ملخص
"تلك الكلمة المقدسة" أنطولوجيا معاصرة لشعر المرأة الفلسطينية، اختارت قصائدها وقدمت لها الشاعرة والإعلامية والمترجمة الفلسطينية نداء يونس، صدرت عن دار مرفأ – بيروت.. تقع المجموعة في 300 صفحة، وتحتوي سيراً ذاتية ومختارات شعرية لـ 23 شاعرة يمثلن أجيالاً متعاقبة من الشاعرات الفلسطينيات المعاصرات اللواتي يكتبن قصيدة النثر في المهجر والمنافي، وفي فلسطين المحتلة عام 1948، كما هو الحال بالنسبة لشاعرات من الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.
متى لم يكن الأدب، نثراً وشعراً، شاهداً على إنسانه ومجتمعه وكيانه؟ ولعل الشعر الفلسطيني أكثر الآداب احتفالاً بهذا الجانب، ما دام إنسانه يحمل على منكبيه أعظم ما ابتلي به العرب احتلالاً وقهراً وإبعاداً وقتلاً وتهجيراً وغير ذلك كثير، وما دامت المرأة الفلسطينية بالذات تتحمل غالب الأوزار ولا تنوء بها حتى الموت أو الاستشهاد، ثم تصنع من بقيت منهن على قيد الحياة ذكراه شعراً يفيض، ويغني التراث الشعري العالمي بصدقه وسعة أبعاده الإنسانية والفكرية. كذلك هي الأنطولوجيا الشعرية للشاعرات الفلسطينيات الكاتبات تجاربهن بلغات العالم حيث هن، وبلغة الضاد الجريح، وقد جمعت موادها الكاتبة والأكاديمية والشاعرة الفلسطينية نداء يونس (1977)، وصدرت حديثا (2024) عن دار مرفأ.
شاعرات المهجر والمنافي
القسم الأول من الأنطولوجيا من أصل ثلاثة، تخصه المؤلفة بالشاعرات الفلسطينيات المولودات في المنافي والمهجر ممن نشرن أشعارهن باللغة الإنجليزية، ونقل مختارات منها إلى العربية غير مترجم عسى أن يستدل منها على أسلوب الشاعرة أو بعض من عالمها، أو تصورها لعلاقتها بالوطن الفلسطيني والأقارب ومواجعهم وصراعهم مع المحتل وحنينهم إلى أرض الوطن، وغيرها من المشاعر النابعة من الذات الانفعالية والوجدانية، سكبنها في قوالب تخيلية متفاوتة في الجدة والخصوصية. في حين تخص القسم الثاني بالشاعرات المولودات في الأراضي المحتلة (القدس وأراضي فلسطين لما قبل عام 1948)، وتخص القسم الثالث بالشاعرات المولودات داخل غزة.
نعومي شهاب ناي (1952): هي من أولى الشاعرات الفلسطينيات من أب فلسطيني وأم أميركية من مواليد سان لويس، تكتب انطلاقاً من نزعتها السلامية اللا عنفية، ومن وفائها لأرض الوطن الأم، وإن من بعد، تقول في قصيدة بعنوان "قمر فوق غزة"، "وحيدة أنا/ من أجل أصدقائي/ لقد أحبوني،/ ووثقوا بمجيئي/ أعتقد أنهم نظروا إلي/ أكثر مما يفعل الآخرون./ أنا الذي ظللت أحدق للأسفل وقتاً طويلاً/ لا أرى سبباً للأحزان التي يصنعها البشر./ أكره الشجار، والغبار الذي تخلفه القنابل التي تنفجر.../ نحن هنا في أرض القصة المقدسة والأناشيد والأضرحة والمذابح/ والكهوف/ والأمثال والجنود بملابس عسكرية يحملون بنادق الدبابات أكبر من الأضرحة...".
رفيف زيادة (1979): تتميز رفيف زيادة المولودة في بيروت بنزعتها العروبية الواضحة في شعرها، في موازاة فضحها النزعة العنصرية لدى المحتل، ولعل هذا يتجلى في قصيدتها "حذار من غضبي" التي تقول فيها: اسمحوا لي أن أتكلم بلساني العربي/ قبل أن يحتلوا لغتي أيضاً/ اسمحوا لي أن أتكلم بلغتي الأم/ قبل أن يستعمروا ذاكرتها أيضاً/ أنا امرأة عربية اللون/ ونأتي بكل ألوان الغضب كل ما كان جدي يريده هو أن يستيقظ/ عند الفجر ويشاهد جدتي وهي تركع وتصلي... ولدت أمي تحت شجرة زيتون يقول لها إنها لم تعد ملكي...".
سهير حماد (1973): سهير حماد المولودة في عمان بالأردن والمقيمة في أميركا، فتقول في قصيدة بعنوان "كما السماوات أشاء": "أنا لن أرقص على طبول حربك/ لن أحني ظهري أو روحي لطبول حربك/ لن أرقص على إيقاعك لأنني أعلم هذا الإيقاع الميت/ أشعر بتلك الجلود التي تقصفها/ قد كانت حية، أغنيات وسرقت/ أنا لن أغني... ولن أتمايل لأجلك/ لن أندب الضحايا/ أو أرقص على إيقاع القنابل كما الجميع/ أنا لن أنسى أصولي...".
نتالي حنظل (1969): تقول الشاعرة حنظل بلغة شعرية شفيفة ووجدانية لصيقة بالوطن المتخيل، وهي المتنقلة بين الولايات المتحدة وفرنسا عبر قصيدة بعنوان "مدينة غزة": "أجلس في حجرة رمادية فوق سرير بغطاء رمادي/ وأنتظر المؤذن ليقف،/ التراتيل تدخل نافذتي وأروح أفكر في كل/ أولئك الرجال والنساء الذين ينحنون في صلاتهم، ويفر الخوف/ منهم عند كل ضربة، ويدلف حزن جديد/ إلى أرواحهم بينما يصطف أطفالهم في الشوارع/ كالمساجين في معسكرات الموت...".
سمر عبدالجابر (1985): توقع الشاعرة عبدالجابر المولودة في الكويت كلامها الشعري من عمق تأملها في الموت، والحياة والصداقة والأجداد، موشحاً بفكر ما ورائي. وتقول في قصائد على نمط الهايكو، وفي مقطعات شعرية متفرقة بعنوان "جدي": "يصحو أحياناً/ منتصف الليل/ معتقداً لوهلة أنه في ذاك المنزل/ الواقع في شارع الحاج عبدالله أبو نواس/ في حيفا". وفي قصيدة "الموتى"، تقول "يتجولون في النهار أيضاً/ لكننا لا ننصت جيداً/ ويكون ثمة ضوء كثير".
كوليت أبو حسين (1980-2018): هي الشاعرة المولودة بالكويت والمقيمة بالأردن وذات التكوين النفسي القابل للانكسار، يغلب على شعرها هاجس الموت والفقد وضياع الحب وفناء الذكرى. وتقول في إحدى قصائدها بعنوان "لن يذكر أحد رياحيني": "برحمة لا تضاهى أغفر لأصدقائي أخطاءهم/ لكن من يغفر لي،/ من يغفر لي أني تركت الأخضر يأكله اليباس على قبر أمي؟/ فمرت الأعياد/ ولم أحمل قليلاً من الماء لأرشه فوق التراب./ وتركتها صبح العيد وحدها للخطى السائرة نحو القبور القريبة...".
جمانة مصطفى (1977): ولئن كانت جمانة مصطفى مولودة من أبوين فلسطينيين مهاجرين إلى الكويت مثل الشاعرة أبو حسين، فإنها تميزت عنها بقدر الثقة بالذات وبتكوينها ورؤيتها إلى العالم، ونظرتها الرومنطيقية ونبرتها الغنائية الموشحة بشيء من الحزن. وتقول في قصيدة لها بعنوان "الحرية": "وشوشتني الحرية/ أني ابنتها المفضلة/ كلما نظرت ورائي/ أدهشني جمال حياتي/ أيامي/ كهندسة الريح للماء/ ساحرة، وتنسى/ أجمل ما فيك/ المقبرة العظيمة/ وأنت منذ أربعين عاماً/ تنامين فيها/ تعال نستذكر لعبتنا القديمة/ أيها الحب...". وفي "قصة سعيدة" تقول: "أريد أن أكتب قصيدة سعيدة/ وأريدها عنك/ على العالم أن يستريح الآن/ أن يجلس تحت ركبتي/ لأقرأ له قصيدة عنك/ لن أعتني بالنص/ سأعتني بالصدق/ سأقول إني انتظرتك ولم تنتظرني/ وأن كبريائي بخير...".
شاعرات من فلسطين المحتلة عام 1948
شيخة حليوى (1968): في هذا الشأن، تفرد المؤلفة للكاتبة والقاصة والأكاديمية شيخة حليوى قصائد نثر تبدي فيها الشاعرة ميلاً إلى إثبات الهوية المكانية، والاعتداد بأصلها وجذورها، فتقول في إحدى قصائدها: "في قريتي البدوية/ بين سجن الجلمة والمنصورة المنهزمة/ تدفق ماء الحياة في الأنابيب العاقرة". وتقول أيضاً: "سليلة جدتي أنا/ شيخة طويلة ممشوقة/ وشمت حزنها حقلاً أخضر على أديم وجهها/ ومريم، بائعة الأجبان، يشير قرط إلى زاوية أنفها...". وتقول في قصيدة أخرى "لا تقتلني الكلمات المكتظة بدلالة/ مريبة/ لا تؤذي أوتاري الصوتية تلك/ الحلقية/ لا تقتلني الحروف المنافقة ذاتها المنسابة/ من الفراغ إلى الفراغ/ هواءً خفيفا... تقتلني كلمة صغيرة فقدت أمها في الحرب/ الأخيرة/ وغفت ذات صباح/ تحت لساني".
ريم غنايم (1982): تنهل الكاتبة الأكاديمية والمسرحية والشاعرة المترجمة ريم غنايم والمولودة بمدينة باقة الغربية، من معين آخر هو الهوية الإنسانية العريقة، والتأمل الصوفي في مصدر الجمال والألم، ذاهبة إلى أقصى الممكن المتخيل، تقول: "قلبي لا يرى المعاني/ شرايينه/ تسبح في ظلال جهالتها./ وفي مرتع رذيلتها يتساقط دمه منه إلى علوم موته/ قطرتين/ قطرتين/ ثم/ يتطاير في الجهالة مرة أخرى. يصلب في أثيرها، كما يصلب الأسمنت المصبوب فوق قلبي...". وتقول: "اغفر لي وجهي.../ شد عضدي/ بمعجزة/ من معجزاتك.../ فكلي صياغات أمل/ تأتي ولا تأتي". وعلى رغم بعض الوهن في صناعة الصور الشعرية لدى غنايم، يمكن للمرء أن يعاين لديها ميلاً إلى تكوين لغة شعرية مفارقة وصادمة، في آن.
أسماء عزايزة (1985): الشاعرة أسماء عزايزة المولودة في حيفا، والمشاركة في مشروع شحرور لأدب الأطفال، فتقول في قصيدة نثر سردية طويلة، بعنوان "أخبار عاجلة" ما يأتي: "ماتت شاشة التلفزيون يا أصدقائي/ الأخبار العاجلة التي تركتموها وراءكم/ كانت عاجلة لدرجة أنها دخلت غرفتي دون أن تطرق الباب/ وأنا بطبعي، لا أحب هذا النوع من الضيوف/ أصبحت منذها، مصاصة دماء، أسحب الدم من وريدها، أكفنها بلفافة تبغ، قبل أن تتعشى على لحم فكرتي الساذجة عن/ البشر...". وقالت في قصيدة "عين الشحرور"، "بعد قليل/ سيسقط قرص حياتي في حضني/ لن يحدث كثير بعد ذلك/ الذين تمنيت لقاءهم ماتوا/ البلد الذي حلمت به/ صار أغنية راب في سيارة بعيدة/ الخيول التي ربيتها في صغري/ عضت ذراعي/ ولا يبدو أنها ستفلتها/ القصائد التي تمنيت كتابتها زججتها في كفنه/ والأخطبوطات التي نتأت من ظهري/ علمتها كيف تتلمس غيابه".
شاعرات من الضفة الغربية والقدس المحتلة
نداء يونس (1977): هي الكاتبة والأكاديمية والشاعر الفلسطينية (مؤلفة الأنطولوجيا) المولودة في طولكرم، وقد اختارت أن تمثل مجموعاتها الشعرية بقصائد نثر طويلة، هي بمثابة "أناشيد" بعنوان "تقليم الضد"، تعرض فيها لثنائيات ضدية، تقول فيها: "الرطوبة ونبضها/ الضوء وحركته المتثائبة/ مقبض الباب وقدرته على سحب الغيم إلى المنفضة/ المرايا وتنهداتها/ الحديد وما يتقشر عنه، الخزائن وضجيجها، أيدي النوافذ وعزلتها،/ الإطارات ونزقها في ليالي الشتاء،/ الأخشاب وأشباهها،/ الجدران واحتمالات التداعي،/ الحطام وذكوريته...".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رجاء غانم (1974): تنماز لغة الشعر عند رجاء غانم المولودة في دمشق لأبوين فلسطينيين، برومانسية سيالة يخالطها الحنين إلى بلاد الأصل الأول، تنهل فيها من معين البراءة النقية، وعالم مثالي لا يقوى الفساد عليه. تقول في قصيدتها، بعنوان "عن الضحك وفساتين الأمهات": كنا صغاراً/ كنا نضحك كثيراً/ نغرف ما نشتهي من جرار الضحك/ لا نشبع/ لا تنضب الجرار/ كنا صغاراً/ نضحك كثيراً/ في الزمان البعيد حين ارتدت أمهاتنا فساتين تصل لفوق الركبة/ وأشعلن سجائر كنت طويل/ في زمان بعيد، كان الضحك ملء الجرار./ تشبه بلادنا/ وتشبهنا/ البلاد التي تخاف التجمعات هي ذاتها التي تقبر الحب...".
جدل القاسم (1983): تعبر الشاعرة جدل القاسم السورية الفلسطينية عن أصالة انتمائها إلى التراث العربي الكنعاني، من خلال محاكاتها نشيد الإنشاد التوراتي، تقول فيه: "أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم،/ تقول العاشقة الهاربة إلى النشيد: وتضيف: "ها أنت جميل يا حبيبي وحلو وسريرنا أخضر"/ والعاشق؟ إله/ أي الأناشيد تغطي رجلاً في إله"./ حبيبي يا بنات أورشليم/ حبيبي جميل كحناء العروس/ وقامته كصنوبر الغابات/ فمه كرز/ وكتفاه حقول قمح/ وعيناه لوزتان...".
رولا سرحان (1978): تقول الشاعرة المولودة في بيروت لأسرة لاجئة من قرية التينة، في قصيدة عن "القدس": "هي القدس،/ لا أدخلها، ولا أخرج منها/ في شيء معلق على عمودها الباب/ تجاوزت إليها حاجزاً/ شدني عنه/ العالقون في غصة الكلام.../ كسرت رجلي/ ولم تكسر/ فإلى القدس،/ يجبر الكسر في العين ولا ينحني/ هي القدس.../ فيها نواعم القلب تهفو إلى أمامه/ للمتحابين في نسيج السور في الألم...".