Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تضج أميركا بحوادث القتل الجماعي؟

قواسم مشتركة تربط المهاجمين من توافر السلاح إلى انعدام المأوى

وقفة احتجاجية على أضواء الشموع لتكريم ضحايا حادثتي إطلاق النار الأخيرتين في كاليفورنيا (أ.ف.ب)

خلال ثلاثة أيام فقط، شهدت ولاية كاليفورنيا حادثتي هجوم جماعي، أودت الأولى بحياة 11 شخصاً، ولقي في الثانية سبعة أشخاص مصرعهم، ما بعث من جديد مطالب حظر اقتناء السلاح. وفيما لا تزال هذه الخطوة مثار جدل دستوري وحزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين، بدأت بعض الجهات الأمنية الأميركية كالمركز القومي لتقييم التهديدات التابع للخدمة السرية استقصاء مشكلة حوادث القتل الجماعي، والبحث في دوافع الجناة.

ووفق دراسة نشرت، الأربعاء الماضي، استخدم ما يقرب من ثلاثة أرباع المهاجمين أسلحة نارية لتنفيذ هجمات جماعية أودت بحياة أعداد كبيرة من الأشخاص بين عامي 2016 و2020. وتكشف الدراسة التي حللت 173 حادثاً أن أكثر من ثلث المهاجمين عانوا من صعوبة الحصول على سكن، في العقدين اللذين سبقا جرائمهم، وشارك ربعهم تقريباً رسائل وداعية قبيل الهجمات، وهنا تفصيل بالقواسم المشتركة بين مرتكبي جرائم القتل الجماعي في أميركا:

السلاح المستخدم

استخدم المهاجمون في 73 في المئة من الحوادث سلاحاً نارياً واحداً أو أكثر لقتل أو تشويه الضحايا. وفيما يتعلق بالوفيات عند مقارنة أنواع الأسلحة، فإن أكثر من 80 في المئة من الحوادث التي استخدم فيها سلاح ناري كانت قاتلة، في حين أن أقل من نصف الحوادث التي استخدمت فيها أنواع أخرى من الأسلحة أسفرت عن وفيات. ووجدت الدراسة أن ما يقرب من ثلاثة أرباع المهاجمين استخدموا مسدساً يدوياً، بينما استخدم ثلثهم تقريباً بنادق طويلة.

وتضمنت ربع الهجمات تقريباً سلاحاً نارياً واحداً على الأقل، حصل عليه المهاجم بشكل غير قانوني بعدة طرق، منها الشراء من خلال طرف ثان، والسرقة، والشراء من مواطنين خارج القنوات الرسمية، إضافة إلى حيازة القطع عبر الإنترنت. وتعقب الباحثون توقيت حيازة الأسلحة في 50 هجوماً، ووجدوا أن المهاجمين في 19 من تلك الحوادث حصلوا على السلاح في غضون شهر واحد من الهجوم، وفي يوم الهجوم نفسه في ثلاث حالات.

وبينما تراوحت أعمار المهاجمين بين 14 و87 عاماً، بمتوسط ​​عمر 34 عاماً، كان 96 في المئة من المهاجمين الـ180 من الذكور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رسائل الوداع

ووجد التقرير المكون من 72 صفحة أن ما يقرب من ثلث المهاجمين شاركوا رسائل وداعية أو إشارات إلى أنهم سيقدمون على هجوم وشيك، من خلال إنتاج مقاطع فيديو، مذكرات أو كتابات تفصل خططهم ودوافعهم. وأقدم آخرون على إجراء مكالمات وداعية مع الأصدقاء والعائلة، في حين ترك آخرون رسالة انتحار أو رسائل مشفرة للآخرين تشير إلى أنهم لن يلتقوا مجدداً.

ووفقاً للتقرير، اشترك المهاجمون في أداء مهام أخيرة ضمن مخططاتهم، شملت إنهاء عقد الإيجار، والتخلي عن الممتلكات الشخصية، والتوقف عن شراء طعام الحيوانات الأليفة، والتحقق من التأمين على الحياة أو تغييره، إضافة إلى تأمين الأموال لبعض أفراد الأسرة.

وفي أحد الأمثلة، أقدم أنتوني كوين وارنز (63 عاماً) على الانتحار وإصابة ثلاثة أشخاص بعد تفجير عبوة ناسفة داخل عربة سكن متنقلة. وقبل الانتحار، أهدى وارنز منزله وسيارته، وأخبر أحد عملائه أنه سيتقاعد. وقبل ساعات من الهجوم، حذر المارة بالقرب من العربة من انفجار وشيك.

وفي 33 هجوماً، أدلى المهاجمون بتصريحات أو نفذوا أفعالاً تنم عن دوافع انتحارية. وفي هذه الحوادث، انتحر 18 من المهاجمين، من بينهم اثنان أحصوا طلقاتهم، لإبقاء الرصاص الأخير لأنفسهم.

ضغوط متنوعة

وكشف تقرير الحكومة الفيدرالية الذي حلل حوادث في 37 ولاية وواشنطن العاصمة عن أن 93 في المئة من المهاجمين عانوا من ظروف شخصية تتراوح بين المشكلات الصحية، والطلاق، والعنف المنزلي، وحوادث سير، والفصل من المدرسة، وإجراءات تأديبية في العمل، إضافة إلى التنمر الإلكتروني.

وقيمت الدراسة أوضاع 139 مهاجماً، وخلصت إلى أن 77 في المئة واجهوا هذه الضغوط بغضون عام من هجماتهم، وأن 72 في المئة عانوا قبل الهجوم من مشكلات مالية. ومن 180 مهاجماً، وجد الباحثون أن 39 في المئة منهم عانوا من عدم الاستقرار السكني خلال العقدين التي سبقت الحوادث، في حين كان 17 في المئة منهم يعاني التشرد وقت تنفيذ الهجوم.

وتحصي وزارة الإسكان والتنمية الحضرية في الولايات المتحدة عدد الأشخاص الذين لا يملكون مسكناً، وبحسب إحصاء الوزارة، بلغ عدد الأشخاص المشردين في الشوارع والملاجئ عام 2022 أكثر من 582 ألف شخص.

وبحسب الدراسة، لدى أكثر من ثلث المهاجمين تاريخ في تعاطي المخدرات أو إساءة استخدام الأدوية الموصوفة والكحول والماريجوانا. وأدى التعاطي إلى عواقب سلبية منها المحاكمة بتهم جنائية والفشل المهني أو الأكاديمي إضافة إلى البرامج المنظمة من قبل المحكمة، وعمليات الإخلاء من المساكن.

ووفقاً لإدارة خدمات إساءة استخدام العقاقير والصحة العقلية في الولايات المتحدة فإن 61.2 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 12 عاماً أو أكثر، أي 22 في المئة من سكان الولايات المتحدة، تعاطوا مخدرات غير مشروعة العام الماضي، في حين تعاطى 9.2 مليون شخص الأفيون بطريقة غير مشروعة.

المشكلات النفسية

وأشار التقرير إلى أن 58 في المئة من المهاجمين عانوا من الاكتئاب وأعراض الذهان والأفكار الانتحارية، وأن ما يقرب من الثلث تلقى أحد أنواع العلاج النفسي، إلا أن الرعاية "كانت مختلفة على نطاق واسع، وغالباً ما كانت غير مستدامة".

لكن الدراسة أكدت أن "الغالبية العظمى من الأفراد في الولايات المتحدة الذين يعانون مشكلات الصحة العقلية لا يرتكبون جرائم أو أعمال عنف". وأضافت "الأعراض الموصوفة في هذا القسم تشكل عوامل مساهمة محتملة ولا ينبغي النظر إليها على أنها تفسيرات سببية لسبب وقوع الهجمات".

وجاء في التقرير أن "عمر ظهور الأعراض متفاوت، حيث ظهرت الأعراض لأول مرة في بعض المهاجمين في مرحلة المراهقة بينما بدأت الأعراض لدى آخرين في وقت لاحق في الحياة". ووفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، سيتم تشخيص أكثر من نصف سكان الولايات المتحدة بمرض عقلي في مرحلة ما من حياتهم.

مساعي الانتقام

ووجدت الدراسة أن أكثر من نصف المهاجمين كانوا مدفوعين بمشاعر تعرضهم للظلم وسعوا للانتقام، وأن 17 في المئة من هذه القضايا كانت مرتبطة بمشكلات أسرية و10 في المئة مرتبطة بالعمل.

 وخلص الباحثون إلى أن "المظالم ظلت الأكثر شيوعاً من بين دوافع مرتكبي الهجمات الجماعية بين عامي 2016 و2020".

نظريات المؤامرة

وبحسب تقييم الخدمة السرية، تفاعل ربع المهاجمين مع نظريات المؤامرة أو أيديولوجيات الكراهية، ووجهات نظر معادية للحكومة ومعادية للسامية والمرأة. وكشف التقرير أن ما لا يقل عن 35 مهاجماً أظهروا سلوكيات معادية للمرأة قبل الهجمات، مثل التحرش الجنسي، والتهديد بالعنف الجنسي، ووصم النساء بأسماء مهينة.

وتضمنت نظريات المؤامرة التي لوحظت بين المهاجمين معتقدات خاطئة مثل "فبركة الحكومة للهبوط على سطح القمر"، "ومساعي اليهود للاستيلاء على العالم"، إضافة إلى "مسؤولية الأفراد من أصول صينية عن انتشار فيروس كورونا"، و"خطط الأمم المتحدة لنزع سلاح المواطنين الأميركيين".

وأشارت الدراسة إلى أن ستة مهاجمين على الأقل أظهروا تطرفاً فكرياً من خلال مشاركاتهم عبر الإنترنت. وكان لدى ما يقرب من ثلثي المهاجمين البالغ عددهم 180 مهاجماً وجود على الإنترنت، ونشر بعضهم على المدونات أو وسائل التواصل الاجتماعي، كما نشر ما يقرب من ربعهم تهديدات بإلحاق الأذى بالآخرين ومنشورات تشير إلى أفكار انتحارية، وعمليات إطلاق نار جماعية سابقة، ومحتوى ينم عن كراهية تجاه مجموعات عرقية معينة.

سلوك لافت

وأظهر ثلثا المهاجمين "سلوكيات مقلقة أو محظورة أو تبادلوا رسائل مثيرة للقلق"، ومن بين هؤلاء المهاجمين، أظهر ما يقرب من نصفهم سلوكيات مشتركة مثل "التواصل المزعج، والتهديدات المباشرة، بما فيها التهديد إلحاق الأذى بالآخرين، والتهديد بالعنف المنزلي، والإشارات إلى هجوم وشيك، والحديث عن صناعة أو حيازة الأسلحة".

وغالباً ما كان للمهاجمين في نصف الهجمات التي شملت موقعاً تجارياً علاقة سابقة بالمؤسسة، إما كموظف حالي أو سابق أو كعميل ولذلك، دعا الباحثون الأفراد إلى الإبلاغ الاستباقي، وحثوا الشركات على وضع خطط لمنع وتجنب العنف في مكان العمل.

وقالت رئيسة المركز الوطني لتقييم التهديدات التابع للخدمة السرية الأميركية لينا الأثاري، إنه لا يوجد "مجتمع محصن" من العنف، إلا أنها اعتبرت دراسة الحوادث السابقة وتحليلها وجمع القواسم المشتركة إجراءات وقائية مفيدة.

أزمة السلاح

ويعد العنف باستخدام السلاح أزمة كبيرة في الولايات المتحدة، إذ حصلت أكثر من 600 عملية إطلاق نار استهدفت مجموعة من الأشخاص في عام 2022، وفق موقع "أرشيف عنف الأسلحة" Gun Violence Archive.

وقضى أكثر من 44 ألف شخص متأثرين بإصابتهم بأعيرة نارية في عام 2022، وأكثر من نصفهم حالات انتحار.

ويملك واحد من كل ثلاثة بالغين في الولايات المتحدة سلاحاً واحداً على الأقل، ويعيش واحد من كل شخصين بالغين في منزل يحتوي على قطعة سلاح.

وعلى رغم أن حوادث إطلاق النار أحيت الجدل حول فرض قيود على استخدام الأسلحة، فإن ملكية السلاح في الولايات المتحدة آخذة في الازدياد، إذ وصلت مبيعات الأسلحة إلى رقم قياسي بلغ 23 مليوناً في عام 2020، بزيادة قدرها 65 في المئة عن عام 2019، وظلت مرتفعة في عام 2021.

المزيد من تقارير