Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عام على الحرب... هل بات السودان أقرب إلى التقسيم؟

تتنامى الصراعات داخل الساحة السياسية والعسكرية ومؤشرات إلى أن البلاد تتجه نحو إلى التمزق الإداري

ملخص

التحشيد والتحشيد المضاد عبر خطاب الكراهية في السودان يعد مدخلاً لتفكيك الدولة وبادرة لتقسيمها

تكمل حرب السودان اليوم سنة كاملة منذ اندلاعها في 15 أبريل (نيسان) من العام الماضي، في ظل وضع تتقاسم فيه السيطرة العسكرية والإدارية على العاصمة السودانية ومناطق وولايات أخرى في البلاد بين الجيش وقوات "الدعم السريع" شكل إنشاء الإدارة المدنية في ولاية الجزيرة من قبل "الدعم السريع" منعطفاً جديداً في تطورات الحرب، في وقت تعتزم فيه إعلان إدارات مدنية تابعة لها في جميع مناطق سيطرتها، عادت قوات "الدعم السريع" لتكثف عملياتها لإسقاط مدينتي الفاشر وبابنوسة لإكمال السيطرة على إقليم دارفور الذي تسيطر على أربع من ولاياته الخمس، فهل تضع هذه التطورات السودان في مهب الانقسام؟ وهل باتت البلاد بعد عام من الحرب أقرب إلى التقسيم؟

مؤشرات التمزق

في السياق يرى المحلل السياسي عبدالمنعم بشير أن الفشل طوال عام كامل منذ اندلاع الحرب في التوصل إلى حل سياسي، يعد من أكبر المؤشرات إلى أن البلاد تتجه نحو إلى التمزق الإداري، وربما أبعد من حالة مشابهة للوضع في ليبيا بوجود أكثر من حكومة في البلد الواحد، من دون أن تملك أياً منها فاعلية حقيقية في إدارة البلاد بغض النظر عن حصولها على الاعتراف الدولي بها. ويضيف، "قوات (الدعم السريع) تسعى إلى إخضاع كامل إقليم دارفور ليتيح لها التحرك الحر وسط القبائل العربية في الإقليم، التي تشكل عماد قوات (الدعم السريع)، في مواجهة الإثنيات غير العربية والتعدي عليها وعلى حقوقها وأراضيها". ويتابع، "الخطورة في استمرار الحرب تكمن في تواصل عمليات الاستقطاب والتحشيد العسكري والتسليح الشعبي وتجييش المقاومة الشعبية، ما يضع مستقبل البلاد في مهب مجهول حتى بعد انتهاء الحرب".

وحذر المحلل السياسي من خطورة اضطراب الساحة العسكرية التي باتت تعج بكل ذلك الكم من المقاومات الجهوية والقبلية المسلحة، سواء في الشرق والشمال والوسط والجنوب، وكذلك في غرب البلاد، فضلاً عن انضمام ميليشيات متطرفة تكمن في مدى السيطرة على سلوكها وضمان موالاتها للجيش مستقبلاً. ولفت إلى أن تسليح وإعادة تأهيل وتدريب الحركات المسلحة من دون إتمام عملية دمجها في الجيش أيضاً وضع خطر، لأن تلك الحركات التي تساند الجيش الآن ستصعد من مطالبها السياسية الخاصة في مرحلة ما بعد الحرب، منوهاً بأن محاربة الميليشيات بأخرى جديدة وضع شبيه بإعادة تكرار تجربة نشأة قوات "الدعم السريع" نفسها.

من يحكم العاصمة؟

في شأن تأثير إنشاء "الدعم السريع" لإدارات مدنية على مستوى ولاية الجزيرة وبعض المناطق داخل العاصمة السودانية العاصمة السودانية وفق السيطرة العسكرية لطرفي النزاع، في تعزيز الانقسام بصورة أعمق وأكبر، يرى أستاذ الإدارة الحكومية بالجامعات السودانية عثمان الزبير أن من الطبيعي أن الذي سيتمكن من حكم البلاد يفرض سيطرته الكاملة على العاصمة السودانية، ثم يبحث في المرحلة التالية عن الاعتراف الدولي، معتبراً ما يحدث من مناوشات عسكرية أو مناورات سياسية هنا وهناك، قد لا تغير من الوضع القائم حالياً.

ويعتقد الزبير أن قوات "الدعم السريع" أضاعت الفرصة المناسبة، ولن تتمكن من استعادتها مجدداً بخسرانها لأي تعاطف أو ولاء شعبي، مما يشير إلى صعوبة الحديث عن مستقبل لها في حكم السودان أو أي جزء آخر منه، مستبعداً أن يطاول التقسيم أو الانفصال الإداري الكامل إقليم دارفور في الوقت الحالي. وحذر من أن أي محاولة من قوات "الدعم السريع" لفصل دارفور ستكون كارثة من شأنها أن تضع الإقليم على أعتاب بحر من الدماء، بحكم أن غالبية سكان دارفور من (الزرقة) المصطلح الذي يطلق على القبائل ذات الأصول الأفريقية، وستقاوم سيطرة "الدعم السريع" التي معظم عناصرها من القبائل ذات الأصول العربية.

وسبق أن حذرت الأمم المتحدة من أن العنف في السودان بلغ مرحلة ما وصفته بـ"الشر المطلق"، وأعربت عن قلقها خصوصاً من وقوع هجمات على أساس عرقي في دارفور.

 

تفاقم الشروخ

على نحو متصل أشار المتخصص في مجال العلوم السياسية عبدالمجيد جلال إلى أن خطوة الحكومة الأحدث بإصدار مذكرات توقيف ضد عبدالله حمدوك وعدد كبير من قيادات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، لا تنفصل عن تفاقم الشروخ السياسية نتيجة نهج التشدد والتصعيد المدني الموازي للتصعيد العسكري المفضي إلى مزيد من التصدعات والتمزق الداخلي على الساحة السودانية.

وعد جلال حادثة استهداف مناسبة الإفطار الجماعي لكتيبة البراء بن مالك التي تشارك الجيش القتال بطائرة مسيرة داخل مدينة عطبرة، أحد المؤشرات الخطرة إلى انفتاح الحرب عملياً على كل مكان بالبلاد، وبأساليب نوعية جديدة أشدة خطورة وذات طابع إرهابي خطر، وربما تدخل معه البلاد في منعطف التصفيات والاغتيالات، لا سيما مع تصاعد وتيرة التوترات العرقية والاحتقان التراكمي المتزايد.

وأعرب عن أن أكبر المخاوف تتمثل في توقع حدوث انشقاق داخل الجيش نفسه، لا سيما بعد التضارب في حديث كل من نائب القائد العام للجيش الفريق شمس الدين كباشي، ومساعده الفريق ياسر العطا، في شأن دور ووضعية المقاومة الشعبية المسلحة، فبينما حذر الأول من خطورة تسييسها واستغلالها وتحولها إلى "بازار سياسي"، شدد الأخير على أهمية دورها واعتبرها نواة للبناء الشعبي للحكم المدني، فضلاً عما يتردد حول وجود خلافات سابقة داخل الجيش حول الموقف من العودة إلى التفاوض لإنهاء الحرب.

قوات "الدعم السريع" سبق وأنشأت سلطات قانونية وإدارية في مناطق نفوذها داخل العاصمة السودانية بولاية الخرطوم، وسط مخاوف وقلق، من تنفيذ الجنرال (حميدتي) تهديده بإعلان حكومة من العاصمة حال أعلن الفريق البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش تشكيل حكومة حرب من العاصمة الإدارية البديلة في مدينة بورتسودان شرق البلاد.

تأمين الفاشر

في المقابل قطع محمد السماني المتحدث باسم حركة التحالف السوداني الموقعة على سلام جوبا والمتحالفة مع الجيش في الحرب على "الدعم السريع"، بعدم تمكن قوات "الدعم السريع" الاستيلاء على مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور في سياق مخططها للانفراد بإدارة الإقليم، مشيراً إلى وجود عدد كبير من قوات الجيش والحركات المتحالفة معه تكفي لتأمين المدينة وتحرير كل الإقليم في حال تحركت باتجاه هذا الهدف.

وقلل السماني، من أهمية الإدارة المدنية في ولاية الجزيرة بوصفها تضم فقط من وصفهم بالداعمين لـ"الدعم السريع" ولا تعبر عن إنسان ومواطني ولاية الجزيرة الذي تم تهجير معظمهم بسبب الانتهاكات غير المسبوقة في حقهم، من اغتصاب وترويع ونهب لكل شيء حتى مواشيهم وممتلكاتهم، وهي مناطق مدنية ليس فيها جيش أو خلافه، ما جعل الإدارة المدنية المعلنة لا تعني شيئاً للمواطنين هناك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال متحدث التحالف إن ميليشيات "الدعم السريع" باتت عارية تماماً أمام الرأي العام الدولي والمحلي بعد سلسلة الانتهاكات غير المسبوقة محلياً ودولياً التي ارتكبتها في دارفور والجزيرة، ولم يعد لها أي حاضنة سياسية أو اجتماعية بعد أن تنصل عنها حتى من كانوا متهمين بموالاتها بسبب انتهاكات الجزيرة غير المسبوقة أثناء الحروب.

فصل الجزيرة

من جانبه أكد صديق عثمان أحمد رئيس الإدارة المدنية لولاية الجزيرة الذي عينته قوات "الدعم السريع"، وتم تنصيبه قبل الأيام الماضية، استعداد إدارته التام لهذه المرحلة بخطة إسعافية لتوفير الخدمات للمواطنين والسعي لتهيئة الأجواء لعودتهم إلى منازلهم بعد بسط الأمن والاستقرار بالولاية. وأضاف في مؤتمر صحافي، "تصدينا لهذه المهمة من أجل المواطن وبناء دولة مدنية تقوم على أسس جديدة وبرنامج جديد لتحقيق العدالة والسلام والديمقراطية متمنياً أن تكون هذه الحرب هي آخر الحروب في السودان".

في شأن الانتهاكات المنسوبة لـ"الدعم السريع" بالجزيرة كشف رئيس الإدارة المدنية بالولاية عن أن إدارته تشن حملة مستمرة للقضاء على من وصفهم بالمتفلتين، أسفرت حتى الآن عن سجن أكثر من 800 منهم وقتل آخرون رمياً بالرصاص لعدم استجابتهم للأوامر، فيما هرب آخرون، وبدأت الظاهرة في التلاشي والاختفاء والآن أطلقنا حملة للقبض على العاملين في أسواق الشفشفة وأسسنا شرطة قوامها 350 فرداً لحماية المدنيين. وتابع، "لا نبرئ (الدعم السريع) من المسؤولية لأن بسط الأمن والتصدي لمن يرتدون زيه في عمليات النهب مسؤوليته بحكم سيطرته على المنطقة". وأوضح، "وجدنا أن هناك متفلتين ومجرمين ممن أطلق سراحهم من السجون وهناك من ينتسب للجيش وهناك من ينتسب للحركات المسلحة".

الحزب يتبرأ

إلى ذلك أعلن الحزب القومي رفضه لكل التكوينات والإدارات المدنية الناشئة عن الأوضاع الطارئة منذ اندلاع الحرب قبل عام، معتبراً تلك التدابير لا تؤدي إلا إلى مزيد من اتساع رقعة الحرب وتعميق الانقسام المجتمعي المهدد لوحدة البلاد وتماسكها، وتبرأ الحزب من عضوه صديق عثمان كمخالف لقرارات الحزب وخارج عن خطه، وستتم محاسبته عبر مؤسسات الحزب. وجدد بيان للحزب رفضه هذه الحرب كونها باتت مهدداً وجودياً للسودان، لافتاً إلى أن التحشيد والتحشيد المضاد عبر خطاب الكراهية يعد مدخلاً لتفكيك الدولة وبادرة لتقسيمها.

دولة دارفور

على نحو متصل اعتبر بحر إدريس أبو قردة الوزير الأسبق وعضو تحالف قوى السودان أن عودة ميليشيات "الدعم السريع" للعمل بقوة وتجميع قوات من دارفور والعاصمة من أجل استكمال السيطرة على إقليم دارفور بالسيطرة على مدينتي الفاشر وبابنوسة هدفه إعلان دولة في هذا الجزء من البلاد بحسب مخططهم، كما نجح في بعض الولايات في إشارة إلى ولاية الجزيرة، ومن ثم الاتجاه نحو أجزاء أخرى من البلاد.

وأضاف أبو قردة أنه بعد عام على الحرب يمكن القول إن المؤامرة الكبيرة بالسيطرة على البلاد فشلت، مبيناً أن هذه الحرب لم تندلع فجأة، بل هي مخطط تقف خلفه دول إقليمية وعالمية بعد أن فشلت محاولاتها لإحداث انتقال مدني متحكم فيه وفق برنامج محدد عبر تحالف مدني عسكري بين الجيش وقوى الحرية والتغيير.

دولياً، تتسارع الخطى وتسابق الولايات المتحدة الزمن قبل وصول السودان إلى ما وصفه المبعوث الأميركي للسودان توم بيرييلو بنقطة اللاعودة.

وأعرب بيرييلو عن أمله في أن يعود طرفي النزاع في السودان إلى استئناف التفاوض والحوار عقب شهر رمضان من أجل العمل على منع اندلاع حرب إقليمية أوسع.
وكان الفريق ياسر العطا عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام للجيش قد جدد دعوته لكل للتمسك بالمقاومة الشعبية وتوسيع دورها في حماية الأحياء بالتنسيق مع الشرطة، وأن تهتم كذلك بالجوانب الإنسانية والخدمية والأنشطة الرياضية والثقافية. وأضاف، "نحن جيش مستقل، لكننا نرحب بكل من يقاتل معنا والمقاومة الشعبية حاربت معنا بـ6 كتائب في تحرير أم درمان ويجري الآن تجهيز 7 كتائب للمرحلة الثانية من العمليات، تعمل بكل انضباط تحت قادة المتحركات".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير