ملخص
تتمثل نقطة الخلاف العالقة أمام استئناف الصادرات في كلفة الاستخراج والنقل لكل برميل نفط، إذ تقدر لدى الجانب الاتحادي بنحو سبعة إلى ثمانية دولارات بينما تبلغ في الإقليم نحو 26 دولاراً إلى جانب تحفظ بغداد على صيغة العقود المبرمة سابقاً بين الشركات الأجنبية والحكومة الكردية.
بعد ضغوط مارستها الإدارة الأميركية على الطرفين تتجه الأنظار إلى اجتماع دعت الحكومة العراقية إلى عقده "قريباً" في بغداد مع نظيرتها في إقليم كردستان وشركات النفط الأجنبية العاملة في الإقليم لاتخاذ خطوات من شأنها استئناف عملية صادرات النفط الكردي المتوقفة لأكثر من عام، بينما تواجه الأطراف تحديات سياسية وقانونية لتذليل العقبات أمام خلافاتها العالقة والتوصل إلى صيغة توافقية بما ينسجم مع القوانين الاتحادية.
وتبدو الأجواء مشجعة على إمكان تخطي العقبات في ضوء مواقف وصفت بـ"الإيجابية" صدرت عن الأطراف الثلاثة ومما عزز من حال التفاؤل إجراء رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني جولة جديدة من المحادثات أمس الخميس مع المسؤولين الحكوميين على رأسهم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وقادة القوى السياسية، وذلك بعد يومين من دعوة وزارة النفط العراقية إلى وزارة الثروات الطبيعية في حكومة أربيل وكذلك إلى شركات النفط الأجنبية العاملة في الإقليم "أبيكور" لعقد اجتماع في بغداد "بأسرع وقت"، على خلفية إعلان الأخيرة استعدادها لإجراء تعديلات على العقود النفطية السابقة.
وكان الإقليم يصدر نحو 450 ألف برميل يومياً، وهي نسبة تمثل 0.5 في المئة من صادرات النفط العالمية عبر خط الأنابيب إلى ميناء جيهان التركي قبل أن تتوقف الصادرات في أواخر مارس (آذار) من العام الماضي، على أثر كسب بغداد لقرار لدى محكمة دولية في باريس ضد أنقرة لسماحها للأكراد بتصدير النفط بمعزل عن بغداد، وقد بلغت الخسائر جراء هذا التعطيل وفقاً لتقديرات "أبيكور" نحو 14 مليار دولار.
مرونة بدفع أميركي
يعزو مراقبون هذا التحول في مواقف أطراف الخلاف إلى جهود وساطة أميركية قادها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة جيفري بايت في منتصف شهر مايو (أيار) الجاري مع المسؤولين في بغداد وأربيل، فضلاً عن زيارتين منفصلتين أجراهما السوداني ومسرور بارزاني إلى واشنطن.
كما يعود أثر هذه الوساطة في مواقف الأطراف إلى مكاسب تصب أيضاً في مصلحة واشنطن، إذ يعتقد المحلل في شؤون النفط والغاز كوفند شيرواني أن "الأميركيين يسعون إلى الحد من ارتفاع الأسعار التي تلحق بهم الضرر الأكبر لكونهم أكبر المستهلكين للطاقة في العالم، لذا نلتمس الآن نقلة في التواصل انطلاقاً من مصلحة مشتركة، لأن توقف التصدير ألحق الضرر بالأطراف الثلاثة مجتمعة مع الجارة تركيا المتحمسة لاستئناف عملية الضخ أيضاً". وأوضح أن "الخطوة الأولى مرهونة بموقف بغداد استناداً إلى قانون الموازنة واتفاقها مع أربيل، بعدما أصبحت عملية التسويق قانوناً تحت إشراف شركة النفط الوطنية العراقية "سومو"، وعليه فإن بغداد الاتحادية معنية بتذليل التفاصيل الفنية والمالية والقانونية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتمثل نقطة الخلاف العالقة أمام استئناف الصادرات في كلفة الاستخراج والنقل لكل برميل نفط، إذ تقدر لدى الجانب الاتحادي في نحو سبعة إلى ثمانية دولارات، بينما تبلغ في الإقليم نحو 26 دولاراً، إلى جانب تحفظ بغداد على صيغة العقود المبرمة سابقاً بين الشركات الأجنبية والحكومة الكردية، مما يتطلب إيجاد آلية تسمح بتكييف العقود المبرمة في الإقليم مع قانون الموازنة الاتحادية.
تضارب في صيغة العقود
ويشير المحلل شيرواني إلى عقبات وصفها بالأصعب "منها اعتماد صيغة كلف إنتاج النفط التشغيلية في قانون الموازنة وليس الكلف الكلية، لأن كل عملية تضم كلفاً استثمارية وتشغيلية، وعند تحديد كلفة ما ينتج من النفط في الإقليم بالتشغيلية معناه احتساب نصف الكلف وليس مجملها علماً أن التقديرات لدى الإقليم ضعف ما هو مثبت في الموازنة الاتحادية، ناهيك عن عقدة العقود المبرمة في الإقليم التي ترى بغداد أنها تتعارض مع القوانين الاتحادية" كما لفت إلى أن "كلفة إنتاج البرميل وفق صيغة المشاركة في الأرباح قد تصل إلى مثيلتها في الإقليم وقد تتجاوزها في بعض الحالات، مما يعني أن المشاركة في الأرباح قد لا تكون أرخص من المشاركة في الإنتاج".
وسبق أن لمحت بغداد إلى محاولة إيجاد صيغة توائم القوانين الاتحادية، لكون العقود المبرمة في الإقليم مبنية على صيغة المشاركة في الإنتاج بخلاف الاتحادية التي تستند إلى صيغة المشاركة في الأرباح، وتذهب الترجيحات إلى إمكان خفض الأطراف لسقف مطالبها السابقة تجنباً لاستمرار الخسائر، ولتحقيق مكاسب تحركها عوامل موضوعية منها، تزايد أهمية المنفذ الشمالي الذي بالإمكان رفع الصادرات من خلاله إلى مليون برميل يومياً، نتيجة للتوتر الأمني الحاصل في منفذ البحر الأحمر، وأيضاً لتقليل الضغط على حقول الجنوب العراقية في ظل مساعي بغداد الرامية إلى رفع سقف إنتاجها من 4 إلى 7 ملايين برميل يومياً، ورهن شيرواني تحقيق نتائج مرضية "بتغليب المصالح الاقتصادية على التدخلات السياسية والمناكفات الحزبية التي تحركها قوى سياسية متنفذة قد لا يروق لها أن تنجح حكومة السوداني في تحقيق منجزات ومنها حل المعضلة التي استعصت على الحكومات السابقة".
أزمة مركبة
وينظر إلى الأزمة كونها مركبة من اتجاهين، سياسي وقانوني، وأن تجاوز الخلاف القانوني في شأن العقود مرهون بإبداء الأطراف المرونة على الصعيد السياسي وفق عضو "شبكة الاقتصاديين العراقيين" محمد حسين الذي يؤكد "عدم اتضاح الرؤية بعد فيما إذا كانت الأطراف مستعدة لخفض سقف الشروط بالمستوى المرجو بغية التوصل إلى حل وسط، بخاصة في مسألة خفض حصة ومستحقات الشركات التي تعد مرتفعة وفق مقاييس حكومة بغداد، ذلك أن حقول النفط في الإقليم كانت خاضعة لأخطار سياسية، وهذه الخطورة يمكن أن تتلاشى في حال تولي وزارة النفط الاتحادية متمثلة بشركة النفط الوطنية سومو مسؤولية الإدارة، كما أن بغداد ستكون مطالبة بمراعاة حقوق الشركات التي صرفت مليارات الدولارات على البنية التحتية النفطية في الإقليم".
ويعد سعر النفط المرتفع في الأسواق العالمية فوق 80 دولاراً للبرميل عاملاً محفزاً لتحقيق المساومة بين الأطراف فضلاً عن أن سقف إنتاج العراق النفطي المحدد حالياً من قبل منظمة "أوبك+" ليس بذلك المستوى المرتفع بحسب ما قال حسين الذي لم يخفِ مخاوفه من "احتمالات رفع هذا السقف في حال انخفاض أسعار النفط، مما يدفع بغداد إلى غض النظر عن صادرات الإقليم والاعتماد فقط على إنتاج الجنوب الذي يعد أقل كلفة مما يجعل هذا التوقيت فرصة سانحة للتوصل إلى صيغة مرضية للجميع".
وبغية تجاوز الخلاف يقترح حسين اتخاذ خطوتين وهما "تضمين حقوق الشركات في التعديلات المقرر إجراؤها على الموازنة، وصوغ اتفاق جديد لتحويل عقود من الشراكة في الإنتاج إلى الشراكة في الأرباح كما تطالب بغداد، وهذا قابل للحل من الناحية الفنية والقانونية إلا في حال وجود عوائق لأسباب سياسية".
محفزات لتجاوز التراكمات
ويتفق حسين مع أهمية الدور الذي أدته الإدارة الأميركية لاستئناف صادرات الإقليم "لأسباب عدة، منها الرغبة الأميركية في الحد من ارتفاع الأسعار وإن كان محدوداً، ولاعتبارات أخرى سياسية سواء كانت داخلية أميركياً أو ضمن سياقات إستراتيجية واشنطن في الملف العراقي".
وتعود تراكمات الخلاف بين أربيل وبغداد حول الاستثمار في مجال النفط إلى قبل أكثر من عقد، نتيجة فشل القوى السياسية في تشريع قانون النفط والغاز لتنظيم إدارة واستثمار القطاع النفطي، فضلاً عن الغموض والتضارب الحاصل في تفسير مواد الدستور التي وردت فيها مفردة الشراكة في إنتاج النفط في الإقليم أو في ما يتعلق بصيغة إبرام العقود، مما خلق خلافات عميقة حول مجمل ما يتعلق بكلف الإنتاج والنقل وغيرها من الأمور الفنية.
رغبة للحد من الخسائر
ويرى المتخصص في شؤون النفط والمعادن سربرز طاهر رباتي في خطوة بغداد أنها "ناجمة عن التأثير المباشر للدور الأميركي الذي ينطبق أيضاً على الملف السياسي في العراق"، واستدرك "لكن الأطراف ستواجه إشكالاً آخر يكمن في إيجاد صيغة لاتفاق ينسجم مع قانون الموازنة الاتحادية حول كلفة الإنتاج لكل برميل، لأن بغداد ترفض الكلفة التي كانت تعمل وفقها الشركات في الإقليم، بينما الأخيرة تقول إن الطبيعة الجيولوجية في الإقليم تختلف عن المناطق الجنوبية، ووفق هذا المعيار أبرمت العقود مع أربيل وصرفت مبالغ كبيرة في تشييد البنية التحتية".
وفي ضوء هذه المعطيات يعتقد رباتي أن "الشركات المعنية ستكون مضطرة إلى التخلي عن سقوف شروطها والقبول بحل تكون فيه الخسائر أقل مما هي عليه الآن، وفعلاً هذا ما لمحت إليه رابطة أبيكور والأرجح أنه سيتم الاتفاق على قيمة كلفة الإنتاج لكل برميل، ومن ثم إجراء تعديل على العقود السابقة المبرمة بين الشركات والإقليم، وفي آلية دفع المستحقات والديون". وختم حديثه بالإشارة إلى "عدم صعوبة تجاوز هذه التفصيلات مع إبداء بغداد المرونة بعد تعرضها إلى ضغوط من الدول الغربية التي لها شركات تعمل في قطاع النفط العراقي وكذلك في الإقليم".