خرج آلاف السودانيين في العاصمة الخرطوم، اليوم الخميس 19 سبتمبر (أيلول)، في تظاهرة مليونية دعا إليها تجمع المهنيين السودانيين، أحد أبرز مكونات قوى الحرية والتغيير، للمطالبة بمحاسبة ومحاكمة رموز النظام السابق الذي أطاحت به ثورة شعبية في 11 أبريل (نيسان) الماضي.
وسلم المتظاهرون مذكرة لوزير العدل السوداني الدكتور نصرالدين عبد الباري تطالبه بضرورة الإسراع في محاسبة رموز النظام السابق والقصاص للشهداء.
ورفع المتظاهرون لافتات تنادي بمحاسبة رموز النظام السابق والقصاص للشهداء الذين سقطوا في الثورة، مرددين شعارات "الدم قصاد الدم لا نقبل الدية"، و"الشعب يريد قصاص الشهيد".
ولم تعترض الأجهزة الأمنية المتظاهرين وسمحت لهم بالمرور من دون إطلاق الغاز المسيل للدموع، خلاف ما فعلت في مليونية تعيين رئيس القضاء والنائب العام التي سيرها تجمع المهنيين الخميس الماضي.
فتوى قانونية
فيما وعد وزير العدل نصرالدين عبد الباري خلال مخاطبته جموع المتظاهرين بإجراء العديد من الإصلاحات الدستورية والقانونية، مؤكداً أنه في انتظار فتوى قانونية من مجلس السيادة، تمنحه الحق في تعيين رئيس القضاء والنائب العام، ورهن تحقيق العدالة بتعيين رئيس قضاء ونائب عام يؤمنان بأهداف الثورة.
وأضاف أن "مجلس القضاء الحالي يتبع للنظام السابق، وتعيينه لرئيس القضاء يعني أنه سيكون من موالي النظام السابق، بالتالي لن يحقق الأهداف الثورية".
ويعيّن النائب العام من المجلس الأعلى للنيابة، ورئيس القضاء من مجلس القضاء، لكن مع هيمنة النظام السابق على هذين المجلسين من الصعب ضمان تعيين أشخاص غير موالين للنظام السابق، لذلك نصحت مجلس السيادة بتعيين رئيس قضاء ونائب عام بشكل سريع.
وأفاد عبد الباري بأن تحقيق العدالة الجنائية من اختصاصات النيابة العامة، و "أن ما يعنينا في وزارة العدل هو ضمان قوة التشريعات وهذا ما سنقوم به، منوهاً إلى أن النيابة العامة هي الجهة التي تتخذ الخطوات العملية، مطالباً بتعيين نائب عام يؤمن بأهداف الثورة".
وتعهد وزير العدل بصدور قرار مرتقب بتشكيل لجنة للتحقيق في فض اعتصام القيادة العامة، الذي راح ضحيته أكثر من مئة قتيل، تتمتع باستقلالية.
وقال "ناقشت مع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك عملية تشكيل لجنة التحقيق بما في ذلك التحقيق بشأن الإخفاء القسري المحرم دولياً"، مبيناً أنه شرع في تأسيس قانون لتشكيل مفوضية مكافحة الفساد.
إصلاحات هيكلية
ورهن عبد الباري إجازة قانون مفوضية مكافحة الفساد باجتماع المجلس السيادي ومجلس الوزراء للمصادقة على القانون الجديد، موضحاً أنه بدأ في دراسة القوانين التي تركها النظام البائد، مشيراً إلى أن بعضها تضع قيوداً على حرية التعبير وحقوق الإنسان، واستطرد "أوصيت بإلغاء المادة 152 من القانون الجنائي، وهي مادة عن الأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب".
وتعهد بإلغاء قانون النظام العام في العاصمة السودانية والولايات، مشدداً على ضرورة إلغاء هذا القانون، فضلاً عن أهمية إلغاء قانون جهاز الأمن. وشدد على أن وزارة العدل ستجري إصلاحات هيكلية، مؤكداً إعلان هذه التطورات خلال الأيام المقبلة، وأنه لن يخفي المعلومات عن الشعب السوداني.
حجز ممتلكات
وفي سياق متصل، تبدأ الأسبوع المقبل جلسات محاكمات بحق 37 شخصاً تم الحجز الكامل على ممتلكاتهم، بينهم حرم الرئيس السابق عمر البشير وداد بابكر، ووالي الخرطوم السابق عبدالرحمن الخضر.
وبحسب الناطق الرسمي باسم منظومة زيرو فساد السودانية المثنى أبو عيسى، إن المنظمة استصدرت 30 أمر حظر سفر في مواجهة المتهمين بالفساد، مشيراً إلى أن المنظمة ليس لها خلاف مع أي جهة سياسية أو حزبية وأن مهمتها مكافحة الفساد بكافة أنواعه.
وأضاف المثنى "أن من بين البلاغات التي فتحت، بلاغات حول الفلل الرئاسية واليخت الرئاسي، وخط هيثرو، إلى جانب بلاغ حول منظمة بنك ومتضرري حرب الخليج".
فيما كشف القيادي بقوى الحرية والتغيير محمد عصمت، أن الأموال المنهوبة بواسطة قيادات نظام الرئيس السابق عمر البشير بدولة ماليزيا قدرت بـ 64 مليار دولار، لافتاً إلى أنها تغطي مديونية السودان البالغة نحو 51 مليار دولار، وتوفر تسعة مليارات دولار تمثل احتياطاً نقدياً مثالياً للبنك المركزي السوداني.
وأشار إلى وجود اتجاه عالمي لمعاملة أموال الشعوب المنهوبة كمعاملة الأموال القذرة، فضلاً عن إمكانية إصدار قرارات لاستردادها للدول، مؤكداً أن ديوان المراجعة كان يغطي 25 في المئة بينما 75 في المئة مؤسسة إيرادية خارج المراجعة بحجج النظام السابق بعدم وجود موظفين.
وأكد أنه خلال الـ 30 عاماً كان هناك فساد ممنهج، وشدد على أهمية عدم إبادة أي مستندات بالوزارات بقرار من مجلسي السيادي والوزراء.
يذكر أن السلطات السودانية اعتقلت منذ تولي المجلس العسكري السلطة في أبريل (نيسان) الماضي، العشرات من قيادات حزب الرئيس السابق عمر البشير، ولم تقدم المعتقلين لأي محاكمات عدا البشير. في الوقت الذي أكد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أن التحريات ما زالت جارية مع المعتقلين، وأنها ستقدم المتورطين في فساد أو أي قضايا أخرى إلى محاكمات، وإطلاق سراح من تثبت براءته.
ويأمل السودانيون أن تحقق الثورة أهدافها "حرية سلام وعدالة"، وأن تسود دولة المواطنة وحكم القانون.