Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تطلق رقاقة "نيورالينك" العنان للإمكانات البشرية؟

جاء الإعلان عن زرعها بمثابة لمحة عن المستقبل الذي يمكن أن يغير ما يعنيه أن تكون إنساناً، ولكن ما الذي تعنيه حقاً قدرتنا على التحكم في هواتفنا وأجهزة الكمبيوتر وأي جهاز تقريباً من خلال أفكارنا فقط؟

إيلون ماسك (أ ب)

ملخص

يرى إيلون ماسك أن زرع رقاقة إلكترونية في دماغ الإنسان مقدمة لاندماج واسع بين الروبوت والبشر مما يتيح للإنسان توسيع قدرات دماغه إلى حدود فائقة

"إنه أمر لا يصدق"، قالها باراك أوباما عام 2016. وأضاف "ناثان يحرك يده باستخدام دماغه".

إنها ليست ذلك النوع من النشاط الذي قد يدعو إلى الدهشة. في العادة، إن تحريك المرء يده يجري بسلاسة، وفي كثير من الأحيان من دون تفكير واعٍ وهو جانب روتيني من الحياة اليومية. ومع ذلك، فإن دهشة أوباما كانت مبررة بالفعل.

قبل 12 عاماً، شهد ناثان كوبلاند حدثاً غير حياته عندما تعرض لحادثة سيارة أثناء القيادة ليلاً تحت المطر. وأدت الحادثة إلى كسر في الرقبة وإصابات في النخاع الشوكي، مما تتسبب بإصابته بالشلل الرباعي. غير قادر على التحرك أو الشعور بأي شيء تحت صدره العلوي، خضعت حياة كوبلاند لتغيير مفاجئ ومثير.

بعد الحادثة، التحق كوبلاند بدراسة حول المنصات التفاعلية بين الإنسان والحاسوب بجامعة بيتسبرغ (بنسلفانيا). وبعد عقد من الزمن، دُعي إلى المشاركة في الدراسة وتلا ذلك إجراء مسح شامل لجسده ووضع مجموعات دقيقة من الأقطاب الكهربائية الصغيرة في دماغه.

استعاد ناثان الإحساس بجسده. وفي بيان أصدره آنذاك قال: "أستطيع الإحساس بكل أصبع. إنه إحساس غريب بالفعل".

 

كذلك أتاحت تلك الأشياء للسيد كوبلاند التحكم في يد روبوتية أدت إلى مصافحة بالقبضات مع أوباما. ومنذ ذلك الحين، سجل رقماً قياسياً في ارتداء واجهة الدماغ الحاسوبية لأطول مدة، فاستخدمها ليس فقط لتشغيل اليد الآلية، ولكن أيضاً للتحكم في الأجهزة الخارجية المختلفة، بما في ذلك ألعاب الفيديو.

أفاد كوبلاند بأنه يعتبر نفسه سايبورغ [إنسان ألي]، ولربما تجعل إسهاماته منه شخصاً رائداً مهماً. واليوم، هناك مجتمع صغير لكنه متنامٍ من مهندسين وعلماء الأعصاب وخبراء آخرين، يبنون أنظمة ستتيح لمزيد من الناس زرع تلك المنصات التفاعلية بين الدماغ والكمبيوتر brain-computer interface، اختصاراً "بي سي آي" BCI، في أجسادهم، وتمكينهم من التحكم في مجموعة متزايدة من الأجهزة.

 

تمثل "نيورالينك" أحد أجزاء ذلك المجتمع، لكن أعمالها تتمتع بشهرة أقل مما يحوزه رئيسها إيلون ماسك. تصنع "نيورالينك" رقاقات صغيرة لها شكل قطعة نقود معدنية تتدلى منها أسلاك، من المستطاع تثبيتها تحت الجمجمة وتغرز بالدماغ في محاولة لقراءة نشاطاته. في يناير (كانون الثاني) 2024، أعلن ماسك أن "نيورالينك" زرعت رقاقة إلكترونية في دماغ بشري للمرة الأولى.

الآن، قدمت "نيورالينك" ذلك المريض الذي زرعت في دماغه رقاقتها والذي يدعى نولاند آربو وعمره 29 سنة، المصاب بشلل كامل تحت مستوى الكتفين عقب حادثة سيارة. آربو أظهر القدرة على ممارسة لعبة الشطرنج وتحريك مؤشر الكمبيوتر باستعمال رقاقة دماغية.

وفي فيديو نشره على منصة "إكس"، أورد آربو أن "الجراحة أنجزت بسهولة فائقة. لقد خرجت من المستشفى حرفياً في اليوم التالي. كما أني لا أعاني أي قصور إدراكي".

في الآونة التي شهدت زرع الرقاقة، كتب ماسك سلسلة من التدوينات على منصة "إكس" ذكر فيها أن "المنتج الأول من نيورالينك يدعى تيليباثي. وهو يتيح التحكم في هاتفك أو جهاز الكمبيوتر الخاص بك، ومن خلالهما تقريباً أي جهاز، فقط عن طريق التفكير. سيكون الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم المستخدمين الأوائل للرقاقة. تخيل لو استطاع [عالم فيزياء الفلك المشهور] ستيفن هوكينغ أن يتواصل مع الآخرين بسرعة أكبر من الكاتب السريع على الكمبيوتر أو مضارب في البورصة. إن ذلك هو الهدف".

تحت تدوينات ماسك، ظهرت ردود كأنها نوع من التهاني المذعورة. الصحافي الاقتصادي آندرو روس سوركين كتب: "رد فعل بكلمة واحدة، واو". أضاف آخر، "الاندماج بدأ للتو بصورة رسمية"، ويفترض أن ذلك إشارة إلى فكرة يؤيدها السيد ماسك، بأن البشر والآلات سيندمجون معاً في نهاية المطاف، مع وضعية يستفيد فيها الناس من أفضل قدرات الحواسيب.

مثلاً، اقترح إيلون ماسك أن البشر قد يستعملون الذكاء الاصطناعي لتعزيز أدمغتهم بالمعرفة والمعلومات المستمدة من الإنترنت. وذكّر آخرون بفيلم "ماتريكس" الذي يظهر فيه شخص يتعلم مصارعة الكونغ فو وقيادة الهليكوبتر، من إنزال تطبيق رقمي عنهما إلى رأسه.

 

وحتى الآن، ما زلنا بعيدين من ذلك الهدف.

في المقابل، أفادت البروفيسورة في جامعة "كينغز كوليدج لندن" آن فانهوستنبيرغ بأن "قدرات تلك الرقاقة ستتحدد من خلال إنجازات أولئك المشاركين بعد أعوام قليلة، وليس الآن عقب أسابيع قليلة [من زرع الرقاقة في أدمغتهم] والأشياء كلها براقة وجديدة. تتعلق حقيقة الأمر بالمدى الطويل، ونريد أن نرى النوعية والاستقرار في الإشارات [بين الدماغ والرقاقة] على المدى الطويل".

يبرع الجسد البشري في رفض الأشياء الغريبة عنه والتخلص منها، وهل من أشياء أغرب من مجموعة أسلاك مزروعة في الدماغ. لذا، مع مرور الوقت، سيقوم الدماغ بتعديل إشاراته، وقد يبدأ الجسم برفض الزرعة أو تغليفها في الأنسجة الواقية. ونتيجة لذلك، قد تتدهور جودة الإشارة، وقد تواجه الغرسة عداءً متزايداً من مستضيفها. ويظل من غير المؤكد ما إذا كانت استجابة الجسم ستجعل هذه الغرسات غير فاعلة.

ليست "نيورالينك" سوى واحدة من شركات عدة تسعى إلى تطوير "منصات الدماغ والكمبيوتر". (مثلاً، تدير البروفيسورة فانهوستنبيرغ وحدة "مايسي" في مستشفى "سانت توماس" تساعد في ابتكار أدوات طبية قابلة للزرع في جسم الإنسان). وقد حققت شركات أخرى اختراقات علمية مماثلة لمستوى "نيورالينك"، بل تجاوزتها، كشركة "بلاكروك نيوروتك" التي صنعت الـ"بي سي آي" التي ساعدت ناثان كوبلاند.

وبحسب رئيسة "الجمعية البريطانية لعلم الأعصاب"، تارا سبيرز- جونز، "في سياق محاولات بحثية حديثة (لا تتعلق بنيورالينك)، استطاع علماء زرع منصات إلكترونية للتفاعل بين الدماغ والحبل الشوكي، كي تساعد المشلولين على المشي، وكذلك تُظهر أعمال أخرى نتائج واعدة في صنع حواسيب لتفسير موجات الدماغ وعمليات المسح، ومن شأنها أن تتيح للبكم التواصل مع الآخرين". وفي المقابل، تشير سبيرز- جونز إلى أن تلك الأدوات ما زالت تتطلب جراحات تدخلية وما برحت في مراحلها التجريبية، مما يعني أن فوائدها العملية ربما لا تصل إلا بعد حين.

وعلى رغم أن "نيورالينك" ليست الأولى في هذا المجال، إلا أنها تتمتع برعاية غير تقليدية من مؤسسها إيلون ماسك. وأكسب ما صنعه من الـ"بي سي آي" ولمجمل ذلك الحقل، شهرة يصعب حصرها.

 

في المقابل، جلب ماسك معه أيضاً الخوف، ربما، إلى حد كبير، بسبب شهرة طبيعته الغريبة. لكن يلاحظ خبراء أن الإطار التشريعي القانوني لهذا النوع من العمل يتسم بأنه واسع وتفصيلي. وربما تبدو تلك الأمور مقيدة لكنها تفيد في ضمان ثقة الجمهور العام بتكنولوجيا تعتمد كلياً على ذلك. في الماضي، خاض ماسك غمار مهمات تتسم بخطورة وتطور مماثلين [لحالة نيورالينك]، ذلك أن إرسال بشر إلى الفضاء يتطلب هندسة دقيقة، وحققت شركة "سبايس إكس" [يملكها ماسك] ذلك أثناء توليه رئاستها التنفيذية.

يملك ماسك خططاً جرئية أيضاً، إذ لم يكتفِ بالتحدث عن استعمال تلك التكنولوجيا [نيورالينك] في المجالات الطبية لاستعادة القدرات الجسدية، بل تناول أيضاً مسألة الاندماج بين البشر والحواسيب بطريقة تهدف إلى تعزيز قدراتهم. ويثير ذلك أسئلة عن الماهية الحقيقية لأدمغتنا، وإمكان تعزيزها وتغييرها عبر آلات خارجية. في المقابل، تبدي البروفيسورة فانهوستنبيرغ الحذر حيال شيء كذلك [الاندماج]، مشيرة إلى أنه "لن يحدث في حياتي" بسبب الجراحة التدخلية التي يتطلبها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب فانهوستنبيرغ، "هناك بالفعل محفزات كهربائية حالياً تستعمل في تحسين أحوال العضلات، كأن يحدث ذلك مثلاً عقب حالات الضمور العضلي. أستطيع أنا وأنت استعمال مثل تلك المحفزات في تدريب عضلاتنا كي تغدو أكبر. في المقابل، إن الألم المرافق لذلك الاستعمال والوقت الذي يتطلبه يدفعانك ربما إلى العودة للتدريب على دراجتك الرياضية". وفي اللحظة الحاضرة، ثمة مقايضة بين الفوائد والجوانب السلبية، إذ يجب أن تضحي الفوائد كبيرة بما يكفي لتبرير الخضوع لجراحة فتح جمجمتك وغرس أسلاك في دماغك، قبل أن تتحمل أعواماً من التدريب اليومي كي تُعلم فعلياً المنصة التفاعلية أن تفهم أفكارك.

إن رؤية الخيال العلمي المتمثلة في وضع سماعة الرأس بسهولة فوق الرأس للتحكم في جهاز الكمبيوتر بمجرد التفكير قد تكون بعيدة المنال، إذا كانت قابلة للتحقيق على الإطلاق. قد تستحيل قراءة الأفكار من دون الدقة والقرب اللذين يوفرهما الوصول إلى داخل الدماغ، مما يجعل تلك الجراحة غير جذابة لكل من تنحصر رغبته في أن يجد بديلاً عن عمل ممل كالطباعة مثلاً.

وبالنسبة إلى الآمال في التوصل لإمكان الإنزال الفوري للقدرة على قيادة سيارة مثلاً، فإنها ستتراجع أمام صلابة الحقائق العملية. حتى إذا حدث بعد أعوام مديدة أن طورنا القدرة على كتابة وقراءة الأفكار بسهولة، وتعزيز البشر عبر آليات بسيطة نسبياً، فلماذا قد نفعل ذلك؟ تشير البروفيسورة فانهوستنبيرغ إلى أنه من الأسهل نقل مثل تلك المعرفة إلى سيارة أو هليكوبتر، إذ إن الانتشار العالمي للذكاء الاصطناعي يعني أننا سنفكر بطريقة تميل إلى الاعتماد أكثر على الخيال بدلاً من الاستمرار في الاعتماد على أيدينا وأرجلنا للسيطرة على دواسات السيارة.

لقد دفع إعلان ماسك هذا الأسبوع، أناساً كثيرين إلى التفكير في أننا نعيش في المستقبل، سواء رغبنا في ذلك أو لا. يبدو الاندماج بين الإنسان والآلة كأنه خيال علمي، لكنه يحدث طوال الوقت، ولا يقتصر أمره على مقر شركة "نيورالينك" في كاليفورنيا، بل يطاول مراكز بحث أخرى وشركات ريادية عبر العالم.

في المقابل، فيما يحضر المستقبل الآن، إلا أنه يبقى على بعد أعوام عدة. ومرد ذلك أن الاندماج بين البشر والآلات يشكل عملاً صعباً وحساساً، ويثير أسئلة فلسفية عميقة ومخاوف مرهبة مغروسة في الأعماق. وبطريقة وئيدة ومنهجية، تعمل مجموعة من الأدمغة الأشد ذكاء على تحدي كل فكرة تتعلق بمعنى أن تكون إنساناً.

© The Independent

المزيد من علوم