Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحضور الشعبي في جنازة المعارض الروسي نافالني يبعث على الأمل 

على رغم كل التحذيرات، وعلى رغم معرفتهم المسبقة بالتشديد الأمني الكبير حضر آلاف المواطنين للإعراب عن حزنهم لموت أبرز معارض للرئيس بوتين

رافقت جنازة نافالني أغنية فرانك سيناترا الشهيرة "على طريقتي" (ماي واي) التي أحبها المعارض الروسي (رويترز)

ملخص

مشاهد جنازة نافالني توحي بأن روسيا لم تفقد الأمل بمستقبل أفضل

عبر أرجاء أوروبا وأميركا، قام آلاف الناس بوضع الورد تخليداً لذكرى الرجل الذي يعتبره كثيرون زعيماً للتيار المعارض للرئيس فلاديمير بوتين في روسيا والذي كان يعتبر الأمل للمستقبل، وانطفأ نوره الآن.

وكان من بين من شاركوا في هذه الطقوس التذكارية المهيبة سياسيون وناشطون، ومواطنون روس من المهاجرين، ومن هم مقيمون اليوم في المنفى، إضافة إلى عدد كبير ممن يتشوقون لحدوث التغيير في روسيا، أو ممن صدمهم فقدان شخص تحول إلى شهيد من أجل ذلك التغيير.

كل ذلك كان من المتوقع حدوثه بعدما دعا فريق عمل أليكسي نافالني، وهو فريق أصبح الآن بلا زعيم الذين قد لا تتوافر لهم أي طريقة أخرى لتقديم التعازي بوفاته أن يقوموا بوضع الورد في موقع من اختيارهم عند السابعة مساء بتوقيت موسكو في يوم مواراته الثرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وما كان متوقعاً بشكل أقل - ولافتاً جداً - هو عدد المواطنين الروس، داخل روسيا الذين استجابوا لدعوات وضع الزهور. ولكن، ما كان استثنائياً للغاية ربما هو أعداد المواطنين الروس الكبيرة التي توجهت إلى جنازة نافالني والمقبرة حيث دفن في موسكو، على رغم كل التحذيرات، وعلمهم المسبق بأن انتشاراً كثيفاً لقوات الشرطة سيكون في المكان، وعلمهم في الأقل أن وجودهم قد يحمل تداعيات سلبية للغاية على مستقبلهم. وكل ذلك من دون احتساب إمكان تدخل عنيف من قبل قوات مكافحة الشغب.

في النهاية، لم يُسمح سوى لعدد صغير جداً من الناس بالدخول إلى الكنيسة [حيث أقيمت الصلاة على جثمان نافالني]، وكانت الاتصالات قطعت - مما حد من خطط فريق حملة نافالني للقيام بالبث المباشر - إضافة إلى أن السلطات وضعت سياجاً أحاط بأرض المقبرة الضخمة للحد من تدفق المعزين.

لكن، وبصورة أو أخرى، نجح كثير منهم في الدخول إلى حرم المقبرة، وكان القبر المخصص لنافالني قريباً من مدخلها، وأمكنت رؤيته من الشارع العام. فريق تصوير تابع لتلفزيون بريطاني - كان حصل على الثناء من فريق حملة نافالني المكلف البث الحي على ابتكارهم - لنجاحهم في إدخال كاميراتهم من خلال السياج المحيط بالمقبرة لتسجيل عملية إغلاق التابوت، ونقل صوت الموسيقى التي اختيرت لمرافقة عملية الدفن ومن ضمنها أغنية "على طريقتي" My Way الشهيرة لفرانك سيناترا.

لساعات عدة، وربما على مدى أيام، كانت مثيرة إلى حد مذهل، الأوجه المتعددة للدولة الروسية اليوم والتي كانت بادية للعيان في وقت واحد، بدءاً من طقوس الجنازة الأرثوذكسية الروسية القديمة، وصولاً إلى المحاولات الشيطانية للسلطة إحباط عزم المواطنين [عن حضور الجنازة] بما يذكر بالفترة السوفياتية، وصولاً إلى الحالة السياسية السائدة اليوم التي اخترقت بصورة مفاجئة الرقابة القاسية المفروضة منذ الاجتياح الروسي لأوكرانيا.

وفيما بدأ قرع أجراس الكنيسة إيذاناً بنهاية الصلاة الجنائزية، لوّح آلاف الروس الذين تشكلت منهم الجموع بباقات الزهور في الهواء وهم يرددون اسم نافالني. ولكن لم يكتفوا فقط بترديد اسمه. بل كان على رأس تلك الهتافات ترديدهم "أنت لم تكن خائفاً يوماً. ونحن لسنا خائفين" التي تبعتها هتافات "روسيا ستكون حرة" وشعار "نحن لن ننسى".

وفيما شعروا بجرأة أكبر، قاموا بأداء الهتافات التي رافقت احتجاجات عام 2012 المعارضة لعودة فلاديمير بوتين إلى الرئاسة الروسية: "روسيا من دون بوتين" - في تلك التظاهرات التي ارتبطت بنافالني.

وكانت هناك تمتمات لهتافات "لا للحرب" التي وصفها المذيع الذي كان ينقل وقائع جنازة نافالني عبر البث المباشر (عبر الإنترنت)، بأن الصوت باللغة الروسية لعبارة "لا للحرب" يشبه إلى حد كبير نطق اسم "نافالني".

ويمكن للجنازات أن تتحول بصورة لافتة إلى مناسبات سياسية، مع إمكان تهديدها من يتمسكون بقوة بالسلطة. إن الصلاة التي كانت أقيمت لإحياء ذكرى الزعيم الصيني الإصلاحي هو ياوبانغ، كانت مسؤولة عن إطلاق احتجاجات الطلبة الصينيين التي انتهت بالهجوم الذي قام به الجيش الصيني على ساحة تيان أنمين.

كما منحت جنازة العالم النووي السوفياتي والناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان أندريه ساخاروف، دفعاً جديداً لجهود الحراك الذي نجح في النهاية في إلغاء المادة السادسة من الدستور السوفياتي التي كانت تضمن "الدور القيادي" للحزب الشيوعي.

ولا يجب هنا أن ننسى جنازة الأميرة ديانا في المملكة المتحدة - وتغطية الأرض بغطاء من الزهور، والتصفيق غير المسبوق من الجماهير التي تجمعت خارج كنيسة "ويستمنستر أبي"، بعد الخطاب الذي كان شقيق ديانا، تشارلز سبينسر، ألقاه، وكانت كلماته مسموعة ومفهومة من قبل الحضور في الداخل.

وفيما يمكن للطقوس الدينية أن تكون معروفة لغالبية الروس، فإن كثيراً من غير الروس من جيل معين يمكن أن تكون لديهم أيضاً معرفة مسبقة بالخصائص المؤثرة للجنازات الروسية من خلال متابعتهم للمشاهد الافتتاحية في فيلم المخرج ديفيد لين، للكتاب الشهير لبوريس باسترناك، "دكتور جيفاغو" Doctor Zhivago.

إن مشهد الجنازة الحزينة وهي تشق طريقها من الكنيسة إلى المقبرة عاكسة مناظر الطبيعة الشتوية [الروسية] مع ما تحمله الرياح من صوت التراتيل الجنائزية الأرثوذكسية التي لها وقعها وأثرها الخاص. فجنازة نافالني، وهو الناشط الذي يعود للعصر الروسي الحديث ونهجه الذي يجنح نحو القومية، كان لا بد من أن يعكس هذين العاملين.

ولم تتخلَّ السلطات ومنذ البداية عن دورها المعهود. فوضعت كل العراقيل الممكنة في وجه عائلة نافالني والأشخاص التابعين لفريق عمله، تماماً كما كان يعرف أسلافهم السوفيات جيداً كيفية القيام بذلك.

وأخّرت السلطات الروسية عملية تسليم جثمانه [لعائلته] من مشرحة المستشفى التي نقل جثمانه إليها من معسكر سجنه القطبي. أما والدته الشجاعة - وهي شخصية تأتي من قالب النساء اللاتي يتمتعن بالصلابة، وكن يخترن اللحاق برجالهن إلى المنفى السيبيري - فكانت بدورها بدأت الإجراءات القانونية. فهي كانت تحدت التحذيرات [الحكومية] بضرورة إبقاء الجنازة محدودة، وأصرت بدلاً من ذلك على إقامتها في موسكو. وكان من الصعب جداً إيجاد مكان لإقامة الجنازة وتأجير عربة لنقل الموتى.      

لقد جُعلت عملية الوصول إلى الجنازة أمراً صعباً ويثير المخاوف حتى أقسى الحدود الممكنة، وعلى رغم ذلك وفي النهاية أجريت الجنازة وعملية الدفن. وكثير من مجريات ذلك النهار بُثت على الهواء مباشرة، في بث عبر الإنترنت كان متاحاً في روسيا وحول العالم. في هذا اليوم، بدا وكأن السلطات كانت مستعدة للسماح بهذا الحد من التعبير وليس أكثر - ولكن لا بد من الانتظار لمعرفة ما هو الطريق الذي ستقرر السلطة سلوكه في هذا المجال خلال الأيام والأسابيع المقبلة.

إذاً، وكما هو محتمل، تحوّل قبر نافالني إلى مكان يحج إليه مؤيدوه، في الأقل لعدد من الأسابيع، فالسؤال هو ما مدى تسامح الكرملين في تلك الحالة؟ على الغالب ليس كبيراً.

وكان نافالني حرض على المقاومة في روسيا، وترك إرثاً للآخرين كي يعملوا عليه. وسواء كانت أرملته يوليا هي التي ستحمل لواء قضيته، كما تعهدت أن تفعل، أو غيرها، فلا يهم في هذه المرحلة.

ما رأيناه هو بلد متداخل بين ماضيه ومستقبله ومعهما جملة من التناقضات وحال من عدم اليقيين تشبه ما كانت شهدته البلاد في الأعوام التي سبقت انهيار الاتحاد السوفياتي. لكنها ليست دولة فاقدة للأمل، أو دولة مات فيها حامل الأمل الوحيد. 

إن الآلاف الذين خرجوا في أجواء مثلجة في موسكو للمطالبة بحقهم في توديع نافالني إنما يكشفون عن نسخة روسية لا تتطابق مع ما هو متعارف عليه، بأنها دولة محكوم عليها بالتزام توجيهات السلطات، وأن الروس هم أشخاص لا مشاعر لديهم أو أهداف خاصة بهم وحدهم والتي تتخطى التوجيهات الصادرة من داخل جدران مباني الكرملين.

وبعد أسبوعين من الآن، سيُدلي المواطنون الروس بأصواتهم في انتخابات يعتبرها كثيرون مهزلة، وهي من المؤكد ستنتهي إلى تمديد ولاية بوتين الرئاسية لفترة ستة أعوام إضافية.

وعندما يحصل ذلك، سيكون ربما من المفيد إعادة مشاهدة التسجيلات المصورة لجنازة نافالني، وليس النظر في ما كان يمكن أن يكون، ولكن ما الذي لا يزال من المرجح أن يحدث. لقد تحدى المواطنون النصائح الرسمية، وكانت التكنولوجيا ناجحة، في معظم الأحيان، في الالتفاف على العراقيل التي وضعتها الدولة أمام وسائل الإعلام، وكان هناك أفراد مستعدين لاستخدامها، واستخدموها بالفعل. ما زال هناك أمل في أرجاء الدولة هذه.

© The Independent

المزيد من آراء