Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحب من أول نظرة والصمود في وجه متاعب الحياة الرومانسية

فكرة حالمة انتقدها العلم وبالغت بعض الفنون في وصفها لكنها ظلت متحدية لجميع صور التسلط الاجتماعي

سر أسطورة الحب من أول نظرة هو أنه النوع الوحيد من الحب الذي مارسه الإنسان خارج النطاق التقليدي (ستوك أدوب)

ملخص

أفرزت السينما والفنون قديماً متلازمات فنية ودرامية متعلقة بفكرة الحب من النظرة الأولى لكنها جميعها انطلقت من فكرة تقليدية وهي الفارق بين نظرة الرجل للمرأة ونظرة المرأة لذاتها.

تقوم فكرة الحب من النظرة الأولى على فكرة رومانسية، لأنها تعتمد على دقة النظرة الخاطفة السريعة، وقدرة الإنسان على تسجيل الصورة الابتدائية أو الانطباع الأول عن الشخص من خلال وجهه، لكن الصورة الطبيعية لوجه الإنسان التي اعتمدت عليها صدقية فكرة الحب من النظرة الأولى قديماً تغيرت بصورة جذرية، ولم تعد صادقة كما في أزمنة غابرة، وهي في يومنا هذا صورة إلكترونية مفبركة ومزيفة بالكامل، إذ يلتقطها الشخص لنفسه ويتلاعب بها وفق كل إمكانات تركيب الصور المتقدمة، والشائعة على جميع التطبيقات البصرية، والمتوفرة بغاية السهولة.

دون محادثة أولى

مع ذلك صمد الحب من النظرة الأولى حتى وصل إلينا ولكن ضمن نسخة معدلة وبما يوافق طبيعة وقتنا هذا، فالحب بين روميو وجولييت عام 1595 كان من النظرة الأولى، ولكن الأعمال السينمائية والدرامية تعددت حول فكرة هذا الحب في وقتنا الراهن وجاء كثير منها ضمن صياغات وتطويرات حافظت على القيمة الرومانسية على رغم تغير السياق بالكامل، وذلك كما في أفلام عديدة منها الفيلم الأسطوري لجيمس براون (تيتانيك 1997) وفيلم (هانجر جيمز) عام 2016 من بطولة سوزان كولينز، إذ تقع قصة الحب من أول نظرة في مثل هذه الأعمال تزامناً مع أحداث مأسوية أو مع نهاية التاريخ والعالم.

لذلك يؤخذ على هذا النوع من الحب أنه نوع متناقض جداً، إذ اشتهر بأنه الحب الوحيد الذي لا يحتاج إلى أية محادثة، بل إنه يقع قبل المحادثة التقليدية الأولى. لذلك يعد حباً صاخباً للغاية، ويقع فيه الشخص تحت سلطة العيون، ولا يحتاج إلى معرفة أية لغة شفوية أو عقلية أو اجتماعية أخرى.

رومانسية مفرطة

مع ذلك، هو متهم بالرومانسية المفرطة، ودائماً ما يرتبط بالرسم والعزف والنشاط الذكوري، كما في فيلم (ليالي الصيف - عام 1978) من بطولة (جون ترافولتا). لذلك اشتهر بكونه يقفز عن كل الأعراف والتقاليد الاجتماعية. بل إنه أصبح مع مرور الوقت ميداناً إنسانياً أنثوياً خاصاً، عبرت فيه بعض النساء عن تمرد المرأة المعاصرة، التي ترفض هيمنة الرجل عليها وتعلن تمردها على جميع السلطات التي نظرت إليها باستمرار نظرة تقليدية وسطحية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويسمى هذا النوع من الحب بالحب من النظرة الأولى، بسبب السرعة الكبيرة التي يحدث بها، لكنه مع ذلك ليس مفهوماً أنثوياً بحتاً ومتسرعاً، أو مجرد تعبير عن مفردة ضعيفة كما تحاول بعض الأعمال الدرامية والسينمائية تجسيده، لأنه على رغم كل سلبياته حمل معاني عميقة، ولذلك بقي صامداً أمام جميع المناكفات التاريخية، وأهمها المناكفة التقليدية بين العلوم المنطقية والفنون.

في جزء من ثانية

تقول أسطورة هذا الحب إنه من الممكن خلال جزء من ثانية حدوث حب حقيقي صادق ودائم، ومن نظرة واحدة، وليس معلوماً بالتحديد الفترة الزمنية التي ظهرت فيها هذه الفكرة إلى الواقع، لكن كثيراً من المؤشرات تؤكد أنها ليست مرتبطة بزمن ما قديماً أو حديثاً، إذ يمكن الربط بينها وبين أية حالة غير إنسانية أخرى تعترض طريق العشاق الكبار في أي زمان ومكان.

ولعل الإنسان الذي يؤمن بفكرة ونظرية الحب من النظرة الأولى ما هو إلا كائن رومانسي، بمعنى أنه إنسان حالم، وأكثر ما يميزه عن غيره رغبته الشديدة في التحرر من سلطة العلم والأبحاث والإحصاءات الأكاديمية الدقيقة.

زاوية نظر السينما

لذلك نظرت السينما والدراما والفنون دائماً إلى هذا النوع من الحب من زاوية نظر غير دقيقة، مكرسة عنه عدة متلازمات أدبية سلبية، أهمها متلازمة النظرة الذكورية للمرأة، التي تعني سيطرة وهيمنة الرجل على كل أجزاء جسد المرأة، والنظر إليها بما لا يتناسب مع نظرتها إلى ذاتها، أو الاحتفاظ بها لمجرد الحصول على متعة مراقبتها ولمجرد التأمل بها والتحديق في جمالها بصورة دائمة.

 

 

ومن وجهة نظر عملية، ومن خلال التجربة، أثبتت نظرية الحب من أول نظرة أن التقاء العيون صدفة بين شخصين لا يعرف أحدهما الآخر، ما هو إلا وسيلة تواصل خارقة، كونها أقوى من كل أنواع التواصل الشفهي. ومع الوقت ظهر شرطان لأية علاقة حب من هذا النوع، الأول هو أن يحدث التقاء العيون صدفة، من دون سابق إنذار، والثاني أن تكون النظرة خالية من أي رغبة بالتسلط والسيطرة على الآخر.

العلم ينفي

لكن العلم بدوره نفى أن تكون نظرة خاطفة لا تتعدى زمنياً عشر ثانية واحدة، كفيلة بمعرفة كل التفاصيل المطلوبة لنجاح هذه العلاقة، أو لإنتاج هذه الأسطورة الضخمة والعريقة. فالحب الذي ينتج من هذه العلاقة محفوف بالمتاعب، ولا بد فيه من بذل كثير من التضحيات التي تنجم عن عدم التوافق بين الشريكين. وفي رأي العلم خصوصاً وأهل الفكر والفلسفة عموماً فإن محادثة أولى تتبع تلك النظرة - لم تحدث فعلاً - كانت كفيلة بتبديد هذا الوهم الكبير.

وفي هذا السياق "المحبط " لكثير من العشاق المؤمنين بهذه النظرية، أكد باحثون ومتخصصون من جامعات مرموقة عدة في أوروبا والولايات المتحدة ومن الجنسين (جامعتي كاليفورنيا ستيت وويست فرجينيا وغيرهما) أن نجاح فكرة الحب من النظرة الأولى يحتاج إلى معجزة نادرة التحقق في الواقع، فمبدأ هذا الحب يخالف جوهرياً ما يزيد على 15 استراتيجية معتمدة في ثقافة المواعدة المعدة لإنجاح العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة. وكونه أيضاً يدفع طرفي العلاقة لاحقاً للانتقال من الحب المتوقد إلى مرحلة التحديق في كابوس العالم الحقيقي للأشياء.

سر الأسطورة

سر أسطورة الحب من أول نظرة هو أنه النوع الوحيد من الحب الذي مارسه الإنسان خارج النطاق التقليدي، وبعيداً من دوائر الرقابة والتسلط التقليدية على الشباب، والتي تتنوع أسرياً وسياسياً واجتماعياً ودينياً وعلمياً ونفسياً. فأسطورته النظرة الأولى الصغيرة والساذجة، ترتكز في الواقع على لغة العيون الغامضة، وهي لغة سرية أحرجت العلم والعلماء، وحيرت كثيراً من الفلاسفة والمفكرين والباحثين.

وبلغت درجة عدم اقتناع بعض العلماء والأكاديميين بهذا النوع من الحب وصف النظرة الأولى بين عاشقين بأنها نوع من التلصص المرضي، الذي يمارسه الرجل ضد المرأة والعكس بالعكس، مع أن التجربة الواقعية أثبتت أنه نوع من التلصص الظريف، النابع من اللطف والطيبة، الذي تميز عن غيره من أنواع الحب بأنه ينتهي دائماً بوجود ثمرة إنسانية عظيمة وهي الأطفال. مما يعني أنه يقود دائماً أو في معظم الحالات إلى علاقة زوجية.

انجذاب قوي

بين فكرة الانجذاب القوي إلى أشخاص يتمتعون بالجمال، بوصفه انجذاباً جسدياً فردياً خالصاً، والانجذاب للقيم والمبادئ التي يعبر عنها الشخص من خلال سلوكه، بوصفه ممثلاً لمجموعة اجتماعية معينة من الناس، يتجاهل الحب من النظرة الأولى - وفق متخصصين نفسيين - مجموعة من العوامل اللانهائية المجهولة، ليركز على صفة واحدة يتحلى بها الشخص الآخر، مثل اللطف والطيبة أو غيرها من الصفات المميزة للجنسين.

 

 

مع ذلك يسعى العلم المتطور في وقتنا إلى تجريد الأشياء ووضعها خارج سياق أسطورتها، فمهمة العلم تتمثل في إزاحة المواضيع باتجاه المنطق والمعقول، لذلك ربط بعض العلماء حديثاً بين حدوث الحب من أول نظرة وحدوث المعجزات، إذ ظهرت منذ نشأة الجامعات مئات الأبحاث الأكاديمية التي خاضها باحثون من الجنسين، ذكوراً وإناثاً، والتي حاولت تحديث التفسيرات المتعلقة بالظاهرة، لكن بعض هؤلاء العلماء شخص الحالة العاطفية من خلال فكرة الاضطرابات النفسية والجسدية لدى الإنسان.

وهم إيجابي

قديماً، كانت أفضل نتائج توصل لها مجموعة من الباحثين من مختلف جامعات العالم في أوروبا والولايات المتحدة خلال سبعينيات القرن الماضي، تؤكد أن الحب من أول نظرة هو في أفضل الحالات "وهم إيجابي" وذلك لأنه يمثل ظاهرة سطحية لا يمكن للعلم رفضها أو إنكارها.

مع ذلك لا تصلح نظرية الحب من النظرة الأولى للممارسة عبر تطبيقات الصور المركبة التي تنتجها عشرات التطبيقات في الهواتف المحمولة والوسائط التقنية الحديثة، فالصورة اليوم هي مجرد وسيلة معاصرة لخداع أتباع هذا النوع من الحب المختلف، لأن الصورة الهاتفية تخضع لمجموعة من التحسينات والإضافات الخارجية، التي تجعل الصورة الشخصية معبرة عن شخصيات عدة لا عن شخص واحد، ومن زوايا مختلفة عن الواقع بكثير.

العكس بالعكس

من مشكلات الحب من النظرة الأولى التي ركز عليها العلم والمنتقدون بوضوح لهذه الفكرة الرومانسية، أنها جعلتنا نخسر عدداً آخر من الخيارات التي تكون أحياناً أكثر ملاءمة من الحب الناتج من نظرة سريعة فالانجذاب لشخص بسرعة كبيرة يعني بالضرورة تقييم مجموعة كبيرة أخرى من الأشخاص غير ذلك الشخص وتصنيفهم كونهم غير جذابين وبسرعة كبيرة أيضاً.

وعلى رغم إقرارهم بوجود الفكرة ومعالجة كثير من جوانبها من منظور جمالي وإنساني، ذهب الفلاسفة والمفكرون بوصفهم الوسيط بين أهل العلم وطائفة المحبين من النظرة الأولى، إلى تحميل المفهوم أحياناً أكثر مما يحتمل بكثير. بل إن بعضهم ربطوا بين النظرة الأولى لكل شيء وحب المادة الذي يأتي تحت فكرة حب السلطة والرغبة في امتلاك الآخرين، التي تحدث هنا بذريعة الحب من نظرة واحدة.

أخيراً ارتبطت فكرة النظرة الأولى في العشق ببعض النظريات الفنية المهمة منها نظريات شبق النظر، التي تقوم على فكرة اشتقاق اللذة من خلال حاسة النظر إلى الأشياء وحدها، إذ يستمتع الحبيب بمجرد التأمل في صورة محبوبه.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات