ملخص
يقول مدافعون عن دور المصانع في تجهيز الأغذية إنها نجحت في أدوار مثل حفظ الطعام لأعوام والتقليل من الكلفة والهدر في الغذاء
الحصول على الطعام الطازج في هذا الزمان أصبح سهلاً ومتاحاً في أي وقت على مدى الليل والنهار، ولا يحتاج إلى جهد شاق كما كانت عليه الحال قديماً، وعلى رغم تأكيد متخصصين في التغذية وعلم النفس الغذائي ارتفاع قيمة منتجات صناعة الغذاء الحديثة من خلال التعليب والتجميد في حفظ الطعام طازجاً، ما زال كثيرون يتمسكون بأسطورة الطعام الطازج التي انتقلت بصورة طبيعية من البيوت إلى المطاعم ومصانع الأغذية عبر مئات السنين للتعبير عن طقوس غير صحية بحجة الحصول على غذاء أكثر فائدة أو متعة، إذ تحولت عبارة "الطازج" خلال وقت قصير في الفترة الأخيرة إلى علامة تجارية بهدف الربح، فدخلت أطواراً غريبة في بعض الأحيان، ومنها تناول الطعام بأساليب بدائية، تفنن فيها الهواة من الطهاة في قتل وطهي المخلوقات البحرية وبعض الكائنات الحية والتهامها وهي لا تزال على قيد الحياة، على رغم وجود أدوات متعددة ووسائل أكثر تحضراً للتعامل مع الطعام، ووجود ما يعرف بقوانين رقابة دقيقة وصارمة على الغذاء محلياً وعالمياً.
أسطورة قديمة
فأسطورة تناول الطعام الطازج قديمة قدم الإنسان العاقل، بل إنها بدأت قبل ذلك وما زالت ممارسة حتى الآن في الغابة، إذ تتلذذ بعض المفترسات في تناول ضحيتها وهي على قيد الحياة، خشية موتها سريعاً وبدء مرحلة فساد الطعام التي تحدث بسرعة في تلك الأجواء البدائية غير المناسبة لحفظ الطعام وتخزينه. فيما ظهرت بعض ممارسات إساءة استخدام الطعام بشرياً بحجة الحصول على غذاء صحي أو أكثر فائدة حديثاً، بعد أن اختلطت أسطورة "الطازج" بمفردات ومفاهيم تجارية كثيرة مرادفة لها، ومنها مصطلح الطعام الساخن أو اللذيذ، أو المقرمش، أو الصحي ، وغيرها من المسميات.
حضارات مختلفة
وعبّرت حضارات مختلفة عن هذه الأسطورة بمفردات أخرى، فكلمة الطازج نفسها مشتقة من اللغة الفارسية "تازة" وانتقلت بدورها إلى التركية والعربية، فيما استخدم الغربيون مفردة FRESH للتعبير عن هذه الأسطورة، وتعني هذه الكلمة الإنجليزية "الجديد" وهي ترمز إلى كل غذاء لم يفسد ولم يأخذ شكلاً أو صفة أخرى مثل التعليب والتبريد والتجميد قبل تناوله. وتطلق عادة على ثمار المحاصيل الزراعية من فاكهة وخضراوات أكثر من غيرها من منتجات اللحوم والدواجن والأسماك التي تعد أسرع فساداً من غيرها من المأكولات النباتية، وتكون حساسة جداً لعاملي الحرارة والضوء.
بداية الأسطورة
يمكن اختصار مسألة بداية هذه الأسطورة إنسانياً وتاريخياً من خلال رصد وتحديد اللحظة التي تمكن فيها البشر المتحضرون تحديداً دون بقية الكائنات الحيّة الأخرى من التوسع في معرفة خصائص الطعام والتحكم بمهارة في الحفاظ على جوهر المواد الغذائية من لحوم ودواجن وأسماك وخضراوات وفواكه، وصولاً إلى العصائر وغيرها من السوائل والمواد الصلبة الصالحة للأكل. وحدث ذلك بصعوبة بالغة قبل اختراع الآلة من خلال وسائل بدائية مثل التمليح والتدخين وتخزين المواد الغذائية في أجواء مناسبة. أما في زمن العلوم والآلة، فأصبح التحكم بدرجة حرارة المواد الغذائية وكمية الضوء التي تصل إليها أمراً في غاية البساطة من خلال البرادات والثلاجات وغيرها من وسائل حفظ الطعام قبل الطهي وبعده. وحديثاً، يعد كل طعام تمكن الإنسان من حماية مكوناته الغذائية الرئيسة وهي الفيتامينات والمعادن من التناقص المستمر الذي يحدث طبيعياً بعد موت الكائن الحي، طعاماً طازجاً صالحاً للاستهلاك ومغذياً في الوقت نفسه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المطاعم
ما زال تقديم الطعام الطازج على رأس أولويات المطاعم بدءاً من تلك الشعبية في الأحياء والزقاق المتواضعة والفقيرة، وصولاً إلى أكثرها رفاهية وتحضراً التي توصف بمطاعم خمس نجوم وغيرها من التسميات. وبدأت المطاعم بالظهور في المجتمعات الحضرية على شكل محطات متواضعة تخدم المسافرين، ثم انتقلت إلى كنف المدن الكبيرة التي وصل عدد سكانها إلى أكثر من مليون نسمة في الصين قبل ما يقارب 10 قرون. وخلال هذه الفترة الزمنية تغيّر الخطاب الاجتماعي المتعلق بتقديم الطعام مرات عدة، فأصبح الطعام الطازج علامة تجارية أكثر من كونه هدفاً جوهرياً، وصار تقديم وجبة من الطعام الطازج على مائدة مطعم متزامناً مع عوامل الإبهار البصري والراحة النفسية، لتظهر ديكورات فخمة وإطلالات مدهشة وأدوات ومعدات طهي ثمينة، تجتمع كلها لتقديم وجبة غذائية عادية ضمن أجواء احتفالية تركز على المتعة والتلذذ في تناول الطعام، أكثر من أي شيء آخر.
في المصانع
وفق اختصاصيي التغذية، فإن صناعة الغذاء الحديثة أسهمت في تحويل مواد غذائية سريعة التلف إلى مواد أكثر ثباتاً، وعلى هذه القاعدة تقوم صناعة المعلبات والمجمدات التي يحتفظ بعضها بخواصه الغذائية أياماً وأسابيع وأعواماً من الزمن، ويقول مدافعون عن دور تلك المصانع إن أغذيتها رخيصة نسبياً مقارنة بـ"لطازج" حالياً، وإنها نجحت في تهيئة أغذية مناسبة للأطفال والمسنين والمرضى، وفي إيجاد مصادر غذائية جديدة لم تكن معروفة سابقاً ضمن قيمة غذائية عالية فاقت الطازج في كثير من الأحيان.
مشكلة الطازج
مع تحولها إلى علامة تجارية بهدف الربح، أصبحت مفردة "الطازج" مبهمة وفضفاضة، فشملت مفاهيم أخرى تحولت بدورها إلى علامات تجارية منافسة مثل الساخن والزاكي والمحمر والمبهر والحار وغيرها من العلامات التي تشير كلها إلى حداثة طهي الطعام وتجهيزه، فيما تحولت هذه العلامات مع الوقت إلى شعارات يمارس تحت ألويتها بعض الذواقة والطهاة الشعبيين في مختلف أنحاء العالم، بعض العادات الاجتماعية البدائية مثل التهام كميات هائلة من الطعام دفعة واحدة، أو طهي بعض الكائنات الحية وهي لا تزال على قيد الحياة، لتصبح وسيلة لاسترجاع بعض طرق الطهي المنقرضة التي عرفها الإنسان منذ زمن الغابة والتي يمارسها هؤلاء على حسابات شخصية لهم ضمن بث حي مباشر، بحجة المتعة في الأكل أوالتلذذ بتناول الطعام الطازج.