ملخص
تشهد وسائل التواصل الاجتماعي بصورة شبه يومية سيلاً من التعليقات العنيفة وربما المسيئة من الجمهور على صفحات المشاهير بوجه عام والفنانين بوجه خاص، وهنا بعض أسباب تلك الظاهرة وبعض نتائجها؟
أعلنت خلال الفترة الماضية وفاة الممثلة الكورية الجنوبية كيم سان رون وجرى التوضيح لاحقاً أنها انتحرت، نتيجة لحال نفسية سيئة كانت تمر بها جراء التعليقات المسيئة التي ترصدتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة بعد حادثة سير ارتكبتها تحت تأثير الكحول عام 2022 وعوقبت عليها في المحكمة.
الفنانة ذات الـ24 ربيعاً والتي حققت نجاحاً ملحوظاً على رغم صغر سنها وكان ينتظرها مستقبل واعد، لم تحتمل حجم الانتقادات والتعليقات المسيئة التي تعرضت لها، وبخاصة بعد أن اشتكت من قلة عملها بعد الحادثة، مما أثار سجالاً كبيراً حول قسوة التعليقات الموجهة للمشاهير في كل المجالات على الـ"سوشيال ميديا"، وما قد يترتب عليها من نتائج تدفع بعض الأشخاص لإنهاء حياتهم.
يحدث هذا على بعد آلاف الأميال من مجتمعاتنا العربية التي تشهد انتشاراً غير مسبوق لهذه الظاهرة، فمن يتابع صفحات المشاهير خلال الأعوام الأخيرة بصورة عامة، ومن بينهم الكتاب والرياضيون والإعلاميون والفنانون من المجالات كافة، سيجد سيلاً من التعليقات العنيفة والمسيئة التي قد تصل إلى حد الإساءة والإهانة والتنمر.
وفي حال الفنانين تصل التعليقات العنيفة إلى ذروتها مع كل مهرجان أو ظهور في محفل عام أو أي نوع من الاحتفالات حتى الشخصية منها مثل الزواج أو أعياد الميلاد، فدائماً تشحذ أسلحة الإساءة اللفظية في وجه المشاهير مع معظم الأحداث التي يشاركون فيها، وحتى مع ظهور عمل فني جديد إلى النور.
ومنذ فترة ليست بالبعيدة نشرت الفنانة ريهام عبدالغفور على صفحتها عبر موقع "إنستغرام" منشوراً يقول "بتمنى الناس تبقى أحن وأرحم، وتبقى فاهمة إننا بنى آدمين وبنحس وبنبقي محتاجين نسمع كلمة كويسة، أو في الأقل منسمعش كلام يجرحنا".
مساحات مشرعة للتنمر
جاء هذا المنشور بعد حملة ضخمة من التعليقات على الـ"سوشيال ميديا" انتقدت شكلها ومظهرها بعد تداول صورها في أحد الاحتفالات، لتتلقي الفنانة بعدها كثيراً من الإشادة والدعم من الجمهور وفنانين آخرين، غير أن بعض التعليقات على المنشور ذاته لم تخل من إساءات واضحة سواء لها أو لزملائها من الفنانين الذين قدموا لها الدعم.
الظاهرة منتشرة ولا يسلم منها أحد من المشاهير، إلا أنها في حال الفنانات تكون مضاعفة ومبالغاً فيها، فإلى جانب انتقاد الأعمال الفنية يُنتقد الشكل والمظهر وزيادة الوزن أو انخفاضه، وحتى ملامح الزمن التي قد تظهر مع التقدم الطبيعي في العمر.
ومنذ فترة ماضية تعرضت الفنانة هنا الزاهد لموجة من التنمر، إذ نشرت تغريدة على موقع "إكس" مفادها أن "الشخص المتنمر هو بهلوان أو مريض نفسي يتهكم على الآخرين بالإساءة اللفظية أو البدنية ليظهر إحساسه بالنقص وعدم الاتزان".
وفي مجتمع آخر، تعرضت المغنية الأميركية أريانا غراندي لتعليقات مسيئة متواصلة بسبب خسارتها كثيراً من وزنها نتيجة مرض نفسي، لتخرج عبر حسابها على "تيك توك" موجهة رسالة للجمهور تطالبه بالتوقف عن التعليق على جسدها، قائلة "أنتم لا تعرفون كل شيء، لذلك كونوا لطيفين مع بعضكم".
ولم تسلم عائلات الفنانين وأطفالهم من التعليقات المسيئة، مما دفع بعضهم لإخفاء الأطفال عن الـ"سوشيال ميديا" خوفاً عليهم من التنمر، وسابقاً تعرضت ابنة الفنانة يسرا اللوزي للتنمر بسبب ضعف السمع لتلقن الفنانة المتنمر درساً لا ينساه، وتتلقى كثيراً من الدعم وبخاصة مع جهودها الواضحة للتوعية بهذا الوضع وبكيفية التعامل معه. وتعرضت ابنة الفنانة دنيا سمير غانم للتنمر عقب ظهور عفوي لها بعد عرض مسرحي، قبل أن تظهر للجمهور بعدها بصحبة والدتها في عمل فني.
وتشتد ظاهرة التعليقات المسيئة ضد المشاهير في حال وجود حدث كبير على المستوى السياسي أو الاجتماعي قرر الفنان أن يدلي برأيه فيه، ولم يكن يتماشى مع توجهات قطاع معين من المجتمع إذ تنهمر عليه التعليقات العنيفة، وفي أحيان أخرى إذا التزم النجم الصمت ولم يعبر عن رأيه قد يتلقى سيلاً من التعليقات المسيئة على سلبيته وعدم مشاركته بالرأي أو الدعم، حدث هذا بصورة مبالغ فيها إبان بدايات حرب غزة خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وكانت الأمثلة واضحة وصارخة على هذا الوضع.
جرأة خلف الشاشات
لكن لماذا تنتشر هذه الظاهرة بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة؟ ولماذا أصبح أهل الفن أكثر من يعانيها بعد أن كانت علاقة الجمهور بالفنان في أزمان سابقة مبنية على الحب والاحترام والتقدير؟ وهل الظهور المكثف للمشاهير على الـ"سوشيال ميديا" أضر بهم بعد أن كان التواصل الوحيد لهم سابقاً مع الجمهور من خلال أعمالهم وبعض اللقاءات الصحافية أو التلفزيونية كل حين؟
الناقد الفني رامي المتولي يقول إنه "مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت في يد الجميع أصبح الناس أكثر شجاعة وراء الشاشات، ويمكنهم أن يقولوا ما لا يستطيعون قوله في الواقع، ويظهر هذا بشدة في التعليقات على صفحات الفنانين والمشاهير عموماً، فالشعور بأنه لا أحد يرى هذا الشخص وأنه لن يُعاقب يكسبه جرأة كبيرة، وأحياناً يدفعه للإساءة من خلال هذه النوعية من التعليقات العنيفة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف "بعض الفنانين أحياناً يتصرفون بعفوية على الـ’سوشيال ميديا‘ سواء في نشر رأي أو صورة من دون تفكير، مما يورطه في مشكلات نتيجة عدم تقديره للعواقب، وفي محاولة لتجنب مثل هذه الأزمات أصبح هناك قطاع كبير من الفنانين والمشاهير في المجالات كافة يعتمد على فريق متخصص لإدارة صفحاته على الـ’سوشيال ميديا‘ وتحديد ما يفضل نشره وما يقال وما لا يقال، ويحد هذا من الأزمات مع الجمهور بصورة كبيرة باعتبار أن الأمر يكون مدروساً وبلا اندفاع".
وتابع "هذا الوضع شائع وموجود في العالم كله، لكن في بعض الدول تكون هناك قوانين رادعة لحماية الناس من الإساءات الإلكترونية بصورة عامة. وفي العالم العربي لدينا قوانين وتُستحدث أخرى حسب تطور الحاجة، لكننا نأمل في أن تُفعل بصورة أكبر باعتبار أن الظاهرة أصبحت آخذه في الانتشار".
جزء من الأزمة
بعض المشاهير قاموا نتيجة تعرضهم لوابل من التعليقات المسيئة على الـ"سوشيال ميديا" بإغلاق صفحاتهم لفترة أو غلق التعليقات، وأصبح بعضهم يؤثر السلامة ولا ينشر سوى أشياء عامة لا خلاف عليها تجنباً للدخول في صدامات قد تضر سواء بصورته أو بعمله.
وقد يرى بعض الناس أن المشاهير أنفسهم أحياناً يمثلون جزءاً من المشكلة بعدم مراعاتهم لما يتناسب مع المجتمع بجميع سياقاته الاجتماعية والاقتصادية، وأن بعضهم قد تكون منشوراته غير موفقة وتتضمن استفزازاً للجماهير، بالطبع لا يبرر هذا التعليقات المسيئة الخارجة عن حدود الأدب، لكنه يمكن أن يفسر ولو جانباً بسيطاً من أسباب هذه الظاهرة.
وفي الوقت نفسه أعلن بعض الفنانين في لقاءات لهم أنهم خلال بعض الأوقات استعانوا بطبيب نفسي ليساعدهم على تخطي تأثير هذا الضغط النفسي، الناتج من تعرضهم لهذا الكم المكثف من الانتقاد.
استشاري الصحة النفسية وليد هندي يقول إن "كثيراً من الفنانين خلال الآونة الأخيرة يتعرضون لحملات من التنمر على صفحات التواصل الاجتماعي، جزء من هذه المشكلة يرجع إلى الفنانين أنفسهم، فبعضهم لا يراعي ثقافة المجتمع أو المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وبناءً عليه لا بد أن يكون هناك تفريق بين عام وخاص، فمثلاً إذا اشترى فنان سيارة فارهة أو طائرة خاصة فلماذا يعرضها على الجمهور؟ الرصيد الحقيقي للفنان عند الناس هو ما يقدمه من أعمال فنية بما فيها من ثراء معرفي يشكل وجدانهم ويتلاحم مع بعض قضاياهم، وليس السيارة أو الحفلات أو الصور من الشواطئ والفنادق الفاخرة وعدد الزيجات. وبعض الفنانين بالفعل يستفز الناس على الـ’سوشيال ميديا‘ فتكون النتيجة متوقعة".
ويضيف "لابد من البعد من استفزاز الجمهور في الملابس والكلام وأسلوب العرض نفسه، فكلما تلاحم الفنان مع الشعب وعبر عن قضاياه الحقيقية سينعكس ذلك على الجمهور الذي سيتفاعل معه ويقدره بل ويقوم بحمايته أحياناً من حملات التنمر، لكن شعور الناس بأن هذا الفنان لا يعبر عنهم لا في الحقيقة ولا في الدراما ولا ينتمي لثقافتهم هو ما يجعلهم متحفزين ضده، على سبيل المثال الشعبية الجارفة لأم كلثوم كان أحد أسبابها الحفلات التي قامت بها لمصلحة البلد مثل حفلات المجهود الحربي، فمن يقوم الآن بفعل مماثل لدعم البلاد؟".
ويستكمل "الفنان لا بد أن يكون لديه ثبات انفعالي فلا يُستفز فيدلي بتصريحات أكثر إثارة للجمهور، ولو أنه غير قادر على ذلك فالأفضل أن يستعين بشخص متخصص لإدارة أعماله، ويمكنه التواصل مع متخصص نفسي يوجهه نحو التصرف السليم، لأن بعض الفنانين قد يصابون باكتئاب وهو ما يزيد من الأزمة وتسفر عنه تصرفات قد تزيد الوضع سوءاً".