ملخص
يقدم كتاب "بنو إسماعيل"، لجورج وليام مَري، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1934، وثيقة نادرة لا تزال تعد مرجعاً لا غنى عنه لدارسي العادات والتقاليد لدى القبائل العربية في الصحارى المصرية، وجذورها في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام وليبيا والسودان.
يشير عنوان كتاب "بنو إسماعيل: دراسة عن البدو المصريين" A Study of the Egyptian Bedouin Sons of Ishmael للجغرافي البريطاني جورج وليام مَري والذي صدرت ترجمته العربية (2025) عن المركز القومي للترجمة بتوقيع عاطف معتمد وياسر سيد معوض، إلى أن تلك القبائل هي من نسل النبي إسماعيل، وفقاً للمرجعية التوراتية التي كانت مهيمنة على عديد من الدارسين لجغرافية سيناء وفلسطين في مطلع القرن العشرين.
ومؤلف الكتاب هو جغرافي ومسَّاح إنجليزي، أمضى ربع قرن متنقلاً بين القبائل المصرية وجمع معلومات مهمة والتقط صوراً نادرة. له العديد من الإسهامات المهمة في جغرافية مصر، وأهمها مراجعته وتجميعه للكتاب الرائد "مصر في كتابات الجغرافيين الكلاسيك" الذي ألَّفه جون بول. يتضمن الكتاب دراسة عن البدو المصريين أنجزها مَري بعد معايشته لهم لنحو 25 عاماً، وبعد اطلاعه على رواد في هذا المجال في مقدمهم غنتس براملي بك. واستثنى مَري ساكني الواحات؛ "عديمي النشاط والحيوية والمصابين دوماً بالعزلة والملاريا"، إذ لا يمكن، وفقاً له، اعتبارهم بدواً بأي حال.
مرجع أساسي
وبحسب المترجم الأستاذ في قسم الجغرافيا في كلية الآداب – جامعة القاهرة عاطف معتمد، فإن ترجمة هذا الكتاب إلى العربية بعد 90 عاماً على نشر طبعته الإنجليزية تنطلق من كونه لا يزال مرجعاً مهماً لأسباب عدة؛ "فمؤلفنا لم ينقل من عشرات الكتب والمراجع السابقة عليه فحسب، بل عاش بين البدو ف مصر نحو رُبع قرن يعمل في المسح الجغرافي في قسم الصحاري خلال عهد الاحتلال البريطاني" صـ 5. ويجمل معتمد المزايا التي تجعل من كتاب مَري مرجعاً لا غنى عنه في أنه أولاً يقدم قائمة شاملة بأسماء القبائل وبطونها وفروعها وتنقلاتها الجغرافية. "وهو يقدمها بطريقة منظمة ومكثفة لا تتوفر حتى في موسوعات القبائل العربية التي ظهرت في مصر في العقود الأخيرة".
يتمتع الكتاب من هذه الناحية بشمولية عرض نابعة – كما يقول معتمد – من تتبعه لأصول تلك القبائل في الجزيرة العربية وبلاد الشام وليبيا والسودان؛ "أي أن المؤلف يربط قبائل مصر بالمحيط الجغرافي الأوسع، وهذه بالطبع طريقة موفقة جداً في التعامل مع موضوع بالغ الحركة والتنقل مثل حياة البدو في الصحارى المصرية، والتي هي امتداد جغرافي طبيعي للمحيط البيئي الأوسع: العربي والأفريقي". وثانياً، يبدي المؤلف في معظم المواقف تقديراً واحتراماً للبدو، متجنباً الخطأ الشهير الذي وقع فيه سابقوه من الأوروبيين من التعامل بعنصرية أو استعلاء تجاه البدو في الصحارى العربية.
وثالثاً؛ يقوم هذا الكتاب على منهج منظم للغاية، يقدم في نصفه الأول الأفكار العامة من حيث التغير المناخي في الصحراء التي كانت في الأصل موطناً للإنسان الأول في مصر قبل النزوح إلى وادي النيل المستقر، ثم ينتقل – كما لاحظ معتمد – إلى دخول العرب مصر مع مرحلة الفتح العربي، ثم تكوين القبيلة والنظام الديني والروحي، والأساطير والعادات والتقاليد، والعلاقة مع النبات والحيوان والصحراء، ثم يتناول توزيع القبائل وشجرة الأنساب في كل إقليم جغرافي على حدة: سيناء وصجراء مصر الشرقية، والعلاقة مع بلاد الشام والجزيرة العربية، صحراء مصر الغربية والعلاقة مع ليبيا، وادي النيل الذي استقبل بعضاً من البدو النازحين من الصحراء والراغبين في الاستقرار، ثم قبائل العبابدة والبشارية في التخوم المشتركة مع السودان. واختتم المؤلف بنقل شطر من "شريعة الصحراء"، أي قانونهم العرفي، ولا سيما المشهور عند قبائل الغرب باسم "دِربة أولاد علي".
ساكن الصحراء
في "التمهيد" يؤكد جورج وليام مري أنه اعتاد الاستعانة بدليل ميداني من الصحراء، "يبدأ معي رحلتي من نقطة عند أطراف البلاد إلى الطرف القصي، وبالتالي تجمَّعت عندي آراء للعبابدة في عرب سيناء، وآراء عرب سيناء في العبابدة، وآراء كل منهما في أولاد علي، وتكشفت لي ثلة آراء متباينة من كل طرف عن الآخر. وأجريتُ مراسلات استمرت لسنوات عدة مع العلامة سيلغمان؛ رائد اكتشاف الثقافة الحامية المبكرة، فتحت عيني بالتدريج على مغزى ودلالة الكثير الذي كنتُ ألاحظه دون أن أنتبه إليه من قبل".
وفي المقدمة أوضح المؤلف أنه استخدم كلمة "بدوي" لتعني "ساكن الصحراء". أما كل أولئك الجوالين الذين يشبهون الغجر ويتسكعون جول أطراف الأراضي الزراعية ويعتاشون على ابتزاز الفلاحين أو سرقتهم، فيجب – يقول مَري – أن يتم النظر إليهم بدرجة أدنى باعتبارهم "سواحليين لا بحارة"، ومن ثم فليسوا بدواً بالمعنى الحقيقي للكلمة. ويرى المؤلف كذلك أنه ليس لمصطلح البدوي علاقة بالعِرق، وهو ليس مرادفاً لمصطلح "عربي"، الذي يمكن أن يشير إلى ساكن، أو مهاجر من شبه الجزيرة العربية، سواء أكان بدوياً أو لا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في مصر، وجميع شمال أفريقيا، هناك الكثير من القبائل البدوية من أصول أفريقية مثل البجا، البربر، الطوارق، ويخطئ البعض حين يعتبرهم عرباً. وعلى أية حال فإنه في أزمنة ما قبل التاريح، يبدو أنه كان لهؤلاء "الحاميين"، من جهة، و"الساميين" من جهة أخرى، أصول وثقافات مشتركة، لكن المعروف أن مصر هي أرض الملتقى لهم جميعاً، بحسب المؤلف. ويضيف مَري أنه بالنسبة للبدو المصريين فإنهم يمثلون الأحفاد الأحياء لبعض أكثر الأعراق تحضراً من المصريين والعرب واليهود، ومن ثم فإنهم "يستحقون الكثير من الدراسات التفصيلية والنقدية، مقارنة بالقليل الذي سعيت لتقديمه في هذا الكتاب" ص 12.
الاختلاف والاتفاق
يقدم مَري في كتابه معالجة تسير في شكل تحليل متواز لعرض ثقافات ومعتقدات هؤلاء البدو، "مع الإشارة بشكل تدريجي إلى مواطن الاختلاف والاتفاق". ولاحظ المؤلف في الصدد أن "التاريخ لا يسعفنا بالكثير المفيد عن هؤلاء البدو، كما أنهم يتجولون في أرجاء واسعة، لدرجة لا تجعل للخصوصية الجغرافية هيمنة حصرية". ومما خلص إليه مَري، أن عقل البدوي، موهوب بدرجة لا يجب الاستهانة بها.
ولاحظ أن أفكار البدو مختلفة عن أفكار الفلاحين، تماماً كما تختلف أفكار الفلاحين عن نظيرتها لدى سكان المدن، "وقد ينظر البدوي باستهانة إلى كل الفضاء الحياتي الذي يضم جميع القوانين المفروضة، ويعتبره متحجراً ومرهقاً". وليس للبدو – يضيف مَري – ذلك الخوف من الظلام، أو بقاء المرء وحيداً، أو مهابة الفضاء الواسع، ويستطيع البدوي التفكير في موته برباطة جأش.
يتألف الكتاب من أربعة أجزاء، الأول منها يضم فصلين: "الصحراء في العصور القديمة"، و"الفتح العربي". ويضم الجزء الثاني سبعة فصول: "الحياة في الخيام"، "الطعام"، "الحيوان المستأنس"، "الجمل"، "الصيد والطرائد"، و"الغارات والحروب". واختوى الجزء الثالث خمسة فصول: "المعتقدات"، "الطقوس والاحتفالات"، "قانون الأخذ بالثأر"، "قانون الخيمة والنساء"، و"الإجراءات القانونية". وجاء الجزء الرابع في أربعة فصول: "قبائل سيناء والصحراء الشرقية"، "بدو الصحراء الغربية" (المغاربة)، "البدو المستقرون في وادي النيل"، "البجا"، فضلاً عن خاتمة وملحق تحت عنوان "شريعة الصحراء".
ورغم أن عديداً من الجغرافيين وعلماء الأنثروبولوجيا في مصر، اقتبسوا من هذا الكتاب خريطة أو عدة صفحات، إلا أن أحداً منهم – كما يؤكد عاطف معتمد – لم تتوفر له الفرصة لترجمة الكتاب كاملاً إلى العربية وتقديمه للمثقف العام، "ربما لحجم الكتاب، وتنوع موضوعاته، وكثافة المصطلحات، وغزارة الأسماء والأعلام".