ملخص
قبل وفاة الطفل جمعة من شدة البرد ضحى الأب بغطائه الوحيد، ومنحه للرضيع حتى يشعر بالدفء، ولكن الصغير فارق الحياة في المأوى البارد البالي الذي لا يصلح للمعيشة، مما يعكس طبيعة حياة سكان غزة الذين عاشوا حرباً لا ترحم.
وقف الأب يحيى عند رأس طفله الرضيع جمعة بعد أن كشف عن وجهه الكفن، وأخذ يقبل جبينه والدموع تنهمر على وجنتيه، وبعد أن تمالك نفسه حضن جثة الصغير مخاطباً إياها "لم أستطع أن أشعرك بالدفء في أيام حياتك المعدودة، لعلي الآن أشعر جثمانك بالحرارة".
يبكي الأب المكلوم الذي توفي طفله البالغ من العمر 20 يوماً بشدة ويطلب من الرضيع الذي مات من شدة البرد أن يسامحه بسبب عجزه عن توفير الدفء له، وفي محاولة لتبرير ما حدث يضيف يحيى "نحن نعيش في خيمة، ولدينا نقص في الأغطية".
ستة رضع
قبل وفاة الطفل جمعة من شدة البرد ضحى الأب بغطائه الوحيد ومنحه للرضيع حتى يشعر بالدفء، ولكن الصغير فارق الحياة في المأوى البارد البالي الذي لا يصلح للمعيشة، مما يعكس طبيعة حياة سكان غزة الذين عاشوا حرباً لا ترحم.
في ليلة أمس الثلاثاء الـ25 من فبراير (شباط) الجاري توفي ستة أطفال رضع من شدة البرد، إذ يمر منخفض جوي قطبي هو الأشد منذ بداية فصل الشتاء على قطاع غزة، ووصلت درجات الحرارة خلال ساعات الليل إلى الصفر.
قضى الأطفال الستة بعد أن تجمدت قلوبهم من شدة البرد من دون أن تجد عائلاتهم أية ألبسة أو أغطية لتوفير الدفء لهم، ووراء هؤلاء الصغار الراحلين آلاف الرضع الذين يرتجفون برداً.
وخلال شهر ديسمبر (كانون الأول) 2024 قضى ثمانية رضع بسبب انخفاض درجات حرارة أجسادهم، وحينها طلبت الأمم المتحدة من إسرائيل تسهيل عملية إدخال المعونات الإنسانية لغزة بما فيها الفرش والأغطية والمدافئ التي تعمل بالطاقة الشمسية.
بلا أغطية
بعد أن أنام يوسف طفلته الصغيرة شام اعتقد أن كل شيء على ما يرام، لكن بعد منتصف الليل لاحظ أن دماً ينزف من أنف الصغيرة، واكتشف أنها باردة وبلا نبض.
على وجه السرعة حمل يوسف الصغيرة البالغة 60 يوماً إلى المستشفى حيث تبين للأطباء أن قلب الرضيعة توقف عن النبض بعد تجمده من شدة البرد، وصرخ الأب وعم صراخه أرجاء المرفق الصحي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقسم الأب أنه أشعل ناراً قرب خيمته التي يعيش فيها ليوفر الدفء لصغيرته، لكن لم تصل حرارة النار في الخارج إلى جسد شام. ويقول يوسف "وصلنا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وكان ينبغي تنفيذ بروتوكول إنساني لكننا لم نر أية نتائج، وما زالت جودة الحياة في غزة رديئة".
لدى يوسف في خيمته خمسة أغطية، يوزع غطاء واحداً على كل من أطفاله الثلاثة ويتغطى برفقة زوجته بغطاء آخر، وللرضيعة شام غطاء أيضاً. ويقول الأب "لا تتوافر في غزة ملابس للرضع، ماتت شام وهي ترتجف".
ويضيف "غالب العائلات في غزة لا تملك القدر الكافي من الملابس الشتوية والأغطية اللازمة لتدفئة أبدانها وبخاصة أطفالها، بسبب تدمير الجيش الإسرائيلي منازلنا أو حرقها خلال فترة القتال العسكري، كما أن تل أبيب لم تسمح بدخول مستلزمات الشتاء ضمن المساعدات الإنسانية".
بروتوكول إنساني
حادثة وفاة الأطفال من شدة البرد كشفت سوء الأوضاع المعيشية والطبية داخل قطاع غزة، وأظهرت تبعات الحرب الإسرائيلية وآثار استمرار الحصار وتقييد دخول المساعدات، حدث ذلك على رغم وجود بروتوكول إنساني في اتفاق وقف إطلاق النار يتضمن تسهيلات لتحسين جودة الحياة.
يقول رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف "لم يدخل قطاع غزة حتى اللحظة أية كرفانات تقي الأطفال برد الشتاء، النازحون يعيشون في خيام مهترئة مصنوعة من أقمشة لا تقيهم البرد، تتنصل إسرائيل من تنفيذ بنود البروتوكول الإنساني مما أدى إلى وفاة الأطفال من البرد".
من جانبه يقول المدير الطبي لمستشفى "أصدقاء المريض" سعيد صلاح "قسم الحضانة استقبل ثماني حالات تعاني البرد الشديد، وأُدخلوا إلى العناية المركزة. والرضع وصلوا إلى المستشفى في حال تجمد".
ويضيف صلاح "بدت أجساد الأطفال باردة جداً وظهرت عليهم أعراض خطرة ناتجة من انخفاض الدورة الدموية، مما أدى إلى فشل في وظائف القلب والتنفس والكلى والدماغ، فارق ستة من الصغار الحياة بسرعة وهذا يكشف مدى عجز النظام الصحي في القطاع".
ويشير صلاح إلى أن الأطفال كانوا يعيشون في خيام موقتة تفتقر إلى وسائل التدفئة، محذراً من احتمال تزايد ارتفاع عدد الوفيات بين الرضع مع استمرار موجة البرد القارس، وافتقار النظام الصحي للأدوية والمعدات والمساعدات الخاصة بالمشافي.
حالات تجمد
وعبر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" عن قلقه العميق إزاء وفاة أطفال رضع نتيجة انخفاض حرارة الجسم بسبب البرد الشديد. ويقول المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس "أطفال غزة يدفعون ثمن هذه الحرب بحياتهم، توفي ما لا يقل عن ستة أطفال حديثي الولادة بسبب انخفاض حرارة الجسم، وهناك مزيد من الأطفال في خطر".
من جانبه يقول مدير الإغاثة الطبية في قطاع غزة محمد أبوعفش، إن "معاناة المواطنين تتفاقم مع اشتداد موجات البرد، والنقص الحاد في المستلزمات الأساس كالأغطية والخيام ووسائل التدفئة، مما تسبب بوفاة أطفال نتيجة البرد".
ويضيف "سكان الخيام يصلون إلى حال من التجمد وبخاصة في ساعات الليل، ولا يستطيع الكبار تحمل البرد والأمر أكثر خطورة على الصغار، والحل يكمن في تنفيذ البروتوكول الإنساني وتسهيل إدخال المساعدات والمعونات".
من جانب إسرائيل، يؤكد منسق أنشطة الحكومة في الأراضي الفلسطينية غسان عليان التزام بلاده بإرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة بما يتماشى مع بنود اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكداً أن تل أبيب سهلت دخول مستلزمات الشتاء إلى القطاع.