Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل غدت لندن "غير صالحة للعيش" بالنسبة إلى جيل الشباب؟

رواية أوشين ماكينا الأولى "أمسيات وعطل نهايات أسبوع" تتساءل عن فرص شباب اليوم للعيش في العاصمة البريطانية المعاصرة

موجة جديدة من الروايات تتعامل مع فكرة الاستبعاد من مدينة لندن (غيتي/أيستوك)

ملخص

الإحساس بوفرة الفرص الذي كان يملأ الروايات عن لندن يتضاءل اليوم وينكمش في حقبة تسهم فيها كلف السكن والعيش المرتفعة بإبعاد جيل الشباب من العاصمة البريطانية

عندما يتعب المرء من لندن يكون تعب من الحياة، وفق مقولة صموئيل جونسون الواردة بصياغات كثيرة، وهذا ربما مثّل زعماً متعجرفاً عندما كان جونسون يتحدث إلى (جايمس) بوسويل في أوج عطائه خلال القرن الـ 18، لكن على مدى الأعوام التي مرت مذ ذاك لم يزد الواقع إلا صعوبة، وقد غدا الزعم المذكور (الذي يتعب من لندن) شائعاً لدرجة بات يكتب على فناجين الشاي والقهوة التذكارية التي تباع في متاجر الهدايا، ويستشهد به في حملات الإنترنت بسياق "أفضل 100 شيء يقوم بها المرء في لندن"، تلك الحملات المزدحمة بروابط حجز ذات صلة، لتجنب غرف وألاعيب وصيغ كبار المحتكرين.

إلا أن الأمر الآن في الغالب بات يثير السخرية لأن الوجود والسكن في لندن لشاب في مقتبل العمر يعنيان إرهاقاً متواصلاً لا يتوقف، وذاك بالتأكيد هو حال الأبطال الثلاثة في رواية أوشين ماكينا الأولى "أمسيات وعطل نهايات أسبوع" Evenings and Weekends التي تدور أحداثها على مدى يومين لا يطاق حرهما في العاصمة (لندن) صيف عام 2019.

ماغي وصاحبها إد، كلاهما في مطلع عمر الـ 30 وينتظران مولوداً، وذاك تطور في حياتهما "ليس غير مستحب بالضرورة"، بل "بالتأكيد غير مخطط له"، وهما كانا قضيا عقد الأعوام الماضي في حال عدم استقرار، عقود عمل قصيرة الأمد، وأشغال منخفضة الأجر، وموازنات موقتة، وقد افترضا أن أي طفل (في حياتهما) "لم يكن لينجح في البقاء على قيد الحياة في شقتهما بمنطقة هاكني" التي تعاني حال رطوبة مزمنة انعكست تأثيراتها على "جهاز [إد] التنفسي وعمله وحياتهما الجنسية"، لذا فإن العودة لبلدتهما الأصلية، باسيلدون حيث ولدا وترعرعا، بدت كأنها الخيار الوحيد المتاح لهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحضر ماغي نفسها لتنقل الخبر إلى صديقها المقرب القديم، فيل، مهيئة نفسها لمواجهة حيرته وذهوله، فهما عملا بجد كبير للانتقال والهرب من ضاحية إيسكس، فلماذا تتراجع الآن؟

وكان فيل عاش فترة مراهقة ابتليت برهاب المثلية، أما في لندن فقد بنى الحياة التي يكاد يحبها، حيث يعيش إلى جانب 11 شخصاً آخر في مبنى كان مخزناً قديماً في (منطقة) بيرموندساي، "الإيجار زهيد والمبنى كبير وجميل"، يكتب ماكينا، لكن، وعلى نحو لا مفر منه، ثمة جو طارئ وشعور سائد بأن الصيغة القائمة هي صيغة موقتة وقابلة للانتهاء، إذ إن فيل وشركاءه في السكن ليسوا سوى حراس للعقار ولا يتمتعون "بحقوق قانونية ولا يملكون عقداً [سكن أو إيجار] قانونياً، ويمكن إخلاؤهم إثر إشعار فوري"، وحتى الأشخاص الذين افترض تمسكهم بحياتهم اللندنية لوقت أطول بعض الشيء يقومون بينهم وبين أنفسهم بإعداد الخطط للانتقال إلى فولكستون.

ويصف كتاب ماكينا ما يعني أن يكون المرء منهكاً بحسابات وتغييرات متواصلة في حياته وتقلبات الحياة اللندنية في الغالب، ويتساءل أين سأكون خلال المحطة التالية من حياتي في العام المقبل؟ متى سيرفع صاحب الملك الإيجار كي يماشي أصحاب الأملاك الآخرين؟ وماذا سيحصل حين يتجاوز إيجار مسكني راتبي الشهري؟ وما تأثير العفن الأسود على الجدار خلف خزانة ملابسي على صحتي؟ وكم من الوقت سيمكنني تحمل العيش في ظل كل هذا؟

طبعاً يبقى هناك ومضات طاقة وابتهاج أدت إلى إبقاء ماغي وأمثالها بالمدينة طوال هذا الوقت (ليس أقلها الفوضى المبهجة في أمسيات الصيف شديدة الحر)، وشقتها في السياق تختصر ديناميكية الدفع والجذب هذه، "إنها أجمل مكان عاشت فيه بحياتها"، وهي "أيضاً مكان غير صالح للعيش، وكلا التوصيفين حقيقيين في آن واحد"، وكل شخص قضى فترة في لندن أو في أي مدينة رئيسة أخرى أيضاً على الأرجح، لا بد أن يكون قد عاش في بيت كهذا، (بيتي كان يتعرض لغزوات فئران دورية، وأرض مطبخه مغطاة بالموكيت).

لكن في أكثر الأحوال فإن اللحظات المضيئة تقتصر على هذه المستويات.

آلي، إحدى صديقات ماغي، تدفع أجراً في مقابل أي أفكار رومنطيقية عن مدينة تحفل بالإمكانات والفرص، "ولا شيء من هذا يحصل أبداً"،

تقول، "يبقي الناس رؤوسهم مطأطأة ويركزون على الاهتمام بشؤونهم الخاصة، والناس في لندن متعبون طوال الوقت لدرجة تمنعهم من التصادم"، وكأن هذه الشخصية ومن غير قصد رسمت معنى الوقت في نوع معين من الروايات التي تناولت لندن.

الوقت الذي تتشابك فيه قصص متباينة عن أشخاص متباينين، وتتداخل في ما بينها كي تكون قصة مدينية زاخرة وممتلئة، ويتخلل الإجهاد والقلق حياة الجميع الآن، ما يكون هذا النوع من الاتصال الذي نقرأ عنه في قصص مدينية مثل "منزل كئيب" (Bleak House)، أو "أسنان بيضاء" (White Teeth)، والذي يبدو خيالياً بعض الشيء. رواية أندرو أوهاغان، "كاليدونيان رود" (Caledonian Road)، التي شكلت الافتراق الأحدث من الروايات التي تصور حال لندن والأمة (البريطانية)، لا تهرب وتنفلت من شبكة الترابطات الديكنزية إلا عبر بطلها المؤرخ الفني الشهير، وهي تقدم فسحة وقت كافية لمتابعة تلك الروابط في أوساط الطبقات الاجتماعية العليا والدنيا، لذا حتماً فإن الرواية اللندنية الحديثة غالباً ما تغدو رواية "هل ينبغي مغادرة لندن؟" لأسباب ليس أقلها أن كثيراً من المؤلفين الذين ينتمون إلى عمر الشباب، وهم أكثر هشاشة من الناحية الاقتصادية سيواجهون هذه المعضلة نفسها في حياتهم، إذ سواء تصرفت شخصيات رواياتهم بناء على تلك المسألة أم لا، فإن ذلك يبقى دائماً سؤالاً مخيماً على تلك الشخصيات، والأمر قد لا يلقى حلاً دائماً، في كتاب ماكينا لا يمكن إلقاء اللوم كلياً في مشكلات علاقة ماغي وإد على مكانهما الجغرافي، لكن التفكّر في تلك المسألة قد يمنحهما لحظات راحة وفواصل تنفيس، وذاك يمثل فكرة كتابية لكثير من الروائيين الجدد في أعمالهم الأولى.

رواية جو هاميا "ثلاث غرف" (Three Rooms) الصادرة عام 2021، تصور محاولة راويتها التي في عمر العشرينيات بناء حياة لها في لندن، ولا يحبطها في مسعاها ذاك إلا مدخولها الضئيل والأجواء المشحونة لشركائها في السكن، لذا فإن رحلة عودتها لبلدة أهلها تصبح مسألة وقت وليس خياراً يتطلب التفكير.

وفي رواية آنا غليندينينغ، "تجربة في الترفيه" (An Experiment in Leisure) الصادرة في العام نفسه، تتنقل بطلتها غرايس بين شقة في شمال لندن تشترك في سكنها وبين منزل والدتها في يوركشير، قبل أن تقوم في نهاية المطاف بقطع علاقتها مع العاصمة إلى الأبد.

وفي "أمسيات وعطل نهايات أسبوع" ترى آلي أن مغادرة لندن كمغادرة حفلة (أو الجزء الأخير من الحفلة) في الساعة المناسبة، فهذه الحفلة لا تزال ممتعة والجميع يقضون وقتاً رائعاً، لكن قريباً ستشرق الشمس، وكل الموجودين سيكونون أشبه بالزومبي".

كلمات آلي هذه تبدو إلى حد ما مثل عزاء فارغ لأن وداع مكان قضى المرء أعواماً يغرس جذوره فيه أمر شديد الإيلام، وذاك أيضاً يرفع فواصل غريبة وخفية بين أصدقاء مثل ماغي وفيل، فالأخير يرى أن قرارها يشكل حكماً ضمنياً على خياراته، أما هي فترى أنه سيعدها "ابنة ضاحية عادية ومضجرة"، لكن حتى حياته اللندنية تبدو ربما محدودة بتاريخ انتهاء صلاحية ضمني أيضاً، لأنه كما تقول ماغي "ليس بمقدور كل شخص تحمل العبث في لندن إلى الأبد".

"أمسيات وعطل نهايات أسبوع" (Evenings and Weekends) لأوشين ماكينا تصدر من "فورث إستايت" في التاسع من مايو (أيار) الجاري، وتباع النسخة بسعر 16.99 جنيه إسترليني.

© The Independent

المزيد من كتب