Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كليوباترا السابعة... أسرارها في مقبرتها

بطلمية حكمت الفراعنة وعشقت مارك أنتوني وغازلت الرومان وتخلصت من أفراد عائلتها وانتحرت بسم الأفعى تجنباً للذل

لوحة تمثل مصرع كليوباترا (غيتي)

ملخص

بطلمية حكمت الفراعنة وعشقت مارك أنتوني وغازلت الرومان وتخلصت من أفراد عائلتها وانتحرت بسم الأفعى تجنباً للذل

ربما لم ينشغل التاريخ القديم والحديث بشخصية نسائية، مثلما انشغل بقصة كليوباترا المختلف عليها، أصلاً وفصلاً، لوناً وعرقاً، بل اختلفوا من حولها حية، ومضى الاختلاف إلى وفاتها وكيف قضت نحبها.

بضعة آلاف من السنين مرت منذ أن غابت كليوباترا بسم الأفعى، أو غيبتها أياد بشرية قريبة لها كما سنرى في ما بعد، وعلى رغم ذلك تتجدد ذكراها والنظريات العلمية عن حياتها وموتها لا تنقطع، ومحاولات البحث عن صورة لحقيقتها التاريخية تشغل الباحثين والمفكرين بصورة غير مسبوقة.

قبل بضعة أشهر صار جدل واسع وكبير حول جذور وأصول كليوباترا بعدما قدمت شبكة "نتفليكس" فيلماً أظهرها سمراء البشرة، وكأنه يقول إن جذورها أفريقية، لا بطلمية ولا مصرية، ما أثار ثائرة الدوائر السياحية والبحثية المصرية، التي اعتبرت الأمر برمته نوعاً من أنواع تعزيز دعوات "الأفروسنتريك"، أولئك الذين يقولون بأن المصريين أفارقة، وهو أمر قد يصح جغرافياً، لكنه لا يصلح القول به عرقياً.

ثم يبقى الحديث ذو الأهمية الكبرى، عن قبر كليوباترا، أين يوجد، هل في الإسكندرية أم في واحة سيوة، التي كانت امتداداً طبيعياً للمدينة الكوزموبولتينية قبل نحو ألفي عام، وهل الوصول إلى هذا القبر سيميط بما سيوجد فيه اللثام عن عديد من أسرار تلك الملكة  المثيرة  للجدل عبر التاريخ.

هذه الأسئلة وغيرها نحاول مشاغبتها في هذه القراءة التي لا نزعم أنها تمثل الحقيقة المطلقة، لكنها على الأقل محاولة لتعميق البحث عن حقائق تاريخية.

كليوباترا أو فخر الوطن

كليوباترا اسم يوناني أول الأمر، يتألف من مقطعين أولهما "كليو" ومعناه "فخر" والثاني "باترا" ويعني "وطن"، ومن هنا يمكن بسهولة استنتاج أن اسمها يعني "فخر الوطن".

ولعل من الطريف القول إن اسمها هذا حملته من قبلها ست أميرات من أميرات البطالمة في مصر منذ أن دخلها الإسكندر الأكبر أو الإسكندر المقدوني، إلا أن أياً من تلك الأميرات الست، لم يكتب  لها ما كتب لهذه الأميرة من شهرة ومجد بلغت بها ملكة على  عرش مصر، ومع نهاية حكمها انتهى عصر البطالمة.

تفيدنا الموسوعات التاريخية بأن كليوباترا السابعة ولدت عام 69 قبل الميلاد في مصر، وترعرت في كنف والدها بطليموس الثاني عشر ووالدتها كليوباترا الخامسة.

لم تكن كليوباترا إذاً تحمل في دمائها أي جينات مصرية، بل دماً مقدونياً صافياً خالصاً، لأسرة تتحدر من سلالة الإسكندر المقدوني.

غير أن ذلك لم يمنعها من تعلم اللغة المصرية ومنح نفسها لقب الآلهة "إيزيس الجديدة".

توفي والدها بطليموس الثاني عشر عام 52 قبل الميلاد، فانتقل العرش تلقائياً إلى كليوباترا وشقيقها بطليموس الثالث عشر الذي يصغرها بحوالى ثمان سنوات، هذا الفارق في السن جعل منها الحاكمة الفعلية لمصر في ذلك الزمان البعيد.

تزوجت كليوباترا من أخيها بطليموس الثالث عشر، إلا أنه قتل لاحقاً إثر صراع على العرش دار بينهما، ومن هنا انسحبت عليها شهرة القتل غير الرحيم، إذ قتلت أخاها وزوجها من أجل البقاء في مقعد السيادة.

قصة كليوباترا في الحكم قد لا تكون مجال هذه القراءة سيما أن كثيراً منها يشوبه شكوك مرجعها نقص المعلومات التاريخية الدقيقة.

غير أنه وفي اختصار غير مخل، نشير إلى أن علاقتها بالرومان وبالتحديد بالإمبراطور يوليوس قيصر كانت وراءها أهداف سياسية بأكثر من كونها علاقة عاطفية.

ربما غزلت كليوباترا خيوطاً ونسجت خطوطاً حول الإمبراطور يوليوس قيصر، الذي لم يتأخر بالفعل في مساعدتها عسكرياً ضد أختها التي طردتها من الإسكندرية.

توجهت كليوباترا إلى منطقة تقع في شرق مصر وهناك راحت تعد العدة وتحشد الجيوش لمواجهة شقيقتها واستعادة السلطة لم تكتف كليوباترا بذلك، بل قررت طلب المساعدة من الرومان وتحديداً من يوليوس قيصر الذي لم يتوان عن مد يد العون، وقد كانت الأطماع في السيطرة على مصر تدفعه لذلك.

في مواجهة شقيقتها أرسينو الرابعة

تبدو قصة حكم كليوباترا نوعاً من الأساطير، غير أنها في واقع الأمر حقائق.

شرق الإسكندرية اتجهت جيوش كليوباترا لمواجهة شقيقتها وتحديداً في منطقة تدعى "بيلوزيوم"، حيث مدينة "بورسعيد" في الوقت الراهن، وفي الوقت نفسه وصل يوليوس قيصر عام 48 مستبقاً جيوشه.

مع وصول جيوش القيصر لاحقاً أوقف القتال بينهما، وأعلن دعمه لكليوباترا ملكة على مصر، الأمر الذي لم يرض أهل الإسكندرية  الذين قاموا بتنصيب شقيقتها أرسينو الرابعة ملكة على مصر،  واعتقال كليوباترا ويوليوس قيصر، وحبسهما.

كان ذلك كفيلاً بأن يتحرك جنرالات روما إلى مصر واحتلال الإسكندرية، ومن ثم قتل شقيقها بطليموس الثالث عشر، وسوق "أرسينو الرابعة" أسيرة إلى روما.

عام 47 قبل الميلاد جلست كليوباترا ملكة على عرش مصر، وبدعم كامل من يوليوس قيصر الذي عاد إلى روما منتصراً وكان ذلك عام 46 قبل الميلاد.

بعد عودتها إلى مصر توفي شقيقها بطليموس الرابع، وبذلك أصبح ابنها بطليموس قيصر الشهير بـ"قيصرون"، الذي يقال إن أباه الحقيقي هو يوليوس قيصر، ملك مصر، ولأنه لم يتجاوز ثلاث سنوات أصبحت كليوباترا الحاكمة الفعلية.

لكن تحالفها مع الجنرال الروماني "مارك أنطونيو" وقصة الحب التي نشأت بينهما، وقادت الجنرال الروماني المنافس له "أوكتافيان" للحرب على مصر وإلقاء القبض على كليوباترا، أنهت حكم البطالمة لمصر.

هنا ربما يتوجب التوقف قليلاً والقول، إن كليوباترا لم تكن مجرد امرأة عادية تلاعبت بمقدراتها الأنثوية وجمالها الفتان لإيقاع القيصر وجنرالاته في حبائلها، بل كانت قائدة وحاكمة عرفت كيف تدير شؤون وشجون دولة كبرى مثل مصر، فقد أنشأت مشروعات كبرى عادت على المصريين بواسع النفع، لا سيما في جهة موانئ الإسكندرية التي كانت مركزاً علمياً وتجارياً مشعاً في حوض البحر الأبيض المتوسط.

والشاهد أنه إذا كانت قصة كليوباترا في عالم الحكم مثيرة، فإن بقية تفاصيل حياتها هي الأكثر إثارة... ماذا عن ذلك؟

ملكة الفتنة والفطنة والأحلام

لعل كليوباترا والموناليزا، هما أشهر لوحتين لسيدتين عبر التاريخ، سيما أنه لا توجد صورة لنفرتيتي حتى الساعة، ويكتفي الأثريون بمحاولة رسم صورة لها انطلاقاً من قناعها فقط.

يقول البعض إنه بالفتنة والفطنة والحلم الطموح، دخلت أسطورة كليوباترا صفحات التاريخ والحياة.

في عام 1864 افتتح الفنان البريطاني الأشهر "لورنس الماتديما" معرضاً للصور الخاصة بكليوباترا حوى لوحات تصورها، وحمل المعرض الطابع الفرعوني كما حمل اسمها، ومن حينها باتت الأضواء تتسلط على هذه الملكة المصرية التي تحوط بها الأسرار والحكايا، ومن وقتها انكب العلماء على البحث والدراسة بهدف التوصل إلى حقيقتها، عبر شواهد تلك الحقبة الزمنية الفريدة من التاريخ المصري.

 كان من جراء الشغف بكليوباترا، انتشار الدعوة في مختلف الأكاديميات الأوروبية لدراسة الهيروغليفية، عطفاً على الغموض الذي شاب ولا يزال حضارة المصريين حول وادي النيل، مستعيدين في الذهن أطياف السحر الفرعوني خلف أستار القصور الوردية التي عبقت بأنفاس هذه الكليوباترا الفاتنة التي قال عنها شاعر يوناني، "إن سحر كليوباترا ينبعث من عينيها اللتين تتكلمان وهي صامتة".

أما الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال فكتب عنها ذات مرة يقول، "إنها المرأة التي لو قصر أنفها لتغير وجه العالم".

بيضاء يونانية أم سمراء أفريقية؟

قبل بضعة أشهر قدمت شبكة "نتفليكس" مسلسلاً وثائقياً، أظهرت فيه كليوباترا سمراء البشرة، فيما لا يترك مجال للشك بأنها أفريقية  الجذور، حيث لم يكن هذا اللون لون بشرة المصريين بالمرة عبر التاريخ، كما لم ترد في أية بردية من بردياتهم ما يشير إلى هذا الأمر.

تبدو القصة أكبر من مجرد الحديث عن كليوباترا، فهناك جدل يطفو ويخبو بين الفينة والأخرى، عن جذور المصريين التاريخية، وغالب الظن أنها أعمق من أن يكتشف جذورها أحد بعد، إذ لا يزال هناك كثير من الحلقات الغائبة والضائعة دفعة واحدة.

اعتبرت وزارة السياحة والآثار المصرية أن في الأمر سوء نية وسوء تقدير، وأن هناك من يعمل من وراء الستار في "هوليوود"، ليعزز من الفكرة القائلة بأن المصريين هم أفارقة، وأنه لا توجد حضارة مصرية، بل حضارة أفريقية، وهي قصة تحتاج لقراءة مفصلة قائمة بذاتها.

قالت الوزارة إن "تماثيل كليوباترا خير دليل على ملمحها الحقيقي وأصولها المقدونية، وليس جذورها الأفريقية كما يحاول البعض تصوير الأمر".

عطفاً على ذلك، فإن كثيراً من الآثار الخاصة بالملكة كليوباترا من تماثيل وتصاوير على العملات المعدنية التي تؤكد الشكل والملامح الحقيقية لها، تظهرها كصاحبة ملامح يونانية من حيث البشرة الفاتحة اللون.

ولعل ما يبطل رواية "نتفليكس"، هو أن "هوليوود" قدمت عبر العقود الماضية أعمالاً عدة عن كليوباترا، لم تظهر في أي منها بلون أسمر.

ولعل الذاكرة التاريخية تعي أحد أهم الأفلام التي قدمتها النجمة الشهيرة "إليزابيث تايلور"، وكان ذلك عام 1963، كما جسدت الممثلة الإيطالية الأصل صوفيا لورين بدورها دور كليوباترا في أحداث الفيلم الكوميدي "ليلتين مع كليوباترا"، وكان ذلك عام 1953، بجانب النجمة العالمية مونيكا بيلوتشي، وفنانات عربيات مثل هند صبري وأسماء جلال، وجميعهن كن خلواً من اللون الأسمر.

في هذا الصدد تحدثت "ماترينا مارتينيز" رئيسة بعثة الدومنيكان الأثرية العاملة في معبد "تابوزيريس ماجنا" غرب مدينة الإسكندرية فقالت، "بالرجوع إلى التماثيل والعملات التي خلفتها لنا الملكة نؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن ملامحها هيلنستية، أي يونانية بصورة ما، وهو ما يظهر جلياً في التمثال النصفي المصنوع من الرخام والمحفوظ في متحف برلين من القرن الأول قبل الميلاد".

إضافة إلى ذلك يوجد تمثال نصفي آخر في الفاتيكان يظهرها بملامح ناعمة، ورأس من الرخام، تظهر فيه وهي ترتدي غطاء الرأس، فضلاً عن عدد من العملات التي تظهرها بالهيئة الهيلنستية نفسها.

يقول المؤرخ الأميركي "دوان رولز" في مقالة له نشرتها جامعة أوكسفورد العريقة عام 2010، إن هناك نظريات تشير إلى أن كليوباترا كانت ببشرة سمراء، لكنه يؤكد على أنها روايات غير مدعومة بأي مصادر علمية موثوقة.

لم تظهر كليوباترا في أي شكل من أشكال الفن آنذاك، إلا في هيئة شخصية من أصول يونانية، على رغم قدرة الفنانين حينها بالطبع على رسم ونقش وصناعة تماثيل بهيئة تحمل صفات عرقيات أخرى،  حسب المؤرخ الأميركي.

حياة مليئة بالحقائق والأكاذيب

يأخذنا الغوص المعمق في حياة كليوباترا إلى اكتشاف كثير من الحقائق التي تعكس أموراً على خلاف الحقيقة، وما كانت عليه، وهو أمر طبيعي في حياة الرموز البشرية التي تلعب دوراً مهماً وواسعاً في حياة الأمم والشعوب.

على سبيل المثال تساءل المؤرخون، هل كانت كليوباترا قاتلة دموية لا ترحم؟

لم تطل الحياة بكليوباترا، إذ يجمع مؤرخو حياتها على أنها لم تعش أكثر من أربعين سنة، لم تقتل فيها إلا عدداً من أفراد أسرتها، وذلك حفاظاً على سلامتها وعرشها، ما جعل عديداً من الأفلام تظهرها ذات طابع وحشي ولها قلب يمكنها من القتل البارد دون رحمة أو شفقة.

غير أنه خلافاً للاعتقاد السائد، يتفق عديد من المؤرخين على أن كليوباترا لجأت فقط إلى القتل عندما ثبت أنه ضروري للغاية، وأن أفراد أسرتها كانوا سيقتلونها إن لم تبادر هي وتفعل ذلك.

هل كانت كليوباترا مهووسة بجمالها ومنظرها وتنفق الأموال الطائلة على شعرها وبشرتها؟

الثابت أن هناك عديداً من المؤرخين الذين انتقدوا كليوباترا ووصفوها بالملكة التافهة التي تنفق كثيراً على جمالها وشعرها، وأنها كانت تستخدم جمالها وليس شخصيتها وفكرها من أجل الحصول على أي شيء.

تبدو الحقيقة أن كليوباترا كانت تهتم بالفعل بجمالها ومظهرها وشعرها وترتدي أثمن الأزياء، بل إنها أخذت 50 في المئة من الناتج القومي الإجمالي لمصر في تلك الأيام لحسابها الخاص، ولكنها أيضأ حكمت مصر بطريقة جيدة للغاية بجانب أنها كانت شخصية جادة وذكية بحسب الوثائق التاريخية التي تحدثت عنها، فقد حكمت مصر وأدارتها بصورة عصرانية، حيث نظمت الولايات وخططت لمشروعات كبرى للصالح العام خلال سنوات وجيزة، وقد أضحت الإسكندرية في زمانها تحفة الناظرين في محيط حضارة البحر الأبيض المتوسط.

ولعل بعض الأصوات تتهمها بأنها أضاعت مصر في علاقاتها العاطفية والرومانسية، من عند يوليوس قيصر، وصولاً إلى مارك أنطوني.

غير أن هناك من يخالف هذه الآراء ويقطع بأنها أظهرت براعة لا مثيل لها كمفكرة سياسية واستراتيجية، مثل التفكير في جعل ابنها  قيصرون حاكماً قوياً في المستقبل، إضافة إلى قدرتها على التنبؤ بنتائج الحروب، فلذلك تشير جميع الأدلة التاريخية والأثرية إلى أن كليوباترا كانت لها قوة عقلية ممتازة، وأن الصورة التي تظهر فيها  على أنها غبية تعتمد على شكلها الخارجي فقط، هي صورة ليست حقيقية بالمرة.

المنتحرة بالثعبان خوفا وحزنا

تبدو قصة نهاية حياة كليوباترا، قصة تليق بسيدة الغموض، وتبدأ من عند هزيمة زوجها الجنرال مارك انطوني أمام منافسه الأشد "أوكتافيان"، الذي دخل القصر الملكي في الإسكندرية، وألقى القبض على أصغر أطفال كليوباترا، ويقال إنهم كانوا ثلاثة والعهدة هنا على المؤرخ الروماني "تيتوس ليفيوس".

حين وقعت عيناها على أوكتافيان، بادرته بالقول، "لن أشترك معك في عرض الانتصار"... ما الذي كانت تعنيه كليوباترا بهذه الكلمات؟

العبارة تدل على التحدي والرفض، ما يعكس قوة وثبات كليوباترا حتى في أحلك الأوقات، فقد جرت العادة في روما القديمة على إقامة موكب كبير للاحتفال بالنصر العسكري، وعادة ما يتضمن عرض الجنرال أو القائد المنتصر في شوارع المدينة مع الأعداء الأسرى وغنائم الحرب ورموز النصر الأخرى.

كان هذا التصريح من كليوباترا يعكس إصرارها على عدم الخضوع للإهانة أو للظهور كعدو مهزوم في روما بخاصة في ظل مكانتها الملكية باعتبارها آخر ملوك وحكام مصر من البطالمة. كانت عبارتها تأكيداً على كرامتها ورفضاً لأن تكون مشهداً لانتصار عدوها.

 ما الذي حدث وقتها؟

 تقول الروايات التاريخية، أن أوكتافيان وعد بأنه سيبقي كليوباترا على قيد الحياة، لكنه لم يقدم أي تفسير حول خططه المستقبلية لمملكتها.

في الوقت عينه أبلغها أحد جواسيسها المنبثين من حول أوكتافيان بأنه يخطط لنقلها وأطفالها إلى روما في غضون ثلاثة أيام.

في هذه اللحظات يبدو أن كليوباترا فضلت الانتحار على هذه المذلة التي لا تليق بعظمتها، ولهذا فقد قررت أن تستبق ما يخطط له أوكتافيان من خلال التعرض للدغة ثعبان كوبرا، لدغة قاتلة رحلت معها تاركة وراءها تساؤلات مثيرة من عينة، هل كان انتحارها حزناً وكمداً على حبيبها مارك أنطوني؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل تحل المقبرة لغز حياتها؟

أين دفنت كليوباترا بعد وفاتها، وهل دفن معها حبيبها مارك أنطوني؟

الشاهد أن هناك كثيراً من الألغاز التاريخية حول قصة الوفاة هذه، بخاصة في ظل فقدان المواد المحفورة ذات الصلة أو من جراء المواقع الأثرية التي تم تدميرها.

غير أن الرجوع لأضابير التاريخ، يحملنا على القول إن هناك من يزعم أنها دفنت هي وحبيبها مارك أنطوني في حفرة واحدة معا ً بعد وفاتهما عام 30 قبل الميلاد، والعهدة هنا على موقع "لايف ساينس" الأميركي.

أما المؤرخ اليوناني بلوتارك (45 إلى 120 ميلادية) فقد كتب يقول، إن المقبرة كانت تقع بالقرب من معبد إيزيس، الإلهة المصرية القديمة، وكانت نصباً شامخاً وجميلاً، ويحتوي على  كنوز مصنوعة من الذهب والفضة والزمرد واللولؤ والأبنوس  والعاج؟

هل يمكن أن يكون لهذه الرواية نصيب من الصحة، أم أنها مجرد تهويمات مؤرخين؟

هناك تساؤلات عديدة، ذلك أنه كان في مقدور أوكتافيان الدخول إلى القصر بعد انتحارها، غير أنه ما من سبب يدعونا للاعتقاد في أنه أراد تكريمها، وهناك ثأر شخصي بينها وبينه، فقد كان أوكتافيان أخ زوجة مارك أنطونيو، قبل أن يطلقها من أجل كليوباترا.

هنا لم تكن الأجواء الطبيعية تسمح بأن يأمر أوكتافيان بتحنيط جثة كليوباترا المنتحرة ولا أنطونيو، بل سيكون هدفه الأول والأخير، هو إخفاء أي أثر لهما من التاريخ دفعة واحدة.

ولهذا توجد رواية أخرى تفيد بأنه عقب هزيمتها القاسية، وانتحارها السريع، تعرض جسد كليوباترا لإهانات قاسية، فقد تم حرقه وإلقاء الرماد بعيداً كي لا تعيش أسطورتها مقدسة في نفوس المصريين، أولئك الذين يعشقون بطبعهم سير الأساطير مقدسة كانت أو نسبية.

على أن المصريين لم ينفكوا يبحثون عن هذه المقبرة، عسى أن يعثروا على أدلة تلقي مزيداً من الضوء على مقبرة كليوباترا حال وجدت بالفعل.

في هذا السياق أجرى الأثري المصري، زاهي حواس، حفريات في موقع بالقرب من الإسكندرية يسمى "تابوزيريس ماجنا"، يحتوي على عدد من المقابر يعود تاريخها إلى العصر الذي حكمت فيه كليوباترا السابعة مصر.

وعلى رغم من أنه وقتها تم التوصل إلى عديد من الاكتشافات الأثرية المثيرة للاهتمام، إلا أن مقبرة كليوباترا السابعة لم تكن من بينها.

هل كان هناك قبر من الأصل؟ أم أنه كان هناك بالفعل وتعرض للسرقة كما حال كثير من القبور المصرية المهمة؟

لا أحد يملك جواباً وافياً شافياً.

وفي كل الأحوال، نبقى أمام سجل حياتي لملكة، ابنة ملك، حاكمة ربما تجاوز طموحها مقدراتها، فقد كانت أحلامها شاهقة كمسلات المصريين القدماء، مهدت دربها بمزيج عجيب من الممرات المخملية المسلفنة بحرائر ناعمة، ونثرت في بعضها أشواكاً مدببة تدمي الأقدام، وحمته بأسوار عالية من قسمات القسوة وقوة الإرادة، والعهدة على الأثري المصري "بسام الشماع"، وكما وردت في مؤلفه الشيق "كليوباترا... بين الحقيقة والأسطورة والإعلام".

المزيد من تحقيقات ومطولات