Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 "القائد زهرة" أول رواية عربية تطأ أرض أفغانستان

القمع الذي عانته النساء الأفغانيات مع حركة المقاتلين الإسلاميين يؤدي إلى خطف طائرة

نساء أفغانيات تحت إمرة طالبان (أ ب)

ملخص

تدخل رواية "القائد زهرة " للكاتب المصري خالد منصور عوالم أفغانستان خلال مواجهة الغزو السوفياتي، وهي القضية التي لم تتطرق إليها الرواية العربية على امتداد تاريخها

تبرز الرواية الصادرة عن دار الشروق في مصر (254 صفحة) القمع الذي عانته النساء الأفغانيات في نصف القرن الأخير، منذ انطلقت حركة "الجهاد" ضد الغزو السوفياتي لأفغانستان في عام 1979، وتكشف شبكة من التحالفات تجمع بين عناصر محلية فاسدة تعمل في تجارة المخدرات والسلاح، وأجهزة الأمن والاستخبارات التي تدار لمصلحة مجموعة من الدول الغربية.

الرواية هي الثانية لكاتبها القادم إلى التخييل الأدبي من خبرة طويلة في عالم الصحافة وإدارة مؤسسات الإغاثة الدولية، فقد عمل مراسلاً صحافياً في جنوب أفريقيا والولايات المتحدة، ثم متحدثاً إعلامياً باسم منظمة الأمم المتحدة في مناطق صراعات عدة منها أفغانستان والسودان. أصدر خالد منصور رواية أولى بعنوان "حقل ألغام" وألَّف ثمانية كتب تعكس خبراته في العمل الأممي منها "من طالبان إلى طالبان" عام 2022، وسيرة المحللة النفسية عفاف محفوظ التي صدرت بعنوان "من الخوف إلى الحرية" 2023 وهو محرر كتاب "ذاكرة أكتوبر: تجليات الحرب في الثقافة المصرية" (2024).

تجربة اختطاف 

تدور أحداث الرواية حول قيام مجموعة من السيدات الأفغانيات باختطاف طائرة من طراز بوينغ 727 للهرب من البلاد بعدما واجهتهن مصاعب عدة، وعيشهن حياة قاسية في البلاد التي تعاني حرباً أهلية مستمرة منذ عقود، وموجات متتالية من الإرهاب والفظائع التي ارتكبتها ميليشيات المجاهدين و"طالبان" بدعم من القوات الأجنبية هناك.

كتب منصور روايته معتمداً تقنية الراوي العليم ومستنداً إلى معرفة عميقة بالشأن الأفغاني، انعكست في قدرته على تتبع نماذج بشرية متنوعة، بطريقة تسمح للقارئ بإدراك المتغيرات التي أدت إلى إنهاك البلاد تحت وطأة الاحتلال والفساد.  سعت الرواية المكتوبة بنفس تشويقي لافت إلى كسر الصور النمطية عن المجتمع الأفغاني، وأبرزت مناطق مضيئة في تاريخه، جرى استبعادها، على رغم أنها اتسمت بفضاء تعددي وليبرالي، شكل نخبة وطنية أدت دوراً في تحديث البلاد خلال العهد الملكي.

تستعرض الرواية معاناة بطلتها زهرة مع زوجها بشير الذي تحول من زعيم ديني إلى تاجر للسلاح والمخدرات. وتبدأ الأحداث عندما يقرر الزوج السفر مع سيدات العائلة من مدينة كابول إلى مدينة هيرات، لحضور عرس ابن صديقه فريد خان، أحد أبرز حلفائه، لكن الزوجة تقنعه باصطحاب ابنتها الكبرى وهي من زوجها الأول ومعها أمها آسيا لحضور العرس، وأقنعته بأن تصطحب في رحلتها سهيلة التي يسميها المرأة المسترجلة لتزيين النساء. يوافق مشترطاً أن تأتي معها ماريا زوجة حليفه نعمة الله التي يصفها بالبلهاء، وقبل السفر بثلاثة أشهر تدرب زهرة صديقاتها على تنفيذ خطة الاختطاف.

بعد دقائق من إقلاع الطائرة تختطفها بعد ضرب الزوج على رأسه، ثم تطالب قائد الطائرة بتغيير مسار الرحلة كي تصل بالركاب إلى أوروبا بغية طلب اللجوء. تكشف الرواية معاناة الركاب وصور تفاعلهم مع تجربة الاختطاف، إضافة إلى استعراض خلفياتهم الاجتماعية والثقافية، وتنوع جنسياتهم واختلاف المهن.

 يرسم الروائي صورة مغايرة للبطلة زهرة لتبرير دوافعها في قرار الاختطاف، فقد تربت تربية ليبرالية بفضل والدها الطبيب المستنير الذي ساند رغبتها في تعلم الطيران في الاتحاد السوفياتي، مؤمناً بأنها تنتمي إلى صنف من النساء العظيمات اللاتي تقدمن الصفوف ومعه الأم آسيا، الأستاذة الجامعية التي ارتاحت لقرار ابنتها بالزواج من زميلها زرياب، مهندس الكمبيوتر الذي أنجبت منه ابنتها ياسمين وابنها كريم.

قمع وحجب

عقب وفاته تضطر زهرة إلى الزواج من بشير الذي يظهر في حياة العائلة، كزعيم جهادي سرعان ما حول البيت عقب الزواج إلى "سجن ابتلع في داخله الجميع"، وأجبر الزوجة على ارتداء البوركا، وتغطية وجهها وشعرها تماماً ليحجبها عن الفضاء العام. في مرحلة تالية سعى إلى ضم ابنها إلى ميليشيات تعمل مع حليف له، لكن الأم تنجح في تهريبه إلى أوروبا ضمن فلول الهجرة غير الشرعية. في المقابل يعمل بشير على تزويج ابنتها ياسمين من نعمة الله قائد الميليشيات الذي اغتصب صديقتها ماريا في السابق قبل أن يتزوجها ويهملها بزعم أنها بلهاء.

من بين ركاب الطائرة يركز الراوي على الدور الذي يؤديه صحافي أميركي صودف وجوده على متن الطائرة، لكنه يفكر في استغلال الواقعة لتحقيق سبق صحافي يحسن وضعه في المؤسسة التي يعمل معها، ويضمن له مجداً مالياً قبل أن يصل إلى سن التقاعد. يقنع القائد زهرة ببث تقارير صحافية تحت إشرافها عبر القمر الاصطناعي تعلن فيه عن عملية الاختطاف وأهدافها لتحسين شروط التفاوض مع أجهزة الأمن والاستخبارات، الصحافي يريد الشهرة والمال وهي تدرك أن وجوده معها هو وثيقة تأمين على حياة الجميع.  

توافق زهرة على الصفقة، وخلال الرحلة تجري محاولة لإفساد مخطط الاختطاف، فتحاول راكبة الاشتباك مع ماريا، ثم إطلاق النار عليها، لكن تدخل سهيلة يحبط المحاولة، ثم نكتشف أن المرأة التي اشتبكت مع ماريا لم تكن إلا رجلاً صعد إلى الطائرة وهو يرتدي البوركا الذي يطمس الهويات، ومع ظهور طبيب بين الركاب يتعزز أمل زهرة في إنقاذ صديقتها، لا سيما بعدما تعاون معها قائد الطائرة جيلاني، الذي فقد ابنه هو الآخر، وأحبطته شعارات من يدعون أنهم يقاتلون من أجل أفغانستان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 تدرك زهرة ورطتها وهي تقود الطائرة من قمرة القيادة، فقد كانت تعتقد أن أكبر تحدياتها تهريب الأسلحة إلى الطائرة، ونجحت في ذلك بفضل الرشوة، لكنها أدركت أن الخطر يأتي من السماء في شكل طائرة، أو من الأرض في صورة صاروخ ينهي تجربة الاختطاف.

صفقة مريحة

 أمام خطر نفاد الوقود والطعام، تطلب زهرة من الطيار تغيير مسار الرحلة إلى عشق آباد، وهناك تتمكن من إدارة صفقة مع دستم، قائد إحدى وحدات الأمن، لتأمين الوقود والطعام مقابل الإفراج عن عدد من الرهائن الأجانب، والحصول على حقيبة مليئة بالذهب هربها مانتو، الذي كان في مهمة تسليم كميات منها إلى فريد خان الداعي إلى العرس، حاول تهديدها لكنه اضطر في النهاية لكي ينجو معها، غير أن موت ماريا يكشف سبب خروجها، فقد هربت بعدما قتلت زوجها نعمة الله، ودفنته تحت فرن الحمام بمعاونة صديقتها سهيلة التي خرجت معها.  

تخير زهرة ركاب الطائرة في تركمانستان بين النزول أو البقاء، واستكمال الرحلة معها في اتجاه برلين، لكنها تفاجأ براكبة شابة ترغب في البقاء لكي تلتقي زوجها في فرنسا. وقبل أن تصل إلى برلين يحاول زوجها بشير قتلها بسكين، لولا تدخل سهيلة ومعها الطبيب أرسالا الذي يستعطفها أن تبقى.

لم يربك الروائي نفسه في تفاصيل ثانوية تؤدي إلى ترهل السرد، وراهن على إظهار الطبقات المتعددة داخل شخصياته لتبرير دوافعها وتهيئة أدوارها خلال اللعبة، وأهم من ذلك أنه استثمر معرفته بواقع المجتمع الأفغاني، وصهر تلك المعرفة في بناء شخصياته، وقد استفاد من خبرته الصحافية في كشف دورة إنتاج الأخبار والتقارير، على نحو ساعد في ضبط الإيقاع السردي وإضفاء نفس تشويقي زاد من شغف القارئ في تتبع تجربة الاختطاف ومصائر الشخصيات، وكشف زيف ادعاءات المجتمع الأميركي في شأن احترام حرية الصحافة، وأظهر كيف تقاوم أجهزة الاستخبارات أية محاولة لكشف الحقائق بزعم حماية الأمن القومي، فالصحافي قدم الخاطفات في صورة نساء هاربات من رجال "طالبان" المتشددين، وأنهن ينشدن الحماية في الغرب.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة