ضمن سلسلة تقديرات وضع الاقتصاد العالمي إجمالاً هذا العام وتوقعات الأداء للعام المقبل 2024، رسم تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" لمؤسسة "فيتش" للتصنيف الائتماني صورة قاتمة للنشاط الاقتصادي حول العالم العام المقبل، وذلك على رغم أن أداء الاقتصاد العالمي العام الحالي جاء أفضل من المتوقع، إذ كان يخشى من الركود لكنه لم يحدث على رغم تباطؤ النمو وعدم توسع النشاط بصورة عامة.
وهكذا رفعت المؤسسة تقديراتها للنمو الاقتصادي العالمي هذا العام بمقدار 0.4 في المئة في المتوسط عن تقديراتها في تقريرها السابق الصادر في سبتمبر (أيلول) الماضي.
ورفعت "فيتش" تقديراتها للنمو العام الحالي في الولايات المتحدة بمقدار 0.4 في المئة، اي أن أكبر اقتصاد في العالم سيحقق نمواً هذا العام بنسبة 2.4 في المئة في المتوسط، كما رفعت تقديرات نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم بمقدار نصف نقطة مئوية (0.5 في المئة) ليحقق الاقتصاد الصيني نمواً بـ 5.3 في المئة في المتوسط لهذا العام.
وأرجعت مؤسسة "فيتش" ذلك التحسن الطفيف وتفادي الركود هذا العام إلى استقرار الاستهلاك في الصين والارتفاع الطفيف في معدلات النمو في الولايات المتحدة، وهو ما عوض التباطؤ الشديد في النشاط الاقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي هذا العام، لذا خفضت المؤسسة توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي في المتوسط العام المقبل إلى 2.1 في المئة، مستبعدة دخول الاقتصاد في ركود وإن كانت اقتصادات أوروبا لن تشهد أي نمو على الأرجح.
عوامل سلبية
ومن العوامل السلبية التي أثرت في توقعات المؤسسة للنمو الضعيف جداً العام المقبل التراجع في بعض العوامل الإيجابية التي حالت دون الركود هذا العام، وعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة سيبدأ تأثير برامج الإنفاق الحكومي واعتماد المستهلكين على مدخراتهم للانفاق في التراجع، كما أن التأثير الكامل لسياسة التشديد النقدي "ورفع سعر الفائدة وسحب السيولة من السوق" سيبدأ في الظهور بقوة في صورة ارتفاع كلفة خدمة الديون.
وهكذا سيتباطأ النمو في الاقتصاد الأميركي أكثر، بخاصة مع انخفاض دخل الأسر والأرباح وضعف الائتمان والاستثمار، وتتوقع مؤسسة التصنيف الائتماني الكبرى أن يكون متوسط نمو الاقتصاد الأميركي العام المقبل عند نسبة 1.2 في المئة.
أما بالنسبة إلى الصين فإن فرصة الانتعاش التي توفرت مع فتح الاقتصاد بالكامل هذا العام لن تتكرر، لذا يتوقع تقرير "فيتش" تباطؤ النمو العام المقبل إلى 4.6 في المئة في المتوسط، إذ إن مشكلة الاقتصاد الصيني الأكبر هي في القطاع العقاري، إذ لم يؤد الدعم الحكومي الذي زاد منذ شهر أغسطس (آب) هذا العام إلى إقالة القطاع من عثرته، كما أن تدهور الثقة في الاقتصاد بصورة عامة سيكون له تأثير سلبي العام المقبل مع عدم كفاية خطط التحفيز الحكومية، وربما تضطر الحكومة إلى مزيد من اجراءات التيسير الائتماني للحد من التباطؤ الاقتصادي بمعدلات أسرع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يحقق الاقتصاد في دول منطقة اليورو وبريطانيا أي نمو يذكر هذا العام، بل إنه في بعض الجوانب كان على حافة الركود، ومن العوامل الضاغطة على الاقتصاد الأوروبي التي تجعل التوقعات للعام المقبل سلبية أيضا الانخفاض الواضح في التجارة العالمية وتأثيره السلبي في الصادرات الأوروبية، وكذلك فإن التشديد النقدي الحالي في أوروبا والمتوقع أن يستمر لفترة يؤثر سلباً في الاستثمار مع انخفاض إقراض البنوك للشركات والأعمال، وإن كان الارتفاع في الأجور يمكن أن يسهم في زيادة الإنفاق الاستهلاكي العام المقبل، لكن تأثير ذلك سيكون إيجابياً على النمو الاقتصادي الذي لن يكون كبيراً.
استمرار ضعف النشاط
وعلى رغم التحسن في اختناقات سلاسل التوريد إلا أن التجارة العالمية تراجعت هذا العام بمعدلات لا نشهدها غالباً في غير أوقات الركود الاقتصادي العالمي، ومع أن التجارة العالمية تراجعت بنسبة اثنين في المئة في المتوسط هذا العام، بحسب تقديرات التقرير، إلا أن هذا المنحى يمكن أن يستمر وبنسبة أكبر العام المقبل، ويعود ذلك بالأساس لتراجع الطلب العالمي وشبه الجمود في نمو الناتج الصناعي العالمي الذي أضر أكثر بدول أوروبا التي تعتمد على التصنيع مثل ألمانيا.
وأدت سياسة التشديد النقدي للبنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة إلى تباطؤ ارتفاع معدلات التضخم عالمياً، لكن استقرار أسعار السلع لم يقابله تطور مماثل في قطاع الخدمات الذي لا يزال يشهد معدلات تضخم مرتفعة نسبياً، وذلك ما يجعل البنوك المركزية ليست في عجلة لبدء دورة تيسير نقدي بخفض أسعار الفائدة.
ومن شأن ذلك أن يضغط أكثر على فرص النمو الاقتصادي العام المقبل، لذا يخلص التقرير إلى أن توسع النشاط الاقتصادي سيظل ضحلاً جداً خلال عام 2024، وهو ما يبرر خفض تقديرات النمو والصورة السلبية المتوقعة للأداء بعامة.