Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صعود الثروة وهبوط الثورة

"المسيرة الطويلة" في الثورة الشيوعية بقيادة ماوتسي

افتتاح مطار بكين الجديد الذي من المتوقع أن يصبح أحد أكثر المطارات ازدحاماً في العالم (أ.ف.ب)

في الألفية الأولى، كانت الصين على قمة العالم حضارياً. في الألفية الثانية أغرقتها القوى الأوروبية المتنافسة، في الفقر والتخلف وحروب الأفيون والتسلط. وكان ذلك من الأسباب التي قادت إلى "المسيرة الطويلة" في الثورة الشيوعية بقيادة ماوتسي تونغ خلال الحرب الوطنية ضد الغزو الياباني، وإعلان جمهورية الصين الشعبية في مثل هذه الأيام قبل 70 سنة.

وفي العقدين الأولين من الألفية الثالثة كرست الصين عودتها إلى القمة، وصارت القوة الاقتصادية الثانية بعد أميركا قبل اليابان، وانتقلت من التنافس إلى التجاوز على أكثر من صعيد. شيء من تطبيق نظرية ماو عن أن "الأشياء يجب أن تصبح أسوأ لكي تصير أفضل". وشيء من تجارب تختلف عما تصوره ماركس وما عمل به لينين وستالين، بحيث يلعب نظام شمولي شيوعي في السوق المالية العالمية ويدافع عن العولمة ويدير "رأسمالية الدولة" ونوعاً من التعددية الاقتصادية، بسيطرة سياسية مركزية شديدة.

حين زار الرئيس الأميركي نيكسون الصين، قال له ماو "أنا أحب اليمينيين لأنهم يستطيعون أن يفعلوا ما يقول اليساريون إنهم سيفعلونه". وفاجأه رئيس الوزراء شوان لاي بالقول "أنا صيني أكثر مما أنا شيوعي". وما يقوله الجيل الثاني بعد دينغ شياو بينغ، الذي قاد الانفتاح بعد كوارث "الثورة الثقافية"، هو توظيف الكونفوشيوسية والوطنية كسلاحَين في مكافحة الفساد ومواجهة الأخطار الخارجية. دينغ أهانه الغوغائيون الذين أطلقهم ماو ضد كوادر الحزب العليا. والزعيم الحالي شي جيبينع هو ابن نائب لرئيس وزراء تعرّض للعزل والإهانة والاعتقال، كما جرى إرساله هو إلى قرية بعيدة في الريف للعمل اليدوي. أبرز طموحات شي هو جعل الصين عام 2049 "قوة كونية علمية". ومن خطواته العملية، إلى جانب النمو الاقتصادي الهائل، إنفاق حوالى تريليون دولار على مشروع "طريق واحد، حزام واحد"، الذي هو تطوير لمشروع "طريق الحرير"، بحيث يربط الصين تجارياً بآسيا وأوروبا وأفريقيا عبر موانئ بحرية وطرق وسكك حديد برية. وهذا مشروع قوة عظمى، وإن كرّر شي القول إنه ليس لدى الصين "جينة" الهيمنة. فلا مهرب من الهيمنة حين تصبح الصين غنية اقتصادياً وقوية عسكرياً.

لكن الهيمنة الصينية ليست كلاسيكية مثل الأوروبية القديمة ولا على الطريقة الأميركية. فهي تعتمد على القروض التي تقدمها لبلدان ستعجز حتماً عن الوفاء بها. وهي وصلت إلى حد أن "إجماع بكين" في الاقتصاد صار البديل عن "إجماع واشنطن". فضلاً عن أن التجربة الصينية أسقطت نظريات وبنت نظريات. فالانطباع السائد في الغرب هو الانفتاح الاقتصادي يقود حتماً إلى انفتاح سياسي. لكن الانفتاح في الصين رافق المزيد من التشدّد السياسي، مع سيطرة الأمين العام على الحزب، وسيطرة الحزب على الشعب، وسيطرتهما معاً على التاريخ. لا بل إن شي خالف تقليد الاكتفاء بعشر سنين على قمة السلطة، وصار مثل ماو حتى الموت. وهو كلما انفتح وتحدث طلاب يساريون متشددون عن "لا ماركسية الحزب"، ازداد تشدّد قبضته على الحزب وعلى المطالبين بالإصلاح. ومع تركيزه على شيوعية الحزب، فإنه ليس مهتماً بنشر الشيوعية في العالم كما كانت تفعل موسكو.

ذلك أن طموح شي يرافقه هاجس. أما الطموح، فإنه التقدم على أميركا في القوة الناعمة بعد الاعتماد على "سرقة" التكنولوجيا الأميركية من جانب الذين تصفهم بكين بأنهم "اللصوص الوطنيون". وأما الهاجس، فإنه تجنب مصير الاتحاد السوفياتي. إذ سأل شي في اجتماع لكوادر الحزب "لماذا تفكّك الاتحاد السوفياتي؟ لماذا سقط الحزب الشيوعي؟" ثم قدم الجواب بالقول "لأن قادته سمحوا بتشويه التاريخ وصورة لينين وستالين. وهذا درس لنا، لماذا؟ من أجل التركيز على تضحيات الحزب الشيوعي وقادته، كما على تاريخ الغزوات للصين بما يعطي قوة أكبر للروح الوطنية". وأحدث المهام التي طلب من الحزب الشيوعي التركيز عليها هي محاربة "قيم غربية"، الديمقراطية الدستورية وحقوق الإنسان واستقلالية الإعلام والمشاركة المدنية وليبرالية السوق والنقد العدمي للحزب.

يقول مثل صيني "إذا أردت سنة من الازدهار ازرع قمحاً، وإذا أردت عشر سنين ازرع أشجاراً، وإذا أردت مئة سنة نمِّ شعباً". وهذا ما فعلته الصين. لكن السؤال هو: أين الدور السياسي للطبقة الوسطى؟ وأي نوع من التنمية لشعب يقول الصحافي ليوهو إن الحكومة جعلت "عيونه عمياء وآذانه صماء وأفواهه بلا كلمات؟".

 

المزيد من آراء