Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واشنطن تراقب بحذر تقدم المعارضة السورية

محللون: إذا أطيح الأسد ستكابد إيران للتأثير في المنطقة وهو ما تريده الولايات المتحدة وإسرائيل بقوة

ملخص

بينما راقبت الولايات المتحدة وأجهزة استخباراتها ما يجري على الأرض في سوريا، تشعر واشنطن بقدر كبير من الارتياح لفشل روسيا وإيران الذريع في سوريا، فقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن استثمار موسكو لمدة ثمانية أعوام في إعادة بناء الجيش الحكومي لم يكن له تأثير يذكر في قدرته على القتال بفاعلية تحت الضغط.

غيّر الهجوم المفاجئ الذي شنته فصائل المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام بصورة كبيرة مشهد الحرب في سوريا، لكن الولايات المتحدة التي تراقب تطورات الأوضاع من كثب ظلت تترقب تداعي نظام الرئيس بشار الأسد في هدوء من دون أن تبدي أي قدر من الارتياح أو القلق، على رغم أنها أحد أكبر المستفيدين مما يجري في سوريا، فما الذي تتوقعه واشنطن وما تنتظره من نتائج؟ وما طبيعة المكاسب أو الخسائر التي سوف تسفر عنها التحولات الجيوسياسية في سوريا والمنطقة؟

تغيير قواعد اللعبة

في غضون أيام اجتاحت الفصائل السورية المسلحة مدناً رئيسة مثل حلب وحماة ووصلت حتى مشارف حمص واستولت على مساحات شاسعة من الأراضي عبر أربع محافظات وتقدمت نحو العاصمة السورية دمشق، وبعد ساعات من مطالبة روسيا رعاياها بمغادرة سوريا، واستياء "الكرملين" من عدم رغبة الجيش السوري في القتال، وتردد أنباء عن سحب قطع الأسطول الروسي من ميناء اللاذقية، بدأت إيران أيضاً إجلاء قادتها العسكريين وموظفيها من سوريا، مما يشير إلى عجز إيران عن المساعدة في إبقاء بشار الأسد في السلطة.

ومع انهيار خطوط الجبهة للنظام السوري واحداً تلو الآخر، وبعد ما يقارب خمسة أعوام من الجمود في خريطة سيطرة الأطراف المختلفة على الأراضي في جميع أنحاء البلاد، غيرت التطورات الدراماتيكية قواعد اللعبة، إذ لم يكن أمام أي من داعمي سوريا ما يمكن فعله للحفاظ على تماسك قوات النظام بينما كانت تتجه نحو الفوضى، ولم يكن الهجوم نفسه مفاجئاً بحسب عدد من مراكز البحوث الأميركية نظراً إلى أن خطط هيئة تحرير الشام بالهجوم كانت معروفة منذ منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عندما تدخلت تركيا في محاولة لوقفها، وأغارت روسيا أياماً بهجمات جوية مكثفة في محاولة لردعها واستنزافها. 

ارتياح أميركي

بينما راقبت الولايات المتحدة وأجهزة استخباراتها ما يجري على الأرض في سوريا، تشعر واشنطن بقدر كبير من الارتياح لفشل روسيا وإيران الذريع في سوريا، فقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن استثمار موسكو لمدة ثمانية أعوام في إعادة بناء الجيش الحكومي لم يكن له تأثير يذكر في قدرته على القتال بفاعلية تحت الضغط.

وعلى رغم أن جهود روسيا عززت بعض القدرات الفعالة داخل وحدات عسكرية مختارة مثل فرقة المهمات الخاصة الـ25، فإن القوات المسلحة السورية ككل اتضح أنها غير موحدة وضعيفة التنسيق بعدما أصيب الجهاز العسكري للنظام بالركود في الأعوام الأخيرة، وانهار من الداخل وتفكك من الخارج، وبدا أن شبكة من الميليشيات الموالية تقدم قدرة عسكرية أعظم من الجيش نفسه.

 

وفي حين أن القدرة النوعية الوحيدة التي أضافتها روسيا إلى الجيش العربي السوري في الأعوام الأخيرة هي استخدام طائرات "درون" انتحارية، فإن وحدة طائرات الـ"درون" من "كتائب شاهين" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" تفوقت عليها بصورة كبيرة من جهة الحجم والتأثير، بعدما أطلقت مئات الأجهزة على مواقع النظام الأمامية والدبابات وقطع المدفعية وكبار القادة خلال الأسبوع الماضي، وتمكنت من إخراج أسلحة ثقيلة للنظام من ساحة المعركة، واستخدمت أيضاً صواريخ "كروز" محلية الصنع تعادل قوتها التفجيرية شاحنة مفخخة انتحارية، مما جعل التفوق واضحاً لهيئة تحرير الشام وحلفائها الآخرين على الجيش السوري.

وإذا كان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان صرح بأن الإدارة الأميركية لديها مخاوف حقيقية حول أهداف هيئة تحرير الشام في إشارة مبطنة إلى أنها مصنفة منظمة إرهابية، فإن مبعث الارتياح الأميركي يعود إلى أن الفصائل المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام استغلت حقيقة أن إسرائيل ألحقت أضراراً كبيرة بمحور المقاومة الإيراني، وتسببت في إضعاف "حزب الله" بصورة كبيرة، ومع انشغال روسيا بمعركتها في أوكرانيا أصبح من الصعب الدفاع عن نظام الرئيس الأسد، مما قد يمنع إيران من توفير خطوط الإمداد لـ"حزب الله" اللبناني عبر الأراضي السورية في المستقبل، إذا نجحت القوات المهاجمة في بسط سيطرتها على حمص ثم دمشق وتمكنها من إسقاط النظام، مما يضعف النفوذ الإيراني بصورة كبيرة ويجعل تأثيره معدوماً.

افتقار إلى الفاعلية

غير أن المواقف الأميركية الأولية التي صدرت عقب الهجوم على حلب تشير إلى عدم فاعلية الولايات المتحدة وافتقارها إلى إستراتيجية واضحة في سوريا منذ إدارة الرئيس باراك أوباما وحتى الآن، إذ أوضح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي شون سافيت في بيان له رداً على التصعيد العسكري في سوريا، أنه ليست للولايات المتحدة أية علاقة بهذا الهجوم الذي تقوده منظمة إرهابية، في إشارة إلى "هيئة تحرير الشام"، وأن عملية سياسية جادة وموثوقة يمكنها إنهاء هذه الحرب الأهلية مرة واحدة وإلى الأبد بتسوية سياسية تتفق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ إدارة أوباما فشلت في التعامل مع تعقيدات القضية السورية سورياً، وباستثناء الجهود السياسية الناجحة لتفكيك الترسانة الكيماوية للنظام السوري وتوفير المساعدات الإنسانية ظلت سياسات إدارة أوباما غير فعالة إلى حد كبير، ولم تسفر برامج التدريب العسكري المتعددة والجهود الدبلوماسية الشاملة للتوسط في وقف إطلاق النار عن أي تقدم ملموس، وهو ما يعتبره بعض المراقبين فشلاً سياسياً يعود إلى اعتبار سوريا مجرد دولة غير ذات أهمية إستراتيجية.

وفي دورة حكم الرئيس دونالد ترمب الأولى واصلت الولايات المتحدة نهج إدارة أوباما تجاه سوريا، حين أعطت إدارة ترمب الأولوية لمحاربة تنظيم "داعش" وتنفيذ ضربات بطائرات مسيرة متقدمة ضد عناصر "القاعدة" المشتبه فيهم، وكان التغيير الأساس عن سياسة أوباما هو شن غارات جوية عقابية ضد نظام الأسد في أعقاب هجماته بالأسلحة الكيماوية، لكن كل من إدارتي ترمب وبايدن لم تقدم التزاماً مستداماً بتسهيل الانتقال السياسي في سوريا.

عكس المسار

الآن وبعد 13 عاماً من الصراع الدموي في سوريا تواجه الإدارة الأميركية القادمة تحديات كبيرة تفرض تحقيق انتقال سياسي في سوريا، ليس فقط من أجل الحفاظ على المعايير الدولية، بل وأيضاً لتعزيز المصالح الإستراتيجية الأميركية في المنطقة والاستقرار الدولي على نطاق واسع، ومن أبرز هذه التحديات أن التسوية الأميركية المحتملة مع إيران يجب أن تنطلق من سوريا إذا لم يسقط نظام الرئيس الأسد، لأن سوريا تشكل أهمية إستراتيجية أكبر بالنسبة إلى النظام الإيراني، إذ توفر لإيران إمكانية الوصول إلى البحر المتوسط، وتعمل كقناة حاسمة لتزويد "حزب الله" بالسلاح.

 ومكنت هذه العلاقة طهران من تعزيز نفوذها في لبنان، وأدى إطالة أمد الصراع إلى تعزيز الوجود العسكري الإيراني في سوريا، مما سمح لها بإنشاء قواعد للقوات الإيرانية ووكلائها داخل الأراضي السورية، وفي غياب النظام السوري سوف يواجه محور المقاومة الإيراني تحديات لوجستية وجيوسياسية كبيرة.

استعادة الدور النشط

في أية مفاوضات محتملة مع إيران يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دوراً نشطاً في تفعيل القرار 2254، الذي أشار إليه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أثناء تأكيده أن مسار "مفاوضات أستانا" الذي يشمل روسيا وإيران وتركيا لم يسفر عن حل للصراع، ومن شأن تفعيل القرار 2254 أن يحول الديناميكية السياسية في سوريا إلى موقف أقل ملاءمة لإيران، ومن ثم تقليص نفوذ طهران في المفاوضات.

ومن الواضح أن دعم التحول السياسي في سوريا أمر بالغ الأهمية للحفاظ على هزيمة تنظيم "داعش" وضمان الانسحاب الآمن للقوات الأميركية، ومن دون ذلك سوف يغذي عدم الاستقرار الدائم وضعف الحكم عودة "داعش" والمتطرفين المتشددين الذين استغلوا قبل سنوات المشهد السياسي المجزأ في سوريا وفراغات السلطة وبخاصة في المناطق المهمشة.

وفي غياب ترتيب سياسي شرعي ومستقر، تظل هذه المناطق عُرضة لعمليات التمرد وتجنيد المتطرفين، كذلك فإن الانتقال السياسي المنظم من شأنه أن يسهل جهود إعادة الإعمار الدولية المنسقة، والحد من الصعوبات الاقتصادية والسخط الاجتماعي، وهي كلها عوامل رئيسة يستغلها تنظيم "داعش" لكسب الدعم.

التحول السياسي السريع

في غياب مثل هذه الخريطة فإن انسحاب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا أو من قاعدة "التنف" الحدودية مع الأردن يخاطر بتكرار التجربة في أفغانستان، إذ أدى الخروج المتسرع إلى انتصار سريع لـ"طالبان"، وكان الرئيس المنتخب ترمب منتقداً صريحاً لهذا الخروج، لهذا فإن تمكين المؤسسات الحكومية ودعم التحول السياسي هو ما يمكن أن يسمح للولايات المتحدة بالخروج من سوريا بطريقة مسؤولة، والتخفيف من خطر عودة ظهور "داعش".

وسيؤدي ضمان التحول السياسي السريع والمستدام في سوريا إلى تعزيز الجهود الأميركية لمكافحة نقل المخدرات، إذ أصبحت سوريا مركزاً رئيساً لإنتاجها وبخاصة الـ"كبتاغون" الذي يمول نظام الرئيس بشار الأسد وحلفائه، بما في ذلك "حزب الله"، إذ تولد تجارة الـ"كبتاغون" عائدات تتجاوز بكثير الصادرات السورية المشروعة، ويغذي تجارة المخدرات هذه عدم الاستقرار الإقليمي، وتمتد إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط من خلال شبكات "حزب الله" الراسخة في أميركا اللاتينية، وهي تشكل خطراً مع إمكانية دخول المخدرات إلى السوق الأميركية، مما يتماشى تماماً مع أجندة الرئيس المنتخب ترمب، الذي جعل الحد من تهريب المخدرات وعداً رئيساً في حملته الانتخابية.

ترويض الشيطان

وبينما يكمن الشيطان في التفاصيل فإن مهمة الولايات المتحدة هي كيفية ترويضه والتغلب على الفكرة المضللة التي تقدم الصراع على أنه يفرض التعامل مع بشار الأسد أو "هيئة تحرير الشام"، الذي يعد أمراً تبسيطياً بصورة خطرة، إذ لا ينبغي أن يكون لمسألة من يحكم الأسبقية على كيفية اختياره، ذلك أن العملية التي يصل بها القادة إلى السلطة هي التي تميز الأنظمة الديمقراطية، ولهذا لا ينبغي صرف الانتباه عن القضية الأوسع والأكثر أهمية وهي إنشاء عملية سياسية شرعية.

وفي المستقبل يمكن للإدارة الأميركية القادمة أن تتبنى نهجاً عملياً تدرجاً بالتعاون مع أصحاب المصلحة الدوليين والإقليميين بحيث تسترشد بجداول زمنية واضحة، وأن تركز على مجالات موضوعية محددة مثل الدفع نحو التوصل إلى إجماع في شأن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين كشرط سابق لأي انتقال سياسي في سوريا.

 

ويمكن لواشنطن أن تضغط على المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا للتخلي عن فكرة صياغة دستور جديد، وهو أمر غير قابل للتطبيق حالياً نظراً إلى الديناميكيات السياسية الجامدة، وفشل الجهات السياسية الحالية في التوصل إلى تسوية، مما يجعل صياغة الدستور غير عملية.

في المقابل تقدم الدستورية التدرجية، كما يقول الباحث المتخصص في القانون بجامعة "هارفارد" ضياء الرويشدي نهجاً أكثر مرونة وواقعية مع التركيز على العملية بدلاً من النتائج، إذ يتطلب وضع الدستور تصميم أطر إجرائية تعزز الاستقرار السياسي والدستوري، لذا ينبغي للجنة الدستورية السورية أن تفوض مسؤولية التصميم الإجرائي إلى جهات فاعلة تكنوقراطية غير سياسية، مع قيام الأعضاء الحاليين بدور استشاري فقط.

إضافة إلى ذلك تشكل المساءلة قضية ذات أهمية قصوى ومن دونها سوف تترك جذور الحرب من دون معالجة، ومن ثم تعرض لخطر إعادة ظهور الصراع، ولهذا ينبغي أن تعتمد المشاركة في عملية الانتقال السياسي على رغبة الأطراف السورية وقدرتها على الانخراط بعملية مساءلة حقيقية يقودها الشعب.

بقاء أم رحيل؟

يوجد للولايات المتحدة حالياً 900 فرد عسكري أميركي في سوريا موزعون على قواعد عدة في شمال شرقي سوريا، وفي حامية "التنف" على الحدود الجنوبية مع الأردن، وهم هناك لمساعدة قوات "سوريا الديمقراطية" في احتواء تنظيم "داعش". وعلى رغم أن استيلاء الفصائل المعارضة المسلحة على حلب وحماة وغيرها من القرى والمدن الصغيرة لا يغير هذه المهمة، فإن السؤال الذي يظل مطروحاً هو ما إذا كانت هذه القوات ستبقى بعد تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2025.

 خلال ولايته الأولى تعهد ترمب مرتين سحب هذه القوات، لكن بدلاً من ذلك اختار تحت ضغط من مستشاريه إعادة نشر بعضها، وتماشياً مع رؤيته العالمية "أميركا أولاً" فقد يختار ترمب هذه المرة سحب هذه القوات بغض النظر عن الوضع في سوريا التي لا تشكل حالياً تهديداً للأميركيين أو للوطن الأميركي.

مع ذلك فإن التقدم السريع الذي بدأ بالاستيلاء المفاجئ على حلب، يحدث على بعد أكثر من 200 ميل (328 كيلومتراً) من موقع حقل غاز "كونوكو" في شرق الفرات، وهو من بين أربع قواعد أميركية متناثرة عبر شمال شرقي سوريا التي تسيطر عليها قوات "سوريا الديمقراطية" ومكونها الرئيس وحدات "حماية الشعب" الكردية التي تعتبرها تركيا جزءاً من حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا والولايات المتحدة.

وفي حين يركز العسكريون الأميركيون في المقام الأول على منع عودة "داعش" وخلق مساحة دبلوماسية للتفاوض مع أنقرة في شأن قوات "سوريا الديمقراطية" (قسد) وتأمين حدود تركيا، فإن ما يهم واشنطن دائماً أن الوجود الأميركي يشغل أيضاً مساحة كان الإيرانيون والروس ليملأوها لولا وجودهم في شرق سوريا، وكما يقول متخصص الشؤون العسكرية والأمنية في إيران والعراق ودول الخليج بمعهد "واشنطن"،  مايكل نايتس "إذا غادرت الولايات المتحدة فإن السيطرة على المنطقة ستمنح إيران جسراً برياً تشتد الحاجة إليه لدعم (حزب الله) في لبنان، ولدى الإسرائيليين أيضاً مصلحة قوية في منع حدوث ذلك".

لكن إذا تمكنت الفصائل السنية المسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام" من التمسك بمكاسبها أو إطاحة حكم الرئيس الأسد، فسوف تكابد إيران للتأثير في الأحداث بالمنطقة بصورة ملحوظة، وقد لا تتمكن من استخدام الأراضي السورية كقناة للوصول إلى مقاتلي "حزب الله" في لبنان، وهذا هو ما تريده بقوة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، حسبما يشير نايتس.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات