ملخص
أرجع بعض النقاد التراجع الفني للدراما الكويتية إلى أزمة النص وضعف ضوابط الرقابة وقصور رؤية المخرج والمنتج وضعف الممثلين.
في الـ 15 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1961 انطلق البث التلفزيوني في الكويت مقدماً كثيراً من الروائع الفنية مسرحاً ودراما، وتمكنت هذه البدايات على عفويتها من تجسيد الواقع ومشكلاته الاجتماعية التي لامست الجمهور، فيما لم تعجز عن استشراف آمال المستقبل.
واليوم وبعد ما يزيد على ستة عقود باتت الدراما والمسرح الكويتي في مرمى النقد بعدما لم يعد كثير من الأعمال الفنية كسابق عهده، وعدّ بعض النقاد أن ما يقدم منذ أكثر من 20 عاماً مضت ليس بالمستوى الفني الذي عرفه الكويتيون ولا يعبر عن الذاكرة الفنية للبلاد، وزاد بعضهم أنه أسهم في تشويه صورة المجتمع.
وأرجع بعض النقاد التراجع الفني للدراما الكويتية وشعور الجمهور بعدم الرضا لأسباب مختلفة، ومنها أزمة النص وضعف ضوابط الرقابة وقصور رؤية المخرج والمنتج والموزع، إضافة إلى غياب الفنانين والفنانات المحترفين.
وضجت منصات الـ "سوشيال ميديا" في رمضان الماضي بعد عرض "مسلسلات مشتركة " اعتبرت وزارة الإعلام أنها تلمز المجتمع الكويتي من الداخل الأسري، وأزمات أخرى بينها المرأة وحرية الرأي والبدون.
ذاكرة فنية
ثمة مسلسلات كويتية قديمة لا تزال تعيش في الذاكرة الفنية للجمهور، وقد عكست حينها الواقع المحلي الكويتي من العادات والتقاليد وهموم المواطن اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، ولا تزال إلى اليوم تبث على شاشات كويتية وخليجية، أبرزها مسلسل "درب الزلق" الذي عرض عام 1977 بطولة عبدالحسين عبد الرضا وسعد الفرج، ويحاكي الحياة الاجتماعية الكويتية بعد قيام الدولة الحديثة، إضافة إلى مسلسل "إلى أبي وأمي مع التحية" الذي عرض على جزأين، الأول عام 1979 والأخير عام 1982، ويحاكي المشكلات الأسرية التي تهم كل أسرة كويتية وخليجية وعربية.
واشتهرت مسلسلات أخرى بداية الثمانينيات بينها مسلسل "رقية وسبيكة" و"خرج ولم يعد" و"على الدنيا السلام"، وجميعها عكس واقع المشكلات الأسرية من ميراث وحياة زوجية.
وبالعودة للذاكرة الفنية الدرامية فقد صدر أول مسلسل كويتي عام 1964 من بطولة الفنان الكويتي الراحل عبدالحسين عبدالرضا وعائشة إبراهيم وطيبة الفرج.
أزمة انفلات
من جانبها تقول الناقدة الكويتية ليلى أحمد عن أسباب هبوط الدراما الكويتية إن "الفن في الكويت بين الأمس واليوم، أي خلال 60 عاماً مرت على تاريخ الدراما في البلاد، جاء على مرحلتين منذ بداية الستينيات إلى التسعينيات، ومرحلة ما بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي".
وتضيف الناقدة لـ "اندبندنت عربية" أنه خلال المرحلة الأولى قبل التحرير كانت وزارة الإعلام الكويتية تنتج المسلسلات، وكل الممثلين كانوا موظفين، وهناك نصوص درامية محكمة لا تستطيع العبث بها تشمل كتاباً عرباً ومحليين، ولكن قبل التحرير بقليل وبعده ظهرت شركات إنتاج خاصة، وأصبحت امتداداً لهبوط كل شيء في الكويت شمل الدراما الكويتية، فيما هناك حركة اجتماعية نابضة في الحياة لا تظهر على المشهد التلفزيوني والمسرحي.
وعن المسلسلات القديمة ترى أن "كثيراً منها لا يزال ناجحاً، ولا نزال مرتبطين بها وجدانياً، فهي نوع من الحنين يحاكي تماماً بداية الحياة الفنية في الكويت بعفويتها ونشاطها الفكري خلال تلك الفترة، كما أنها معبر أصيل عن مرحلة اجتماعية وبينها على سبيل المثال مسلسل ’ضحية بيت العز‘ الذي يدور حول الطبقية في المجتمع الكويتي، وفي ’درب الزلق‘ الذي يرصد النهضة والعمران وأثرها في البسطاء، ومنها تثمين البيوت".
الـ "سوشيال ميديا" على الخط
وتابعت، "أعتقد أن الصحافة الورقية شبه غائبة عن المشهد النقدي للدراما الكويتية، بينما تنهض الـ ’سوشيال ميديا‘ بدور فاعل يستطيع خلالها الجمهور التعبير عن رأيه مهما كانت مرجعياته"، مشيرة إلى أن دورها وضغوطها على وزارة الإعلام والضغط الشعبي أدتا إلى إيقاف مسلسلات ومن بينها "زوجة واحدة لا تكفي".
وعن المسرح أكدت الناقدة الكويتية أنها لن تتحدث عن أزمة نص "لأن غالبية بداية الأعمال الدرامية ومنذ نشأة المسرح المدرسي كانت تكتب من قبل كتّاب عرب وأجانب، ليتم تكويتها بلهجتنا لتناسب فكرنا ومجتمعنا، وكان ذلك طوال الفترة قبل التحرير"، مشيرة إلى أن من بين هذه الأعمال مسرحية "باي باي لندن " للكاتب المصري علي سالم.
وتضيف، "لدينا أزمات فنية تتمثل في حال من الانفلات النصي، إضافة إلى تساهل الرقابة، فيما الدراما أكثر انتشاراً ورسائلها أسهل وصولاً لكل بيت".
وأشارت الناقدة الكويتية إلى "أننا لا نطالب أن تعالج الرسائل المجتمعية بمثالية، بل أن نناقش كل شيء، لكن يبقى السؤال عن الكيفية، فكثيراً ما تسهم الدراما في تقديم حلول للمجتمع، وحدث هذا في فيلم ’أفواه وأرانب‘ الذي أسهم في تسليط الضوء على مشكلة اجتماعية مصرية تم تداركها في ما بعد مجتمعياً".
شغف البدايات
بدوره يرى الفنان الكويتي منقذ السريع أن "الفرق بين الفنان الكويتي اليوم عنه بالأمس أن الدافع الرئيس للعمل الفني قبل التلفزيون والإذاعة كان الشغف والحماسة والحب لهذا الشكل الجديد من أشكال التوعية الاجتماعية، لإيصال رسائل ذات قيمة تربوية واجتماعية، وقد تصل إلى انتقاد وجلد الذات، ويتضح ذلك بما كان عليه ممثلون في ثقل حمد النشمي وصالح العجيري ومحمد المنيع وعذاب الخطيب رحمهم الله، وما كانوا يقدمونه من أعمال خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي".
ويضيف السريع أن "بدايات المسرح الكويتي جاءت منذ 100 عام، وكانت مع عبدالعزيز الرشيد من خلال مسرحية ’محاولة إصلاحية‘ عام 1924، وبعدها جاء مسرحية ’إسلام عمر‘ التي قدمها محمد محمود نجم عام 1938، وكان من بين الممثلين جابر الأحمد والمؤسس الحقيقي للمسرح حمد الرجيب، وجعل وزارة الشؤون الرقيبة على المسرح، وأسهم في تأسيس الفرق المسرحية منذ عام 1963"، مشيراً إلى أن هذه الفترة ازدهرت مع النهضة الشاملة داخل البلاد في تلك المرحلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشف السرّيع أن الأعمال القديمة لم يكن لها مقابل مادي كبير، وأنه اكتشف ذلك حينما ترأس "مسرح الخليج العربي" وقرأ بعض المستندات والملفات القديمة للمؤسسين، إذ كانت المبالغ لا تتجاوز 15 ديناراً كويتياً (49 دولاراً) لمدة أسبوعين أو ثلاثة، وكان فنانو وفنانات الصف الأول يتقاضون 40 ديناراً شهرياً (130 دولاراً).
كاتب ومخرج وممثل
وعن تكامل العمل الدرامي والمسرحي أوضح السريع أنه "يجب أن يكون للمؤلف رؤية واضحة كما للمخرج أيضاً، ويأتي الفنان ويبدع في العمل الدرامي أو المسرحي لمزج الرؤيتين بروحه وأدائه ومكملات العرض الفني والمسرحي، وكلها مهمة لإظهار الصورة للمتلقي، أي الجمهور، والتكامل في العمل الفني بين طاقم العمل".
وختم الفنان حديثه بالقول "أتمنى أن يعود المسرح الكويتي لجيل تتبنى مواهبه الدولة في الريادة والقيادة لتقديم شيء مختلف، والتركيز على النص والمغزى والفهم العميق للمخرج والفنانين للنص على المستوى الثقافي، وتقديم أعمال كبيرة مثل ’سوق المناخ‘ و ’على هامان يا فرعون‘ و ’دقت الساعة‘ و ’شياطين ليلة الجمعة‘".