Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البن الإثيوبي في مصر... دبلوماسية القهوة تتجاوز خلافات المياه

يحظى باستهلاك متنامٍ بين الأجيال الشابة وسعر في المتناول مستحوذاً 10 في المئة من السوق

استوردت القاهرة كميات من البن في الربع الأول من العام الحالي بقيمة 14.4 مليون دولار (اندبندنت عربية)

ملخص

تشير تقديرات شعبة البن بالغرف التجارية المصرية إلى استهلاك المصريين السنوي من البن بـ70 ألف طن

يتوسط البن الإثيوبي فسيفساء سوق القهوة في مصر بمذاق فريد ورائحة تنساب في الأنوف لتأسر القلوب اشتهاءً، فيما يؤثرونه التجار الطلب على بقية أنواع البن الأخرى لخصاصته، وإن غلا سعره وكلفة توريده، وصار حضوره على الأرفف أميز للتجار ممن يتخذون من لافتات "البن الحبشي" واجهة عريضة للتسويق والبيع.

في مصر، نأى البن الإثيوبي بجانبه عن الخلافات السياسية بين القاهرة وأديس أبابا على خلفية النزاع القائم حول تمسك إثيوبيا ببناء السد أمام مخاوف مصرية من تضرر حصص البلاد من مياه النيل، وخالط النسيج الاجتماعي كونه عادة يومية لدى ملايين المصريين، مشكلاً بذلك دبلوماسية القهوة التي تتجاوز خلافات المياه، مواصلاً بحباته الجرشاء الحضور في السوق بطلب استهلاكي مرتفع، إذ يسجل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، في أحدث تقاريره، استيراد البن بما قيمته 14.4 مليون دولار في الربع الأول من العام الحالي، تأتي ثلث هذه الكميات من إثيوبيا.

استهلاك مرتفع في مصر

وبحسب أحدث بيانات لمنظمة البلدان الأفريقية للبن في فبراير (شباط) الماضي، ارتفع استهلاك سكان بلدان شمال أفريقيا، بما فيها مصر وتونس إلى مستويات قياسية من القهوة الإثيوبية المنشأ، فيما تفيد هيئة القهوة والشاي في أديس أبابا، أن البلاد صدرت 174.6 ألف طن من القهوة في الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الحالي، بـ835.2 مليون دولار، مستهدفة 1.75 مليار دولار من صادرات البن العام الحالي، من 1.33 مليار دولار في 2023.

 

وتتشعب القهوة الإثيوبية من نوع "أرابيكا" تبعاً لمناطق الزراعة، لتشمل بن سيدامو، ويرغاتشيفي، وهرار، وليمو، إضافة إلى بن "ليكمبتي"، وتزدهر في المرتفعات على بعد يراوح ما بين 1500 إلى 2200 متر فوق مستوى البحر، وتصنف من بين حبوب البن عالي النمو، ومعظمها يُزرع باستخدام طرق طبيعية، من دون أسمدة صناعية ومبيدات حشرية، ويعمل في زراعتها 25 في المئة من سكان البلاد، بما يعادل 31 مليون شخص، وتمثل 30 إلى 35 في المئة من عائدات التصدير.

"البن الحبشي المحوج"

في ترحيب خاص بضيوفه، يؤكد أحمد عبدالرحمن، الشاب الثلاثيني، على عامل "البوفيه" في شركته، إعداد فنجال من القهوة باستخدام "البن الخاص به" في إشارة إلى "البن الحبشي المحوج" وفق ما يقول لـ"اندبندنت عربية"، فاليوم لا يمضي على نحو جيد من دون ارتشاف فنجالين من القهوة الإثيوبية في منتصف النهار.

انجذب عبدالرحمن، للبن الإثيوبي على وجه التحديد لما له من رائحة نفاذة وطعم مميز عن سائر أصناف القهوة التي كانت محل تجربته الخاصة، قبل أن يضحي البن الإثيوبي اختياراً مفضلاً له، مضيفاً "شربت البن بأنواعه، الروبستا والأرابيكا، غاليه ورخيصه، ولم أجد في جودة البن الإثيوبي ومذاقه الطيب، اختبرته لفترة طويلة وصرت أميزه وأعرف الرديء والجيد من بعد تجربة ثرية".

70 ألف طن سنوياً

وتشير تقديرات شعبة البن بالغرف التجارية المصرية، إلى استهلاك المصريين السنوي من البن بـ70 ألف طن، فيما ترتفع نسب استهلاكه شتاءً بنحو 30 في المئة، وتسجل فاتورة الواردات ارتفاعاً بنسبة 1.9 في المئة خلال أول 10 أشهر من العام الماضي، إلى 167.7 مليون دولار، من 164.4 مليون دولار في الفترة المثيلة من العام السابق له.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتشارك المصرفي الشاب، إبراهيم شعبان، مع عبدالرحمن نهم ارتشاف القوة الحبشية على وجه الخصوص، ويعتقد في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن السمعة الطيبة التي تتمتع بها إثيوبيا في مجال زراعة القهوة العضوية البكر تضمن لها الريادة، وتفتح آفاق الأسواق أمامها بقوة، وبينما حظيت بلاده بعلاقات تجارية بالغة القدم مع الحبشة، وسيّرت إلى بلاد بونت القوافل لجلب البخور والأبنوس والعاج، فإنه لا معنى لخلط البن بخلافات السياسة، تأثراً بالتجاذبات والعلاقات المتوترة بين القاهرة وأديس أبابا بسبب سد النهضة الإثيوبي.

التجارة في مسار مختلف

ويضيف شعبان، "التجارة والاقتصاد في مسار مغاير لعلاقات الدول السياسية، كم من علاقة متوترة سياسياً بين بلدين بعيداً من العلاقات الاقتصادية القائمة، وتركيا مثال واضح على ذلك بعد ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013، وتوتر علاقاتها بالنظام المصري إبان حكم الإخوان المسلمين، إذ ظلت العلاقات الاقتصادية في مسار صاعد على رغم الخلافات بين البلدين".

 

وبحسب تقارير عالمية متخصصة، فإن تحرير الاقتصاد المصري أدى إلى إتاحة الفرص أمام محامص القهوة ومع تعداد سكاني يزيد على 110 ملايين نسمة، أصبح للمشروب بالفعل تأثير مضاعف كبير عبر الصناعة التي ازدهرت في العقد الماضي، وعبر عن ذلك انتشار فروع "ستاربكس" و"سيلانترو" و"ماكاني" و"كوستا كوفي"، وشكلت مجموعة متزايدة من المستهلكين الشباب من الطبقة المتوسطة القوة الدافعة لهذه السوق في مصر.

سعر كيلو البن في مصر

من جانبه، يقول رئيس شعبة البن بغرفة القاهرة التجارية في مصر، حسن فوزي، لـ"اندبندنت عربية" إن البن الإثيوبي ينتمي إلى فئة "أرابيكا" بخلاف أصناف البن الأخرى المتوافرة في السوق المصرية التي تنتمي إلى فئة "روبستا" مثل البن الإندونيسي والأكوادوري والفيتنامي، لافتاً إلى أن البن الإثيوبي يمتاز بنكهة هي الأقوى نفاذاً من بقية الأنواع الأخرى.

في حديثه، يلفت حسن فوزي إلى أوجه الشبه القوية التي تجمع البن الإثيوبي مع البن اليمني الذي ينظر إليه باعتباره الأعلى سعراً، ويقول إن التربتين متقاربتين إلى حد كبير، اليمنية والإثيوبية، مع تنوع لأصناف البن الإثيوبي يشمل أصناف "سيدامو" و"جيبوتي" و"ليكمبتي" وهي تسميات تشير إلى مناطق زراعته في إثيوبيا.

ويستحوذ البن الإثيوبي وحده على حصة 10 في المئة من السوق المصرية، وفق ما يقوله، رئيس شعبة البن المصرية، موضحاً أن سعر الكيلو في المتوسط 300 جنيه (6.29 دولار)، علاوة على وجود أصناف فيه مرتفعة الثمن للغاية، وهي أسعار كانت تتفوق في الماضي عن بن "روبستا" حتى صارا متقاربين.

على الأرجح سيظل تناول القهوة الإثيوبية في مصر عادة اجتماعية وسلوكاً عاماً أبعد ما يكون عن اضطراب العلاقات وتوترات السياسة والحكم، وسيحتفظ المذاق الطيب بحالة ودٍ خاصة مع الشعوب، فيما ستؤسس التعاملات التجارية الراسخة لدبلوماسية خاصة تذيب جليد الخلافات وتقرب وجهات النظر.