ملخص
فشل "بريكست" في المملكة المتحدة أثر بشكل كبير على الاقتصاد والوظائف، حيث اعترف العديد من السياسيين بتداعياته السلبية، بما في ذلك نايجل فاراج أحد أكبر الاداعين له في الماضي. رغم ذلك، لا يزال بعض القادة السياسيين، مثل كير ستارمر، متمسكين بفكرة نجاحه. في الوقت نفسه، تبرز الحاجة الملحة لتحسين العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل التهديدات التجارية من الولايات المتحدة.
نحتاج في بعض الأحيان إلى أن ينبهنا أصدقاؤنا عندما نرتكب خطأ. لكن إخبار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كير ستارمر أن "بريكست" قد فشل لا يندرج ضمن ذلك الإطار.
يعتقد سكان المملكة المتحدة بأغلبية ساحقة، بنسبة تبلغ 62 إلى 11 في المئة، أن "بريكست" أصاب فشلاً أكثر مما حقق نجاحاً، حتى أولئك الذين روجوا له يعترفون بذلك. ومع ذلك، يبدو أن ستارمر لا يزال متمسكاً بوهم قدرته على إنجاحه. لذا، في قمة بروكسل، سيضطر قادة الاتحاد الأوروبي – وهم جميعاً يدركون أن "بريكست" قد مات سريرياً – إلى مشاهدة ستارمر وهو يحاول يائساً إنعاش جثة. إنه مشهد يكاد يكون مؤلماً.
من الناحية السياسية، من المنطقي أن يؤكد ماكرون حقيقة أن "بريكست" كان كارثياً. فقد كان هذا الفشل مفيداً له في فرنسا. عام 2019، تخلت منافسته الأولى، الزعيمة اليمينية المتطرفة مارين لوبن، عن دعوتها إلى إخراج فرنسا من الاتحاد الأوروبي.
يبدو أن ثلاثة أعوام من تخبط المملكة المتحدة في محاولة العثور على نسخة من "بريكست" لا تغرق الملايين من الناس في الفقر لم تكن ترويجاً جيداً لـ"فريكست" [Frexit] (خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي).
وعلى رغم أن الحركات اليمينية المتطرفة في أوروبا لا تزال شديدة الانتقاد للاتحاد الأوروبي (كما هي الحال بالنسبة إلى كثير من مختلف التوجهات السياسية)، فإنها لم تعد متحمسة بالقدر نفسه لفكرة مغادرته فعلياً. في الواقع، كان فشل "بريكست" بمثابة درس تحذيري لها. وبهذا المعنى، ربما يكون الإنجاز الأكبر لـ"بريكست" هو أنه عزّز وحدة الاتحاد الأوروبي نفسه. من كان ليتخيل ذلك؟
بعد مرور خمسة أعوام على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، باتت فوضى "بريكست" تتفاقم. لدينا الآن رئيس وزراء أمضى أربعة أعوام في معارضة "بريكست"، ثم أصبح فجأة يزعم أنه يستطيع إنجاح "بريكست" من دون عودة المملكة المتحدة إلى سوق الاتحاد الأوروبي الموحدة.
وفي الوقت ذاته، يقر زعيم حزب "ريفورم"، نايجل فاراج، بأن الخروج البريطاني قد فشل. قبل أيام قليلة فقط، وفي مقابلة في مناسبة الذكرى الخامسة لـ"بريكست"، قال فاراج: "كل شيء، من الخدمات المالية إلى مصايد الأسماك، ربما أصبح أكثر صعوبةً الآن مما كان عليه سابقاً".
وهو محق. فبحسب العمدة السابق لمدينة لندن، مايكل ماينيلي، تسبب "بريكست" في فقدان 40 ألف وظيفة في قطاع الخدمات المالية. كذلك أفاد الاتحاد الوطني لجمعيات الصيادين بأن "بريكست" قد يكلفهم 300 مليون جنيه إسترليني (372 مليون دولار) بحلول العام المقبل. وهذا رقم مذهل بالنسبة إلى قطاع يواجه بالفعل تحديات كبرى.
حين يعترف فاراج - وهو الذي كان يعتبر مصايد الأسماك "الاختبار الحاسم" لنجاح "بريكست" - بأن المشروع قد فشل، فإن هذا الاعتراف ليس مجرد تصريح عابر، بل هو تأكيد قوي ومثير للسخرية لموت "بريكست" نهائياً.
عندما يطلب قادة حزب العمال منا أن نعتقد أن "بريكست" يمكن أن ينجح، ويقدم فاراج أقوى حجة لمصلحة إلغائه (سواء أدرك ذلك أم لا)، يكون العمل السياسي في المملكة المتحدة مقلوباً رأساً على عقب حقاً. ومع ذلك، لا يزال هناك أمل، يمكن إنقاذ الوضع.
أمس فقط، قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي، ديفيد ماك أليستر، إن الكرة الآن في ملعب المملكة المتحدة لاقتراح طرق لتحسين تجارتنا.
لكن ستارمر نفسه هو من أخرج خيار العودة إلى السوق الموحدة والاتحاد الجمركي من المعادلة. والمفارقة أنه هو نفسه من قال يوماً: "من الضروري أن نحتفظ بمزايا السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، ولا ينبغي استبعاد أية خيارات".
ولكن لماذا يفعل ذلك؟ من الواضح أن التوجه الحالي للحكومة البريطانية يتعارض مع مشاعر الرأي العام. فوفقاً للاستطلاعات، يعتقد 55 في المئة من البريطانيين أن التصويت لمصلحة "بريكست" عام 2016 كان خطأً، ويرجع ذلك إلى أن ثلثي البريطانيين (65 في المئة) يرون أن "بريكست" جعلهم أفقر. إذاً، من يحاول ستارمر إرضاءه بإبقائنا خارج الاتحاد الأوروبي؟ آمل حقاً ألا يكون دونالد ترمب، الذي يهدد اليوم بفرض رسوم جمركية على معظم أنحاء العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فقد صرح ترمب بأن المملكة المتحدة "خارج المسار الصحيح" في ما يتعلق بالتجارة مع الولايات المتحدة، لكنه يعتقد أن المشكلة "قابلة للحل". وعلى الأرجح، فإن هذا تلميح إلى خطته لإجبار الدول الأجنبية على دفع أسعار أعلى مقابل الأدوية، لتخفيف العبء المالي عن الولايات المتحدة، التي تدفع ثلاثة أضعاف ما تدفعه بريطانيا في هذا المجال. [من وجهة نظر ترمب، هذا الوضع غير عادل، لأن شركات الأدوية تعوض الأسعار المنخفضة في أوروبا وبريطانيا من طريق فرض أسعار أعلى على الأميركيين].
لذلك، من ناحية، لدينا أميركا، التي تساوي تعاملاتنا معها 17.6 في المئة من تجارتنا، تهدد بفرض رسوم جمركية مدمرة ما لم نجعل هيئة الخدمات الصحية الوطنية تدفع مالاً أكثر لشراء العقاقير – مما يعرض حياة البريطانيين إلى خطر. ومن الناحية الأخرى، لدينا الاتحاد الأوروبي، الذي تساوي تعاملاتنا معه 46.7 في المئة من تجارتنا، يعرض تحسين تجارتنا – وتزعم "هيئة نافيلد" [مؤسسة بحثية مستقلة في المملكة المتحدة متخصصة في مجال السياسات الصحية] أنه سيعزّز هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
أعتقد أننا يمكننا جميعاً أن نتفق على أن أي سياسي يختار الخيار الأول لا يهتم لمصالح المملكة المتحدة. ربما يتلخص النجاح الآخر لـ"بريكست" في تمكيننا من الحكم على السياسيين الذين يريدون خيرنا حقاً.
© The Independent