Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معارك جنوب لبنان تعصف بسوق العقارات والتجار يستفيدون

المواطن ضحية انعكاس الحرب في الجنوب وسط نزوح سوري فيما الدولة غائبة

لاجئون سوريون في لبنان وسط سهل البقاع (اندبندنت عربية)

ملخص

 تعاني السوق العقارية في لبنان ارتفاعاً حاداً في الأسعار وسط نزوح سكاني من الجنوب وتأثير النزوح السوري، فيما يواجه المواطن ضغوطاً متزايدة في ظل غياب أي تدخل حكومي لضبط السوق.

تشهد السوق العقارية في لبنان حالاً من التضخم والاضطراب غير المسبوقين، إذ أصبح ارتفاع أسعار الإيجارات والعقارات السمة البارزة لهذه المرحلة.

ولم تأت الأزمة من فراغ بل كانت نتيجة عوامل متشابكة تتراوح بين الأزمة المالية والمصرفية التي تعصف بالبلاد، وتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية في مقابل الدولار، وصولاً إلى النزوح السوري وأخيراً نزوح أهل الجنوب بسبب الأحداث الجارية في أعقاب تصاعد التوترات جنوب لبنان، نتيجة الاشتباكات المتكررة بين "حزب الله" والقوات الإسرائيلية خلال الحرب الدائرة في قطاع غزة.

وفي حديث مع مهدي، وهو نازح من النبطية جنوب لبنان، قال "تركنا منزلنا في الجنوب كما فعل كثيرون غيرنا خشية اتساع رقعة الحرب، ولجأنا إلى بعض المناطق التي تعتبر أكثر أماناً، ولكن للأسف وجدنا أن أسعار الإيجارات مرتفعة للغاية بسبب ارتفاع الطلب وقلة العرض، والأسوأ من ذلك أن هناك بعض المالكين الذين يستغلون أزمتنا لتحقيق مكاسب شخصية على حساب معاناتنا".

ومع تفاقم هذه الأوضاع أصبحت السوق العقارية مسرحاً لممارسات غير أخلاقية من قبل بعض المالكين والمطورين العقاريين الذين استغلوا الظروف لرفع الأسعار بصورة غير منطقية، بينما بقيت الدولة اللبنانية شبه غائبة عن المشهد تاركة المواطنين تحت رحمة العرض والطلب في ظل غياب أي ضوابط تحميهم من هذا التضخم الذي يهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.

تحديات المستأجرين والمالكين

وعن التحديات التي يواجهها المستأجرون وأصحاب العقارات على حد سواء، أشارت المستشارة القانونية للجنة الأهلية للمستأجرين مايا جعارة لـ "اندبندنت عربية" إلى أن "أزمة السكن في لبنان مشكلة ضاغطة، لكنها لا تحظى بالاهتمام اللازم من قبل المسؤولين، فلا توجد حتى اليوم سياسة إسكانية واضحة، ومجلس النواب متقاعس عن أداء واجباته الأساس"، متأسفة لكون "غالبية الكتل في مجلس النواب واللجان المسؤولة عن الملف الإسكاني لا تبدو مهتمة بإيجاد حلول، بل تفضل ترك المستأجرين تحت رحمة المالكين والسوق، مقدمين مصالحهم الشخصية على الحقوق الأساسية للمواطنين".

وأشارت إلى أن "تحديات أصحاب العقارات تكمن في الخوف من عدم إخلاء المستأجرين للمأجور عند انتهاء مدة الإيجار، كما أن كثيراً من المؤجرين لا يصرحون عن عقود الإيجار، مما يعقد الأمور القانونية، إضافة إلى بطء القضاء الذي لا يوفر الحلول السريعة والفعالة التي يتطلع إليها المالكين".

ثغرات قانونية

القطاع العقاري في لبنان يشهد أيضاً تحديات قانونية واقتصادية متزايدة أيضاً وسط تحولات تشريعية أثارت جدلاً واسعاً حول حقوق المالكين والمستأجرين. وأوضحت جعارة أن "آخر قانون يتعلق بحرية التعاقد هو القانون رقم (159) لعام 1992 الذي يعتمد على الحرية التعاقدية المطلقة وقاعدة العرض والطلب، مع تمديد العقد الأول مدة ثلاثة أعوام"، مشيرة إلى "القانون رقم (2/2017) الذي يحرر الإيجارات السكنية القديمة" واعتبرته "استهدافا لكبار السن" ووصفت هذا التوجه بـ "الإبادة الجماعية".

كما لفتت إلى "قانون آخر أقر في ديسمبر (كانون الأول) 2023 خلال الأزمة الاقتصادية الراهنة الذي يقضي بتحرير الإيجارات غير السكنية القديمة"، مؤكدة أن "هذا القانون فصل بما يتناسب مع رغبات المالكين من دون مراعاة حقوق المستأجرين القدامى الذين استثمروا مبالغ طائلة في تلك العقارات، بناء على قوانين سابقة كانت ترعى وتنظم حقوقهم المكتسبة بموافقة المالكين الأساس"، لافتة إلى أن "هذا القانون أعيد لمجلس النواب من قبل حكومة تصريف الأعمال، مع طلب إجراء تعديلات عليه إلا أن هناك ضغوطاً كبيرة من بعض الكتل النيابية ووسائل الإعلام لإعادة تمريره كما صدر".

 

وأعربت المحامية جعارة عن قلقها من "قانون الإيجارات الحالي الذي يعتمد على حرية التعاقد من دون ضوابط كافية، مما يجعله عاجزاً عن حماية المستأجرين ويعرضهم لسلطة المالك"، مشيرة إلى أن "القانون يعاني ثغرات كبيرة، مثل عدم ربط بدلات الإيجار بالحد الأدنى للأجور وغياب مؤشر لضبط الأسعار، مما أدى إلى إعادة بدلات الإيجار إلى مستوياتها السابقة بسرعة، وهذا الوضع القانوني يسهم في الفوضى وعدم الاستقرار في سوق الإيجارات مما يبرز الحاجة الملحة إلى إصلاحات تحمي حقوق المستأجرين وتضمن استقرارهم".

بين النزوح الأول والثاني

من ناحية أخرى شكل النزوح السوري إلى لبنان والذي بدأ منذ عام 2011، تحدياً كبيراً للبلاد، وفي عام 2023 استمر انتشار اللاجئين في المناطق الحدودية والريفية، إضافة إلى المدن الكبرى، وهذا الانتشار أدى إلى تضخم في سوق الإيجارات وارتفاع أسعار العقارات على رغم التدهور الاقتصادي الذي يواجهه اللبنانيون.

وعن تأثير النزوح السوري في سوق الإيجارات السكنية وغير السكنية في لبنان، أكدت جعارة أنه "ترك تأثيراً سلبياً كبيراً في السوق العقارية بسبب الأعداد الكبيرة للنازحين ومزاحمتهم للبنانيين، خصوصاً أن هؤلاء النازحين يحصلون على مساعدات من الأمم المتحدة من دون سواهم، ويقطنون بأعداد كبيرة في المكان نفسه، وأحياناً عائلات عدة في وحدة سكنية واحدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضحت أن "الدولة غائبة عن التعامل بفعالية مع ملف النزوح السوري، باستثناء بعض المبادرات الفردية من البلديات"، معربة عن قلقها من أن "هذا الوضع يهدد الوجود اللبناني واليد العاملة المحلية وأصحاب المحال الصغيرة، كما أن استبدال اللبنانيين بالوافدين قد يؤدي إلى تغيير ديموغرافي وثقافي خطر على مستقبل لبنان".

أما بالنسبة إلى نزوح أهل الجنوب فاعتبرت جعارة أنه "مثلما حدث في حرب يوليو (تموز) عام 2006، هو نزوح موقت وغير مستدام، نظراً إلى تمسكهم بأرضهم"، محذرة من أن "هذا النزوح سيؤدي إلى ارتفاع بدلات الإيجار أكثر في حال استمرار الأزمة ".

التداعيات الاقتصادية

من جهة ثانية يشهد الاقتصاد الوطني في الوقت الحالي تحديات غير مسبوقة تتجاوز حدود الأزمات المالية التقليدية لتدخل في دوامة من الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن عوامل عدة.

وفي السياق أوضح الباحث الأكاديمي في الشأن الاقتصادي والمالي الدكتور بلال علامة أن "ما يشهده لبنان حالياً ليس تضخماً بالمعنى الاقتصادي التقليدي، بل هو حال اضطراب ناجمة عن غياب القوانين التي ترعى التملك والإيجارات"، مشيراً إلى أن "السوق العقارية في لبنان تتأثر بالأحداث الجارية في غزة وجنوب لبنان، بخاصة مع دخول لبنان طرفاً في الدعم والإسناد العسكري، مما أدى إلى اهتزاز واضطراب السوق نتيجة لعمليات النزوح والهجرة الداخلية"، مؤكداً أن "هذه الحال من الاضطراب ستنتهي بمجرد انتهاء الحرب وعودة الاستقرار للبلاد".

ويشرح علامة أن "التضخم العقاري الحقيقي يحدث عندما ترتفع أسعار العقارات بصورة تتماشى مع القدرة الشرائية للناس، وبالتوازي مع الطلب في السوق، وعادة ما تتحدد الأسعار بتوازن العرض والطلب، وعندما يقل العرض ويرتفع الطلب يدخل السوق في حال تضخم بنيوي"، موضحاً أن "حال التضخم يمكن أن تحدث أيضاً عندما يصبح القطاع العقاري هدفاً للمضاربة أو لعمليات غسل الأموال غير المشروعة".

 

ومع ذلك يشدد علامة على أن "ما يحدث في لبنان حالياً هو اضطراب وخلل في السوق العقارية نتيجة تدفق النازحين ورغبة بعضهم في الاستقرار داخل مناطق معينة، مما أدى إلى زيادة الطلب بصورة غير متوازنة، وهذا الاضطراب أدى إلى انخفاض أسعار العقارات في بعض المناطق الجنوبية التي تعتبر مناطق عمليات عسكرية، بينما ارتفعت الأسعار في المناطق الأكثر أماناً وبعداً عن التوترات"، لافتاً إلى أن "هذا الخلل في توازن الأسعار بين مختلف المناطق يشير إلى حال من الاضطراب وليس إلى تضخم اقتصادي حقيقي".

وفي ما يتعلق بتأثير هذا الاضطراب في الاقتصاد يبين علامة أن "القطاع العقاري يعد من الركائز الأساس للاقتصاد اللبناني، إذ يمثل 30 في المئة من حجم الاقتصاد الكلي في حالات الاستقرار، ويشمل استثمارات مالية ضخمة تتجاوز مليارات الدولارات"، مشيراً إلى أنه "في حال تعرض هذا القطاع لضربة قوية مع استمرار الحرب أو توسعها، فإن الخسائر ستتجاوز القطاع العقاري لتطاول الاقتصاد الوطني ككل".

وأضاف أن "حجم الخسائر الناتجة من الدمار قد قدر حتى الآن بـ 2.5 مليار دولار أميركي، وفقاً لدراسات مجلس الجنوب وهيئة الإغاثة"، محذراً من أن "استمرار الحرب سيؤدي إلى تراكم خسائر أكبر لا يمكن تحديد نتائجها بصورة دقيقة".

بدورها رأت جعارة أن "هناك محاولات متعمدة لإفساد قاعدة العرض والطلب من خلال تشجيع المؤجرين على رفع قيمة بدلات الإيجار"، مؤكدة أن "هذا السلوك ليس فقط غير أخلاقي بل ويعاقب عليه جزائياً بموجب المادة (685) من قانون العقوبات، إذ تصل العقوبة إلى السجن مدة عامين".

وأضافت جعارة أن "أسعار الإيجارات في لبنان أصبح مبالغاً فيها مقارنة بالحد الأدنى للأجور والخدمات المتوافرة في المساكن والأحياء"، مشيرة إلى أن "كلفة الإيجار تتجاوز 50 في المئة من دخل المواطن، على رغم أن المواثيق الدولية تحدد ألا تتعدى هذه النسبة الثلث، مع الأخذ في الاعتبار كلف الكهرباء والمياه والخدمات الأخرى، إذ يعد المعدل العالمي حوالى 20 في المئة من الدخل".

وأشارت إلى أن "أزمة النزوح السوري ونزوح أهل الجنوب فاقمت المشكلة، فبعد الانخفاض الحاد في الأسعار نتيجة الانهيار الاقتصادي وانخفاض سعر صرف الليرة في مقابل الدولار، عادت الأسعار بسرعة فائقة لمستوياتها السابقة بل وتخطتها في بعض المناطق، بينما بقيت مداخيل وإيرادات المواطنين أقل بكثير مما كانت عليه قبل الانهيار الاقتصادي والمالي".

آفاق الحلول

وعن التدابير والسياسات الملحة لمعالجة "الاضطراب العقاري"، أكدت جعارة "أهمية وجود قوانين استثنائية لحماية حقوق المالكين والمستأجرين"، مقترحة "اعتماد عقود إيجار موسمية كحل موقت لطمأنة المالكين"، معربة عن تشاؤمها "في شأن عودة الأسعار لمستوياتها الطبيعية حتى بعد معالجة النزوح السوري وانتهاء الحرب في غزة"، موضحة أن "الأسعار في لبنان نادراً ما تعود للانخفاض بعد ارتفاعها، مما يؤدي إلى تبعات سلبية على المدى الطويل".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير