ملخص
مدينة ذكية واستثمارات دولية ومحطة تجارية، هكذا يفكر ترمب في مستقبل غزة، لكن ما مدى واقعية ذلك؟
"غزة تعني ريفييرا الشرق الأوسط"، هكذا يفكر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في شأن مستقبل المدينة التي تحولت إلى أنقاض متناثرة وباتت الحياة فيها صعبة ومعقدة وشبه مستحيلة بسبب الحرب الإسرائيلية، لكن كيف يصبح القطاع الفلسطيني مدينة متطورة؟
في المؤتمر الذي جمع الرئيس الأميركي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كشف الأول عن تجهيز خطة متكاملة ومترابطة في شأن غزة، بموجبها ستعمل الولايات المتحدة على تحويل القطاع إلى مشروع عقاري وتجاري واقتصادي عالمي مميز.
ملكية غزة للولايات المتحدة
ولتحقيق ذلك الهدف، يخطط ترمب لنقل ملكية أراضي قطاع غزة إلى الولايات المتحدة، وقال بكل وضوح إن "غزة يمكن أن تصبح ريفييرا الشرق الأوسط، سنستحوذ على الأرض وتكون للولايات المتحدة ملكية طويلة الأمد في القطاع، وبعد إعادة تطويرها سيعيش فيها أشخاص من جميع أنحاء العالم".
ما يفكر به ترمب، مشروع ضخم، إذ ينوي نقل الغزيين عن طريق تهجيرهم إلى دول ثالثة، وبعد تفريغها من سكانها يخطط لتحويل القطاع إلى موقع هدم كبير يتخلص في البداية من مخلفات الحرب والقنابل غير المنفجرة وحتى الأنقاض وأشباه المباني القائمة، وبعد ذلك يبدأ في تطويرها.
لكن ماذا سيفعل ترمب في غزة؟ تقول الباحثة في تطوير المدن ميساء أبو غنام، "أنتجت أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 عصراً ذهبياً لأميركا وإسرائيل، وجعلت الفرصة مناسبة لتنفيذ مشروع جديد في الشرق الأوسط يغير معالم المنطقة بأكملها، ويجعلها أكثر استقراراً، وهذا ما يصبو إليه ترمب وطرحه علناً".
مقر أميركي بمواصفات عالمية
بعد هجوم "حماس" على إسرائيل، وفرت الفصائل الفلسطينية جميع الذرائع لتدمير القطاع بأكمله، وبالفعل جرى ذلك، جهزت تل أبيب أرض غزة لتصبح غير صالحة للسكن والحياة في المنظور القريب، وبحسب رؤية سكانها لها، لكن من وجهة نظر بعيدة، فإن القطاع جاهز ليصبح مقراً أميركياً بمواصفات عالمية، وهذا ما كشف عنه ترمب بكل صراحة". وتضيف أبو غنام "بصمت وبعد سنوات ستكون غزة خالية من الفلسطينيين، ستتحول إلى مقاطعة أميركية ذات مواصفات عالمية، مدينة ذكية واقتصادية وسياحية، وتكنولوجيا متعددة الجنسيات، وقاعدة عسكرية للقوة العظمى، هذا ما يخطط له ترمب".
وتوضح أبو غنام أن "إسرائيل لا تسعى إلى احتلال غزة بصورة مباشرة، لكنها تهدف إلى تحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية في القطاع، بما يتماشى مع رؤيتها لمشروع غزة العالمية الذي يصف القطاع كميامي الشرق الأوسط، أو كما يطلق عليه ترمب ريفييرا الشرق الأوسط".
مدينة ذكية ومستثمرون عالميون
ووفق هذا المخطط تشرح المتحدثة، "ستتحول غزة إلى مدينة ذكية حديثة تتميز بالسياحة والتكنولوجيا، مع إقامة شركات عالمية فيها وتدشين مشاريع استثمارية دولية، وذلك عبر تخصيص الأراضي لشركات ومستثمرين من مختلف أنحاء العالم لتطوير القطاع".
ووفقاً لرؤية ترمب وإسرائيل، فإن الطرفين يسعيان إلى تدشين مشروع قناة بن غوريون، التي تربط البحر الأحمر، بالبحر الأبيض المتوسط، وقد تكون مرادفاً محتملاً لقناة السويس المصرية، مما يسهم في تعزيز النشاط الاقتصادي بصورة كبيرة بعد تحقيق الاستقرار السياسي".
وتتمتع غزة بموقع استراتيجي مميز كونها حلقة وصل بين ثلاث قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، ومن وجهة نظر أبو غنام فإن "موقعها المميز يجعلها مركزاً تجارياً وجغرافياً مهماً، يجذب إليه الشركات الدولية الكبرى ويشجعها على الاستثمار".
غزة ليست لأحد
في أكثر من مرة تحدث ترمب عن موقع غزة، ووصفها بأنها "مدينة ساحرة تطل على البحر ومناخها خلاب وجغرافيتها رائعة"، وأن هذه العوامل تشجعه على الاستثمار فيها وجعلها تخضع للسيطرة الأميركية. وأكد الرئيس الأميركي أن صهره تحدث معه كثيراً عن موقع غزة الجغرافي، وأن استغلاله فرصة ذهبية يجب استثمارها وعدم تفويتها.
وتشير أبو غنام إلى أن "إسرائيل والولايات المتحدة تتعاملان مع غزة على أنها قطعة أرض ليست لأحد، نظراً إلى أن 80 في المئة من سكانها لاجئون، مما يضعف حقوقهم السياسية ويسهل التلاعب بمستقبلهم، إذ تعتبر إسرائيل أن التخلص من سكان غزة جزء من استراتيجيتها للقضاء على توريث معاداة إسرائيل من جيل إلى جيل، وترى أن وجود اللاجئين يشكل خطراً دائماً على أمنها واستقرارها".
بالفعل اقترح الرئيس الأميركي خطة تهجير سكان غزة، وتحدث مع زعماء عرب في هذا الشأن، وفي مؤتمره مع نتنياهو، قال "الجميع يحب خطتي، وأبدوا في الشرق الأوسط استعدادهم لتقديم الأراضي اللازمة لنقل الفلسطينيين إليها لتنفيذ خطتي الخاصة بغزة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مقر لا يخضع لسيادة أية دولة
وتعتقد الباحثة في مجال تطوير المدن أن "الولايات المتحدة تحتاج إلى مقر في الشرق الأوسط لا يخضع لسيادة أية دولة، وغزة بموقعها الجغرافي والبنية المخططة لها قد تلعب هذا الدور. ولتحقيق هذا الهدف أصبح تهجير الفلسطينيين الغزيين مطلباً إسرائيلياً وأميركياً مشتركاً، وكل ذلك يعزز من أهمية تحويل غزة إلى مركز اقتصادي عالمي".
وتشكك أبو غنام في قدرة الولايات المتحدة وإسرائيل على ترحيل جميع سكان غزة، ولكنها ترجح "تقليل وجودهم بصورة كبيرة، لجعلها قابلة للاستثمار والتنمية وفق الرؤية الإسرائيلية والأميركية والدولية".
وتعتبر أن "اللقاء الذي جمع بين ترمب ونتنياهو كان منصة لرسم ملامح المرحلة المقبلة، إذ جرى توزيع الحصص والغنائم بذكاء ودقة، بعدما أصبحت غزة جاهزة لتصير مقراً أميركياً بمواصفات عالمية، بينما تتربع إسرائيل على الضفة الغربية".
"حماس" جاهزة للتفاوض مع ترمب
من جهته لا يستبعد الباحث في علوم المدن سامي المريش أن تتحول غزة إلى الولاية الـ51 لأميركا، ويعتقد أن مخطط ترمب لتطوير مدينة ذكية في القطاع فكرة مدروسة من كبار المستثمرين في العالم بمشاركة إسرائيل، لكنه يعتبر أن هذا المخطط مرهون بمدى قبول سفر الغزيين طوعاً من أراضيهم إلى دول العالم.
وواجهت خطة ترمب في شأن غزة رفضاً عالمياً، وعلى المستوى الفلسطيني لم يقبل بها أحد، سواء كانت السلطة الفلسطينية الرسمية ممثلة بمنظمة التحرير أو الفصائل الفلسطينية، لكن عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" موسى أبو مرزوق أكد أنهم جاهزون لبدء حوار مع الرئيس الأميركي مباشرة، على رغم أن الفصيل المسلح المنهك بسبب الحرب رفض خطة ترمب في شأن غزة.