Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أعطت "طالبان" لـ"القاعدة" إكسير الحياة؟

تقرير للأمم المتحدة يحذر من عودة التنظيم الإرهابي ومخاوف من موجة عنف جديدة

كشف التقرير أن مقاتلي "القاعدة" يسهمون في حماية كبار مسؤولي "طالبان" (أ ف ب)

ملخص

أشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن "القاعدة" أصبح تنظيماً لا مركزياً بشكل أكبر منذ الضربات القاسمة التي تعرض لها إثر الغزو الأميركي لأفغانستان في عام 2001

بعد سنوات من تصدر تنظيم "داعش" عناوين الأخبار المتعلقة بالتنظيمات الإرهابية، أعاد تقرير صادر عن الأمم المتحدة تنظيم "القاعدة" الإرهابي إلى الواجهة، بعدما حذر من أن حركة "طالبان" أفسحت لها المجال للعمل بحرية وإقامة معسكرات في أفغانستان ما قد يعيد التنظيم الإرهابي الأقدم والأكثر شهرة إلى ذروة العمل المسلح بعد سنوات من الخمول منذ اغتيال مؤسسه أسامة بن لادن في عام 2011.
التقرير الذي صدر الشهر الماضي أكد أن علاقة "طالبان" مع "القاعدة" وجماعات إرهابية الأخرى ما زالت قوية، حيث يستخدم التنظيم الأراضي الأفغانية كمركز لتجنيد مقاتلين جدد وتقوم بهدوء بإعادة بناء قدراتها العملياتية الخارجية، وتتواجد حالياً في مراكز رئيسة مثل العاصمة كابول وقندهار وهلمند، كما تقيم معسكرات تدريب جديدة في البلاد، على رغم تقديم الحركة الحاكمة لأفغانستان تأكيدات بعد انهيار النظام السابق وانسحاب القوات الدولية في أغسطس (آب) 2021، بأن بلادهم لن تكون ملاذاً للإرهابيين مرة أخرى، وأنهم لن يسمحوا باستخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات إرهابية. وإضافة إلى "القاعدة"، ذكر التقرير الأممي أن تنظيم "داعش خراسان" يتوسع في أفغانستان مع اقتراب عدد مقاتليه من 6 آلاف مقاتل.
فحوى التقرير تشير إلى عدم وفاء حركة "طالبان" بالتزاماتها في "اتفاق الدوحة" الذي وقعته مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في عام 2020، والذي وضع أساس انسحاب القوات الأميركية مقابل تعهد "طالبان" بعدم السماح لأي منظمة إرهابية باستخدام الأراضي الأفغانية لتهديد أو مهاجمة واشنطن وحلفائها.

حماية وإعانات

وكشف التقرير أن مقاتلي "القاعدة" يسهمون في حماية كبار مسؤولي "طالبان"، وفي المقابل حاول التنظيم دخول الحكومة الأفغانية، حيث تولى قيادي طالباني مرتبط بـ"القاعدة" منصب نائب مدير المديرية العامة للاستخبارات، كما أفاد التقرير بأن حكومة "طالبان" قدمت للمحسوبين على "القاعدة" إعانات اجتماعية شهرية.
وأشار الصحافي الأفعاني فضل القاهر قاضي إلى تحذير سابق أصدره رئيس هيئة الأركان المشتركة لمنظمة "معاهدة الأمن الجماعي"، الفريق أول أناتولي سيدوروف، من أن "أكثر من 20 ألف عنصر من مختلف المنظمات الإرهابية، موجودون حالياً على أراضي أفغانستان". وقال قاضي لـ"اندبندنت عربية" إنه "وفق مسؤولين روس، هناك 20 ألف مقاتل من مختلف المنظمات الإرهابية يعملون في أفغانستان، الكتلة الأكبر بينهم أو نحو 6500 شخص من تنظيم ولاية خراسان وهو فرع تنظيم داعش، فضلاً عن تواجد تنظيم القاعدة، والحركة الإسلامية في أوزبكستان، وغيرها من الجماعات الإرهابية".
وأكد الصحافي المقيم في كابول أنه "مع انقضاء أكثر من عامين منذ استيلاء طالبان على أفغانستان، ليس هناك أمل كبير في أن تخفِّف من حدة تطرفها أو تنفصل عن تنظيم القاعدة"، مشيراً إلى أن حظر الحركة للتعليم الثانوي للفتيات في مارس (آذار) 2022، ومقتل زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري في يوليو (تموز) 2022 في كابول في غارة أميركية بطائرة مسيّرة يثبت أن "طالبان" لم تتغير، مبدياً أسفه لما أسماه "مستقبل أفغانستان القاتم"، إثر انهيار اقتصادي واحتمالات حدوث مجاعة واسعة النطاق.

انقسام "طالبان"

بالعودة إلى تقرير الأمم المتحدة، نجد تحذيراً آخر من تزايد الانقسامات داخل "طالبان" سعياً للسيطرة على السلطة، وهو ما وصفه التقرير بالخطير والمقوض للنظام، إذ يسود انقسام بين الفصائل المحافظة بدرجة أكبر في قندهار التي لا تعبأ بالتصورات الدولية للحركة العائدة إلى السلطة، في مقابل النظام في كابول الذي يحاول إعادة تصوير الحركة على أنها أكثر واقعية وانفتاحاً على العالم منذ استيلائها على السلطة في 2021.
يعد وزير الداخلية بالوكالة سراج الدين حقاني، أحد أبرز أسماء النظام الأفغاني المرتبطة بـ"القاعدة"، إذ إنه مدرج على قائمة الأمم المتحدة للإرهاب منذ عام 2007، واتهمته دوائر أميركية بأنه كان وراء إخفاء الظواهري في كابول. وتشير تقارير اخبارية عدة إلى أن حقاني يخوض صراعاً على السلطة طرفه الآخر النائب الأول لرئيس الوزراء بالإنابة الملا بردار.
ولفت الباحث الأفغاني فضل القهار قاضي إلى أن "أنشطة التنظيمات الإرهابية تزيد من التحديات الأمنية التي تواجه حكومة طالبان"، لافتاً إلى "مقتل حاكم ولاية بلخ شمال أفغانستان، داوود مزمل، جراء تفجير انتحاري قبل أشهر، وأعلن تنظيم داعش خراسان مسؤوليته عنه". وأضاف أن "تلك الهجمات زادت من المخاوف حيال نشاط التنظيمات الإرهابية وما تشكله من تهديد للأمن، حيث أبدى كثيرون في أفغانستان تخوفهم من تفاقم حالة عدم الاستقرار الأمني في البلاد"، مشيراً إلى "شن داعش هجمات متكررة في عدة أنحاء بأفغانستان، بخاصة في العاصمة كابول".
ووفق شبكة "فوكس نيوز" الأميركية، يقدر عدد مقاتلي "القاعدة" في أفغانستان بنحو 400 عنصر، يضاف إليهم 2000 شخص هم أفراد عائلاتهم وأنصارهم.
في المقابل، نفت "طالبان" ما جاء في التقرير الأممي واصفةً إياه بـ"المزاعم غير الصحيحة"، ونقلت قناة "فوكس نيوز" الأميركية عن متحدث باسم الحركة قوله إن "هذا التقرير لا يستند إلى حقائق على الأرض. لا يوجد مركز تجنيد أو مراكز تمويل وتدريب للقاعدة في أفغانستان. هذا مجرد ادعاء واتهام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


رفقاء سلاح

وترتبط كل من "طالبان" و"القاعدة" بتاريخ طويل من العلاقات، حيث أن تنظيم "قاعدة الجهاد" أسسه أسامة بن لادن عام 1987 إبان الغزو السوفياتي لأفغانستان، وتحالف التنظيم مع حركة "طالبان" التي أُنشئت عام 1994، وسيطرت على الحكم بعد ذلك بعامين، وأعقب ذلك عودة بن لادن إلى أفغانستان ليقود مقاتلي "القاعدة"، الذين بايعوا "طالبان" مقابل الحصول على ملاذٍ آمن، في دعم الحركة الأفغانية لقتال فصائل معارضة لها مثل فصيل رشيد دوستم. ومع توالي عمليات "القاعدة" الخارجية مثل تفجير سفارتي أميركا في نيروبي ودار السلام، ثم أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، التي أعقبها رفض زعيم الحركة الملا عمر تسليم بن لادن، تدخلت القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة وأطاحت بحكم "طالبان" وحليفها "القاعدة".
لكن التنظيم الإرهابي الأشهر تعرض لضربة قاصمة بمقتل زعيمه ومؤسسه بن لادن بنيران القوات الخاصة الأميركية في عام 2011، في عملية خاصة نفذت قرب العاصمة الباكستانية إسلام أباد، ليخلفه أيمن الظواهري الذي دخل التنظيم في عهده سباتاً وتعرض لانقسامات عميقة في العديد من مناطق نفوذه.

ضعف "القاعدة"

ووفق دراسة منشورة في مركز "الأهرام للدراسات الاستراتيجية" في أغسطس (آب) الماضي، واجه تنظيم "القاعدة" ضعفاً في القيادة خلال عهد الظواهري الذي اغتالته الولايات المتحدة في كابول في يوليو (تموز) من العام الماضي، ويعزو الباحث أحمد كامل بحيري ذلك الضعف إلى أن الظواهري اعتُبر أقرب إلى مستوى "مفتي" للتنظيم من كونه زعيماً له، فشهد "القاعدة" تراجعاً شديداً على كافة الأصعدة، جعلت من التنظيم حالة رمزية بين التنظيمات الإرهابية، بخاصة مع تصاعد نفوذ تنظيم "داعش" منذ نهاية عام 2014، حيث كان مؤسس "داعش" أبو بكر البغدادي أحد أفراد "القاعدة" إلى أن انشق مؤسساً ما أسماه "دولة الخلافة" في مناطق من سوريا والعراق، إضافة إلى إعلان أبو محمد الجولاني فك الارتباط بـ"القاعدة" ليؤسس "جبهة تحرير الشام" في عام 2016.
ومع تسلم محمد صلاح الدين عبدالحليم زيدان أو "سيف العدل" لزعامة "القاعدة"، وفق ما أكدته الأمم المتحدة في فبراير (شباط) الماضي خلفاً للظواهري، بدا أن التنظيم يدخل مرحلة جديدة قد تتسق مع خلفية الزعيم ذو الخلفية العسكرية باعتباره كان ضابطاً بالجيش المصري قبل أن يتجه إلى التطرف، على عكس الزعيم السابق الذي كان طبيباً ونُظر له دائماً على أنه "منظّر" أكثر من كونه قائداً.

غياب التمويل

إلا أن الخبير في مكافحة الإرهاب الدولي العقيد حاتم صابر يرى أن "سيف العدل" لا يملك التمويل اللازم لتنفيذ عمليات عسكرية جديدة بعكس الظواهري، الذي كان يملك علاقات واسعة مكنته من ملء خزانة التنظيم حتى وإن لم ينفذ عمليات ذات أثر كبير خلال فترة توليه زمام الأمور.
وقال صابر لـ"اندبندنت عربية" إن "تنظيم القاعدة يكاد يكون انتهى بموت أسامة بن لادن، وحتى بعد تولي الظواهري زمام أمور التنظيم انتقل كثيرون منه إلى داعش مع أبو بكر البغدادي"، موضحاً أن "محاولة إعادة إنتاج تنظيم القاعدة هي فكرة فاشلة"، ووصف توجيه الأمم المتحدة الأنظار نحو استعادة "القاعدة" قوته مرة أخرى بأنه "محاولة لإيجاد بيئة جديدة لنشاط تنازعي بين الجماعات التكفيرية"، مؤكداً أن "هناك أجهزة استخبارات دولية مسؤولة عن دعم هذه التنظيمات وتقف خلف تمويل عملياتها".
وعلى رغم انتشار جماعات إرهابية تدين بالولاء لـ"القاعدة" في دول عدة حول العالم، إلا أن تقوية التنظيم في أفغانستان يبدو دوره محدوداً على تلك الجماعات، إذ أشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن "القاعدة أصبح تنظيماً لا مركزياً بشكل أكبر منذ الضربات القاسمة التي تعرض لها إثر الغزو الأميركي لأفغانستان في عام 2001، ما جعل الروابط المباشرة والاتصالات مع الفروع الإقليمية أضعف، مما يشير إلى أن قدرته على تنسيق هجمات واسعة النطاق عبر فروعه ضعيفة". ويضيف التقرير أن "حالة عدم الاستقرار المستمر سيفيد القاعدة على المدى الطويل".

تداعيات سقوط "داعش"

وعلى رغم الهزائم التي منيت بها التنظيمات الإرهابية مثل "القاعدة" و"داعش" إلا أنه بحسب الخبير في شؤون الحركات الإسلامية سامح عيد فإن أفكار "الجهاد المسلح" ضد الدول الغربية لم تنته، بل على العكس يزداد المنتمون إليها يومياً، لافتاً إلى أن "الجماعات تستغل الظروف الاقتصادية في دول عدة لكسب مزيد من المؤيدين، وكذلك تنامي الأفكار المعادية للإسلام في الغرب مثلما رأينا أخيراً في السويد".
وحول مستقبل "القاعدة"، قال عيد لـ"اندبندنت عربية" إن سقوط "داعش" كان تأكيداً على وجهة نظر الظواهري بكون عمل الجماعات المتشددة أشبه بحرب العصابات ولا يمكن إقامة دولة من خلاله، موضحاً أن "من وجهة نظر تلك الجماعات فالعمل المتشدد لم ينته ومستمر ومن المتوقع زيادة موجة العنف مستقبلاً، بخاصة أن سقوط "داعش" أعاد الكثير من مناصريه إلى تنظيم القاعدة ومن الطبيعي عودته للنشاط مجدداً، متوقعاً أن "الموجات المقبلة من العنف ستكون أشد من سابقاتها".
وأشار إلى أن "تولي سيف العدل قيادة القاعدة يعتبر امتداداً لانتماء عدد من العسكريين المصريين للتنظيم، حيث يستفيد منهم قادة الجماعات المتشددة لتعظيم القدرات القتالية"، مشيراً إلى قيادات سابقة مثل هشام عشماوي وعبود الزمر وغيرهم ممن كانوا بالأساس ضباطاً ثم انضموا إلى التيارات المتشددة.
الموجة المحتملة من العنف مع احتمالات عودة "القاعدة" تتطلب مزيداً من التنسيق الأمني بين الدول، وفق الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، مضيفاً أن المواجهة الفكرية هي السبيل الرئيس للقضاء على التنظيمات المتشددة.
وكان التقرير الأممي حول علاقة "القاعدة" و"طالبان" قد أثارت اهتمام دوائر الكونغرس الأميركي، حيث علق السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، قائلاً إنه لا يشك في صحة التقرير، محذراً من أن صلات التنظيمين بالإضافة إلى السماح لـ"داعش" بالعمل داخل أفغانستان يمس مصالح الأمن القومي الأميركي، ملقياً باللوم على إدارة الرئيس جو بايدن لأنه "اختار تهيئة الظروف لصعود الإرهاب في أفغانستان لأغراض سياسية"، مضيفاً "إننا نعيش أوقاتاً خطيرة للغاية".

المزيد من تقارير