يترقب السودانيون بلهفة الخطوات التي تنوي حكومة الفترة الانتقالية اتخاذها بعد أن باشر الوزراء مهماتهم في التعامل مع عناصر النظام السابق الذين يسيطرون على مفاصل مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية.
وكانت حكومة الرئيس السابق عمر البشير قد أطلقت على تغلغلها اسم سياسة التمكين، وقد انتهجتها على مدى ثلاثين عاماً. وطالبت قوى الثورة الوزراء الجدد بضرورة إنفاذ شعارات الثورة الشعبية لا سيما إبعاد الموالين والمحسوبين على النظام السابق.
تدهور وفساد
يرى القيادي في قوى الحرية والتغيير، شمس الدين ضو البيت، أن "عملية تطهير الخدمة المدنية والعسكرية من الموالين لحزب المؤتمر الوطني عقبة أمام حكومة الرئيس عبدالله حمدوك، خصوصاً في بداية عملها، لأنها ستكتشف أن هياكل الدولة تدار بجهاز تنفيذي معظمه من العناصر الموالية للنظام السابق والتي تم تعيينها بما يسمى سياسة التمكين والولاء السياسي بدلاً من الكفاءة.
ويلفت ضو البيت إلى أن النظام السابق استخدم ثلاث آليات لأسلمة المجتمع، هي التأصيل والتمكين والجهاد. ووفق هذا المنهج استولى على المناصب المفصلية في الدولة وأبعد نحو 98 ألف موظف خلال السنوات الأربع الأولى من عهد البشير لأسباب سياسية أو لاختلاف الرأي، وهو ما يعادل أربعة أضعاف من تم أُبعدوا منذ استقلال السودان في 1956 وجميعهم أحيل وفقاً لقانون الخدمة المدنية وليس سياسياً، وهو ما أدى إلى دمار ضخم على مستوى مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وأحدث تدهوراً مريعاً في القطاعات الإنتاجية، زراعية كانت أم خدمية، فضلاً عن انتشار حالات الفساد غير المسبوق.
ويشير ضو البيت في تناوله الآليات الضرورية لإصلاح الوضع الوظيفي داخل مؤسسات الدولة إلى أن هناك عناصر للنظام السابق سيغادرون طوعاً، وبالأحرى هم غادروا بواسطة آلية الشرعية الثورية، إذ قام صغار الموظفين بطردهم من مكاتبهم كونهم وصلوا إلى تلك المناصب من دون وجه حق، لكن من المهم إبعاد وكلاء الوزارات ومديري الشركات فوراً لأن ولاءهم لن يكون للثورة، أما بالنسبة إلى بقية الموظفين الموالين لنظام البشير فإن قوانين الخدمة المدنية كافية لإبعادهم عندما تتم مراجعة مؤسسات الدولة نظراً لضعفهم الإداري وغياب عنصر الكفاءة والمؤهلات عند التعيين.
دولة خفية
يدعو الكاتب والمحلل السياسي عثمان ميرغني إلى الإسراع في تفكيك دولة الإخوان المسلمين العميقة وكشف مفاصلها وأذرعها وامتداداتها بميليشيات الظل التي شكلتها، والشركات الواجهة التي أقامتها، وشباكها التي نشرتها في الداخل والخارج. ويبين أنه على مدى سنوات البشير في الحكم استكمل مسؤولو الحركة الإسلامية خططهم التي بدأوها منذ أيام العمل السري والعلني لبناء دولتهم الخفية، فاخترقوا المؤسسة العسكرية والشرطة، وفرضوا سيطرتهم على جهاز الأمن الذي سخّروه لخدمة مصالحهم وحماية نظامهم، وحوّلوه إلى جهاز للبطش وإرهاب الشعب بممارسة التعذيب بكل أصنافه وصوره البشعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يضيف ميرغني "في إطار سياسات الإقصاء التي مارسوها شهد السودان أكبر عمليات فصل تعسفي وإحالات للتقاعد في الخدمة المدنية والمؤسسة العسكرية تحت لافتة الصالح العام، حتى بلغ أعداد المتضررين في عهد نظامهم قرابة 350 ألف شخص، وفقاً للجنة القومية للمفصولين. وفي موازاة ذلك وضعوا عناصرهم في مختلف المواقع والمناصب، مقدمين الولاءات على الكفاءات ليكون الثمن انهياراً مريعاً في الخدمة المدنية وتردياً في العمل والخدمات".
ويؤكد أن "سياسة التمكين لم تقتصر على ذلك، بل امتدت للسيطرة على مفاصل الاقتصاد وعالم المال والأعمال، وهكذا أنشأوا الشركات المملوكة لعناصرهم وباعوا لهم بعض مؤسسات الدولة ومشاريعها، بينما ضيقوا الخناق على رجال الأعمال الآخرين، وهو ما سهل انتشار فساد غير مسبوق استنزف موارد الدولة والاقتصاد حتى عجزت المصارف عن توفير السيولة".
ويوضح ميرغني أن "الدولة العميقة التي بناها نظام الحركة الإسلامية لديها شبكة مصالح واسعة تدافع عنها، وواهم من يعتقد أنها استسلمت وسلمت الحكم بهذه السهولة، فهناك كثير من المؤشرات إلى أنها لا تزال ناشطة، وأن أي بطء في خطوات تصفيتها سيؤثر في أداء الحكومة الانتقالية، لأن هذه العناصر تريد لها الفشل ولا يهمها الوطن".
الجدير ذكره أن الحكومة الأولى للبشير، عندما استولت على الحكم عبر انقلاب عسكري عام 1989، أعلنت من دون تردد سياسة التمكين، وقامت بعمليات تجريف واسعة داخل مؤسسات الدولة وأبعدت العناصر التي لا تواليها واستبدلتها بعناصر موالية على حساب التأهيل والجدارة، وهو ما أثار آنذاك جدلاً واسعاً في المجتمع السوداني.