Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا تواجه نقصا "حادا" في الأدوية بسبب "بريكست"

حصري: المرضى يتعرضون للخطر بحيث تطاول الأزمة إمدادات المضادات الحيوية الضرورية والعلاج التعويضي بالهرمونات ومضادات الاكتئاب

يعاني الصيادلة في بريطانيا نقصاً في الأدوية الموصوفة للمرضى هذا الشتاء (رويترز)

ملخص

هيئة الخدمات البريطانية أمام معضلة الأدوية غير المتوفرة والسبب قد يكون "بريكست".

نبه خبراء بريطانيون في مجال الصحة إلى أن النقص في الأدوية في المملكة المتحدة "هو الأسوأ من أي وقت مضى"، وذلك بعدما حذر تقرير جديد من أن اتفاق "بريكست" كان عاملاً رئيساً في التأخر "الكبير" في الإمدادات.

وتعد المضادات الحيوية الضرورية، و"العلاج بالهرمونات البديلة" Hormone Replacement Therapy (HRT)، وأدوية "اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه" Attention Deficit Hyperactivity Disorder (ADHD)، من الأدوية الناقصة بشكل شديد في الإمدادات هذا الشتاء، بحيث اضطرت هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" إلى دفع مبالغ باهظة لإدخال الأدوية إلى بريطانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقام خبراء بريطانيون بارزون في مجال الصحة - يدعمون نتائج تقرير جديد حول عوائق ما بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي" في القطاع الصحي، تمت مشاركته مع صحيفة "اندبندنت" - بتسليط الضوء أيضاً على المشكلات الأخيرة في الحصول على مضادات الاكتئاب وأدوية ارتفاع ضغط الدم.

وقال البروفيسور مارتن ماكي من "كلية لندن للصحة والطب الاستوائي" London School of Hygiene and Tropical Medicine، إن صحة المرضى الذين يعتمدون على هذه الأدوية اليومية الأساسية هي عرضة للخطر بسبب النقص المتكرر فيها بشكل "مثير للقلق للغاية".

يشار إلى أن مرافق هيئة الخدمات لم تعد قادرة على تخزين كثير من الأدوية النادرة لأنها تتقادم وتفقد صلاحية استعمالها. ويقول خبراء إن الإجراءات الروتينية المطولة بعد الخروج البريطاني من الكتلة الأوروبية، تزيد من صعوبة إدخال أدوية منقذة للحياة إلى المملكة المتحدة عند الحاجة إليها.

وقالت هيئة "الصيدليات المجتمعية في إنجلترا" Community Pharmacy England - التي تمثل صيادلة قطاع "الخدمات الصحية الوطنية" - إن النقص في إمدادات الأدوية "لا يقل سوءاً عن أي وقت مضى"، موضحة أن الحرب في أوكرانيا ومشكلات التصنيع في الخارج هي السبب، إضافة إلى إجراءات "بريكست".

وكانت المملكة المتحدة قد شهدت ارتفاعاً كبيراً في حالات نقص الأدوية في الأعوام الأخيرة. واستناداً إلى "جمعية مصنعي الأدوية العامة البريطانية" British Generic Manufacturers Association (BGMA)، التي تمثل شركات تصنيع الأدوية، فإن عدد الأدوية "عالية التأثير" (أي التي لها تأثير كبير وحاسم على صحة المريض عندما يكون هناك نقص في المعروض منها أو صعوبة في توافرها) التي تعاني مشكلات في العرض، بلغ أعلى مستوى له منذ عامين، ووصل إلى 10 في سبتمبر (أيلول) الماضي.

وأشارت الجمعية إلى أنه تم في سبتمبر إدراج 102 من المنتجات الطبية على أنها تواجه نقصاً في إمداداتها، وهو ضعف العدد مقارنة بالارتفاع السابق المسجل في شهر فبراير (شباط) عام 2022.

واستناداً إلى تقرير صادر عن "اللجنة المستقلة للعلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي" Independent Commission on UK-EU Relations فإن النقص طاول مجموعة من الأدوية "في مجالات عدة" منذ دخول اتفاق "بريكست" حيز التنفيذ. وأوضح التقرير أن الإجراءات الورقية المستحدثة المكلفة، والعوائق التنظيمية الجديدة، هي عوامل رئيسة في نقص الإمدادات.

مؤسسة أبحاث الرعاية الصحية "نافيلد تراست" Nuffield Trust التي أسهمت في إعداد التقرير، أكدت وجود "أدلة مهمة" على أن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، انعكس سلباً على إمدادات الأدوية كما على النقص في عدد الموظفين.

وقد تسبب تطبيق اتفاق "بريكست" للتجارة مع الاتحاد الأوروبي، الذي دخل حيز التنفيذ في العام 2021، بكلف إضافية على قطاع الأدوية بسبب الإقرارات الجمركية وغيرها من المعاملات الورقية والإدارية.

وفيما لم تعد بعض الإجراءات التنظيمية للأدوية في المملكة المتحدة معترفاً بها في دول الاتحاد الأوروبي، فقد أصبح التعامل مع بريطانيا أكثر استهلاكاً للوقت وأعلى كلفة بالنسبة إلى الموردين الدوليين للأدوية - وأدى هذا الوضع إلى تأخير وتكاليف إضافية تتكبدها "الخدمات الصحية الوطنية".

وتمثل مسألة الأدوية التي لها تواريخ انتهاء الصلاحية، تحدياً لمديري مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" والصيادلة، بحيث لا يمكنهم تخزين كميات كبيرة من الأدوية التي قد يتوقعون نفادها في المستقبل.

مارك دايان رئيس برنامج "بريكست" في "معهد نافيلد" Nuffield Institute لفت إلى "وجود مزيد من الدلائل على النقص في إمدادات الأدوية لدى الصيادلة. وقد تزايدت الإخطارات من الشركات التي تعرب عن مخاوفها في شأن العرض".

وأوضح دايان أن النقص في إمدادات الأدوية يشكل "اتجاهاً يؤثر في أوروبا ككل"، مشيراً إلى الاضطرابات في التصنيع في الصين، وارتفاع الأسعار نتيجة التضخم، ما يسبب مشكلات في مختلف أنحاء القارة.

لكنه اعتبر أن الخروج البريطاني من الكتلة الأوروبية كان "عاملاً مساهماً" في المشكلات الحادة بشكل خاص في المملكة المتحدة. وقال "من المؤكد أن مغادرة الاتحاد الأوروبي لم تخفف من وطأتها. فهناك تحديات في ما يتعلق بإدخال الأدوية إلى المملكة المتحدة، ناهيك بالإقرارات الجمركية، والتدقيقات الإضافية، مما يجعل استيراد الأدوية إلى البلاد أعلى كلفة".

وأضاف الباحث في "معهد نافيلد" أن "المملكة المتحدة لم تعد في صلب سلسلة توريد (الأدوية) كما كانت في الماضي، فقد قامت بعض الشركات التي كانت لديها في السابق مراكز توزيع في بريطانيا، بنقلها الآن إلى دول في الاتحاد الأوروبي مثل هولندا أو بلجيكا أو ألمانيا".

ولفتت مؤسسة "نافيلد تراست" إلى أن عدد "الامتيازات" السعرية الممنوحة من الحكومة البريطانية لقطاع "أن أتش أس" - التي تسمح للهيئة بدفع مبالغ إضافية لشراء الأدوية التي تواجه طلباً كبيراً عليها في حالات النقص - قد زاد بشكل متكرر منذ التصويت على استفتاء الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي في عام 2016.

قبل سريان اتفاق "بريكست"، كان متوسط عدد الامتيازات أقل من 20 شهرياً، وفقاً للبحث الذي أجراه مركز "نافيلد تراست". وفي عام 2021، بعد تنفيذ اتفاق الخروج، ارتفعت الامتيازات إلى نحو 100 شهرياً. ومنذ صيف العام 2022، تجاوز المعدل الشهري للامتيازات السعرية في بعض الأحيان عتبة الـ150.

تمارا هيرفي أستاذة قانون الاتحاد الأوروبي في "سيتي، جامعة لندن"، أكدت أنه كان هناك "تأثير سلبي واضح" لاتفاق الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي على إمدادات الأدوية. وقالت إنه "بالنسبة إلى المورد، عليه أن يتعامل مع مجموعة من المعاملات الورقية والتحديات الإدارية الإضافية المتعلقة بالاتحاد الأوروبي بأكمله، كما مع مجموعة أخرى مختلفة بالنسبة إلى بريطانيا العظمى".

وأضافت البروفيسورة هيرفي أنه يتعين على الموردين الدوليين الآن التزام مجموعات منفصلة وفريدة من القواعد المتعلقة باختبار دفعات الأدوية، التي تتضمن الأعمال الورقية اللازمة للتأكد من أن الأدوية تخضع للاختبار المناسب، وذلك عندما يقومون بتوريد المنتجات إلى كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، بعد تطبيق "بريكست". وأعربت عن أملها في أن تعمل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على الاعتراف المتبادل بمعايير اختبار الدفعات لتبسيط هذه العملية.

وقد طالبت "اللجنة المستقلة للعلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي" من جانبها رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، بمواصلة الاعتراف المتبادل بمعايير اختبار الدفعات مع الاتحاد الأوروبي، في محاولة للتخفيف من بعض التحديات في سلسلة التوريد.

وأفاد مدير اللجنة مايك باكلي بأن "اتفاق "بريكست" غير المواتي الذي توصلنا إليه، يؤدي إلى تفاقم التحديات بالنسبة إلى قطاع "الخدمات الصحية الوطنية" الذي يواجه أساساً ضغوطاً كبيرة، ويشهد اضطرابات في توريد الأدوية والمعدات الطبية، إضافة إلى صعوبات في الحصول على عمالة ماهرة، منذ دخول اتفاق الخروج من الكتلة الأوروبية حيز التنفيذ".

جانيت موريسون الرئيسة التنفيذية لهيئة "الصيدليات المجتمعية في إنجلترا"، رأت أن "النقص في الأدوية يبدو أنه لا يقل سوءاً عن أي وقت مضى، وهو يؤثر بشكل كبير على العمليات اليومية في الصيدليات المجتمعية، ورفاهية مرضاها". وأضافت "في الأعوام الأخيرة، شهدنا عوامل عدة ضاغطة، بما فيها الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، والحرب في أوكرانيا، وتداعيات وباء "كوفيد-19". وقد أدت جميع هذه العوامل إلى زيادة الضغوط على سلسلة توريد الأدوية وعلى الصيدليات المجتمعية من الناحية المادية، وغالباً ما تسبب في تأخيرات لا مفر منها في رعاية المرضى".

البروفيسور ماكي من "كلية لندن لحفظ الصحة والطب الاستوائي" لفت من جانبه إلى أن "هناك كثيراً من الآثار السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على "الخدمات الصحية الوطنية"، مما أدى إلى تفاقم عدد من التحديات التي تواجهها، كما أن الصعوبات المتزايدة في إدارة الأدوية هي أبعد ما تكون عن الوضع المثالي. ونظراً إلى أن الأدوية لها تواريخ انتهاء الصلاحية، فمن غير العملي تخزين كل شيء. يضاف إلى ذلك، أن المشكلات في سلاسل التوريد والحواجز غير الجمركية الناتجة من "بريكست"، تجعل من الصعب للغاية مطابقة العرض مع الطلب".

وأكد في المقابل أن "هذا النقص من المرجح أن يثير قلقاً عميقاً بسبب تأثيره السلبي على المرضى".

أما ستيفن دوريل، الذي تولى منصب وزير الصحة في حكومة "المحافظين" السابقة التي ترأسها رئيس الوزراء الأسبق جون ميجور، فاعتبر أنه "لمن المثير للدهشة الاعتقاد أن مؤيدي "بريكست" ظنوا أن تعطيل سلسلة التوريد من دون توقع الآثار المترتبة نتيجة لذلك على الأدوية، كان مساراً حكيما. إنه مثال صارخ آخر على طريقتنا في إلحاق الأذى بأنفسنا على جبهات عدة".

البروفيسورة كاميلا هوثورن رئيسة "الكلية الملكية للأطباء العامين" Royal College of GPs قالت "إننا نشهد الآن بشكل متكرر للغاية، نقصاً في مجموعة واسعة من الأدوية، مما يشكل مصدر قلق وإحباطاً بالنسبة إلى الجميع، إضافة إلى التأثير الواضح وغير المقبول المتمثل في احتمال إلحاق الضرر بصحة المرضى".

رئيسة "الجمعية الصيدلانية الملكية" Royal Pharmaceutical Society، البروفيسورة كلير أندرسون، رأت أن نقص الأدوية في بريطانيا هو "أكثر حدة بسبب عوامل مختلفة"، مستشهدة بمشكلات التصنيع وخفض مرافق الإنتاج. ولفتت إلى أن المنظمة تسعى إلى إجراء تغييرات تنظيمية في إنجلترا وويلز "للتخفيف من مشكلة نقص الأدوية"، داعية الحكومة إلى السماح للصيادلة بتعديل الوصفات الطبية في حالات النقص، كي يتمكنوا من تزويد المرضى بكميات من الأدوية، أو استبدال الجرعات الموصوفة، أو تركيز الدواء عند الضرورة.

وفي تعليق على ما تقدم قال متحدث باسم وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية إن "الاضطرابات في إمدادات الأدوية يمكن أن تنجم عن عوامل مختلفة، بما فيها التحديات في التصنيع، أو المشكلات التنظيمية، أو النقص في المواد الخام، أو الارتفاع المفاجئ في الطلب أو مشكلات التوزيع".

وختم بتأكيد الوزارة "اتخذت تدابير راسخة لمعالجة مثل هذه القضايا. ونحن نعمل بشكل وثيق مع قطاع الأدوية وهيئة "الخدمات الصحية الوطنية" وأصحاب المصلحة الآخرين، للحيلولة دون حدوث نقص محتمل، وحل أي مشكلة فور ظهورها".


 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة