ملخص
أكد أربعة مسؤولين أميركيين سابقين، من بينهم سفير واشنطن لدى مانيلا في ذلك الوقت توماس هوبارد، الهجوم الفاشل ضد كلينتون، لكنهم قالوا إنهم ليسوا على علم بأي تحقيق أميركي أو إجراءات متابعة.
كانت طائرة الرئاسة الأميركية تقل الرئيس بيل كلينتون والسيدة الأولى هيلاري كلينتون متجهة إلى مانيلا في الـ 23 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1996 عندما تلقى جهاز الخدمة السرية الأميركية معلومات استخباراتية مثيرة للقلق عن زرع عبوة ناسفة على طريق الموكب في العاصمة الفيليبينية، وسرعان ما تحرك ضباط الخدمة السرية وغيروا مسار الموكب إلى طريق احتياط يؤدي إلى الفندق الذي ينزل فيه كلينتون، وأحبطوا محاولة يشتبه في أنها من تدبير تنظيم "القاعدة" لاغتيال رئيس الولايات المتحدة بعد دقائق من وصوله لحضور القمة السنوية لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ.
العثور على قنبلة
وقال أربعة ضباط متقاعدين لوكالة "رويترز" إنه بينما كان الموكب على طول الطريق البديل المزدحم بحركة المرور، عثر ضباط الأمن الفيليبينيون على قنبلة قوية على جسر كان من المفترض أن يسلكه الموكب وسيارة رياضية متعددة الاستخدامات (SUV) متروكة في مكان قريب تحوي بنادق هجومية من طراز "إيه كيه-47" كلاشينكوف.
وذكرت محاولة الاغتيال التي يبدو أنها واحدة من أولى محاولات تنظيم "القاعدة" لاستهداف الولايات المتحدة بصورة موجزة في كتابين نُشرا عامي 2010 و2019.
والآن قدم ثمانية من ضباط الخدمة السرية المتقاعدين، سبعة منهم كانوا في مانيلا، لـ "رويترز" الرواية الأكثر تفصيلاً حتى الآن عن المؤامرة الفاشلة.
ولم تعثر "رويترز" على أي دليل على تحقيق تجريه الحكومة الأميركية في محاولة اغتيال كلينتون، ولم تتمكن أيضاً من تحديد ما إذا كانت أجهزة الاستخبارات قد أجرت تحقيقات سرية على نحو مستقل.
أسئلة من دون إجابة
وبالنسبة إلى بعض ضباط الخدمة السرية الذين أجرت "رويترز" مقابلات معهم فقد تركت الأحداث في مانيلا أسئلة من دون إجابة.
وقال كبير ضباط مخابرات الخدمة السرية في مانيلا وأحد الضباط السبعة الذين تحدثوا للمرة الأولى غريغوري غلود، "كنت أتساءل دائماً لماذا لم يبقونني في مانيلا لمتابعة أي تحقيق، وبدلاً من ذلك نقلوني بالطائرة في اليوم التالي لمغادرة كلينتون".
وقال المتحدث باسم "الخدمة السرية"، أنتوني جوجليلمي إن "حادثة وقعت لا تزال سرية"، رافضاً الكشف عن الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة رداً على ذلك، إن وجدت، بينما لم يستجب كلينتون لمحاولات متعددة للوصول إليه عبر المتحدث باسمه و"مؤسسة كلينتون".
وقال مدير وكالة المخابرات المركزية السابق ليون بانيتا، الذي كان رئيساً لمكتب كلينتون في ذلك الوقت، إنه لم يكن على علم بالحادثة، لكن محاولة قتل رئيس يجب التحقيق فيها، مضيفاً "باعتباري رئيساً سابقاً لمكتب الرئيس سأكون مهتماً جداً بمحاولة معرفة ما إذا كان شخص ما قد وضع هذه المعلومات جانباً ولم يلفت انتباه من كان ينبغي أن يكونوا على علم بحدوث شيء كهذا".
وبموجب قانون صدر عام 1986 فإن محاولة منظمة أجنبية متطرفة قتل أي مواطن أميركي في الخارج تعد جريمة، وكان تحريك الدعوى يتطلب الحصول على إذن من المدعي العام، وهو المنصب الذي كانت تشغله الراحلة جانيت رينو عام 1996، مما يؤدي بعد ذلك إلى إجراء مكتب التحقيقات الاتحادي (أف بي أي) تحقيقاً.
ورفض مكتب التحقيقات الاتحادي التعليق على محاولة الاغتيال في مانيلا، فيما أكد أربعة مسؤولين أميركيين سابقين، من بينهم سفير واشنطن لدى مانيلا في ذلك الوقت توماس هوبارد، لوكالة "رويترز" الهجوم الفاشل، لكنهم قالوا إنهم ليسوا على علم بأي تحقيق أميركي أو إجراءات متابعة.
وبعد مرور 13 عاماً على وفاة أسامة بن لادن تضاءلت قوة "القاعدة"، لكن لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة كتبت في تقرير صدر في الـ 29 من يناير (كانون الثاني) الماضي، إن هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل التي شنتها حركة "حماس" قد "حشدت الجهود لنشر التطرف وتجنيد أتباع جدد داخل المجتمعات الإسلامية في أوروبا"، مستشهدة بدعاية داعمة لـ "حماس" من تنظيم "القاعدة".
معلومات عن تهديد
وقال كبير ضباط مخابرات الخدمة السرية في مانيلا إن تقديرات جهاز مخابراتي أميركي، رفض الكشف عنه، خلصت في وقت لاحق إلى أن المؤامرة كانت بناء على طلب ابن لادن ودبرتها عناصر من "القاعدة" وجماعة أبو سياف، وهي جماعة فيليبينية تعد على نطاق واسع ذراعاً لتنظيم "القاعدة".
ويشير تقرير لمجموعة الأزمات الدولية صدر عام 2022 إلى أن التنظيم في حال من الفوضى ولم يبق على قيد الحياة سوى عدد قليل من قادته، ولم يرد مكتب الرئيس الفيليبيني ووزارة الخارجية والشرطة الوطنية على طلبات التعليق.
وأشار أربعة من ضباط الخدمة السرية الذين تحدثوا إلى "رويترز" إلى أن رمزي يوسف المرتبط بتنظيم "القاعدة" والعقل المدبر للهجوم الأول على مركز التجارة العالمي عام 1993، وابن شقيق مهندس هجمات الـ 11 من سبتمبر (أيلول) 2001 خالد شيخ محمد الذي درّب عناصر جماعة أبو سياف، كان في مانيلا قبل أيام من زيارة قام بها كلينتون عام 1994.
ويقضي يوسف عقوبة السجن المؤبد بأحكام تتجاوز 240 عاماً في سجن اتحادي شديد الحراسة في كولورادو.
وأشارت مذكرة مكتب التحقيقات الاتحادي الخاصة بأول استجواب أجراه مع يوسف بعد اعتقاله عام 1995 إلى أنه أجرى مسحاً لمواقع في مانيلا ذكرت وسائل الإعلام أن كلينتون سيزورها، وأضافت أن يوسف "أشار إلى أنه فكر في وضع عبوة ناسفة في مكان ما على مسار الموكب"، وأضافت المذكرة أن يوسف خلص في النهاية إلى وجود مجموعة كبيرة من الإجراءات الأمنية وعدم كفاية الوقت لشن هجوم.
حب التفاخر
وقال غلود عن يوسف، "كنت أعلم أنه كان بمثابة فريق متقدم"، وعزا ذلك إلى معرفته بتقارير المخابرات.
وقال محامي يوسف، برنارد كلاينمان، لـ "رويترز"، "على رغم أنه من الممكن أن يوسف كان في مانيلا عام 1994 لبدء العمل على مؤامرة 1996 الفاشلة ضد كلينتون إلا أني أشك في أنه قام بذلك بالفعل"، إذ وصف موكله بأنه "يحب التفاخر ويصور نفسه على أنه أعظم بكثير مما قد يكون عليه في الواقع".
وفي ذاكرة ضباط "الخدمة السرية" لم يكن التهديد الذي شكله تنظيم "القاعدة" ويوسف سوى أحد المعطيات المزعجة التي كان يتعين على فريق الأمن المتقدم التابع للخدمة السرية التعامل معها، وكانت الفيليبين تحارب تمرداً شيوعياً وإسلامياً، واكتشفت الشرطة قنبلة في مطار مانيلا وأخرى في مركز مؤتمرات القمة بمنطقة "سوبيك باي" قبل أيام عدة من وصول كلينتون وزوجته، كما حذرت وزارة الخارجية الأميركية من تهديدات ضد الدبلوماسيين الأميركيين في مانيلا في اليوم السابق لوصولهما.
وقال غلود لـ "رويترز" إن المهمة في مانيلا كانت "أسوأ تقدم حققته على الإطلاق في ما يتعلق بالمعلومات عن التهديد".
وأشار مساعد عسكري، وهو اللفتنانت كولونيل بالقوات الجوية الأمريكية المتقاعد روبرت باز باترسون، الذي رافق كلينتون في الرحلة، إلى أنه الضوء سُلط على أخطار تواجه كلينتون قبل الزيارة عبر ملخصات يومية سرية للغاية للرئيس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"حفل زفاف على الجسر"
وكان سفر كلينتون إلى مانيلا في ساعة متأخرة من المساء، وأثناء هبوط طائرة الرئاسة نقل ضابط الخدمة السرية دانيال لويس معلومات استخباراتية إلى فريق الخدمة السرية في المطار حول "عبوة على جسر" على الطريق الرئيس المؤدي إلى فندق مانيلا.
وقال لويس ميرليتي الذي كان جالساً في مقعده خارج مقصورة كلينتون وقاد فريق حماية الرئيس وأصبح في ما بعد مديراً للخدمة السرية، إنه توصل إلى النتيجة نفسها بعد مكالمة هاتفية من ضابط مخابرات أميركي لا يعرف اسمه، تكشف عن تحذير من ذكر عبارة "حفل زفاف على الجسر" في اتصالات اعترضت،
وقال إنه تذكر تقريراً استخباراتياً صدر قبل أعوام عدة أشار إلى "الزفاف" على أنه "رمز إرهابي لاغتيال"، وأظهر المسار الذي كان مزمعاً للموكب ويضم ثلاثة جسور على الطريق الرئيس المؤدي إلى فندق كلينتون.
وتذكر أنه قال لغلود عبر اتصال لاسلكي مؤمن "هذا كل شيء، سنغير المسار".
وأكد غلود ما رواه ميرليتي عن الحدث، وقال ميرليتي ولويس وغلود الذين تقاعدوا من الخدمة السرية أعوام 1998 و2003 و2011 على الترتيب، إنه عُثر على القنبلة التي كانت تقصد كلينتون فوق صندوق كهربائي في أعلى جسر على الطريق الأساس، وعُين غلود عام 2017 مدرب إنفاذ قانون قبل مغادرته في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وتظهر مقاطع مصورة التقطتها "رويترز" لوصول كلينتون خبراء مفرقعات يتعاملون مع عبوة ناسفة على جانب صندوق كهربائي على جسر ويفجرونها، بينما لم تظهر أي قنابل فوق الصندوق.
وقال الضباط إن أفراد الأمن الفيليبينيين عثروا أيضاً على سيارة "ميتسوبيشي باجيرو" حمراء متروكة في نهاية الجسر، وقالوا إن بنادق "إيه كيه-47" عثر عليها بالداخل تشير إلى أن المهاجمين خططوا لإغلاق الطريق بالمركبة وإطلاق النار على الموكب.
وقال غلود وميرليتي إنه في صباح اليوم التالي أطلعهما على المؤامرة مسؤول مخابرات أميركي في السفارة الأميركية وعلى صور للعبوة، وأضافا أن القنبلة كانت تحوي قنابل يدوية خارقة للدروع موضوعة على صندوق يحوي مادة "تي إن تي" وموصولة بهاتف "نوكيا" مجهز ليكون مفجراً.
وقال المسؤول عن الفريق على الأرض في مانيلا، لويس وكريغ أولمر، إنهما شاهدا الصور لاحقاً.
وأشار دينيس بلوشينسكي، وهو محلل متقاعد لشؤون الإرهاب بوزارة الخارجية علم بالمؤامرة الفاشلة عام 2020 أثناء بحثه في تاريخ الإرهاب ضد الولايات المتحدة، إلى أن كلينتون أصدر عام 1995 القرار الرئاسي رقم (39) الذي يتعهد فيه "بردع ودحر والرد بقوة على جميع الهجمات الإرهابية" ضد الأميركيين في الداخل أو الخارج، والقبض على المسؤولين عنها ومحاكمتهم.
ولم يحدث ذلك فعلاً إلا بعد مقتل 220 شخصاً في تفجيرات تنظيم "القاعدة" لسفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في أغسطس (آب) 1998، إذ رد كلينتون بضربات بصواريخ كروز، لكن ذلك لم يفلح في منع ابن لادن من التخطيط لهجمات جديدة.