ملخص
شكل رئيس الوزراء الباكستاني السابق من داخل سجنه لجنة ثلاثية للدخول في مفاوضات مع المؤسسة العسكرية.
مضى عام على أحداث التاسع من مايو (أيار) 2023 التي شملت أعمالاً تخريبية داخل المنشآت العسكرية والمواقع الحساسة في باكستان من قبل أنصار "حزب الإنصاف"، عقب اعتقال زعيمهم عمران خان من المحكمة العليا في إسلام آباد.
وفي اليوم التالي أطلق عمران خان لكن النيران التي أضرمت خلال اعتقاله في مختلف المدن الباكستانية أحرقت جسور التواصل بين المؤسسة العسكرية وحزبه، ويقال إنه لا حتميات في السياسة، فالتحالفات والخصومات تتبع المصالح وتتبدل بتغييرها، فأعداء اليوم قد يصبحون أقرب الأصدقاء غداً، وحليف النهار قد ينقلب إلى ألد الخصوم في الليل، والسياسة الباكستانية ليست مستثناة من هذه الطبيعة البراغماتية، إذ تدور النقاشات حول إمكان التقارب بين "حزب الإنصاف" الذي يحظى بشعبية كبيرة، وقيادة المؤسسة العسكرية صاحبة القرار الأخير والقوة المهيمنة على السياسة المحلية.
المحاولات التي بدأت منذ فترة في هذا السياق فقدت أهميتها بعد الجولة الأخيرة من الاتهامات بين المتحدث الرسمي باسم الجيش الذي أكد عدم إمكان الحوار إلا بعد "اعتذار وتغيير المسار نحو السياسة البناءة" من "حزب الإنصاف" الذي رفض تصريحات الجيش.
من جانب آخر كشف عمران خان قبل أسابيع خلال حديثه مع صحافيين داخل السجن أنه شكل لجنة مكونة من ثلاثة أعضاء للتفاوض مع المؤسسة العسكرية، وتشمل اللجنة رئيس وزراء مقاطعة خيبر باختنونخوا، علي أمين غاندابور، وزعماء المعارضة في البرلمان وفي مجلس الشيوخ عمر أيوب خان وشبلي فراز.
الأسئلة التي تطرح بعد إعلان عمران خان الأخير تدور حول تجاهل "حزب الإنصاف" الأحزاب السياسية الأخرى، واللجوء بدلاً منهم إلى المؤسسة العسكرية، وإمكان نجاح هذه المفاوضات والدور المحتمل للحكومة في إنجاح أو تقويض هذه المفاوضات.
"اندبندنت أوردو" تواصلت مع عدد من المحللين للبحث عن أجوبة هذه التساؤلات وفي مقدمهم سكرتير الدفاع السابق والجنرال المتقاعد نعيم لودهي الذي يحاول التوسط بين الجانبين، فيقول إن "التواصل بين ’حزب الإنصاف‘ والمؤسسة العسكرية كان مستمراً من قبل الانتخابات، إذ تتطلب المؤسسة العسكرية أن يعتذر خان عن أحداث التاسع من مايو 2023 ويتعهد أنها لن تتكرر، لكنه يتمسك بالامتناع من تحمل مسؤولية تلك الأحداث".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وينقل لودهي عن عمران خان قوله "لم أخطط لأحداث التاسع من مايو، كيف يمكنني أن أعتذر عما لم أقم به؟ ما أستطيع أن أقوله هو أن هذه الأحداث كانت سيئة ويجب أن يكون هناك تحقيق مستقل حولها، وفي حال ثبوت مسؤولية أعضاء من حزبي فسأقوم بطردهم وأدعم معاقبتهم وفقاً للقانون".
وبحسب نعيم لودي فإن "هناك انعداماً للثقة من جانب المؤسسة العسكرية، وأعتقد أن الأحزاب السياسية الأخرى لا تريد أن تحدث انفراجة بين الجانبين لأنها تستفيد من هذا الخلاف، وهذه الأحزاب على تواصل مستمر مع المؤسسة العسكرية".
وعلى رغم اعتراف لودهي بأن الجانبين اتخذا مواقف متطرفة مع صعوبة الوصول إلى حل وسط، إلا أنه يسعى إلى ضم مزيد من الأشخاص الذين يستطيعون لعب دور الوسيط بين الجانبين.
وعن سؤال النقاش مع قائد الجيش حول هذه القضية قال نعيم لودي، "لم أتحدث بشكل مباشر مع قائد الجيش في هذا الموضوع، لكن كلامي يصل إليه وأحصل منه أيضاً على إجابة من طريق الوسائط".
ومن جانب آخر لا يرى وزير الإعلام السابق والمقرب من المؤسسة العسكرية محمد علي دراني أي تقدم في هذا المفاوضات بين عمران خان وقيادة الجيش، وأضاف "يقال إن المؤسسة العسكرية لا تريد المفاوضات، لكن في الواقع الحكومة لديها مشكلة في هذه المفاوضات، فالحكومة لا تريد إجراء محادثات بين المؤسسة وحركة الإنصاف لأنهم يشعرون أنه في حال حدوث تواصل بينهم فستتحتم نهاية الحكومة، وإذا بدأ الجيش مفاوضات مباشرة مع عمران خان اليوم فسيكون الأمر صعباً على الحكومة". وأضاف دراني أن المفاوضات الحقيقية ستكون بين السياسيين، مضيفاً أن تشكيل اللجان وإعلان الأسماء لا تحمل أية أهمية في هذا الشأن، لأن مثل هذه المفاوضات لا تحدث في العلن بل خلف الستار بسرية.
ماذا تقول الأحزاب السياسية؟
ووصف "حزب الشعب" الباكستاني قرار "حزب الإنصاف" مع المؤسسة العسكرية بأنه أمر مؤسف، مضيفاً أن عمران خان والمتحدث الرسمي باسم الحزب يطلبان من الجيش التدخل في الشؤون السياسية، وقالت القيادية في "حزب الشعب" شيري رحمن إن "الرئيس آصف علي زرداري دعا جميع الأحزاب السياسية، بما في ذلك ’حركة إنصاف‘ إلى الحوار والمصالحة من أجل البلاد، إلا أن إصرار عمران خان على التحدث مع الجيش فقط وليس مع الأحزاب السياسية أمر مؤسف".
وأضافت شيري أن "حركة الإنصاف" تشكو من تدخل المؤسسة العسكرية في الأمور السياسية، لكن من ناحية أخرى ترجح الحوار معها على التحدث مع القوى السياسية في البرلمان، وهو ما يشير إلى رغبة الحزب في تدخل الجيش في الشؤون السياسية.
من ناحية أخرى ربط الصحافي الذي يعمل في مجال العلاقات المدنية العسكرية سيرال ألميدا نجاح المحادثات بـ "تغيير موقف عمران خان"، وأضاف أن "قيادة ’حركة الإنصاف‘ تريد التحدث مع القيادة العسكرية، كما تفضل ترتيباً يمكنها من خلاله الحكم جنباً إلى جنب مع الجيش".
وأوضح أن هذا لن يحدث إلا عندما يغير عمران خان تفكيره، مضيفاً "لن يلجأ الجيش إلى المفاوضات إلا عندما يقرر أن ’حزب الرابطة الإسلامية‘ الحاكم يمثل عبئاً سياسياً على المؤسسة العسكرية، حينها ستحتاج المؤسسة إلى بديل قد يكون على شكل ’حزب الإنصاف‘".
بدوره ذكر الصحافي أبصار عالم في هذا الشأن أن "حزب الإنصاف" كان يتهم دائماً بممارسة السياسة بالتحالف مع المؤسسة العسكرية، وينبغي على الأحزاب السياسية أن تتفاوض مع بعضها بعضاً، لكن "حركة الإنصاف" تريد التحدث مع الجيش فقط لأن هذه هي السياسة السائدة في باكستان، مؤكداً ضرورة تحسين الوضع في الوضع الحالي بما يتماشى مع تعزيز الديمقراطية والدستور في البلاد.
أخيراً هناك حال عدم وضوح داخل "حزب الإنصاف" في شأن المفاوضات للخروج من المأزق التي تجد الجماعة نفسها فيه منذ عام، إذ يصرح بعض القيادات بضرورة التفاوض مع القوى الديمقراطية، فيما ترى شخصيات أخرى أن الأحزاب السياسية ليس لديها أي ثقل وأهمية سياسية وأنها لعب في يد الجيش، لذا يجب الحوار مع المؤسسة العسكرية بشكل مباشر، إلا أن التصريحات الأخيرة بين المتحدث باسم الجيش وقيادة حزب عمران خان شكلت تصعيداً جديداً بين الجانبين، وأفشلت جميع مساعي التواصل في المستقبل القريب.
نقلاً عن اندبندنت أوردو