Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نصف أطفال تونس يفتقدون التعليم التمهيدي

على رغم وفرة الروضات لا توجد خطط استراتيجية بسبب التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية

وفرة في المؤسسات العمومية والخاصة التي تنشط في مجال الطفولة في تونس (مواقع التواصل)

ملخص

كشفت منظمة اليونيسيف في تقرير لها أن نسبة الطلاب في تونس الذين لا يمتلكون المعارف الكافية في القراءة تناهز 28 في المئة، في حين تصل هذه النسبة إلى 75 في المئة في ما يتعلق بالمهارات الأساسية في الرياضيات.

تشكل المرحلة التمهيدية محطة مهمة في تكوين وبناء شخصية الطفل المعرفية في تونس، قبل انتقاله إلى السنة الأولى من التعليم الابتدائي، ويتلقى الطفل في هذه المرحلة المكتسبات العلمية، وتساعده على التعرف إلى ذاته في علاقتها بالمحيط وبالآخرين، استعداداً للمرحلة الابتدائية، وهي أساسيات التعليم التي يتلقاها الطفل في سنوات ما بين أربع وخمس سنوات، وتؤهله للتكيف مع مرحلة التعليم الابتدائي، وتساعده على تنمية مؤهلاته وتطوير قدراته لتيسير اندماجه وسط المجموعة.

وعلى رغم أهمية هذه المرحلة في رسم ملامح مستقبل الطفل، فإن نحو نصف الأطفال في تونس لا يتلقون تعليماً تمهيدياً، فما أسباب ذلك؟ وما تأثيراته في مستقبل الطفل؟

الاستثمار في الطفولة هو في الواقع استثمار في المستقبل وفي الأجيال القادمة، إلا أن انشغال الدولة ومؤسساتها بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، يحول دون رسم خطط استراتيجية وعملية تجعل من طفل اليوم فعلاً عماداً للمستقبل، على رغم وفرة المؤسسات العمومية والخاصة التي تنشط في مجال الطفولة في تونس.

رياض الأطفال تواجه صعوبات

وتؤكد رئيسة الغرفة الوطنية لرياض الأطفال نبيهة كمون، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "تونس تمر بصعوبات اقتصادية كغيرها من بقية دول العالم، إلا أن ما تضعه من خطط وبرامج للطفولة تبدو غير كافية"، لافتة إلى أن "القطاع الخاص يحتكر 94 في المئة من قطاع رياض الأطفال في تونس، بنحو 6 آلاف روضة، من دون احتساب الرياض العشوائية، بينما لا تتجاوز نسبة الرياض العمومية، أو ما يسمى الروضات البلدية ستة في المئة".

وتضيف كمون أن "رياض الأطفال في القطاع الخاص تواجه صعوبات كبرى، على غرار توظيف ضرائب عالية، علاوة على كلفة المساهمة في الضمان الاجتماعي للأعوان، داعية إلى مراعاة خصوصية هذا القطاع الذي يهتم بقطاع حيوي وحساس وهي الطفولة".

وترى كمون أن تراجع عدد الأطفال المسجلين في رياض الأطفال لتلقي تعليم تحضيري، يعود إلى أسباب عدة من بينها "تدهور القدرة الشرائية للتونسيين، مقابل ارتفاع الكلفة الشهرية للطفل في رياض الأطفال، وأيضاً عزوف الأولياء عن رياض الأطفال، وكذلك تنامي ظاهرة هجرة العائلات".

وتدعو رئيسة غرفة رياض الأطفال الدولة إلى "المساهمة في تطويق الظاهرة من أجل الحفاظ على الرأسمال الرمزي للدولة التونسية وهم الأطفال، من خلال تخفيف العبء الجبائي على رياض الأطفال، وفتح المجال أمام المتخرجين في الجامعات في اختصاصات الطفولة، من أجل استيعاب عدد أكبر من الأطفال"، لافتة إلى أن "التوزيع الجغرافي لرياض الأطفال في الجمهورية فيه إجحاف، إذ تتكدس الروضات في المدن الكبرى بينما تغيب تماماً في القرى والأرياف، مستحضرة ضرورة احترام مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع التونسيين أينما كانوا".

 وتؤكد كمون أن "رياض الأطفال مشروع استثماري خاص له صبغة اجتماعية عمومية، لأنه يشتغل على قطاع حيوي وهم الأطفال، لذلك لا بد للدولة من أن تتدخل لحماية مستقبل الأجيال القادمة".

وتردف نبيهة كمون أن "نسبة الأطفال المؤطرين في رياض الأطفال في تونس الذين تلقوا تعليماً تمهيدياً لا تتجاوز 50 في المئة"، محذرة من خطورة هذا المؤشر نظراً إلى تأثيره في مستقبل الأطفال والتعليم في تونس.

وتعول رئيس غرفة رياض الأطفال على "تكاتف جهود القطاعين العام الخاص من أجل إنقاذ وضع الطفولة من مزيد التدهور"، معربة عن أملها في أن يضع المجلس الأعلى للتربية المحدث أخيراً برامج واضحة تستوعب هذه الفئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت منظمة اليونيسيف كشفت في تقرير لها أن "نسبة الطلاب في تونس الذين لا يمتلكون المعارف الكافية في القراءة تناهز 28 في المئة، في حين تصل هذه النسبة إلى 75 في المئة في ما يتعلق بالمهارات الأساسية في الرياضيات"، والسبب يعود في تقدير عدد من المتخصصين إلى عدم تلقي الطالب أساسيات التعليم في رياض الأطفال التي تسجل تراجعاً لافتاً في عدد الأطفال.

ظاهرة لافتة

وتشير بسمة بن عبيد صاحبة روضة أطفال في ضواحي العاصمة تونس إلى أن "العدد في تراجع لافت من سنة إلى أخرى، وهي ظاهرة تستحق الدرس"، حسب قولها، مشيرة إلى أنها "استثمرت أموالاً طائلة من أجل إعادة تهيئة الروضة، إلا أن العدد الإجمالي للأطفال لا يتجاوز 15 طفلاً، وهو عدد لا يمكن أن يغطي الكلف الشهرية، بسبب توظيف معلمتين وعاملة نظافة، ومساعدة خدمات، علاوة على صيانة التجهيزات وفواتير الكهرباء والماء، والأداءات والضرائب".

بسمة متخرجة في المعهد الأعلى للطفولة بتونس، وتحصلت على قرض بنكي لفتح الروضة، وتعمل في القطاع منذ أربع سنوات، تؤكد أنها "بدأت العمل بنحو 50 طفلاً موزعين على أربعة أقسام"، مضيفة أنه "مع غلاء أسعار الكراء، وارتفاع الضرائب وتراجع عدد الأطفال، بات مشروعها وهو حلم بالنسبة إليها مهدداً بالاندثار".

نحت شخصية سوية للطفل

ومن جهتها، تؤكد الباحثة في علوم التربية، المتخصصة في تنمية المهارات الفكرية والحياتية للطفل، منى العرقي، في تصريح خاص، أهمية التعليم التمهيدي للطفل، لأن "التعويل على الذاكرة المرئية والأنشطة الرياضية، يسهم في تنمية القدرات الذهنية للطفل، ويتم تطوير ذاكرته من طريق الصور والخيال، لتتعزز لديه ملكة المهارات والثقة العالية في النفس".

ويصبح الطفل في هذه المرحلة قادراً على "الإبداع والخلق والخيال والابتكار، من خلال تحفيز ملكاته الكامنة باعتماد أساليب علمية وبيداغوجية متوافرة فقط في الفضاءات الملائمة كرياض الأطفال" وفق تقدير منى العرقي.

ويدرس المتخصصون قدرات الطفل ويدركون من أين يستمدها، سواء الذاكرة البصرية أو السمعية أو الحسية، ويتم البناء على هذه القدرات لتطوير الذكاء وتنمية مهارات الطفل.

وتضيف العرقي أن "بناء مجتمع متوازن يقوم على نحت شخصية سوية للأطفال في المؤسسات المتخصصة، من خلال توظيف قدراتهم وتنشيط ملكة الإبداع لديهم لتأهيلهم إلى مرحلة التعليم الابتدائي ومن ثمة النجاح في المشوار الدراسي".

20 ألف مؤسسة طفولة

وفي المقابل، قدم آخر تقرير رسمي حول الطفولة في تونس (2020 - 2021)، صادر عن وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، بعض المؤشرات التي تؤكد تراجع عدد الأطفال في رياض الأطفال، وكشف عن أن هذا التراجع يعود إلى عزوف الأولياء عن وضع أبنائهم في هذه الفضاءات، مما دفع بعدد منها إلى الغلق، بخاصة إثر فترة تفشي جائحة كورونا، كما يقر التقرير بأن التعميم الكلي للسنوات التحضيرية لم ينجز بعد على رغم مجهود رياض الأطفال، مشيراً في الوقت ذاته إلى انتشار عدد من الفضاءات التي تؤم الأطفال من دون أن تتوافر فيها المعايير المطلوبة.

وتجدر الإشارة إلى وجود نحو 20 ألف مؤسسة طفولة تنشط في البلاد التونسية، تتوزع بين رياض أطفال ومحاضن مدرسية ونوادٍ عمومية وخاصة ومركبات طفولة ونوادٍ ومراكز إعلامية موجهة للطفل.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي