Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جونسون يواجه أخيرا عواقب تصريحاته العنصرية

لم يكن لدى رئيس الوزراء رد بشأن سؤال برلماني عن توصيفه النساء المرتديات الحجاب أو البرقع، فيما التزم نواب حزب المحافظين الصمت

كان رنين لهجة الـ"كوكني" (التي يتحدث بها بعض أبناء الطبقة العاملة في شرق لندن) حاسمًا.. تلك الأصوات الساكنة الطويلة وحروف الــ"آتش" H شبه المنطوقة.  لقد ذكرتنا تلك اللهجة، ولا حاجتنا للتذكير، بأن تانمانجيت سينغ ديسى المولود في بلدة سلاو والنائب البرلماني من هناك، هو بريطاني أصيل، بعمامته ولحيته الرمادية.

بدأ النائب سينغ سؤاله بالقول: "سيدي الرئيس، إذا قررتُ ارتداء عمامة... أو إذا قرر (رجل ما) ارتداء الكيباه أو قلنسوة، أو قررتْ (امرأة ما) ارتداء الحجاب أو البرقع، فهل هذا يعني أننا في موسم مفتوح أمام أعضاء هذا المجلس اليمينيين المحترمين، لإطلاق تصريحات مهينة ومثيرة للشقاق حول مظهرنا؟"

وبينما اتّسعت أعين الحاضرين، ساد صمت رهيب المقاعد خلف رئيس الوزراء، مثل دائرة انفجار نووي.

كان وزير المالية المستشار ساجيد جاويد، وهو ابن سائق حافلة، جالسا إلى جانب رئيس الوزراء. أدرك جاويد وآخرون إلى أين يوشك أن يقودهم سينغ بتصريحاته، وأن الرحلة لن تكون سعيدة. وبالفعل، لم تكن كذلك.

"بالنسبة لهؤلاء من أمثالنا الذين توجّب عليهم منذ صغر سنهم تحمّل نعتهم بأسماء مثل رؤوس المناشف، أو طالبان، أو "مَنْ جاؤوا من أرض بونغو بونغو"، يمكننا أن نقدر على أكمل وجه آلام النساء المسلمات عندما يوصفن بأنهن يشبهن لصوص البنوك وصناديق البريد... وبدلاً من الاختباء وراء تحقيقات وهمية لتحسين سمعته، متى سيعتذر رئيس الوزراء أخيرًا عن تصريحاته المهينة والعنصرية، وهي التصريحات العنصرية التي أدت إلى ارتفاع في جرائم الكراهية؟"، وفق كلماته.

صفّقت مقاعد المعارضة للضربة القاضية التي تلقاها رئيس الوزراء، الذي بدا وقتها مثل سمكة منتفخة. لكن النائب ديسى لم ينته بعد، وتابع كلامه بسؤال "متى سيأمر رئيس الوزراء أخيرًا بالتحقيق في رهاب الإسلام داخل حزبه، وفق وعده (ووعد مستشاره) على التلفزيون الوطني؟"

في الوضع الطبيعي، كان كاتب هذا المقال الهزلي سيتوقف هنا ليشير إلى أن مقاعد المحافظين قد انقبضت فزعاً. لكن، لا وجود هناك لمقاعدِ المحافظين. وفي الصفّين خلف رئيس الوزراء، جلس كينيث كلارك في مقعده المعتاد، وعلى مسافة قصيرة من يمينه، جلس دومينيك غريف وديفيد غوك والبقية جميعهم من طردهم بوريس جونسون من حزبه بعد يومين من توليه منصبه.

ليس من الصعب أن ننظر في عمق عينِ نائب من حزب المحافظين كي نرى أن كلَّ ما يتربص داخلها هو الشهيةُ للسلطة. هل ربما، تساءل البعض منهم في تلك اللحظة عما إذا كانوا قد ارتكبوا خطأً فادحا؟

إن للكلمات عواقبها، والسلطة تأتي عبر الفوز في صناديق الاقتراع، والفوز في الانتخابات يأتي عِبْرَ بناء تحالفات انتخابية. لقد كسّر بوريس جونسون فعلاً أحد أجنحة حزبه. أما الجزء المتبقي، نظريًّا، فقد هجروا الحزب في الواقع وانضمُّوا مع ملايين من أنصارهم إلى حزب البريكست لنايجل فاراج، وقد لا يعودوا مجددًّا.

في هذه اللحظة إذاً، ظهر شاب من بلدة سلاو، لا يتبختر على المقاعد أو يتحدث بلغة تجعل الناس العاديين يرتجفون، وهو يبني في بضع جمل قصيرة رائعة تحالفّا فاضلًا وغاضبًا من الأقليات العرقية ضد بوريس جونسون. (وبالطبع، قد يكون المجتمع اليهودي من المشاركين الأقل حماسةً في هذا التحالف).

كان الجزء الأخير من كلامه في الحقيقة هو الذي حسم الأمر، عندما سأل متى سيجري التحقيق في رُهاب الإسلام؟ لقد كان محقًا تمامًا في طرح ذلك السؤال لأن   رئيس الوزراء والمستشار تعهدا مباشرة على التلفزيون خلال حملة قيادة حزب المحافظين، بإجراء تحقيق عن الأمر. لقد كان ذلك، كما هو متوقع، الجزء الوحيد من السؤال الذي لم يعترف به رئيس الوزراء.

وفي جوابه على السؤال، بدأ جونسون بالإشارة إلى أن النائب ديسي لم يكلّف "نفسه عناء قراءة المقال" (الذي ورد أن جونسون وصف فيه المسلمات بصناديق البريد). كان من الواضح تماما أن ديسي قد قرأ المقال، لكن جونسون ببساطة لا يستطيع الحديث من دون استعلاء، وخاصة مع نائب برلماني من سلاو. ما أعقب ذلك من جواب جونسون كان الهبوط المعتاد إلى عالم حزب العمال و"آفة معاداة السامية".

ثمة ما يظل مصدر انبهار دائم بالنسبة لي كمراقب منتظم للمناقشات السياسية، بمعنى الجدال السياسي، هو كيف يبدو أن الكثير من الناس لا يفهمون الحقيقة الأساسية المتمثلة في أن خطأين لا يصنعان الصواب. لكن الموضوع ينطوي على أكثر من ذلك. وفي هذه الحالة بالذات، كتب رئيس الوزراء فعلّا كلمات عنصرية ومهينة في إحدى الصحف، وهاجم النساء المسلمات، لكنه جبان للغاية كي يعتذر عن ذلك.

كانت تيريزا ماي تجلس صفّين خلف جونسون، إلى جانب كين كلارك. وقد لا تحتاجون للتذكير بأول جلسة مساءلة لها كرئيسة الوزراء. لقد كانت تلك الجلسة قاسية، مزّقت فيها جيري كوربين في هجوم شرس لم ينجو منه حتى رئيس حزب الليبراليين تيم فارون.

في المقابل، جاء الأمر مع جونسون على عكس ذلك تماماً، وجعل جيرمي كوربين يبدو كرجل دولة. لقد طرح كوربين نفس الأسئلة البسيطة التي سبق أن طرحها كينيث كلارك وديفيد غوك وفيليب هاموند والبقية قبل ذلك بيوم. ما هي المقترحات الجديدة بشأن الحدود الإيرلندية التي أُرسِلَت إلى بروكسل؟

كانت الإجابة، مرة أخرى، عبارة عن استرسال في الكلام الفارغ بشكل أحرج الجميع من دون أن يخدع أحداً. كان جونسون يتوقع منا حقًا أن نصدق شيئين. الأول، أن التهديد بالخروج من دون اتفاق يدفع المفاوضات إلى الأمام، وإزالة هذا التهديد سيقوض المفاوضات. يقول جونسون ذلك من دون أن يقدم تفاصيل حول المفاوضات وعلى الرغم من النفي المستمر من قِبَلْ الاتحاد الأوروبي لوجود مفاوضات.

والشيء الثاني هو أن عواقب الخروج بلا اتفاق خطيرة بما يكفي لإقناع الاتحاد الأوروبي بتغيير نهجه، لكن ليست خطيرة ولا تدعو للقلق بالنسبة للشعب البريطاني، الذي سيشعر بتأثيرها أكثر من أي شعب آخر.

لكن الناس ليسوا أغبياء، وجيريمي كوربين ليس بهذا الغباء. لذا، ردّ كوربين "كيف يمكن اتهامي بتقويض المفاوضات بينما لا تجري هناك مفاوضات؟" لقد بدا كلام كوربين ارتجاليا وكان بصراحة قطعيًّا. لا توجد هناك مفاوضات.

في تلك اللحظة، لم يتبق لجونسون غير الهراء لانتقاد كوربين على رفض منحه انتخابات يرى أن زعيم حزب العمال لا يريدها. لكن جونسون سيحصل على الانتخابات في نهاية المطاف، في مرحلة ما، والمؤكد في الانتخابات (في الآونة الأخيرة، على الأقل) هو أنها لا تنتهي كما هو متوقع.

لكن مع وقائع كتلك، يجب أن يكون جونسون أكثر قلقًا مما يتظاهر به. فإذا كان تحطيم موقفه المزيف بشكل تام ممكنا بهذه السهولة، بملاحظة واحدة من جيريمي كوربين، الرجل الذي تنقصه بصراحة المهارة في هذه الأشياء، فلن يجد الجمهور صعوبة في كشف خِداعه.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل