ملخص
يشهد باريس سان جيرمان تحولاً جذرياً تحت قيادة لويس إنريكي، حيث يعتمد على المواهب الشابة بدلاً من النجوم الكبار. مع متوسط عمر 23.6 سنة، يمتلك الفريق طاقة جديدة وحيوية، مما يجعله منافساً قوياً في دوري أبطال أوروبا ومواجهة ليفربول المقبلة.
في استعدادات ليفربول لمواجهة باريس سان جيرمان، لاحظ الفريق بالفعل اختلافاً كبيراً مقارنة بآخر لقاءاتهم في مرحلة المجموعات لموسم (2018 - 2019)، إذ أصبح البطل الفرنسي فريقاً يهاجمك الآن بكل شيء.
إنهم فريق خفيف ومليء بالطاقة الشبابية، مثل تلك التي يتمتع بها الجناح الفرنسي برادلي باركولا، وحتى عثمان ديمبيلي الذي كان ذات يوم رمزاً لإهدار الموهبة في كرة القدم مثل نيمار، لم يعد يهدر أي شيء.
ويمثل هذا فرقاً كبيراً عما كانت عليه الحال عندما وقف توماس توخيل في غرفة الملابس في ملعب "أنفيلد" في سبتمبر (أيلول) 2018، وقال للناس إنه لم يستطع تصديق ما سمعه، وكما ورد في كتاب "أوضاع اللعبة" لكاتب هذا المقال، حاول الألماني حث فريقه الذي تبلغ قيمته 600 مليون يورو (642.13 مليون دولار) على الجري أكثر، فقط ليتلقى الرد، "لماذا؟".
أجاب توخيل المتفاجئ، "لأن هذا ليفربول وملعب أنفيلد... أحد أفضل الفرق في العالم في أحد أكثر الملاعب تطلباً في العالم"، وبحلول الوقت الذي وصل فيه باريس سان جيرمان إلى الملعب، لم يستطع توخيل تصديق ما رآه، ووقف على خط التماس وهو يصرخ: "يا رفاق، ما هذا؟!".
فاز ليفربول بنتيجة (3 - 2) وسجل روبرتو فيرمينو هدف الفوز في الدقيقة الـ91، وكانوا قادرين على الجري لفترة أطول ومسافات أطول من باريس سان جيرمان.
من غير المرجح أن تكون هذه هي الحال في مباراة دور الـ16 من دوري أبطال أوروبا، بخاصة مع وجود لويس إنريكي على رأس الفريق، لكن الأمر لا يتعلق فقط بالمدرب بل يتعلق بفريق يتناسب مع المدرب، وربما للمرة الأولى في عهد ملكية قطر لباريس سان جيرمان، يقدر لويس إنريكي الكثافة الشبابية، وهو يمتلك ذلك بوفرة.
بمتوسط أعمار يبلغ 23.6 سنة، يمتلك باريس سان جيرمان أصغر تشكيلة لفريق باق في دوري أبطال أوروبا، وثاني أصغر قائمة بين جميع الأندية الـ36 التي بدأت المنافسة، بعد سالزبورغ النمساوي الذي بلغ متوسط أعمار لاعبيه 22.9 سنة.
هذا بعيد كل البعد عن عصر الغلاكتيكوس (مجرة النجوم) بين 2013 و2023، فخلال تلك الفترة، التي شهدت دخول باريس سان جيرمان في سباق غير معلن مع مانشستر سيتي المملوك لأبو ظبي وسط الأزمة الخليجية، أصبح النادي المملوك لقطر مثالاً على الجانب الآخر للثروة غير المحدودة. وإذا أظهرت عملية إدارة كرة القدم بشكل صحيح في مانشستر سيتي أقصى درجات النجاح التي يمكن تحقيقها بمثل هذه الموارد، فإن باريس سان جيرمان أظهر فقط أقصى درجات الهدر – وبخاصة في المواهب.
لقد وصلت قصص التساهل والأزمات التافهة داخل الفريق إلى مستويات سخيفة، لدرجة أن شخصيات كروية من داخل باريس سان جيرمان وصفته بالكثير من الأوصاف بداية من "مشروع الغرور" إلى "سيرك"، وبالتأكيد ليس نادياً لكرة قدم.
لم يكن من الممكن أن يستمر هذا الوضع، على رغم أن النادي بدا وكأنه ينكر سقطاته إلى الحضيض، من الخسارة بنتيجة (1 - 6) أمام برشلونة في (2016 - 2017) إلى الانهيار أمام ريال مدريد في (2021 - 2022). وقد أطلقت نداءات إيقاظ عدة في آن واحد.
أحدها كان فوز مانشستر سيتي عليهم في دوري أبطال أوروبا (2022 - 2023)، حتى أن رئيس الإمارات محمد بن زايد، الذي كانت عائلته على خلاف طويل مع حكام قطر آل ثاني، حضر نهائي إسطنبول للاستمتاع بالمجد، وحدث ذلك بينما بدا أن باريس سان جيرمان وصل إلى أقصى حد له بتفوقه على مانشستر سيتي في التعاقد مع ليونيل ميسي.
وربما كشف وجود أعظم لاعب في التاريخ عن أن كل شيء لم يكن يعمل، وقد أصبح النادي متعباً من افتقار نيمار للتركيز وتمرد كيليان مبابي المستمر، وفي النهاية أعلن الرئيس ناصر الخليفي أن "سلوكيات النجوم الكبار انتهت" وأنهم لا يريدون "المظاهر البراقة بعد الآن".
يصر بعض الأشخاص داخل النادي على أن فترة "البريق" بأكملها كانت في الواقع تهدف فقط إلى إنشاء علامة تجارية جديدة، مما أدى إلى الإفراط في الإنفاق في البداية، لكن المشكلة كانت أنها استمرت لفترة طويلة جداً.
حتى أن الخليفي اعترف منذ ذلك الحين بأنه كان خطأ القول إن الهدف هو الفوز بدوري أبطال أوروبا في غضون خمس سنوات.
وكان هناك عامل مهم آخر، وكان ينبغي أن يبرزه مبابي حقاً، فعلى رغم أن باريس سان جيرمان كان يدفع باستمرار أكبر مبالغ في كرة القدم لنجوم من الخارج، إلا أنه كان يجلس على واحدة من أكثر الأراضي خصوبة في اللعبة، فمدينة باريس لا تضاهى إلا من قبل ساو باولو وجنوب لندن من حيث المناطق الجغرافية التي تنتج أكبر عدد من اللاعبين، وبدلاً من ذلك، شاهد باريس سان جيرمان شباباً مثل مبابي يذهبون إلى موناكو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان هذا على رغم أن استخدام المواهب المحلية كان يمكنه تغيير استراتيجيات النادي، بخاصة مع الطريقة التي زادت بها ملكية قطر للنادي حجم كلمة "باريس" في شعار النادي، إذ أرادوا أن يكون الشعار مثل شعار نيويورك على القبعات. وهم الآن يعوضون الوقت الضائع.
جميع اللاعبين الحاليين مثل وارين زائير إيمري (18 سنة)، وسيني مايولو (18 سنة)، ويورام زاغ (18 سنة)، وإبراهيم مباي (17 سنة)، وأكسل تاب (17 سنة) من منطقة باريس، وقد شاركوا معاً في 62 مباراة هذا الموسم، وكان زائير إيمري ومايولو أعضاء أساسيين في الفريق، مضاف إليهم اللاعب البالغ من العمر 22 سنة برادلي باركولا من ليون، والمواهب البرتغالية مثل جواو نيفيس (20 سنة) ونونو مينديز (22 سنة).
ونجح المدرب لويس إنريكي في صقل هذه المجموعة بسرعة مثيرة للإعجاب، وانتقل باريس سان جيرمان من التقلبات وتذبذب المستوى للاعبيه الشباب في الخريف إلى سلسلة انتصارات بلغت 10 مباريات، بما في ذلك العودة من التأخر إلى فوز بنتيجة (4 - 2) على مانشستر سيتي.
في الوقت نفسه، أعيد إحياء ديمبلي بتسجيله 26 هدفاً في 33 مباراة، بل تم تلخيص الاتجاه الجديد باستبعاد اللاعب البالغ من العمر 27 سنة من مباراة الهزيمة بنتيجة (0 - 2) أمام أرسنال بعد أن قال لويس إنريكي إنه "لم يلبِ توقعات الفريق"، وذلك في وقت كان المشروع الجديد بأكمله موضع تساؤل، لكن ديمبلي رد بالطريقة الصحيحة، فوقف باريس سان جيرمان ثابتاً.
سيكون هذا تحدياً كبيراً لليفربول، وربما يكون اللقاء الأكثر إثارة في هذه المرحلة.
وقال لويس إنريكي، "نحن في أفضل فترة من الموسم"، وربما تكون الفترة الأكثر إثارة للإعجاب في التاريخ الحديث لباريس سان جيرمان. فهذا بناء لنادٍ حقيقي، وليس مجرد إفراط، والعبارة الشائعة الآن هي أن "النجم الكبير أصبح الآن الفريق".
هناك أيضاً صورة أكبر، إذ تتحدث شخصيات داخل صناعة كرة القدم عن كيف أن هذا النهج الحذر يتناسب فجأة مع الحديث عن أن قطر بدأت في تقليص استثماراتها في الرياضة.
وإضافة إلى إدراكها أنها لا تستطيع مجاراة السعودية، ذكرت تقارير أن قطر للاستثمارات الرياضية تفكر في تقليل حصتها في باريس سان جيرمان، وسط وضع الخليفي تحت التحقيق الرسمي في قضية أعمال فرنسية معقدة.
من الواضح أن تغيير الاستراتيجية جاء مباشرة بعد أن حصلت قطر على ما أرادته وأكثر من كرة القدم من خلال كأس العالم 2022، حيث سيطر نجوم باريس سان جيرمان ميسي ومبابي على نهائي تاريخي.
في مواجهة ذلك، يشير المطلعون داخل باريس سان جيرمان إلى وجود خطط لنقل الملعب – بما في ذلك اجتماعات عقدت قبل يوم من مباراة ليفربول – واستعداد للإنفاق، ولكن بطريقة أكثر حساباً.
وكانت هناك محاولة كبيرة للتوقيع مع برونو فيرنانديز في الصيف، حيث أقنعه مانشستر يونايتد بالبقاء، وتبعوا ذلك بشراء ربما كان الأكثر لفتاً للانتباه في فترة الانتقالات الشتوية، حيث تعاقد النادي مع خفيشا كفاراتسخيليا، وذلك بعد أن أراد العديد من المنافسين التوقيع مع صانع الألعاب الجورجي، لكنهم واجهوا صعوبات في التفاوض مع نابولي والدائرة المحيطة باللاعب، لكن باريس سان جيرمان أنجز الصفقة.
الآن، حتى إذا خرجوا من دور الـ16، فإنهم يبدون أقرب إلى الفوز بدوري أبطال أوروبا أكثر من أي وقت مضى، والأمر يتعلق أكثر بترك هذه المجموعة تتطور، بدلاً من الأمل في أن ينتج النجوم في أي ليلة.
الشعور الداخلي هو أن هذا "موسم مبكر جداً"، ومع ذلك، قد يكون التوقيت مناسباً، فباريس سان جيرمان في الجانب الأصعب من القرعة، لكنه لا يواجه أي مشكلات في جدول المباريات على عكس منافسيه، ويبدو الفريق في طريقه نحو لقب فرنسي آخر.
وهذه المرة، لن يضطر مدربهم لويس إنريكي إلى إخبار الفريق بأن عليهم الجري.
© The Independent