Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبح اختفاء الشاي والقهوة يعكر مزاج المصريين

الحكومة تتدخل وتطرح إجراءات استثنائية لتلبي حاجة المواطنين

اقتربت الأزمة من مشروب الشاي الذي لا يقل شهرة عن القهوة عند المصريين (رويترز)

القهوة والشاي في الصباح والمساء مشروبان اعتاد المصريون على شربهما منذ مئات السنين إذ دأبوا على احتسائهما قبل بدء العمل أو مع الأهل والأقارب في المنزل أو في المقاهي مع الأصدقاء، حتى باتت هذه العادة ركناً مستقراً في حياتهم اليومية يصعب المساس به، بيد أن عوامل محلية ودولية تهدد حياتهم المزاجية مع ارتفاع الأسعار وندرة المحصول عالمياً من جانب، وقرب نفاد مخزون القاهرة من البن والشاي من جانب آخر، مع تكدس حاويات تحمل البضائع المستوردة من خارج البلاد لعدم قدرة المستوردين على تدبير العملة الصعبة (الدولار الأميركي)، في ظل تطمينات من الحكومة المصرية بالتدخل لحل الأزمة سريعاً خلال أيام.

مخزون القهوة العالمي يتراجع إلى أدنى مستوى في القرن الحالي

على المستوى العالمي، تراجع مخزون القهوة العالمي إلى أدنى مستوى له في القرن الحادي والعشرين، من 1.54 مليون كيس في بداية العام إلى 0.61 مليون كيس في 9 أغسطس (آب) 2022، بانخفاض قدره 60.3 في المئة، وفق بيانات الشركة المالية العالمية "ICE"، ومع تراجع المخزون، ارتفعت أسعار القهوة إذ سجل متوسط سعر رطل (يعادل 453 غراماً) من قهوة "أرابيكا" في النصف الأول من العام الحالي، 215 دولاراً أميركياً قبل أن يصعد في النصف الحالي من 2022 إلى 234 دولاراً أي بزيادة قدرها 37 في المئة عن أسعار العام الماضي 2021، وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة البحوث الاقتصادية العالمية "فيتش سوليوشنز".

في المقابل، رجح تقرير صادر عن وزارة الزراعة الأميركية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، ارتفاع إنتاج العام من القهوة نحو 175 مليون كيلوغرام عام 2022-2023، صعوداً من مستوى 134.2 مليون كيلوغرام عام 2021-2022.

أما الشاي المشروب الذي لا يقل شهرة عن القهوة عالمياً ومحلياً، فارتفع سعر الكيلوغرام منه بمقدار 0.28 دولار أميركي وبنسبة 9.59 في المئة منذ بداية 2022. ووصل سعر الشاي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 5.33 دولار في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2009.

شركات مصرية تحذر من نفاد مخزون الشاي والقهوة

وعلى المستوى المحلي، تعاني الشركات المستوردة للبن والقهوة عمليات تقييد الاستيراد التي نفذها البنك المركزي المصري في شهر مارس (آذار) 2022، إلى جانب الصعوبة في تدبير الدولار الأميركي لتمرير الصفقات من أرصفة الموانئ المصرية إلى داخل البلاد، وقال عضو شعبة المستوردين في الاتحاد المصري للغرف التجارية أحمد شيحة إن "المستوردين ليست لديهم أزمة في استيراد البن والشاي من خارج البلاد، إذ إن البضائع متوافرة في الأسواق العالمية حتى لو ارتفعت أسعارها نوعاً ما عن السنوات السابقة"، وأوضح أن "الأزمة هنا هي أزمة البنك المركزي المصري نتيجة تقييد عمليات الاستيراد منذ خمسة أشهر تقريباً وعدم القدرة على تدبير العملة الصعبة"، مؤكداً أنه "في حال إفراج الجمارك المصرية عن البضائع المكدسة على أرصفة الموانئ، ستختفي الأزمة وتغطي الكميات المستوردة حاجات البلاد، بل سيكون لدينا فائض".

المصريون يستهلكون 6 آلاف طن من البن شهرياً

من جانبه، قال رئيس شعبة تجار البن في الغرفة التجارية في القاهرة حسن فوزي إن "المخزون لدينا من البن يكفي للاستهلاك لمدة تتراوح بين 30 إلى 45 يوماً فحسب"، موضحاً "نستهلك نحو 6 آلاف طن من البن شهرياً، مما يعادل نحو 70 ألف طن سنوياً تشمل جميع الأنواع أرابيكا أو روبوستا"، وشرح أن "أبرز الدول المصدرة للبن إلى مصر هي إندونيسيا والبرازيل والهند وفيتنام"، متوقعاً انقضاء الأزمة خلال أسبوعين بعدما أعلنت وزارة المالية، الثلاثاء الـ 30 من أغسطس، التدخل لحل الأزمة".

وأشار إلى أن "أسعار البن في مصر ارتفعت بنحو 20 في المئة منذ شهر يناير (كانون الثاني) الماضي وحتى الآن، وتتراوح الأسعار بين 140 جنيهاً (7.30 دولار) إلى نحو 160 جنيهاً (8.30 دولار) لسعر كيلو البن السادة، بينما تتراوح أسعار البن المحوج بين 170 جنيهاً (8.85 دولار) إلى 200 جنيه (10.42 دولار) للكيلوغرام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يوجد في العالم نوعان رئيسان من حبوب القهوة، في المقدمة تأتي حبوب "أرابيكا" التي تستحوذ على قرابة 70 في المئة من الإنتاج العالمي، ويأتي معظمها من البرازيل، وهذه الحبوب يتم تجفيفها في البرازيل تحت أشعة الشمس بدلاً من غسلها، مما يعطيها مذاقاً مختلفاً، بينما النوع الثاني حبوب "روبوستا" الأقل كلفة التي يتم إنتاج الحصة الأكبر منها في فيتنام، وهي تتميز باحتوائها على ضعف كمية الكافيين الموجودة في حبوب "أرابيكا"، مما يمنح القهوة مذاقاً أكثر مرارة.

واقتربت الأزمة من مشروب الشاي الذي لا يقل شهرة عن القهوة عند المصريين، فوفقاً لإحصاءات دولية، سجلت مصر المرتبة الثالثة بين الدول العربية الأكثر استهلاكاً للشاي والقهوة، إذ يصل متوسط استهلاك الفرد 0.9 كيلوغرام سنوياً، فيما استهلك المصريون خلال العام الماضي 2021 نحو 273 مليار ليتر من الشاي والقهوة، بقيمة إجمالية تجاوزت 5 مليارات جنيه (261 ألف دولار).

وفي تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أكد أن قيمة واردات الشاي سجلت في يناير 2021 حوالى 15 مليون دولار، فيما وصلت في أبريل (نيسان) الماضي إلى 62 مليون دولار، مما يؤكد الاستهلاك الكبير للشاي.

أزمة الشاي تصل إلى مجلس الوزراء المصري

في هذه الأثناء، قدمت إحدى الشركات المنتجة للشاي هذا الأسبوع إلى مجلس الوزراء المصري، شكوى رسمية لمحاولة تدبير العملة الصعبة الدولار، اللازم لعمليات استيراد الشاي لتلبية حاجات الاستهلاك المحلي، مطالبة بتوفير الدولار لضمان عمليات استيراد الشاي، خصوصاً أن الشركة تستورد 60 في المئة من حاجات السوق المحلية من الشاي ولا تتم زراعته في مصر، وتعليقاً على ذلك، قال نائب رئيس شعبة المواد الغذائية في الاتحاد العام للغرف التجارية جلال معوض إن "الشاي يتم استيراده بالكامل من الخارج إلى جانب العبوات الداخلية بالدولار".

وأوضح أنه "مع ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه، زادت كلفة الاستيراد ليصعد سعر كرتونة الشاي التي تزن 20 كيلوغراماً أربع مرات، وبلغت قيمة الزيادة 400 جنيه (21 دولاراً) منذ بداية 2022"، مشيراً إلى أن "كل ما تطلبه الشركة ضرورة تدبير الدولار، لكي تتمكن من استلام مستندات الشحن والتخليص الخاصة باستيراد نحو 6 آلاف طن من الشاي، موجودة في الموانئ المصرية منذ أكثر من ثلاثة أشهر"، وأضاف "80 في المئة من المستندات الخاصة بشحنة الـ 6 آلاف طن من الشاي موجودة في البنك الأهلي المصري".

في مارس الماضي، قيد البنك المركزي في مصر الاستيراد بمنع التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كل العمليات الاستيرادية، وأقر العمل بالاعتمادات المستندية فقط، مرجعاً قراره إلى تسهيل عملية شراء البضائع من الخارج وحماية المستوردين والمصدرين المصريين عن طريق فتح الاعتمادات المستندية الأكثر ضماناً، قبل أن يتدخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اجتماعه مع المجموعة الوزارية الاقتصادية خلال شهر مايو (أيار)، لاستثناء المواد الخام ومستلزمات الإنتاج من قواعد تنظيم الاستيراد، في وقت لا تزال فيه قيود الاستيراد على بعض السلع ومستلزمات الإنتاج.

الحكومة تتدخل لإنهاء الأزمة

في الجهة المقابلة، أعلنت وزارة المالية في مصر، الثلاثاء، عن حزمة إجراءات استثنائية من شأنها تيسير الإفراج عن الواردات وتخفيف الأعباء عن المستثمرين، وقالت في بيان رسمي "سيتم وقف تحصيل الغرامات الجمركية من المتأخرين في إنهاء الإجراءات الجمركية بسبب المستندات المطلوبة من الجهات الحكومية ذات الصلة، مع تقليل كلف السلع بخفض أعباء الأرضيات والغرامات خلال الأيام المقبلة"، مضيفة بحسب البيان أنه "سيتم السماح للتوكيلات الملاحية بنقل البضائع المستوردة من الموانئ إلى المستودعات والموانئ الجافة خارج المنافذ الجمركية".

تعد أميركا اللاتينية منبع إنتاج القهوة في العالم، فهي تحتوي على خمسة من أكبر 10 منتجين للبن بفضل مناخها الاستوائي الملائم لزراعة البن، وفقاً لبيانات المنظمة الدولية للقهوة، وتأتي البرازيل في صدارة الدول المنتجة لحبوب البن إذ تستحوذ على نصيب الأسد بنحو 37.4 في المئة، تأتي خلفها دولة فيتنام التي تنتج 17.1 في المئة من الإنتاج العالمي، ثم كولومبيا التي تقدم إلى العالم 8.4 في المئة من الإنتاج، تليها دولة إندونيسيا التي يبلغ نصيبها 7.1 في المئة، وأفريقيا لها مقعد بين كبار منتجي القهوة عالمياً عبر بوابة إثيوبيا التي تحتل الترتيب الخامس بحصة تبلغ 4.3 في المئة.

أسباب ارتفاع أسعار القهوة عالمياً

وأرجع تقرير حديث لـ"فيتش سوليوشنز" ارتفاع أسعار القهوة حول العالم إلى ثلاثة أسباب رئيسة، أبرزها تقلب الظروف الجوية في دول عدة، خصوصاً في البرازيل حيث ضربت موجة تقلبات مناخية بين الجفاف والصقيع والأمطار الزائدة، لينخفض الإنتاج السنوي في 2021-2022 بمعدل 16.9 في المئة، وأشار التقرير إلى أن السبب الثاني يعود إلى الجائحة العالمية وما سببته من انخفاض الإنتاج في دول فيتنام وكولومبيا بمقدار 6.7 في المئة و4.5 في المئة على الترتيب، وأخيراً توقفت سلاسل الإمداد لفترة كبيرة من بعد الجائحة.

العام الحالي زادت قيمة واردات البن في مصر بنسبة 58.2 في المئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022، لتسجل 101.305 مليون دولار، مقابل 64.032 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي، بينما زاد استهلاك البن في البلاد بشكل قياسي في الأعوام الخمسة الأخيرة، خصوصاً في فترة الجائحة والإجراءات الاحترازية للحد من تفشي الوباء عامي 2020 و2021، إذ ارتفع استهلاك البن من 36 ألف طن خلال عام 2017 إلى 57 ألف طن خلال عام الجائحة الأول 2020، ثم واصل الصعود في العام الثاني للجائحة 70 ألف طن بنسبة زيادة 94.4 في المئة عن متوسط الاستهلاك في 2017، وفق منظمة البن الدولية (ICO).

وزير للقهوة

ونظراً إلى أهمية القهوة عالمياً، استحدث رئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة جيمس مارابيه، وزارة جديدة في خطوة غير مسبوقة أطلق عليها وزارة القهوة، وعين وزيراً لها قائلاً: "إن منصب وزير القهوة الذي يعد الأول من نوعه في العالم، يعبر عن حرص الحكومة على الاهتمام بتطوير القطاع الزراعي"، وكلف مارابيه وزير القهوة الجديد مهمة "إنعاش زراعة البن لجلب مزيد من عائدات التصدير إلى البلاد. أريد أن أرى مزيداً من القهوة المزروعة لدينا تصدر إلى الأسواق العالمية".