Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"صدى" مسرحية الزوجين عندما يصطدمان بالجدار

المخرج السوري محمود عبد الباقي اعتمد نص عبد المنعم عمايري والمؤلف يعترض

من مسرحية "صدى" السورية (اندبندنت عربية)

ملخص

المخرج السوري محمود عبد الباقي اعتمد نص عبد المنعم عمايري والمؤلف يعترض

أكثر من عشرين عاماً مضت على الصيغة الأولى من مسرحية "صدى" التي كتبها وأخرجها الفنان عبدالمنعم عمايري، وقام بأدائها كل من الفنانين غسان مسعود وسلافة معمار، وقد لاقت وقتذاك ترحيباً كبيراً من قبل شرائح واسعة من نقاد وجمهور، وانتزعت جائزة أفضل ممثل في مهرجان قرطاج المسرحي. منذ ذلك الوقت لم تتوقف محاولات استنساخ تلك التجربة اللافتة في الريبرتوار السوري، فلقد حقق منها الفنان الراحل نضال سيجري نسخته بالتعاون مع فرقة جامعية، بينما حقق مخرجون من الجزائر والدنمارك والأردن نسخاً متعددة من النص الذي صدر عن منشورات "احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية" عام 2008، بالتعاون مع دار ممدوح عدوان.

اليوم تعود فرقة المسرح القومي في حماة لتقديم نسخة استعادية من مسرحية "صدى"، وأتت هذه المرة بتوقيع المخرج الشاب محمود عبدالباقي، وتمثيل فادي الياسين وديانا حمصي، بينما قامت جيما نجار بأداء فقرات الرقص التعبيري التي كانت الراقصة الفرنسية سيسيل بويكس قد قامت بأدائها في الصيغة الأولى من العرض.

تروي "صدى" قصة زوجين وصلت علاقتهما إلى حائطٍ مسدود بعد مضي سبع سنوات على زواجهما، فالزوج الرسّام تحوّل من رسم اللوحات السريالية إلى أسلوبٍ واقعي صرف، وأمسى في علاقة جدلية بين زوجته في الواقع، وبين طيفها الذي يخرج له من لوحات رسمها لها قبل أن تنهار علاقتهما، وتصبح هذه العلاقة بمثابة عبء كبير على الشريكين.

الزوجة في اللوحة تصير نقيضاً للزوجة في المعيش اليومي، ويتحول الزوج إلى رجل حاد الطباع وصعب المراس، فتقوده خيالاته إلى مشاحنات لا تنتهي مع زوجته المرأة المولّعة بالفلسفة وأغنيات أم كلثوم. يبدأ العرض مع مقطع من أغنية "أنساك دا كلام"، ويبدو أن صوت "الست" قادم من مسجلة الزوجة التي ترفع صوت الموسيقى على رغم تحذيرات الزوج لها بعدم فعل ذلك. لتبدأ ما يشبه حفلة تعذيب نفسية بين الزوجين الشابين، ويتحول المرسم إلى ساحة مواجهة يتبادل عبرها كل من الرجل والمرأة الاتهامات، وتظن الزوجة أن المرأة التي يرسمها زوجها وتتكرر في لوحاته هي لعشيقته، وأنها تتعرض للخيانة بأبشع الطرق، وتشاهد كيف يغرق زوجها في تصوير امرأة تُبعده عنها أكثر فأكثر مع كل لوحة يقوم برسمها.

المرأة واللوحة

ومع كل جولة من جولات هذا الصراع تخرج المرأة المشتهاة من اللوحة لتؤدي رقصات تعبيرية، فيزداد سوء الفهم بين الشريكين، وتحاصرهما الشكوك، لنكتشف أن المرأة التي في اللوحة هي ذاتها الزوجة، لكن قبل سنوات الزواج، وقبل أن تحيل المؤسسة الزوجية الحب بين العاشقين إلى كابوس يومي، فتتصاعد غيرة الزوجة، وتزداد هواجس الرجل حدةً، وينهار الحب تحت وطأة صعوبات الواقع، وعدم قدرة الرسّام على تأمين متطلبات العيش الكريم لزوجته، فمبيعه من اللوحات أمسى في تناقص مستمر بعد أن هجر أسلوبه القديم في الرسم، واستحال إلى رسّام بورتريه لزوجته في صورتها القديمة، والتي عاش معها تفاصيل لا تنسى، لا سيما زياراته المتكررة لبيت أهلها في حي "جناين الورد"، وكيف ملأ لها كيسين كبيرين من ياسمين الشام، وفردهما عند مدخل البناء الذي تقيم فيه، ليكتشف أنها كانت وقتذاك مسافرة مع أهلها لقضاء عطلة الصيف خارج البلاد.

اتكأ مخرج "صدى" على الانتقال بأحداث العرض من بيت الزوجية كما كان مكتوباً في النص الأصلي إلى مرسم الفنان، واستعان لتجسيد ذلك بعدة كوادر للوحات معلّقة (رسوم مصطفى راشد نجيبة). أتت هذه اللوحات لتشكل فضاء المرسم من جهة، ومزاج الشخصيتين الرئيستين في العرض من جهةٍ أُخرى، فمنها ما جاء كرسم لامرأة مشوّهة بألوان متداخلة، ومنها ما اعتمد على تباينات اللونين الأبيض والأسود، فيما جاءت اللوحة التي رسمها الرجل في أثناء العرض على هيئة دوائر وأشكال بيضوية جسدت تقلبات شخصية المرأة، ورغبتها في الخروج من الإطار، وهجرة كل ما له علاقة بعالم الرسّام وخيالاته المتقلبة، وهذا ما تناغم إلى حدٍ بعيد مع الموسيقى التي رافقت معظم مشاهد الرقص التعبيري، والتي أتت على إيقاع مقطوعات كل من المؤلفة الموسيقية وعازفة البيانو الألمانية فاني مندلسون (1805-1847)، والمؤلف الفرنسي موريس رافيل (1875-1937).

وبدا العرض الذي أثار جدلاً منذ تقديمه للمرة الأولى عام 2001 على مسرح القباني في دمشق، كنوع من المسرح التذكاري لعروض سورية قطعت سنوات الحرب مسيرتها، وجعلتها بلا سياق واضح بعد انكفاء العديد من نجوم المسرح في تلك المرحلة، وهجرتهم إلى خارج البلاد، لكن ما هو تعليق كاتب ومخرج "صدى" على استعادة عرضه؟ "اندبندنت عربية" تواصلت مع الفنان عبدالمنعم عمايري، وسألته عن رأيه فقال: "أنا حزين جداً لأنّ لم يستأذنني أحد لتقديم النص، فلا حقوق مؤلف في بلادنا، مع أنّ المخرجة الأردنية أسماء مصطفى قامت أخيراً بتحقيق النص ذاته، وأخذت الإذن مني قبل أن تشرع في التدريبات، وكذلك حدث معي الشيء ذاته حين تم تحقيق "صدى" في الجزائر كمشروع تخرج لطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية هناك، وتم وقتها التواصل معي، ودعوتي لحضور العرض، صديقي الراحل نضال سيجري، وعلى رغم قوة الصداقة التي جمعتني به، أخذ هو الآخر الموافقة مني قبل أن يقوم بإخراج النص مع فرقة الجامعة في اللاذقية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع عمايري: "لم أمت بعد حتى يتم تجاهلي بهذا الشكل، كم كان جميلاً أن يتواصلوا معي، وأن أحضر العرض في حماة، لا مشكلة لدي، تخيل حتى اليوم أن حقوقي كمؤلف أتقاضاها من الأتراك منذ سنوات بعد تقديمهم لنص مسرحيتي "فوضى" باللغة التركية، لا أريد مالاً، فقط على الأقل أخبروني أنكم ستخرجون النصوص التي كتبتها، والتي منع القائمون على قسم الدراسات في المعهد العالي للفنون المسرحية تقديم مشروع تخرج عنها. نعم لقد بتنا في زمن بعيد من تلك الأيام التي كان فيها تقاليد مسرحية، تقاليد يُحترم فيها الكاتب ولو أدبياً، ولا يسمع من الآخرين بأن نصوصه تعرض من غير موافقة منه، ولكن كيف ومتى حدث كل هذا؟ المصيبة أن التغييرات التي طاولت النص كثيرة، لكن معظمها لا يفرق بين الواقع الفني والواقع الموضوعي. مسرحية "الخال فانيا" لتشيخوف تتحدث عن الملل، هذا صحيح، لكن عندما قام المخرج الروسي قسطنطين ستانسلافسكي بتحقيقها كان تعليق كاتبها بأنه شعر بالملل وهو يشاهدها، وقال تشيخوف وقتها: حتى المسرحيات التي تعالج الملل يجب ألا تكون مملة".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة