ملخص
تقدر وزارة التخطيط حاجة الأردنيين إلى نحو 65 ألف وحدة سكنية سنوياً، لا يتوفر منها سوى 40 ألف وحدة فقط تذهب معظمها للفئات ذات الدخل المتوسط والمرتفع، مما يفاقم أزمة الإسكان للفئات الأقل دخلاً.
أضيفت أزمة السكن إلى قائمة الأزمات الاقتصادية والضغوط المعيشية التي تلاحق المواطن الأردني، بعدما شهدت أسعار الإيجارات ارتفاعاً غير مسبوق خلال الأعوام الأخيرة، مما أثقل كاهل الفئات ذات الدخل المتوسط والمحدود، ودفع كثيرين إلى إعادة التفكير في خياراتهم السكنية، في بلد يشهد نمواً سكانياً مطرداً وموجات لجوء متلاحقة.
ووفق متخصصين ومراقبين، أعادت هذه الأزمة رسم خريطة السكن والإقامة في الأردن، إذ بدأت تظهر أنماط هجرة داخلية للسكن في مناطق أخرى أقل كلفة.
ارتفاع الإيجارات
تقول دائرة الإحصاءات العامة، إن أسعار العقارات السكنية ارتفعت بنسبة تراوح ما بين 5 و10 في المئة بين عامي 2022 و2023، بموازاة ما شهده الاقتصاد الأردني من تضخم والزيادة في الطلب على الإسكان وارتفاع كلفة البناء والمواد الأولية خصوصاً في العاصمة عمان التي يقطنها نحو 40 في المئة من سكان الأردن.
يعزو عقاريون هذا الارتفاع أيضاً إلى تداعيات جائحة كورونا واضطرابات سلاسل التوريد وارتفاع أسعار المواد مثل الحديد والأسمنت.
يشار إلى أن معدل تملك المنازل في الأردن بلغ نحو 63 في المئة العام الماضي، ولذلك يدعو عاملون في القطاع العقاري إلى تسهيلات في منح الأراضي بأسعار مخفضة أو رمزية لتطوير المشاريع السكنية، وتقديم قروض مدعومة للمطورين العقاريين المهتمين بإنشاء وحدات سكنية ميسورة، لمواجهة معضلة ارتفاع كلف البناء، إضافة إلى تمويل الفئات الأقل دخلاً، التي تواجه صعوبات في الحصول على قروض ميسرة لشراء المنازل.
يدافع رئيس جمعية مالكي العقارات والأراضي مازن الحديدي عن المالكين، ويقول إن القوانين المعنية لم تحقق العدالة للمالكين إذ يمكن للمستأجر إنهاء عقد الإيجار من دون أن تترتب عليه أي مسؤوليات فضلاً عن حالات التأخر في دفع قيمة الإيجار.
ويوضح الحديدي أن ثمة كلفاً ومصروفات تترتب على المالكين كالرسوم والضرائب التي تصل إلى نحو 27 في المئة ما بين رسوم مسقفات وضريبة دخل ورسوم معارف.
هجرة من المدن إلى الأطراف
ووجد أردنيون ضالتهم في أطراف العاصمة عمان بعدما ارتفعت أسعار الإيجارات، إذ انتقل كثر منهم إلى مدن الزرقاء وإربد وضواحٍ قريبة من عمان كالرصيفة وسحاب ومادبا التي تمتاز جميعها بإيجارات أقل. وشهدت هذه الضواحي زيادة ملحوظة في عدد السكان خلال الأعوام الأخيرة، نظراً إلى خفض كلفة المعيشة هناك مقارنة بالعاصمة عمان وخفض قيمة الإيجارات بأقل من 30 في المئة.
في السياق ذاته، ثمة زيادة في الطلب على العقارات في المناطق الريفية، رصدته وزارة التخطيط الأردنية التي أصدرت تقريراً في 2022 قالت فيه، إن هناك تزايداً ملحوظاً في عدد الأردنيين الذين يتجهون للعيش في القرى أو المناطق الأقل كثافة سكانية، على وقع خفض كبير للقدرة الشرائية لدى الأردنيين وارتفاع نسب الفقر بينهم.
فبحسب تقرير البنك الدولي، انخفضت القدرة الشرائية للأردنيين بنسبة 10 في المئة عام 2023، وارتفعت نسبة الفقر إلى نحو 27 في المئة، كما وصلت نسبة البطالة إلى 23 في المئة.
يدعو رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان ماجد غوشة إلى إطلاق برامج تمويلية لقطاع الإسكان مدعومة من الحكومة والبنك المركزي لتمكين المواطنين من شراء مسكنهم الأول فقط ضمن قدرتهم الشرائية، وجدولة القروض السكنية الممنوحة للأفراد لفئة محدودي الدخل من دون ترتيب أي فوائد أو رسوم أخرى.
ويشير إلى أن أسعار الإيجارات تعتمد بصورة رئيسة على المؤجرين، خصوصاً أن كثيرين يرون فيها استثماراً مضموناً وبعائد جيد، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأراضي.
وتقدر وزارة التخطيط حاجة الأردنيين إلى نحو 65 ألف وحدة سكنية سنوياً، لا يتوفر منها سوى 40 ألف وحدة فقط تذهب معظمها للفئات ذات الدخل المتوسط والمرتفع، مما يفاقم أزمة الإسكان للفئات الأقل دخلاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
معضلة سوق الإيجارات
على وقع ارتفاع الأسعار وضعف تطبيق القوانين وحماية حقوق المستأجرين والمالكين على حد سواء، يشكل تنظيم سوق الإيجارات في الأردن تحدياً كبيراً للحكومة على رغم وجود تشريعات تحكم العلاقة بين طرفي المعادلة، وتحاول تحقيق توازن بينهما كقانون المالكين والمستأجرين.
ففيما يشكو المستأجرون من تسلط بعض المالكين وعدم وجود ضوابط سعرية للإيجارات، يقول المالكون إنهم في حاجة إلى ما يحفظ حقوقهم المالية التي تذهب هدراً جراء تخلف بعض المستأجرين عن السداد.
وفقاً لعاملين في قطاع العقار، فإن سوق الإيجارات في الأردن شهدت خلال الأعوام الأخيرة زيادة ملحوظة في الطلب على المساكن المستأجرة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجارات، بخاصة في المدن الكبرى مثل العاصمة عمان، وكنتيجة طبيعية للنمو السكاني وتدفق اللاجئين.
ويؤكد هؤلاء أن أسعار الإيجارات ارتفعت بصورة كبيرة، ففي المناطق الغربية من العاصمة مثل عبدون والصويفية وخلدا، يراوح متوسط الإيجار الشهري لشقة مساحتها 100 متر مربع بين 500 و800 دينار أردني (700 و1100 دولار أميركي)، وهو ما يتجاوز متوسط دخل الأسر من الطبقة الوسطى.
أما في المناطق الأرخص كمناطق عمان الشرقية فتراوح قيمة الإيجار ما بين 200 و400 دينار (300 و560 دولاراً).
وبحسب تقارير دائرة الإحصاءات العامة الأردنية لعام 2023، تبلغ نسبة الأسر التي تعيش في منازل مؤجرة نحو 37 في المئة من إجمالي عدد الأسر في الأردن.
قوانين في حاجة لتفعيل
تخضع سوق الإيجارات في الأردن لقانون المالكين والمستأجرين الذي ينظم العلاقة التعاقدية بين المالك والمستأجر، ويحدد شروط عقد الإيجار ومدته وأحكاماً تتعلق بإخلاء العقار. ويتيح القانون للمالك والمستأجر تعديل قيمة الإيجار عند تجديد العقد أو بعد مضي مدة معينة وفق شروط محددة.
أما قانون الإسكان والتطوير الحضري فتسعى الحكومة الأردنية من خلاله إلى تنظيم عملية البناء العقاري والإسكان بصورة عامة، لكنه يلعب دوراً غير مباشر في التأثير في سوق الإيجارات من خلال تشجيع البناء العقاري وزيادة المعروض من الوحدات السكنية. وأجرت الحكومة تعديلاً على قانون المالكين والمستأجرين عام 2021، حاولت من خلاله وضع آلية لتحديد الزيادات السنوية في الإيجار بصورة تتماشى مع التضخم والوضع الاقتصادي، لتفادي الزيادات العشوائية في الأسعار.
كما أصبحت آليات إخلاء العقار أكثر وضوحاً في التعديلات الجديدة، بحيث يحظى المستأجر بحماية أكبر من الطرد غير القانوني.
وحدات سكنية مدعومة
قبل عقد من الزمن منيت تجربة حكومية لإنشاء وحدات سكنية مدعومة ورخيصة للمواطنين بالفشل، إذ حمل المشروع آنذاك اسم "سكن كريم لعيش كريم" ووفر نحو 8 آلاف وحدة سكنية من أصل 100 ألف وحدة.
أطلق المشروع عام 2008 بهدف تقديم وحدات سكنية ميسورة الكلفة للفئات ذات الدخل المحدود والمتوسط، وتعزيز العدالة الاجتماعية وتحسين مستوى معيشة المواطنين، لكنه لم يحقق الأهداف المرجوة منه، وتم إيقافه بعد فترة وجيزة بعدما واجه بعض التحديات المتعلقة بالتنفيذ والجودة.
اليوم وبالتعاون مع القطاع الخاص تسعى الحكومة إلى تشجيع الاستثمار في مشاريع الإسكان الميسر عبر توفير أراض حكومية بأسعار مخفضة لتطوير مشاريع سكنية تستهدف الفئات ذات الدخل المتوسط والمنخفض.
إضافة إلى ذلك تحاول جهات حكومية تطوير قاعدة بيانات مركزية للإيجارات لتنظيم السوق بحيث تتيح للحكومة والمستأجرين معرفة أسعار الإيجارات في مختلف المناطق وتجنب أي تلاعب بالأسعار.
لكن كل هذه الجهود تصطدم بعدة تحديات من بينها الارتفاع المستمر في أسعار العقارات والعشوائية في تحديد الإيجارات في بعض المناطق، وغياب آلية رقابية فعالة.