ملخص
مقترحات الحكومة البريطانية لتخفيف ضوابط التدقيق على بيع الشركات تثير مخاوف الإضرار بالأمن القومي في القطاعات والصناعات الحساسة
تعتزم الحكومة البريطانية تعديل قواعد التدقيق في عمليات الاندماج والاستحواذ للشركات بما يسهل صفقاتها التي تخضع لعمليات فحص ومراقبة على أساس مدى اتساقها مع متطلبات الأمن القومي البريطاني.
يطرح نائب رئيس الوزراء البريطاني أوليفر داودن، هذا الأسبوع جولة مشاورات حول قوانين الاستحواذ التي أعيد العمل بها قبل عامين فقط بهدف "تضييق نطاقها وتشذيبها لتصبح صديقة للأعمال والشركات".
وفي مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز" قال داودن، إنه يريد أن تكون "النظم والقواعد الحكومية متسقة مع آليات القطاع الخاص" وإن الدولة لا تطبق سوى أقل ما يمكن من القواعد التي تقتضيها الضرورة، ولا يمكن أن نستخدم قواعد ونظم الماضي ونطبقها على المستقبل".
ذلك على رغم أن الحكومة كانت تسمح بعمليات الاستحواذ والاندماج من دون قيود من قبل، حتى إن "سوفت بنك" استحوذ على أكبر شركة تكنولوجية في بريطانيا، "آرم"، عام 2016 دون مشكلات. وأضافت الحكومة في يناير (كانون الثاني) العام الماضي قيوداً وقواعد لمراقبة عمليات الاستحواذ والاندماج قبل السماح بها.
تعد تلك المرة الثانية خلال شهر التي تقرر فيها الحكومة البريطانية تخفيف القواعد المنظمة لعمل الشركات وطريقة إدارتها بعدما سحبت مشروع قانون يتعلق بحوكمة الشركات بعدما طرح بالفعل أمام البرلمان.
اعتبارات الأمن القومي
بحسب قواعد التدقيق في عمليات الاستحواذ والاندماج، تخضع الصفقات المحتملة قبل الموافقة عليها لمراجعة أكثر من لجنة لضمان مكافحة الاحتكار من ناحية وضمان عدم المساس بالأمن القومي من ناحية أخرى، خصوصاً في مجالات اقتصادية محددة.
ونتيجة تلك القواعد والقوانين ألغيت العام الماضي صفقة بيع شركة "نيوبورت ويفر فاب"، وهي واحدة من شركات أشباه الموصلات القليلة أصلاً في بريطانيا، لشركة "نيكسبيريا" المملوكة للصين، وذلك على رغم استغراب الأسواق لأن الشركة، ومقرها ويلز، ليست بتلك الأهمية في مجال صناعة أشباه الموصلات. كذلك تخضع صفقة بيع "فودافون" في بريطانيا لمجموعة "سي كيه هاتشيسون هولدنغز" ومقرها هونغ كونغ لتدقيق شديد طبقاً لتلك القواعد المنظمة للاستحواذ والاندماج.
وانتقدت الشركات التي تسعى إلى الاستحواذ على أعمال بريطانية، وشركات الاستشارات العاملة في المجال، تلك القواعد المشددة واعتبروها مسؤولة عن تراجع صفقات الاندماج والاستحواذ في السوق البريطانية.
تتطلب تلك الإجراءات أن تبلغ أي شركة، من خارج بريطانيا أو داخلها، السلطات عن الصفقة المزمعة أولاً، وذلك إذا كانت الصفقة تخص شركة في 17 مجالاً اقتصادياً حساساً تمتد من صناعات الدفاع وتكنولوجيا الكم إلى الطاقة النووية المدنية والصناعات الحيوية التخليقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في العام الماضي، أخطرت الحكومة في شأن 866 صفقة اندماج واستحواذ طبقاً لتلك القواعد، تعرضت 65 صفقة منها لمزيد من التدقيق والتقييم وبلغت نسبة الصفقات التي تضمنت شركات أو مستثمرين من الصين ما يصل إلى 40 في المئة.
تتضمن المقترحات الجديدة لتخفيف القيود والقواعد المنظمة لصفقات الاندماج والاستحواذ تضييق نطاقها بمراجعة المجالات الاقتصادية التي تطلب الإخطار المسبق بالصفقات فيها وتدقيقها ومراجعتها للموافقة عليها. على سبيل المثال، من بين تلك المجالات الذكاء الاصطناعي، من ثم يحتاج التشريع إلى تحديد أكثر لتفادي إخضاع كل صفقة لتلك القواعد.
غسل الأموال
من خطط الحكومة البريطانية أيضاً تخفيف قواعد مكافحة غسل الأموال ومراقبة تمويل الإرهاب، وفي الأسبوع الماضي أرسلت مجموعة من 13 هيئة محاسبة وتدقيق رسالة للبارونة جوانا بن وزيرة خزانة مجلس اللوردات -أعلى جهة قضائية في بريطانيا- حذرت فيها من أن مقترحات تعديل القوانين سيكون لها رد فعل عكسي وتضر بمكافحة "الأموال القذرة".
وأشارت الرسالة إلى أن ثلاثة من النماذج الأربعة التي طرحتها وزارة الخزانة البريطانية لتعديلات القوانين "تحمل في طياتها أخطاراً قد تؤدي في حدها الأدنى إلى زيادة عمليات غسل الأموال وفي الحالة الأسوأ تؤدي إلى انهيار نظام المراقبة والتدقيق بالكامل".
كانت تلك التشريعات والقواعد، التي تقوم عليها عديد اللجان التابعة لهيئة السلوك المالي البريطانية، أدخلت كقوانين في عام 2017 بالأساس لمكافحة تمويل الإرهاب، وجاء ذلك وقتها بعد زيادة الانتقادات للسلطات البريطانية بالتساهل الذي سمح بأن يتحول حي المال والأعمال (سيتي أوف لندن) في العاصمة البريطانية إلى ما وصف وقتها بـ"مغسلة أموال".
وترى الحكومة البريطانية أن الحاجة إلى تنشيط الاقتصاد تتطلب التخفيف من القواعد المنظمة للأعمال وإلغاء القيود البيروقراطية على الشركات والأعمال وتقليل التعقيدات المتعلقة بالتدقيق والمراقبة من أكثر من جهة، إلا أن هناك من ينتقد ذلك التوجه باعتباره يسمح بالتساهل في قضايا الأمن القومي ويزيد أخطار غسل الأموال عبر بريطانيا.