Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السنة الأكثر فتكا ودموية في حياة الفلسطينيين

عدد الأطفال الذين قتلوا خلال الحرب الحالية يفوق عدد الذين قتلوا في 22 صراعاً مسلحاً حول العالم خلال 4 سنوات

أطلقت إسرائيل ذخائر أكثر مما استخدمته أميركا في حملتها ضد "داعش" خلال أعوام (مريم أبو دقة)

ملخص

قتل في فلسطين منذ بداية العام الحالي ما يزيد على 16 ألف فلسطيني وأصيب أكثر من 50 ألف آخرين

ليس غريباً أن يستيقظ الفلسطينيون على الأخبار المفجعة والشريط الأحمر العاجل في نشرات الأخبار وصور أطفال يخرجون من تحت أنقاض، فالصراع الدامي الذي يكابدون مرارة العيش فيه منذ 75 سنة، خلق فيهم رباطة جأش قل نظيرها، حتى صارت مشاهد الجنازات والاعتقالات والاقتحامات الإسرائيلية المصحوبة بأصوات القنابل وأزيز الرصاص والاشتباكات مع مسلحين فلسطينيين هنا وهناك، جزءاً من روتين حياتهم اليومية. فهم لم يعتادوا السلام حتى تصبح الحرب عندهم فاجعة، ومع ذلك كله يجمع الفلسطينيون وساساتهم هذه المرة على أن العام الحالي الذي لم يسدل ستاره بعد، أسوأ وأكثر السنوات دموية في حياتهم على الإطلاق، بل وأصبح لدى كثيرين أشد وأقوى من النكبة عام 1948، التي قتل فيها ما يزيد على 15 ألف فلسطيني في أكثر من 70 مجزرة، وشرد 800 ألف من قراهم.

أطفال ونساء

وفقاً لـ"مرصد شيرين" قتل في فلسطين منذ بداية العام الحالي حتى اللحظة ما يزيد على 16 ألف فلسطيني، وأصيب أكثر من 50 ألف آخرين، فيما اعتقل الجيش الإسرائيلي أكثر من 9 آلاف فلسطيني، وهدم نحو 60 ألف منشأة.

 

وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة بآخر إحصاء لها، ارتفاع عدد القتلى منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى أكثر من 15 ألفاً من بينهم 283 قتيلاً من الكوادر الصحية و29 قتيلاً من طواقم الدفاع المدني ونحو 80 قتيلاً من الصحافيين، في حين زاد عدد المصابين على 42 ألفاً، وارتفع عدد المفقودين لأكثر من 7500 شخص.

وأكدت الوزارة في تقريرها أن القصف الإسرائيلي منذ نحو شهرين أدى إلى تدمير 56 سيارة إسعاف و56 مؤسسة صحية بالكامل، وأخرج 20 مستشفى و46 مركز للرعاية الأولية عن الخدمة، وأكثر من 1.5 مليون نازح في مراكز الإيواء، وبخاصة أن النساء الحوامل والأطفال والمرضى المزمنين والجرحى يتعرضون للموت البطيء.

 

 

وبينت المعطيات الرسمية أن 70 في المئة من مجمل عدد الضحايا في غزة منذ بدء الحرب هم من النساء والأطفال بينهم ما يزيد على 3 آلاف طالب، وقالت الأمم المتحدة في بيان "إن القوات الإسرائيلية قتلت خلال الشهر الأول من حربها على القطاع من الأطفال بما يفوق عدد الأطفال الذين قتلوا في 22 صراعاً مسلحاً حول العالم خلال 4 سنوات". كما أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" في تدوينة على حسابها عبر منصة "إكس"، أن "الأطفال في قطاع غزة يتعرضون لصدمات الدمار والهجمات المتواصلة والنزوح والنقص الحاد في الغذاء والماء والدواء". ودعت المديرة الإقليمية لـ"اليونيسيف" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أديل خضر إلى "ضرورة وقف هذه الهجمات الفظيعة على الفور"، مشددة على أن "الأطفال والمدارس والملاجئ ليسوا أهدافاً عسكرية".

تطورات خطرة

في الضفة الغربية، التي لا تشهد حرباً مثل غزة، قتلت إسرائيل منذ بداية العام الحالي ما يزيد على 470 فلسطينياً من بينهم 61 طفلاً. وأوردت "مجلة إيكونوميست" البريطانية أن أعمال العنف التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي والمستوطنون ضد الفلسطينيين، والتي زادت بشكل حاد منذ السابع من أكتوبر الماضي، "يقرب الضفة من نقطة الغليان، وأن الجنود الذين كانوا مكتوفي الأيدي من قبل، ولم يفعلوا أي شيء لكبح عنف المستوطنين، الآن ينضمون إليهم في هجماتهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية (حكومي)، فقد قتل المستوطنون منذ بداية العام الحالي 22 فلسطينياً، نصفهم تقريباً بعد السابع من أكتوبر الماضي، أثناء هجمات منظمة على القرى والبلدات المتاخمة للمستوطنات، ففي قرية قصرة، الواقعة جنوب شرقي مدينة نابلس، قتل المستوطنون في 11 أكتوبر الماضي أربعة فلسطينيين، وخلال موكب جنازتهم في اليوم التالي قتلوا اثنين آخرين.

 

 

وشهدت بلدات حوارة وترمسيعيا وام صفا وبرقا هذا العام هجمات غير مسبوقة من قبل المستوطنين، شملت حرق منازل ومركبات ومحال تجارية ومحاصيل زراعية أدت إلى خسائر بملايين الدولارات.

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة تضاعفت هجمات المستوطنين منذ السابع من أكتوبر إلى متوسط خمس هجمات يومياً، مشيرة إلى أنه في نحو نصف الهجمات، رافقت القوات الإسرائيلية المستوطنين أو دعمتهم، ونتيجة لذلك يشعر الفلسطينيون في الضفة الغربية بأنهم أكثر عرضة للخطر مما مضى، وأن إطلاق النار من قبل المستوطنين أصبح الآن في مقتل، وعلى نحو متزايد.

وأفادت منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان بأن المستوطنين يستخدمون أساليب الترهيب والعنف لإجبار الفلسطينيين على ترك منازلهم، ودفعت هذه الحوادث أكثر من ألف فلسطيني من 15 مجتمعاً في الأقل إلى الفرار من منازلهم، وهذا العدد وفقاً للمنظمة، يزيد على ضعف إجمالي النازحين في الضفة الغربية في الفترة ما بين بداية عام 2022، وبدء الحرب في السابع من أكتوبر.

وفيما نددت واشنطن بهجمات المستوطنين في الضفة، هدد الرئيس الأميركي جو بايدن في مقال رأي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، باتخاذ إجراءات ضد منفذيها، قائلاً "إن الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ إجراءات خاصة، منها إصدار حظر على منح تأشيرات دخول للمتطرفين الذين يهاجمون المدنيين في الضفة الغربية". كما دان الاتحاد الأوروبي "إرهاب المستوطنين" الذي ينذر "بتصعيد خطر للصراع". ونظراً إلى ما يتعرض له الفلسطينيون من تصاعد للعنف على يد المستوطنين، وصفت صحيفة "غارديان" البريطانية الوضع في الضفة "بالنكبة الجديدة".

 

 

ولم يقتصر عام الذي يعد الأكثر فتكاً بالفلسطينيين عند من قتلوا في حرب غزة وتصاعد أحداث العنف بالضفة، بل وصل الأمر إلى الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، إذ أفادت هيئة الأسرى والمحررين بأن 10 فلسطينيين قتلوا داخل السجون منذ بداية العام الحالي نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب، وأشارت إلى أن سبعة منهم أعلنت إدارة مصلحة السجون وفاتهم داخل السجون بعد هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر الماضي، التي أدت إلى مقتل 1400 إسرائيلي وأسر أكثر من 200 .

تدهور السلطة

وسط دوامة العنف الدموية المتدحرجة بين الضفة والقطاع خرج رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ودان قتل المدنيين من الطرفين، مما صعد الغضب الشعبي ضد السلطة في الضفة، وتورد مجلة "إيكونوميست" أن السلطة الفلسطينية التي يفترض أن تدير أجزاءً من الضفة عاجزة إلى حد كبير عن حماية المدنيين الفلسطينيين، وإن كبار مسؤوليها يعارضون بشدة احتمال اندلاع انتفاضة أخرى خوفاً من أن يمنح ذلك "حماس" فرصة لتصبح القوة الفلسطينية المهيمنة في الضفة.

وبينما تقدم السلطة الفلسطينية نفسها بديلاً لـ"حماس" في حكم غزة، خرج تقرير لوكالة Themedialine الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، بأن "شعبية حركة (حماس) التي تهيمن على قطاع غزة ارتفعت بين جميع الفلسطينيين منذ هجوم السابع من أكتوبر".

 

 

وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تراجعاً حاداً في تأييد عباس وسياسته في إحياء السلام وحل الدولتين والحفاظ على التنسيق الأمني مع إسرائيل، ووفقاً لاستطلاع رأي نشره المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في سبتمبر (أيلول) الماضي، يطالب 78 في المئة من الفلسطينيين باستقالة عباس الذي يترأس السلطة منذ أكثر من 18 عاماً، وأظهر استطلاع المركز الذي يتخذ من رام الله مقراً له، أن 70 في المئة من الفلسطينيين يعارضون حل الدولتين، فيما عبر 71 في المئة من الذين استطلعت آراؤهم عن تأييدهم لتأسيس مجموعات مسلحة على غرار "عرين الأسود" في نابلس و"كتيبة جنين" في مخيم جنين بشمال الضفة الغربية.

ويرى 80 في المئة من الفلسطينيين أن السلطة الفلسطينية فاسدة، في ما اعتبرها 62 في المئة عائقاً ولا تتمتع أي من مؤسساتها الرئيسة بشرعية شعبية.

 

 

ومع توقف الفلسطينيين، وبخاصة فئة الشباب، عن المراهنة على غد موعود بالسلام، كشف استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث عن أن 35 في المئة فقط من الإسرائيليين يعتقدون أنه "يمكن إيجاد طريقة لتعايش إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقلة بسلام"، في تراجع قدره 15 نقطة مئوية منذ عام 2013. وأظهر استطلاع آخر أجرته مؤسسة "غالوب" أن 24 في المئة فقط من الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية يؤيدون حل الدولتين مقارنة بـ59 في المئة عام 2012.

ثمن "الطوفان"

مشاهد الترحيب بالأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم من السجون الإسرائيلية ضمن صفقة التبادل التي نفذت أخيراً بين "حماس" وإسرائيل بوساطة قطرية، والتي رفع الفلسطينيون خلالها أعلام "حماس" ورددوا شعارات وهتافات مؤيدة لقادتها، وفوزها خلال العام الحالي في الانتخابات الطلابية لكبرى الجامعات، يؤشر إلى تصاعد شعبية "حماس" بالضفة على حساب السلطة الفلسطينية، التي لم تعد في رأي محللين تلبي تطلعات الفلسطينيين بالحرية والاستقلال.

ويرجع المحلل السياسي عصمت منصور أسباب ذلك إلى "الجمود السياسي منذ عقود طويلة، والفساد المستشري في أجهزة السلطة وعدم تحقيق أية مكاسب سياسية تذكر منذ عقود". ويضيف، "دفع الفلسطينيون ثمناً باهظاً لنضالاتهم، لكنهم في النهاية رسموا المعادلة الجديدة التي وضعت الاحتلال أمام واقع جديد".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير