ملخص
عندما يتحدث ترمب علناً عن رغبته في التفاوض مع إيران يضع خامنئي في موقف صعب خلافاً لباراك أوباما الذي خاض مفاوضات سرية مع إيران وجو بايدن الذي قدم تنازلات لها.
أبدى مرشد النظام الإيراني علي خامنئي خلال الأسابيع الأولى من تولي الرئيس دونالد ترمب الإدارة الأميركية معارضته التفاوض مع الولايات المتحدة في حين أنه لم يُبدِ رأياً في هذا الشأن منذ فترة طويلة. خامنئي عاد وكرر موقفه الذي اتخذه خلال ولاية ترمب السابقة وأكد أنه "لا فائدة من المفاوضات مع أميركا".
بعد يومين من هذا التصريح ارتفعت أسعار الدولار ليصل الدولار الواحد إلى نحو 100 ألف تومان إيراني في ارتفاع غير مسبوق رافق احتجاجات في البلاد. بعدها طلب خامنئي من القوات المسلحة الإيرانية رفع مدى الصواريخ، مؤكداً موقفه السابق في شأن عدم التفاوض مع أميركا.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يصر خامنئي على هذا الموقف؟ في حين ظهرت تمهيدات ترحب بالتعامل مع أميركا، منها الشعارات الانتخابية التي أدت إلى فوز الرئيس مسعود بزشكيان. ولماذا تعاملت إيران بقيادة خامنئي مع إدارة باراك أوباما، لكنها تتجنب التفاوض مع إدارة ترمب؟
للرد على هذا السؤال يجب الاهتمام بالعناصر التي تشكل هوية دونالد ترمب وعلي خامنئي، إضافة إلى الجوانب السياسية والاستراتيجية والأيديولوجية للقضية. يرغب ترمب، كأعلى مسؤول في بلاده، بتبني مسؤولية قراراته والحديث عنها في الإعلام، بينما يتخذ مرشد النظام الإيراني مواقفه بصورة لا تجعل مسؤولية هذه المواقف تقع على عاتقه، ولم يشارك خامنئي في أي مؤتمر صحافي.
خامنئي في موقف صعب
لذلك عندما يتحدث ترمب علناً عن رغبته في التفاوض مع إيران يضع خامنئي في موقف صعب، خلافاً لباراك أوباما الذي خاض مفاوضات سرية مع إيران في عمان.
خلال ولايته الأولى ومع بدء ولايته الثانية يسعى ترمب إلى التواصل مباشرةً مع كبار المسؤولين في الدول المتخاصمة للحديث معهم. فقد اتصل هاتفياً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وطلب مفاوضات فورية في شأن أوكرانيا لإنهاء الحرب. ويعني هذا أن ترمب، خلافاً لأسلافه، لا يريد خوض العشرات من المفاوضات الطويلة وقليلة الأثر على مستوى الخبراء والمساعدين، بل يريد خوض المفاوضات شخصياً. ويشير ترمب إلى إمكان لقاء الرئيس الإيراني، ويعبر عن رغبته في اللقاء، وهذا يشكل كابوساً لمرشد النظام الذي اعتاد وصف الولايات المتحدة الأميركية بـ"العدو" منذ 35 عاماً.
قواعد اللعبة
كما أن ترمب، خلافاً لأوباما الذي خاض مفاوضات مع إيران، وجو بايدن الذي قدم تنازلات لها، لا يخشى الحديث عما يمكن فعله في التعامل مع إيران. لذلك عندما أعلن عودة "الضغوط القصوى" ضد إيران وضع على الطاولة أيضاً ورقة المفاوضات ليحدد قواعد اللعبة لطهران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن علي خامنئي والمسؤولين التابعين له لا يعرفون كيف يخوضون هذه اللعبة التي حددها ترمب لهم. فقد سبق أن اجتاز المرشد الخروج من منعطفات خطرة من خلال تحريك اللوبيات والاعتماد على التهديدات والمساومات والتنازلات. فخوض هذه اللعبة التي تتناقض تفاصيلها مع مواقف روَّج لها كثيراً لم يجربها النظام سابقاً وتشكل تحدياً كبيراً له.
والأمر الآخر الذي يخشاه خامنئي هو عدم قبول ترمب أساليب المفاوضات الإيرانية التي تستند إلى مفاوضات طويلة لشراء الوقت، وقد تستمر لأشهر أو سنوات وتتطلب كلفاً مالية وبشرية كبيرة، مثل تلك التي خاضتها الحكومة الإيرانية خلال حكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد مع "مجموعة 1+5" (أميركا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا) في جنيف وبغداد وإسطنبول وموسكو وألماتي. ولم تسفر هذه المفاوضات عن نتائج، كما خاضت إيران مفاوضات طويلة أخرى خلال ولاية حسن روحاني، وانتهت بالتوقيع على الاتفاق النووي الذي وصفه ترمب بأنه أسوأ اتفاق في تاريخ الولايات المتحدة، وانسحب منه في نهاية المطاف.
يجب القول إن تصرفات ترمب وسلوكه في اقتراح الاتفاق وخوض المفاوضات جاء بصورة كشف فيها عن نقاط الضعف في الطرف المقابل، وهذا يؤدي إلى تعذيب مرشد النظام الإيراني.
أهداف واضحة
كان خامنئي ذكر في خطاب بعد انتخابه مرشداً للنظام خليفة للخميني، "يجب أن نبكي دماً في مجتمع يطرح اسمي أنا كأحد الخيارات المحتملة لقيادة النظام".
في المقابل في ذلك الوقت الذي كان فيه ترمب منهمكاً في نشاطه التجاري ومشاريع البناء قال في مقابلة مع أوبرا وينفري إنه يفكر في أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.
خلافاً لخامنئي يتولى ترمب إدارة البيت الأبيض لفترة محدودة تنتهي بعد أربع سنوات، وله برامج وأهداف واضحة. ينظر ترمب إلى الأمور بصورة يجب أن تكفل مصالح أميركا والأميركيين والأمن الوطني الأميركي، ويعمل بصورة مستمرة لتحقيق هذه الأهداف خلال ولايته، لكن مرشد النظام يفكر ببقاء النظام ويرى أن خوض الحرب قد لا يؤدي إلى سقوط النظام.
"السم المضاعف"
لذلك عندما يطرح ترمب الهجوم الإسرائيلي على إيران كبديل للاتفاق وتتحدث الصحف الأميركية مثل "وول ستريت جورنال" و"واشنطن بوست" عن قرب الهجوم الإسرائيلي على إيران، فإن خامنئي ربما يسعى إلى تجهيز "حماس" و"حزب الله" من أجل تنظيم استعراض للرد على الهجوم على منشآت إيران النووية.
يرى خامنئي أن الولايات المتحدة تريد تدمير جميع أجزاء البرنامج النووي والصاروخي، ثم إسقاط النظام. وإذا ما خُيِّر بين الاتفاق مع ترمب والتنازل عن جميع برامج النظام أو الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية، فسيختار الخيار الثاني، فهو الذي وصف المفاوضات مع ترمب بـ"السم المضاعف".
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"