ملخص
بموجب اتفاقية السلام الموقعة بين إسرائيل والأردن عام 1994 تزود إسرائيل الأردن بـ50 مليون متر مكعب سنوياً من مياه بحيرة طبريا، يتم نقلها عبر قناة الملك عبدالله إلى الأردن مقابل سنت واحد لكل متر مكعب. ونهاية عام 2021 توصل الأردن وإسرائيل إلى اتفاق تزود بموجبه إسرائيل الأردن بـ50 مليون متر مكعب من المياه الإضافية وسط ارتفاع عدد السكان إلى أكثر من 11 مليون نسمة، نتيجة نمو ديموغرافي متسارع تغذيه موجات لجوء متتالية.
في وقت تعاني فيه أجزاء كبيرة من العالم اليوم شح المياه بسبب التغيرات المناخية والتصحر، تقود إسرائيل، منذ عقود، مساعي تطوير تقنيات مبتكرة لهذا القطاع، راكمت من خلالها خبرة هائلة في حل التحديات المائية المعقدة، حولتها من دولة شحيحة المياه إلى مصدر خبرات وتقنيات تصدرها عالمياً، فمن إعادة تدوير المياه إلى تحليتها والري بالتقطير (بالتنقيط) لاستخراج مياه الشرب من الهواء باستخدام الطاقة الشمسية، إضافة إلى أن الحاجة الملحة للابتكارات التكنولوجية المستمرة التي طورتها شركاتها ومؤسساتها البحثية لمواجهة تحديات نقص المياه خلال السنوات الأخيرة، حولت قدرتها في التغلب على ندرة المياه إلى قيمة عالمية، كيف لا وتحتل إسرائيل اليوم المرتبة الأولى عالمياً في معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، بخاصة للزراعة. وعلى رغم الإنجازات منقطعة النظير في مجال قطاع المياه وما أحدثته إسرائيل من ثورة عالمية، فإنها، بحسب ما أوردته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية منفردة، تعجز تقنياً عن تحلية المياه وضخها إلى الأردن بالكلفة المتفق عليها سابقاً، ولن تلتزم ضخ الحصة السنوية المتفق عليها من المياه، والمقدرة بنحو 50 مليون متر مكعب سنوياً، والمنصوص عليها في اتفاقية السلام وملحقات المياه منذ عام 1994.
مياه بحيرة طبريا
وبموجب اتفاقية السلام الموقعة بين إسرائيل والأردن عام 1994، تزود إسرائيل الأردن بـ50 مليون متر مكعب سنوياً من مياه بحيرة طبريا، يتم نقلها عبر قناة الملك عبدالله إلى الأردن، مقابل سنت واحد لكل متر مكعب. ونهاية عام 2021، توصل الأردن وإسرائيل إلى اتفاق تزود بموجبه إسرائيل الأردن بـ50 مليون متر مكعب من المياه الإضافية وسط ارتفاع عدد السكان إلى أكثر من 11 مليون نسمة، نتيجة نمو ديموغرافي متسارع تغذيه موجات لجوء متتالية. وتسمح الصفقة الموقعة مع الحكومة الإسرائيلية السابقة (حكومة بينيت - لبيد) للأردن بشراء مياه إضافية بسعر 65 سنتاً للمتر المكعب لمدة عام واحد، مع خيار شراء الكمية نفسها لمدة عامين آخرين، ولكن بسعر أعلى قليلاً.
"التحريض ضد إسرائيل"
أدى تصاعد التوتر بين الأردن وإسرائيل خلال العامين الأخيرين بسبب ملفات اقتصادية وأمنية، أبرزها تعثر تنفيذ اتفاقات الغاز والطاقة، إلى تراجع مستوى الثقة بين البلدين. وفي وقت يرفض فيه خبراء ومسؤولون أردنيون استخدام المياه كأداة سياسية تهدف إلى الضغط على الأردن لتغيير مواقفه في شأن الضفة الغربية وقطاع غزة، يرى وزراء في الحكومة الإسرائيلية أن تصريحات الوزراء والنواب الأردنيين المناوئة لإسرائيل، والسماح بالتظاهرات الشعبية المنددة بالحرب على غزة أمام السفارة الإسرائيلية، تندرج تحت بند "التحريض ضد إسرائيل".
مثير للقلق
وبينما أكدت مصادر أردنية رسمية أنه لم يتم إبلاغها رسمياً من قبل إسرائيل حول ما أشيع عبر وسائل إعلام إسرائيلية، إلا أن الأمر تسبب في حال من القلق، فالحادثة وإن كانت وفقاً لمراقبين مجرد تكهنات وليست قراراً ملزماً، إلا أنها كشفت مشكلة أعمق، فالأردن الذي يعد من أكثر الدول التي تعاني نقصاً في المياه ويواجه موجات جفاف شديد، ووفق المؤشرات العالمية يعتبر ثاني أفقر دولة بالعالم في المياه، بسبب ارتفاع درجات الحرارة صيفاً، وتأخر موسم الشتاء مع تراجع الهطل المطري، وهو ما أدى إلى انخفاض كبير بمخزون المياه الجوفية، واختلال في الدورات الزراعية لكونها من الدول التي تعتمد بصورة مباشرة على مياه الأمطار في الزراعة وتغذية المصادر المائية السطحية والجوفية. وبحسب خبراء، فإن موسم 2024-2025 يعد من أسوأ المواسم المطرية على الأردن منذ 100 عام، إذ لم يهطل من معدل الأمطار السنوي سوى أربعة في المئة فقط.
تحديات مائية إضافية
في موازاة ذلك، يواجه الأردن تحديات مائية إضافية شمالاً، حيث قال وزير المياه رائد أبو سعود إن المفاوضات مع سوريا في شأن إعادة تأهيل حوض نهر اليرموك لا تزال متوقفة، في ظل تراجع منسوب المياه بسبب الجفاف وسحب مفرط للآبار في الجانب السوري.
وتشير بيانات رسمية إلى أن مخزون السدود الأردنية لا يتجاوز 16 في المئة فحسب، في حين يبلغ إجمال الاستهلاك السنوي للمياه في الأردن قرابة مليار متر مكعب، يخصص نحو نصفه لتلبية حاجات المياه العذبة، وعلى رغم أن الحد الأدنى المتعارف عليه دولياً للفرد في السنة يبلغ 500 متر مكعب، لا يتعدى نصيب الفرد في الأردن من المياه العذبة المتجددة حالياً نحو 61 متراً مكعباً سنوياً فقط.
أداة ضغط
ولأن المياه باتت تستخدم من قبل إسرائيل كأداة ضغط غير معلنة على الأردن بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 نتيجة انتقاداتها العلنية للحرب على غزة، وما تلى ذلك من امتناع إسرائيل عن تزويد الأردن بـ50 مليون متر مكعب إضافية مطلع عام 2024، فقد أعلن صندوق "المناخ الأخضر" الذي يعد أكبر صندوق متعدد الأطراف للمناخ في العالم في أكتوبر الماضي، مساعدة للأردن في إقامة مشروع لتحلية المياه قيمته نحو ستة مليارات دولار، تشمل محطة تحلية ضخمة بتقنية التناضح العكسي، وشبكة نقل بطول 445 كيلومتراً، ومحطات ضخ، ومكونات للطاقة المتجددة. وقد تعهدت الولايات المتحدة، وفقاً لمسؤولين أردنيين، بتقديم منح قيمتها 300 مليون دولار، وقروض بمليار دولار للمشروع. وبحسب ما صرح به مدير مشروع "الناقل الوطني" بوزارة المياه والري الأردنية صدام خليفات، فإن الأعمال المبكرة لتحسين الوضع المائي في الأردن ضمن المشروع قد بدأت بالفعل، ومن المتوقع أن يوفر 300 مليون متر مكعب من مياه الشرب الإضافية سنوياً، وهو ما يعادل 40 في المئة من حاجات المملكة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"بروسبرتي"
وعلى رغم التحديات الكبيرة التي تواجه الأردن كدولة فقيرة مائياً، وسط توقعات بارتفاع درجات الحرارة أربع درجات مئوية وانخفاض معدل سقوط الأمطار بنسبة 21 في المئة بحلول نهاية القرن، تعمل المملكة على تقليل اعتمادها على إسرائيل في المياه عبر البدائل، والتفاوض لصفقات مياه إضافية على رغم التوترات السياسية الأخيرة. وكشفت هيئة البث الإسرائيلية، الشهر الماضي، عن وجود رغبة لدى الأردن، مع توقف العمليات العسكرية في قطاع غزة في أكتوبر الماضي، بإعادة فتح قنوات التواصل مع الحكومة الإسرائيلية في شأن المشروع الإقليمي المعروف باسم "بروسبرتي" بعدما جمدت، في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، الاتفاق الذي وقعته مع إسرائيل نهاية عام 2021 في دبي برعاية أميركية وتمويل من الإمارات، والذي يتم بموجبه التعاون في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في الأردن لمصلحة البلدين، مقابل إنشاء إسرائيل محطة لتحلية المياه لمصلحة الأردن، على أن تبيع إسرائيل للأردن 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنوياً، مقابل أن تشتري منها 600 ميغاواط من الكهرباء المنتجة عبر المزرعة الشمسية المخطط إقامتها داخل الأراضي الأردنية. وقد تسبب رفض الحكومة الإسرائيلية، العام الماضي، طلب عمان تمديد اتفاقية المياه خمس سنوات، في جفاف بعض الآبار، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة للضغط على تل أبيب وتمديد الاتفاقية لمدة ستة أشهر تنتهي في ديسمبر (كانون الأول) الجاري.
تطور لافت
وما يثير الاستهجان بالنسبة إلى كثيرين، أن إسرائيل التي تتذرع وفقاً لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية بالأسباب التقنية المتعقلة بعمليات التحلية وكلفة ضخ المياه، وجدت حلولاً جذرية لمشكلة النقص في المياه فيها، فقد أقامت خمس محطات ضخمة لتحلية مياه البحر المتوسط. وهي تنتج نحو 750 مليون متر مكعب، تعادل 50 في المئة من حاجاتها لمياه الشرب. ووفقاً لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، فقد شاركت إحدى الشركات الإسرائيلية هذا النجاح مع الولايات المتحدة من خلال تصميم ما وصفته بـ"أكبر محطة لتحلية مياه البحر في أميركا وأكثرها تطوراً من الناحية التقنية وكفاءة في استخدام الطاقة" في سان دييغو، إذ توفر المنشأة حالياً ما يقارب 50 مليون غالون (189.270.000 مليون لتر) من المياه، والتي يمكن أن تخدم نحو 400000 شخص. وأقامت 87 محطة كبيرة لمعالجة المياه العادمة، وحولتها إلى مياه ري بحجم 503.3 مليون متر مكعب سنوياً، مما خفض الضغط على المياه العذبة ورفع الإنتاجية. وبحسب المعهد، تسهم تقنيات الري الإسرائيلية في توفير الغذاء لنحو مليار شخص حول العالم، من إيطاليا إلى تركيا إلى الهند. وقد مكنت ابتكاراتها المجتمعات التي تعاني شحاً في المياه من الحفاظ على هذا المورد الثمين من خلال ضخ المياه عبر أنابيب موصولة مباشرة إلى جذور النبات، مما يحد من استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 60 في المئة ويزيد غلة المحاصيل الزراعية بنسبة 90 في المئة.