Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النزوح القسري غربة اليمنيين داخل وطنهم

يعجز الملايين عن لقاء عائلاتهم القاطنة في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية

آلام النازحين في مخيم السمياء النفسية أشد وطأة من الجوع والعطش (اندبندنت عربية)

ملخص

لا يزال 4.5 مليون يمني يعيشون تحت وطأة النزوح الداخلي ضحايا ظروف مأسوية تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة ينتظرون بفارغ الصبر حلولاً عاجلة تنتشلهم من هذه المعاناة المبرحة.

يقف ملايين اليمنيين اليوم تحت وطأة المأساة الإنسانية القاسية عاجزين عن لقاء ذويهم وأهاليهم منذ سنوات، ومع دخول الحرب عامها التاسع غدت ظاهرة الفراق القسري تؤرق كثيراً منهم، وهم الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم بحثاً عن الأمان من بطش ميليشيات الحوثي، ليواجهوا رحلة نزوح قسرية مليئة بالآلام والمعاناة.

في هذه الرحلة، فقد كثر أمهاتهم وآباءهم وأحباءهم دون حتى نظرة وداع أخيرة، إذ قلب الانقلاب الدموي لميليشيات الحوثي المدعومة من إيران حياة اليمنيين رأساً على عقب وقسم البلاد إلى أجزاء متناثرة. مع مرور عقد من الزمن على هذه القطيعة نشأ جيل لا يعرف ذويه ممن يعيشون لجوءاً قسرياً في مناطق أخرى، ولم تنجح وسائل الاتصال الحديثة في تذويب هذه القطيعة.

حلم العودة

في مخيم السمياء بمديرية الوادي في محافظة مأرب شرق اليمن، وتحديداً في منزل مبني من الطين يتميز عن آلاف المساكن المصنوعة من الخيام المهترئة، يحكي الشاب اليمني فخري عتيق تفاصيل قصته. تحيط به نباتات زرعها وجلبها من مسقط رأسه في محاولة لجعل منزله الجديد يشبه مسكنه القديم الذي غادره منذ سنوات ولم يتمكن من العودة إليه.

يروي عتيق المأساة التي جعلته عاجزاً عن لقاء والده وعائلته لأكثر من تسع سنوات، إذ تبدأ قصته بمغادرته مسقط رأسه في محافظة إب وسط اليمن بحثاً عن فرصة عمل في مدينة مأرب، ليجد نفسه محاصراً بتداعيات الحرب وسيطرة الحوثيين على الطرقات. أصبحت العودة إلى أسرته أمراً مستحيلاً بسبب حمله هوية شخصية من مأرب وعمله هناك، مما يجعله يخشى أن يقع في قبضة الحوثيين ويسجن دون أن يرى أشعة الشمس مجدداً.

 

أفراح خارج الديار

في منفاه القسري حيث مصدر رزقه وعمله تزوج فخري بعيداً من أسرته ولم يحضر حفل زفافه أحد. وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية" يقول "لم تكن هناك فرحة كاملة، لقد كان الفرح غريباً جداً. كان الفرح في بيت العروس، ولا يوجد فرح في بيت العريس لأنني كنت وحيداً دون أهلي وأصدقائي، وذهبت لاستقدام العروس إلى منزلي وحيداً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من بين العادات والتقاليد اليمنية تتخلل حفلات الزواج طقوس خاصة، إذ يحضر جميع الأهل والأقارب والأصدقاء للعريس والعروس، ويمارسون الأهازيج وكل ما يعبر عن فرحتهم.

حرمان مبكر

يتحدث فخري بحزن عن فقدان حنان والدته التي توفيت وهو لا يزال طفلاً وحرمانه منها، قائلاً "تبقى لي والدي الذي حرمني الحوثي من لقائه منذ أكثر من تسعة أعوام".

وبحرارة الدموع وألم الفراق يسرد تفاصيل فقدان عمه قائلاً "أحبه مثل أبي. لقد أخفت العائلة خبر وفاته عني لمدة شهرين خوفاً عليَّ من الصدمة، لأنني لم أستطع زيارته وهم يعلمون بمكانته لديَّ، لكن حتى وإن أبلغوني في اللحظة التي توفي فيها، لم أكن لأستطيع الوصول إليه، لأن هناك أموراً كثيرة قد تعوقني، تبدأ بالمسافات الطويلة في طرق غير الطرق المعتادة، تليها الكلف الباهظة للنقل، والأخطار في النقاط الأمنية التي يسيطر عليها الحوثيون، فقد أتمكن من الوصول، وقد لا أتمكن، لأنهم قد يأخذونني من الطريق". ويضيف "إذا تمكنت من السفر إلى عائلتي فقد يأتيني أحد عناصر الجماعة الحوثية طالباً حضوري إلى أحد المشرفين في المركز الأمني، ومن هناك قد تبدأ رحلتي إلى السجون، إذ يتخللها تعهد بعدم العودة إلى المناطق التي جئت منها".

واستطرد فخري عتيق "وإذا عدت إلى مأرب فإن دمي مباح لهم – أي الحوثيين - في أي مكان. على رغم أن مصدر رزقي في مأرب وعندي عمل هنا، ولديَّ عائلة ولا يمكنني التخلي عنها". وتابع "الناس هنا في مناطق الشرعية يعيشون غربة مؤلمة داخل وطنهم الواحد غير قادرين على لقاء عائلاتهم الذين يقطنون في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية. أمنيتي الوحيدة، وأعتقد أنها أمنية كل يمني، هي أن تنتهي الحرب ونعود إلى أهلنا وبلادنا، إلى الأماكن التي ولدنا فيها وإلى أصدقائنا".

ارتدادات الحرب

عن توصيف هذه الحالة التي تعيشها العائلات اليمنية يقول الكاتب اليمني حسن الفقيه "التوصيف لهذه الحالة نفسي مؤلم وصادم، وهو من ارتدادات وانعكاسات الحرب التي مزقت أوصال اليمنيين، وخلقت شرخاً وهوة اجتماعية صعبة. لا يزال اليمنيون يدفعون آثارها يوماً بعد آخر، وعندما نتحدث عن هذا الإشكال وتقطيع الأواصر الاجتماعية، فإننا نتحدث عن قطيعة اضطرارية لما يقارب عقد من الزمن، في ظل حرب وقطيعة وتقطع أوصال، وحياة نزوح مستمرة، وعدم وجود استقرار دائم ومطمئن".

من الناحية العقلية والعاطفية يقول المتخصص النفسي مهيوب المخلافي "عندما نتحدث عن آثار الحرب في اليمن، لا بد أن نلقي الضوء على التحديات النفسية التي يواجهها النازحون في مختلف أنحاء البلاد، وتتجلى في عوامل عدة، بما في ذلك العزلة الاجتماعية والصدمة النفسية والحزن، والتي هي نتائج فقدان الشخص من الوصول إلى عائلته، سواء كان أباً أو أماً أو ابناً".

وأضاف مهيوب "الحرب منذ عام 2014 تسببت في تفكيك النسيج الاجتماعي في اليمن، مما أدى إلى انعزال عديد من الأسر والأفراد، فالفراق عن الأحبة والصعوبة في الوصول إليهم تسببت في حالات صدمة نفسية وحزن عميق، وهناك عدد كبير ممن يعانون النزوح القسري، ويعيشون تحت ضغوط نفسية بسبب فقدانهم لاتصال بأسرهم وأحبائهم، مما يؤدي إلى تدهور الحالة النفسية لهؤلاء الأفراد وتأثير سلبي على الأسر والمجتمع بصورة عامة".

 

 

وأشار الطبيب النفسي إلى أن الحزن وجلد الذات واللوم هي بعض العوامل التي تؤثر في النازحين، إذ يشعرون بالحنين إلى موطنهم والشعور بالذنب واللوم على الوضع الذي يجدون أنفسهم فيه، ونشهد آثاراً سلبية على المستوى الفردي والأسري والاجتماعي نتيجة لهذه الحالة، مطالباً بالعمل على تقديم الدعم والمساعدة لهم للتغلب على هذه التحديات النفسية الصعبة.

 مأساة النازحين منسية

لا يزال 4.5 مليون يمني يعيشون تحت وطأة النزوح الداخلي ضحايا ظروف مأسوية تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة ينتظرون بفارغ الصبر حلولاً عاجلة تنتشلهم من هذه المعاناة المبرحة.

وتشكل النساء والأطفال 80 في المئة من النازحين، ويعاني كثر منهم نقصاً حاداً في المأوى، ويضطرون إلى العيش في مخيمات عشوائية تفتقر إلى الخدمات الأساسية، ويعيشون في خوف دائم من الموت والجوع.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير