما تعده بعض الأوساط السياسية وكأنه يفرض على الدولة مساراً انتحارياً يتجاوز التوازنات الداخلية لمصلحة أجندة إقليمية، إذ يتضح أن الحزب لا يعترف باستراتيجية دفاعية تحترم سيادة الدولة.

تكرار الانقلاب

في هذا السياق ترى أوساط سياسية رسمية، أن هذا التحول ليس تفصيلاً عابراً، بل يحمل في طياته إشارات إلى محاولة الحزب إعادة استنساخ تجربة ما بعد حرب يوليو (تموز) 2006، حين انقلب على قرار مجلس الأمن 1701 الذي شكل إطاراً لوقف الحرب حينها، وكان يفترض أن يستتبع بتطبيق قرارات دولية سابقة أبرزها 1559 و1680، الداعية إلى حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وإنهاء ظاهرة الميليشيات، إضافة إلى احترام سيادة الدولة على كامل أراضيها.

لكن "حزب الله" لجأ حينها إلى استراتيجيتين: الأولى، الالتفاف على القرار من خلال تفسيرات ملتوية لماهية "السلاح الدفاعي"، وربط شرعية سلاحه ببعض الملفات المعلقة كقضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. والثانية، خلق فوضى سياسية داخلية أعاقت الدولة عن تنفيذ التزاماتها، فشهدت البلاد حينها الاعتصام الشهير في وسط بيروت، وتحول الخلاف السياسي إلى وسيلة ابتزاز بوجه حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، بدعم من رئيس الجمهورية حينها إميل لحود.

 

أفضى هذا المسار إلى تحويل القرار 1701 إلى مجرد حبر على ورق، فيما استكمل الحزب مشاريعه العسكرية في الجنوب، وتمدد تدريجاً في مؤسسات الدولة، حتى أمسك بمفاصل القرار اللبناني بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

لكن اليوم، وبعد نحو عقدين على تلك المرحلة، يجد "حزب الله" نفسه أمام مشهد مختلف تماماً. فهزيمته الرمزية في حرب 2023-2024 مع إسرائيل، وتداعيات خسارة الحليف السوري في مرحلة ما بعد الأسد، والانكشاف الإقليمي والدولي لسلوكه، كلها عوامل دفعته إلى إعادة التموضع، لكن عبر الأسلوب نفسه، التهديد والتلويح بالحرب الأهلية وتخوين الداخل.

فإطلاق تصريحات هجومية على لسان قيادات الصف الأول، ورفع منسوب التحدي في وجه الدولة، والتلويح باندلاع حرب أهلية جديدة، كلها مؤشرات إلى أن الحزب يعيد استخدام "عدة الشغل" ذاتها التي استخدمها عام 2006، والتي بلغت ذروتها في احتلاله بيروت عام 2008.

الظروف تغيرت

ويجمع عدد كبير من المحللين والمراقبين، على أن الحزب لا يستطيع تكرار تجربة عام 2006، إذ الاختلاف الجوهري هذه المرة والظروف لم تعد لمصلحته، فالإدارة الأميركية باتت أكثر تشدداً بمواجهة أذرع إيران في المنطقة، ولم تعد تساوم على حدود نفوذ "محور المقاومة" كما كانت تفعل سابقاً. بل على العكس، أصبحت تنظر إلى "حزب الله" بوصفه عنصر اختلال رئيساً في معادلة الشرق الأوسط، تسعى إلى تحجيمه وإقصائه عن المشهد السياسي الإقليمي الجديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والأهم، أنه في لبنان نفسه بدأت ترتسم ملامح دولة جديدة منذ مطلع 2025، مع انتخاب الرئيس جوزاف عون وتشكيل حكومة إصلاحية برئاسة نواف سلام. هذه الدولة الناشئة تجد نفسها اليوم أمام اختبار سيادي حقيقي، هل تملك القدرة على مواجهة ارتدادات الحزب أم إن لبنان سيسقط مجدداً في فخ الازدواجية و"الدويلة" التي تنمو داخل الدولة؟

هنا تطرح مخاوف فشل الدولة بردع "حزب الله" وإرغامه على الخضوع لمعادلة البيان الوزاري الذي نال ثقة المجلس النيابي ومن ضمنهم للمفارقة نواب الثنائي الشيعي، إذ في حال فشلت الدولة في احتواء التصعيد الذي يحضر له الحزب، فلبنان سيكون أمام احتمالين خطرين:

1. عودة النفوذ الإيراني من البوابة اللبنانية: أي أن يعيد "حزب الله" فرض سيطرته على السلطة، بما يشبه انقلاباً ناعماً أو تدريجاً، يمنع تحقيق أي إصلاح أو سيادة حقيقية.

2. رد فعل إسرائيلي مباشر: وهنا الخطر الأكبر. فقد باتت إسرائيل، بعد توسعها في جنوب سوريا وتقدمها باتجاه القنيطرة، على بعد نحو 20 كيلومتراً فقط من معبر المصنع الحدودي. وفي حال استمر التهديد القادم من الداخل اللبناني، فإن الاجتياح البري من جهة جبل الشيخ نحو البقاع لم يعد مستبعداً، خصوصاً مع ما يتردد في الأوساط الدبلوماسية الغربية عن نيات إسرائيلية للقيام بعمليات داخل العمق اللبناني.

تراجع عن التفاهمات

في السياق رأى الكاتب الصحافي جورج عاقوري، أن كلام قاسم الأخير "يعكس بوضوح حجم التخبط داخل الحزب"، مؤكداً أن "الخطاب لا ينفصل عن السياق الإقليمي والدولي، لا سيما المفاوضات الإيرانية – الأميركية، حيث يبقى سلاح الحزب ورقة ضغط في يد طهران"، وقال "نعيم قاسم نفسه كان قد أقر سابقاً، في أحد مجالس التشييع، أن الحرب بلا أفق سياسي أو عسكري، وأن الحزب ارتضى بوقف إطلاق النار. لكنه اليوم يحاول أن يعيد صياغة المشهد ليظهر وكأن إسرائيل هي من رضخت، وهذه رواية لا تصمد أمام الوقائع".

 

وأضاف أن "الأخطر من ذلك هو حديث الحزب عن أن اتفاق وقف إطلاق النار لا يشمل سوى جنوب الليطاني، مما يعني عملياً تبرير الضربات الإسرائيلية في باقي المناطق، وهو تراجع ضمني عن التفاهمات المعلنة وتفخيخ للسيادة اللبنانية"، مشيراً إلى أن الحزب يعيش "حال إنكار مزدوجة داخلياً وخارجياً"، موضحاً أنه "يعلم تماماً أن الواقع اللبناني لم يعد يحتمل وجود سلاح خارج إطار الدولة، وأن القوى السياسية بمعظمها، باستثناء حركة أمل، لم تعد تقبل باستمرار المعادلة الحالية".

وفي ما يخص البعد الاقتصادي، شدد عاقوري على أن إعادة الإعمار لا يمكن أن تنطلق ما دام سلاح "حزب الله" يستخدم ذريعة لتعطيل المساعدات وعرقلة مشاريع النهوض، مضيفاً "من يتحدث عن هيمنة أميركية هو نفسه من قبل بلجنة مراقبة وقف إطلاق النار برئاسة جنرال أميركي، وكان وزراؤه في الحكومة، ورئيس مجلس النواب نبيه بري هو من فاوض، فماذا تبقى من رواية الشيطان الأكبر؟".

تحذير من أوهام

من جانبه يرى المحلل السياسي علي السبيتي، أن خطاب نعيم قاسم يشكل "جرعة صراحة غير مسبوقة" تكشف خطوط التماس الفعلية بين مشروع "المقاومة" ودولة ما بعد العهد، معتبراً أن "حزب الله" نجح في وضع الكرة في ملعب الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام معاً، إذ سأل بصريح العبارة "إذا انسحبت إسرائيل اليوم، فمن يضمن ألا تعود الحرب غداً؟".

وعد أن هذه المقاربة بوصفها تحذيراً من "أوهام" نزع السلاح قبل توفير ضمانات حقيقية لأمن الجنوب، لا سيما أن الحزب يعد سلاحه "دليل انتصار وورقة شروط" انتزعها في مفاوضات وقف إطلاق النار. وإذ يقر بأن مطلب تسليم السلاح "أمنية محبذة لدى خصوم الحزب"، فإنه يحذر في المقابل من أن فتح هذا الملف بلا شبكة أمان سيعيد لبنان إلى دوامة القصف والاشتباك المتجدد.

في المقابل، يعد الكاتب السياسي ميشال شماعي، أن خطاب نعيم قاسم "يشكل طعنة في ظهر العهد الجديد بكل ما للكلمة من معنى"، ويرى في العبارات التصعيدية رسالة إيرانية مباشرة إلى الرئيس جوزاف عون "امض بشروطنا أو استعد لمواجهة شبيهة بمواجهتنا مع إسرائيل". ويذهب أبعد، إذ يعد أن الحزب أعلن عملياً أنه سيواجه الدولة إذا مضت في خطة حصر السلاح بالمؤسسات الشرعية.

شماعي يذّكر بأن السلاح استخدم في المحطات المفصلية ضد الداخل اللبناني أكثر من الحدود، وأن "ذرائع" مزارع شبعا وتلال كفرشوبا "سقطت شعبياً" مع تغير المزاج الوطني الداعي إلى قيام دولة سيدة لا دويلة مسلحة. ويحض العهد على المضي في خريطة الطريق الرئاسية: تطبيق قرارات مجلس الأمن، واستكمال قدرات الجيش، واستثمار الزخم الدولي لإقفال ملف السلاح غير الشرعي، محذراً من أن التصعيد الراهن قد يفتح الباب أمام جولة عنف "لن ترحم أحداً".

المزيد من تقارير