ملخص
قال الخبير في الأمن السيبراني رولان أبي نجم "في لبنان حيث الطرق قد تغلق أو تفتح بشكل غير منتظم، يمكن لأنظمة التموضع العالمي أن تواجه صعوبات جمة، مما ينتج منه اضطرابات في عمل الأجهزة"
تواجه تقنيات التموضع العالمي GPS تحديات معقدة في لبنان، نظراً إلى البنية التحتية غير المستقرة وغياب المعايير والتنظيم، مما يؤثر سلباً في دقة تحديد المواقع.
فقبل فترة وجدت دورية تابعة للكتيبة الإندونيسية العاملة في القوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان "اليونيفيل" نفسها في موقف حرج في ضاحية بيروت الجنوبية، بعد أن أوقعتها خرائط "غوغل" "بالخطأ" في منطقة حي السلم (منطقة تخضع لسيطرة أمنية لحزب الله)، بالقرب من مطار "رفيق الحريري الدولي". وتم اعتراض الدورية واقتيادها إلى مقر تحت سيطرة الحزب، وتعرض أفرادها للتحقيق والتفتيش قبل أن يتدخل الجيش اللبناني لحل المسألة.
أهمية نظام التموضع العالمي
وعن أهمية هذا النظام في حياتنا اليومية ودقة تعطيله بشكل متعمد في مناطق النزاع أو الاضطرابات السياسية، قال الخبير في الأمن السيبراني رولان أبي نجم "في لبنان حيث الطرق قد تغلق أو تفتح بشكل غير منتظم، يمكن لأنظمة التموضع العالمي أن تواجه صعوبات جمة، مما ينتج منه اضطرابات في عمل الأجهزة"، شارحاً أن "نظام التموضع العالمي GPS الذي تطوره وتديره وزارة الدفاع الأميركية، يعد من التقنيات الحاسمة في العصر الحديث، مما يوفر بيانات دقيقة للتموضع الجغرافي والتوقيت في مختلف أنحاء العالم. هذه الأداة الثورية لها تطبيقات واسعة تشمل الملاحة والأمن القومي والبحث العلمي، وحتى التطبيقات الشخصية للمستهلكين".
أسباب التشويش
وعن سبب الاضطرابات في إشارات نظام التموضع العالمي GPS التي يشهدها لبنان، أشار أبي نجم إلى أنها "ناجمة عن التدابير التي تتخذها إسرائيل في ظل الصراع مع حزب الله"، لافتاً إلى أن "الحزب يستخدم GPS للصواريخ الموجهة بدقة، مما دفع إسرائيل إلى التشويش على النظام لإعاقة استهدافاته، وهذا التشويش لم يؤثر فقط في الأمور العسكرية، بل امتد تأثيره إلى التطبيقات اليومية كتطبيقات المواعدة، إذ أدى إلى ظهور مستخدمين إسرائيليين على هذه المنصات في لبنان، وكذلك على التطبيقات المرتبطة بحركة الطيران، مما أدى إلى معلومات مضللة حول هبوط الطائرات في المطار"، مشيراً في الوقت عينه إلى أن "الطائرات الحديثة مجهزة بتقنيات تجعلها محصنة ضد هذا التشويش، مما يسمح لها بالتنقل من دون التأثر بالاضطرابات الحاصلة في إشارات GPS".
التحديات
وعن الحلول المقترحة انتقد أبي نجم "غياب الحكم الفعال والقرارات الحاسمة في لبنان"، مشيراً إلى أن "البلاد تفتقر إلى وجود حكومة ودولة تتخذ قرارات مؤثرة، بخاصة في ما يتعلق بالأمن عبر مختلف المنافذ الحدودية، بما في ذلك المطارات والمعابر البرية والبحرية"، مستذكراً حادثة خرق شاشات مطار "رفيق الحريري الدولي"، مؤكداً أن "الاختراق كان نتيجة تقصير داخلي وأن الجهات المسؤولة، بما في ذلك وزارتا الأشغال والاتصالات، لم تقدما أي تفسيرات مقنعة حتى بعد مرور شهرين"، معتبراً أنه "من دون إرادة سياسية قوية، لا يمكن تحقيق أي تقدم في مجالات التقنية والبرمجيات".
وعلق أبي نجم على الوضع الأمني في لبنان موضحاً أن "البلاد، التي تعيش حالاً من الصراع، تواجه تشويشاً على الاتصالات والتقنيات"، مشيراً في الوقت عينه إلى أن "استراتيجيات مثل الأمن السيبراني والتحول الرقمي، على رغم وجودها منذ 2018، لا تزال من دون تنفيذ فعلي"، مطالباً بـ"تأسيس دولة فعالة تملك الصلاحية لإدارة مختلف المناطق والمرافق، ثم تطبيق المعايير الدولية للتحول الرقمي والأمن السيبراني".
اضطراب أنظمة الملاحة
ويمكن أن تتأثر أيضاً أنظمة الملاحة بالتشويش الإلكتروني والاختلالات في إشارات الـGPS نتيجة للتداخلات السيبرانية، مما يعوق دقة وفعالية التنقل والملاحة.
في السياق أكد رئيس دوائر العمليات في "طيران الشرق الأوسط" الطيار محمد خير حسون، على "الأهمية الحيوية لنظام التموضع العالمي GPS في عالم الطيران اليوم"، مشيراً إلى أن "جميع الرحلات تعتمد بشكل كلي على هذا النظام للملاحة وتحديد المواقع، والنظام لا يقتصر على تحديد الإحداثيات الجغرافية فحسب، بل يعمل عبر شبكة معقدة من الأقمار الاصطناعية وأجهزة الاستقبال لتوفير بيانات دقيقة حول المواقع من دون الحاجة إلى الاتصال بالإنترنت".
أما في ما يخص استخدامات الـGPS بالنسبة إلى شركة طيران الشرق الأوسط، فشدد حسون، الرئيس التنفيذي السابق للاتحاد العالمي لنقابات الطيارين لقارة أفريقيا والشرق الأوسط، على أن "النظام يتيح التنقل الفعال والدقيق من نقطة إلى أخرى، مستفيداً من التقنية لضمان السفر الآمن والموثوق"، كما نوه إلى "الفرق بين النظام العسكري والمدني لـGPS، إذ يدار النظام بدقة تقنية عالية تصل إلى 10 نانو ثانية من التأخير، مما يسمح بتشغيل فائق السرعة، بينما يتاح للمدنيين استخدام نسخة بدقة مماثلة لكن بإمكانات محدودة".
مصادر التشويش
وعن التحديات التي واجهتهم في رحلاتهم، كشف حسون عن تحديات تواجهها رحلات الطيران بسبب التشويش على إشارات الملاحة، مستشهداً بمثال عن مطار بيروت حيث "يحدث تشويش على الإشارة، مما يؤدي إلى إنذارات كاذبة بالارتفاع من النظام، وكأن الطائرة تمر فوق جبل، بينما هي لا تزال على الأرض"، مؤكداً أن "مصدر التشويش هو الإشارات الراديوية اللاسلكية، ما يعوق عمليات الطيران والخدمات الأخرى عند إطفاء النظام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشرح الطيار حسون إلى أنه "الى جانب الـGPS الأميركي، يوجد نظام GLONASS الروسي، ونظام Beidou الصيني، ونظام Galileo الأوروبي، مع العلم أن النظام الأوروبي لم يفعل بعد. ويتطلب تحديد الموقع بدقة استخدام ثلاثة أقمار اطصناعية في الأقل، ولكن في الواقع يتم استخدام أربعة أقمار أو أكثر، بخاصة في العمليات العسكرية التي تتطلب دقة أكبر".
الخطة "باء"
وعن الخطة "باء" في حال حدث أي تشويش خلال الرحلة، أجاب "في حال واجهنا اضطرابات خلال الرحلة، لدينا استراتيجيات بديلة ككتاب أنشأناه يطلع عليه الطيار ليقود رحلته بسلام. على رغم أنه في حال إيقاف الـGPS، فإن وسائل النقل كافة من سفن وطائرات وسيارات ستتوقف عن العمل".
ورداً على سؤال ما إذا كان يوفر هذا النظام الدقة حتى في المناطق الحساسة سياسياً؟ قال "بالطبع الإشكال يكمن فقط مع من يتحكم في إشارة الـGPS"، موضحاً أيضاً مفهوم "البيانات السياسية" والـIP address، الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من كل جهاز، مشبهاً إياه ببصمة فريدة لا يمكن تكرارها، "و من خلاله يمكن اختراق البيانات الشخصية للفرد. بمجرد السماح بالوصول إلى عنوان الـIP الخاص بشخص ما، يمكن الوصول إلى كل بياناته، حتى تلك الموجودة على الهاتف عبر بطاقةSIM ".
تحديات أنظمة الملاحة
وأشار الطيار حسون إلى "التحديات التي تواجهها الطائرات في مناطق العد التوازن السياسي، إذ يمكن للطيران الحربي التشويش على الرحلات"، لكنه ذكر أنهم وضعوا آليات للتعامل مع مثل هذه الحالات لضمان استمرارية المسيرة على رغم أن هذه الإجراءات تكون متعبة ومضنية للطيارين "في زمني كرئيس للعمليات في الشرق الأوسط، كنا دائماً نستعد للأسوأ ونسأل ماذا لو؟ ونجهز الطيارين بكل المعلومات الضرورية والخطط البديلة، معتمدين على ثلاثة أسس: الأمان القانون والتجارة، فمن دون الأمان لا يمكن تصور الطيران".
وأوضح أن "نظام الـGPS يعمل على إرسال إشارات عبر الغلاف الجوي"، مؤكداً أن "النظام مصمم بطريقة تضمن عدم تأثر الإشارة بالانكسار الضوئي"، ولافتاً إلى أن "النظام يدار بواسطة القوات الأميركية ويوفر دقة عسكرية تصل إلى 10 نانو ثوان، بينما الدقة للمستخدمين المدنيين تختلف ما يوضح الفارق بين الاستخدام العسكري والمدني لنظام GPS".
تعدد الاستخدام
وتابع أيضاً أن نظام الـGPS يستخدم في مجموعة واسعة من التطبيقات تتضمن النشرات الجوية، والبيانات الزراعية للتخطيط الفعال، وتوفير المعلومات الحيوية في حالات الطوارئ والكوارث، وقال "بفضل التقنيات المتقدمة، أصبح من الممكن اليوم ربط العالم أجمع عبر إشارات الراديو بالاستعانة بنظام الـGPS، مما يوفر طريقة فعالة وموثوقة للتنقل والتخطيط في مختلف القطاعات". إضافة إلى ذلك، لفت حسون إلى "إمكان تنزيل خرائط تعمل بشكل مستقل عن الإنترنت، التي تعتمد بالكامل على الأقمار الاصطناعية بدلاً من البنية التحتية للإنترنت المحلية أو السياسات الوطنية"، مؤكداً أنه "لا علاقة للدولة بالتحكم والعامل الحاسم في تشغيل هذه الخدمات هو الكيان الذي يدير الأقمار الاصطناعية"، مشيراً إلى أن "هذه التقنية تمكن المستخدمين من التنقل بدقة، سواء يميناً أو يساراً من دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت".