Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محمد عبدالعزيز: الدراما التلفزيونية السورية بلا إرث

يسرد في مسلسله الجديد "ليالي روكسي" حكاية أول فيلم سوري عام 1928

أيمن زيدان في مسلسل "ليالي روكسي" (ملف المسلسل)

ملخص

 في السينما أو في التلفزيون يحرص محمد عبدالعزيز (القامشلي- 1975) على تقديم أعمال تشتبك مع الرقابة في بلاده، فمنذ تحقيق فيلمه الأول "نصف ملغ نيكوتين" عام 2007 لم يسلم المخرج السوري من المنع والتضييق، وها هو اليوم يقدم مسلسله الجديد "ليالي روكسي" الذي يسرد فيه حكاية صناعة أول فيلم سوري عام 1928، وجاء وقتها بعنوان "المتهم البريء".

مسلسل "ليالي روكسي" الذي يتعرض لمنع الشريط (30 دقيقة) من السلطات خلال فترة الانتداب الفرنسي على سوريا، يغوص في عقلية الرقابة المبكرة على المصنفات الفنية، وكيف احتج وقتها رجال دين دمشقيون لقيام فتاة سورية تدعى "توتة" بأداء دور البطولة في الفيلم، مما اضطر مخرج الفيلم ومؤلفه أيوب بدري إلى إعادة التصوير واستبدال الممثلة السورية بفتاة ألمانية كانت تعمل كلاعبة استعراض في أحد النوادي الليلة في العاصمة السورية.

ويوضح صاحب مسلسل "النار بالنار" الأسباب التي دفعته إلى كتابة وإخراج مسلسله الجديد "ليالي روكسي"، فيقول "اللافت والمؤسف أن مسيرة أول فيلم سوري بدأت مع البتر والعسف الرقابي الذي تعرض له هذا الفيلم، وكان قبل ذلك في القرن الـ19 تعرض ’مسرح أبو خليل القباني‘ للحرق من قبل الغوغاء المدفوعين بثلة من رجال الدين المتزمتين. ومنذ هذا التاريخ الضارب للمنجز الإبداعي السوري لم تتخلَ الرقابة عن إرخاء ظلها الثقيل على المنجز الإبداعي في كل الأطوار التي مرت على هذه البلاد. واستناداً إلى هذا الأمر حاولتُ تغليف تاريخ العسف بحكاية شعبية لتمرير ما يمكن تمريره بسبب الذهنية الرقابية التي كانت سائدة حتى سقوط النظام السابق".

وكما كان مصير أو إنتاج سينمائي سوري، خاض عبدالعزيز معارك طاحنة مع الرقابة في المؤسسة العامة للسينما، وعن هذا يقول "ليس فقط فيلمي ’حرائق‘ تعرض للبتر الشديد، فهناك أيضاً فيلمي ’الرابعة بتوقيت الفردوس‘ وكذلك فيلمي ’ليلى‘، وهذا الأخير مُنع أصلاً من العرض على رغم أنه فيلم استعراضي. فـ’حرائق‘ مثلاً أعدتُ مونتاجه أكثر من 20 مرة ولمدة عام كامل، وقمت ’فريم باي فريم‘ بحذف صور الرئيس السابق بشار الأسد من الفيلم، إذ قال لي المسؤول حرفياً ’لقد قمت بإظهار بشار الأسد كشاهد  أخرس على الأحداث‘ ونعم كانت صور الرئيس الهارب تملأ جنبات الفيلم، وهكذا بدأت رحلة الشقاء لحذف الصور من المشاهد التي امتدت لنحو عام بعد اجتزاء محاور ومشاهد كاملة من الفيلم، ولكن بالنسبة لي لم يكُن أمراً غريباً، فكل أفلامي بُترت ومُنعت، ابتداء من فيلم ’نصف ملغ نيكوتين‘ مروراً بـ’دمشق مع حبي‘، وانتهاء بـ’حرائق‘، حالي كحال غالبية السينمائيين السوريين الذين كانت لهم وجهة نظر مضادة للراوية الرسمية".

الرقابة السورية اليوم

لكن كيف يتوقع عبدالعزيز حال الرقابة اليوم بعد انتصار الثورة السورية؟ فيجيب أنه "حتى الآن من غير الواضح ماهية هوامش الحرية وسقوف التعبير ودرجة حدة المقص الرقابي. وشخصياً أتمنى كما كنت أذكر دائماً بإلغاء دائرة الرقابة وتشكيل لجنة وطنية من المحترفين لتصنيف الأعمال بحسب التصنيف العمري، وفتح الفضاء الحر أمام صانع الأفلام ليصنع ما يشاء بحرية تامة". وحدث أن صرّح محمد عبدالعزيز في حوار سابق بأن "أفلام المؤسسة شاهد زور على الحرب السورية". فكيف يعلق على ذلك اليوم بعد انتصار الثورة السورية؟ ويوضح "نعم ما زلتُ عند رأيي، فغالبية الأفلام التي أُنتجت بعد عام 2011 هي شاهد زور تناولت الموضوعية الفيلمية من زاوية حادة واحدة لتثبيت السردية الرسمية".

وأنجز عبدالعزيز أعمالاً لافتة في التلفزيون، وكان من بينها "شارع شيكاغو" و"صانع الأحلام" و"البوابات السبع" لكن مسلسله "النار بالنار" الذي عرض خلال الموسم الرمضاني الماضي قدم تشريحاً للعلاقة السورية- اللبنانية في ظل تهجير آلاف السوريين إلى لبنان، فهل يستطيع الفن اليوم رأب هذه العلاقة بعد أعوام طويلة من الاقتتال، ولا سيما في ظل ما تعرض له البلد الشقيق من ممارسات النظام السوري أثناء وجوده في لبنان؟ فيجيب "لا أعتقد بأن الفنون تسهم بالصورة الفاعلة في ترميم أو تعميق الشرخ بين علاقات دول ومجتمعات ضاربة في التعقيد والعنف والإلغاء. ربما على مستوى شرائح تنويرية محددة، ولكن على المستوى العام فالطبقات العرقية والدينية والاجتماعية متقوقعة حول سرديتها، ويصعب النفاذ عبر أشكال وأنماط الفنون لتغيير قناعاتها الراسخة واليقينية. يبقى أن تحوم وتحاول وتعيد صياغة الأسئلة وهو أمر حسن أيضاً".

واعتبر فيلمه "الرابعة بتوقيت الفردوس" منعطفاً في أفلام القطاع العام من جهة المعالجة البصرية والدرامية. فكيف ينظر عبدالعزيز اليوم إلى هذه التجربة، وهل يمكن الحديث عن مولد سينما مستقلة في ظل الظروف الراهنة؟ فيشرح رأيه بالقول "’الرابعة بتوقيت الفردوس‘ أتى ليكمل صيرورة ما بدأه محمد ملص وأسامة محمد وعمر أميرالاي ورياض شيا. أستطيع القول إنه امتداد للمنهج ذاته، وهو ما قاله لي القيّم على السينما السورية عام 2015، ’أنت مثل أسامة وملص وأميرلاي. تنتج من أموال الدولة لتصنع أفلاماً معارضة‘". ويضيف "في كل الأحوال المؤسسة العامة للسينما بكل أطوارها وعلى رغم كل الملاحظات هي من شكّلت هوية الفيلم الوطني السوري. ولا شك في أن هذه الهوية أتت ونبتت من عذابات وآلام السينمائيين الذين عملوا في ظل هراوة رقابية وأمنية لا توصف، ولكن هذه المماحكة وهذا الاشتباك الشديد حول المنجز وطبقاته المخفية عن عين الرقيب أدّيا إلى سينما سورية أصيلة وحرة. أما عن السينما المستقلة فلا أعتقد، على رغم تغيير النظام السياسي، بأن هناك بوادر تلوح في الأفق لولادتها ولهذا أسباب ومعطيات موضوعية".

هزيمة التلفزيون

ويعتبر الفنان السوري من الذين راهنوا على تقديم لغة سينمائية في أعمال التلفزيون، لكن كيف يرى المخرج السوري هذه المزاوجة في ظل أعمال المنصات، وهل تغيرت طبيعة الإنتاج الفني مع موت التلفزيون كجهاز عرض تقليدي؟ فيجيب "نعم بالمطلق حتى الوسائل التي هزمت التلفزيون أصبحت متاحة لجيش هائل من الناس. لقد جرت استباحة الصورة بمفهومها الوجودي والمعرفي. ويبقى المحك هو المعالجة والأصالة، أما المحتوى فقد عمَّ وطاف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتحدث عبدالعزيز عن واقع الدراما التلفزيونية السورية اليوم وهل يمكن الحديث عن انطلاقة جديدة بعد أعوام من الركود والعزلة؟ فيقول "خلال السنوات الأخيرة قبل سقوط النظام كان الركود والعزلة وصلا إلى حدهما الأقصى. والموسم المقبل سيرسم مؤشرات نستشف منها ربما مدى صعود هذه الدراما أو مراوحتها في المكان. في الوقت الحالي كما في السنين التي سبقت حتى عام 2011 أو ما يسمى "فورة الدراما السورية"، لم تكُن الفورة ذات معطيات بنيوية، فكانت مجرد مصادفات وارتجالات. لهذا تجد الدراما التلفزيونية السورية اليوم على مستوى الصناعة من دون إرث حقيقي وآليات راسخة لصناعة الصورة، مثلها مثل كثير من القطاعات الأخرى، بما فيها النظام السياسي الشرس الذي حكم لمدة ما يقارب القرن وبمجرد هروب الرأس انهارت كل المنظومة وتبخرت. إنها جمهورية الرماد ما إن يهبّ شيء من رياح التغيير حتى تصبح هباء منثوراً وتبدو كالعصف المأكول. هذه حال البلاد من الدراما وليس نهاية بصناعة سلال القش".

وعن مشروعه السينمائي الجديد يخبرنا محمد عبدالعزيز "انتهيتُ تقريباً من كتابة النسخة النهائية التي بدأتها عام 2015 من سيناريو فيلمي الجديد. يبقى مع تبدل الأحوال البحث عن جهة ممولة، وفي الحقيقة لا أجد نفسي مندفعاً لإنجازه. ربما في بعض الأحيان عندما يبقى الفيلم مجرد صور وخطوط وكيانات داخل وجدانك ورأسك وروحك لا يقل متعة عن شغف إنجازه. هكذا بتّ أعزي نفسي أنه جاهز داخل الصندوق الأسود للروح".

اقرأ المزيد

المزيد من فنون