Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زنوبيا... امرأة شرقية تتحدى الإمبراطورية الرومانية

كيف قدر لملكة تدمر أن تنشئ دولة تضارع بها القوى العظمى الوحيدة في زمانها؟

النظرة الأخيرة للملكة زنوبيا على تدمر، بريشة هربرت غوستاف شمالز، 1888 (الموسوعة البريطانية)

ملخص

كيف قدر لملكة تدمر أن تنشئ دولة تضارع بها القوى العظمى الوحيدة في زمانها؟

لعل التاريخ الإنساني لم يحظ بتسليط الضوء على ملكة من الملكات، كما فعل مع "زنوبيا"، أو تادي بنت حسن بن أذينات، ملكة تدمر التي حكمت تقريباً ما بين 267 و273 ميلادية.

كانت تدمر واحة وافرة غنية تقع في الصحراء السورية، مدينة مفتوحة تربط بين إمبراطوريتين عدوتين، الرومانية من جهة والفارسية من جهة أخرى.

كانت مدينة تدمر في القرن الثالث الميلادي محلاً للثروة والثقافة والسلطة، بفضل موقعها بالقرب من الحدود الشرقية للإمبراطورية.

تقع تدمر في وسط سوريا المعاصرة، على بعد نحو 130 ميلاً شمال شرقي دمشق، وقد ازدهرت منذ أن أصبحت تحت السيطرة الرومانية في القرن الأول الميلادي.

كانت تدمر أيضاً مكاناً للتوقف الإلزامي للقوافل التي تجتاز الصحاري، وقد أعطت الفيضانات التي تدفقت عليها، لحكامها الوسائل لتجميل مدينتهم وكذلك الثقة لتثبيت مكانتهم على المستوى الإقليمي.

وقد عرفت تدمر كذلك بأنها موطن الديانة ألمانية، نسبة إلى "ماني" (216- 276) الذي اعتبر نفسه خاتم الأنبياء والمرسلين، وجاء برسالة مختلفة تماماً عن الهلينية الوثنية واليهودية والمسيحية، وهي ديانة بقيت مؤثرة في القرنين الأولين من ظهور الإسلام.

والشاهد أنه على رغم أن الفترة التي قضتها زنوبيا في موقع وموضع الحكم، كانت قليلة من حيث عدد السنين، فإنها ضمنت لها مكاناً كبيراً واسعاً في صفحات التاريخ، ولا تزال تذكر على أنها واحدة من أعظم الملكات، لا سيما أنها جعلت من تدمر قوة عظمى في الشرق الأدنى، وقد ألهم صعودها السريع المؤرخين والفنانين والروائيين لعدة قرون.

من هي زنوبيا الفتاة التي كانت تجيد عديداً من اللغات، وكيف تزوجت ملك تدمر ووصلت إلى الحكم، ولماذا اضطرت إلى مواجهة الإمبراطورية الرومانية، وهل حقاً استطاعت الوصول إلى حكم مصر كما تقول بعض المصادر التاريخية، وعديد من الأسئلة التي نحاول التوقف معها في هذه القراءة.         

               

              

البدايات... ابحث عن الإسكندرية دوماً

على رغم قلة المصادر التاريخية التي تقودنا إلى قصة مولد زنوبيا، فإنه في غالب الأمر ولدت في منطقة تدمر في سوريا نحو عام 240 ميلادية وأعطيت اسم "جوليا أوريليا زنوبيا"، وقد كانت سوريا في ذلك الوقت مقاطعة خاضعة للإمبراطورية الرومانية، ضُمت في عام 115 ميلادية.

اعتبرت زنوبيا من هذا المنطلق مواطنة رومانية، حيث منحت عائلة والدها هذا الوضع في وقت سابق، ربما في عهد ماركوس أوريليوس (161-180م)، فيما يدعي كتاب "تاريخ الأباطرة" للمؤرخ اليوناني الكبير "بلوتارك"، أنه يمكن تتبع نسب والدها إلى "جوليا دومنا" الشهيرة (170-217) ميلادية من سلالة سيفيران- سيويران في روما.

من المرويات الأولى عن زنوبيا، أنها تلقت تعليمها في مدارس الإسكندرية، التي كانت قبلة العلم والعلماء في ذلك الوقت، وهناك تعلمت اللغتين اليونانية واللاتينية، مع إجادتها اللغتين المصرية والآرامية.

في تاريخ زنوبيا تفصيلات كثيرة مثيرة، حيث نجد على سبيل المثال زعمها بأن أصولها تعود إلى الملكة "ديدو" الأسطورية مؤسسة قرطاجة وكليوباترا السابعة في مصر.

ولعل المؤرخ العربي الكبير "الطبري" قد توقف في كتاباته بدقة وتمعن عند زنوبيا، الذي حكى عن كيفية تعيينها مسؤولة عن قطعان العائلة والرعاة عندما كانت فتاة صغيرة، بالتالي اعتادت على حكم الرجال.

ويقص علينا الطبري كذلك، أنه في هذا الوقت تعلمت زنوبيا ركوب الخيل، حتى أصبحت بارعة، كما تدربت على التحمل والقدرة على مواجهة الصعاب وهما صفتان اشتهرت بهما لاحقاً، ومن المسجل أنها كانت تسير على الأقدام مع قواتها لمسافات طويلة، ومن الممكن أن تصطاد مثل أي رجل، وأن تعب من الخمور عباً أكثر من أي رجل.

لم يقصر المؤرخون الغربيون في وصف زنوبيا، فعلى سبيل المثال كتاب المؤرخ الإنجليزي الكبير "إدوارد غيبون" يصف زنوبيا في مقطع من عمله الشهير: "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها"، بأنها "ربما كانت الأنثى الوحيدة التي اخترقت عبقريتها الفائقة، الكسل الخانع الذي فرضه مناخ آسيا وأخلاقها على جنسها".

ادعت زنوبيا نسبها لملك مصر فيليب المقدوني، ويحكي أن جمالها فاق جمال كليوباترا، غير أنها تجاوزتها في العفة والشجاعة، وكانت قد اعتبرت نفسها مثالاً للشرق، وكثيراً ما قارنت نفسها بآلهة الجمال عند الإغريق.

هل قتلت زوجها الملك حاكم تدمر؟

بحلول عام 258 ميلادية، تزوجت زنوبيا في سن الـ14 من "لوكيوس سبتيموس أودينثوس- أذينة" الحاكم الروماني لسوريا، الذي أنجبت منه طفلين هما "فبالاثوس"، و"حيران الثاني".

لم تكن زنوبيا الزوجة الأولى لأذينة بل الثانية، ومع ذلك، فقد كانت المفضلة لديه، وقد رافقته في غالبية إن لم يكن كل حملاته العسكرية.

كانت زنوبيا قريبة من زوجها في ما يخص كل شؤون الحكم، الأمر الذي نمى في عقلها فكراً سياسياً ساطعاً جداً، وأكسبها دراية عسكرية ومهارة فائقة في ميادين الوغى.

كان أذينة محارباً شرساً لا يشق له غبار، تابعاً مخلصاً لروما، فقد ساعد الإمبراطور الروماني "فاليريان" على إحباط الغزو الفارسي الساساني، كما طرد الفرس من معظم الأراضي الرومانية التي احتلوها في عام 260، وأخمد تمرداً ضد الإمبراطورية في الشرق عام 261، وشن غزوة اقتادته إلى أسوار العاصمة الفارسية عام 262.

كانت شجاعة "أذينة" سبباً لأن يلقى كثيراً من التكريم والتبجيل من قبل الإمبراطورية والإمبراطور، الأمر الذي دعاه لأن يسبغ على نفسه لقب "ملك"، ونظراً لأن روما كانت محاصرة بالحرب الأهلية في ذلك الوقت، فيما الفرس على الأبواب، والأوضاع الاقتصادية منحدرة، لذا لم يقدر للإمبراطور الروماني أن يفعل شيئاً تجاه "أذينة" الذي نصب نفسه ملكاً على تدمر.

ما الذي جرى لاحقاً؟

 أمر عجيب حقاً، أن يغتال الملك المنتصر وابنه حيران الأول، من زوجته الأولى، لدى عودته من رحلة عسكرية في الأناضول، وبذلك لم يهنأ طويلاً بملكه الجديد.

هنا يطفو على السطح تساؤل جوهري: هل كانت زنوبيا وراء هذا الاغتيال؟

يبدو أن هناك كثيراً من الكلام في هذا الشأن، إذ يرجح أنها كانت متورطة بصورة أو بأخرى، طمعاً في العرش، الذي جلست عليه بالفعل لاحقاً.

ملكة توطد سلطتها في الشرق

على أنه مهما كان من أمر اغتيال الملك "أذينة"، فإن زنوبيا لم تجد أي معارضة سياسية عندما اعتلت عرش تدمر ولم تعترف بتسلمها الحكم بمفردها. استطاعت أن تصدر للآخرين أنها وصية على ابنها البالغ من العمر 10 سنوات، الذي يملك الأحقية بالسلطة لكونه ورث من والده كل ألقابه الشرعية، هذا على رغم أن ابنها هذا لم يكن قد مارس ولو ليوم واحد أي شكل من أشكال الحكم في ظل والده، وهو أمر بديهي بحكم عمره.

تبدى دهاء زنوبيا بشكل فائق في سنوات حكمها القليلة، فقد استغلت ضعف الرومان وتفرقهم بسبب غزواتهم في أوروبا، وعملت على توسيع رقعة ملكها، فأخضعت سوريا بالكامل تحت سلطتها إلى جانب شمال بلاد ما بين النهرين، أي العراق، عطفاً على ما كان يعرف وقتها بمملكة يهوذا، أي الأراضي الفلسطينية اليوم، وهناك روايات عن غزوها لمصر، فيما اتخذت من مدينة أنطاكية عاصمة  لحكمها الجديد.

شكلت زنوبيا بذلك مملكة شاسعة تمتد ما بين أنسيرا، وسط الأناضول، إلى جنوب مصر.

بلغت زنوبيا من الدهاء السياسي شأناً عالياً، فقد عملت بطريق مغاير للفوقية السياسية للأباطرة الرومان، إذ فتحت بلاطها للنبلاء الشرقيين وبوأتهم مناصب عالية في مملكتها.

أبدعت زنوبيا في أمر آخر، وهو مقدرتها على تقريب كافة التيارات الدينية الأقلوية، رغم كثير من الأحاديث التي دارت ولا تزال حول إيمانها بالمذهب "ألماني".

استطاعت بحكمتها استيعاب طبيعة شعبها المتعدد الأعراق والديانات، وعاملت رجال الدين باحترام، ومنحت الأقليات حقوقهم في إنشاء دور للعبادة بخاصة اليهود والمسيحيون الذين عانوا من اضطهاد كبير قبل وصولها إلى الحكم.

هنا يتفق عديد من المؤرخين على أن زنوبيا حكمت دولة مكونة من دول مختلفة، وباعتبارها من سكان تدمر، فقد كانت معتادة على التعددية الثقافية واللغوية، حيث كانت مدينتها بوتقة تنصهر فيها الأمم وتنقسم ثقافياً إلى قسمين: جزء سامي شرقي، وجزء هلنستي، وقد حاولت التوفيق بينهما، وغالب الظن أنها نجحت في ذلك نجاحاً كبيراً.

يصف "مارسين غيزدالاسكي"، في بحث له علة موقع "الإمبراطورية الرومانية" على الشبكة العنكبوتية زنوبيا بالقول: "كانت حاكمة مستنيرة وفضلت تطوير العلم في بلاطها الذي كان مفتوحاً للعلماء والفلاسفة. كانت متسامحة مع رعاياها وأقلياتها الدينية، وحافظت على إدارة مستقرة حكمت إمبراطورية متعددة الثقافات والأعراق". وقد كان صعودها إلى السلطة وتالياً سقوطها، مصدر إلهام كثير من المؤرخين والفنانين والكتاب، وتعتبر حتى يومنا هذا البلطة الوطنية لسوريا.

في الصراع مع الإمبراطورية الرومانية

هل النجاح معدٍ أم مغرٍ؟ ربما الاثنان معاً، ومن هنا يدرك القارئ لماذا تمادت زنوبيا في طموحاتها الإمبراطورية إلى الحد الذي جعلها تحلم بأن يصير ابنها الصبي شريكاً لإمبراطور روما في ملكه.

في كتابهما "أعداء روما" يشير كل من "آني وموريس سارتر" إلى أن زنوبيا منحت نفسها لقب الإمبراطورة وجعلت من تدمر لفترة ليست بالقصيرة، أحد مراكز القوة والذكاء، وحتى بعد تدمير هذه الإمبراطورية عام 273 ميلادية استمرت سطوتها بالنمو سواء في التقاليد الأدبية والفنية الغربية أو في التاريخ العربي.

أما الكاتبة الفرنسية "فيولين فانويكي" فتتحدث في كتابها المعنون "زنوبيا وريثة كليوباترا"، عن قوة ملكة الشرق زنوبيا وترى أن سيرتها تكاد تقارب سيرة الملكة المصرية العظيمة حتشبسوت وكليوباترا واللاتي جمعهن الجمال والسلطة.

تخبرنا فيولين: "أنه في القرن الثالث الميلادي اشتبك الفرس مع الرومان، وما بين هاتين الإمبراطوريتين نشأت تدمر في سوريا، مدينة قوية، دعمتها قوافل طريق الحرير".

الذين لديهم علم بعالم الجغرافيا يعرفون أن الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت كانت تقسم إلى قسمين، الشرقي ويدعى بيزنطة، والغربي ومقره روما.

بلغت أحلام زنوبيا تنصيب ابنها شريكاً للإمبراطور الروماني في النصف الشرقي من الإمبراطورية الرومانية، ويرجح أنها كانت ستتوصل إلى اتفاق مع الإمبراطور الروماني "جوثيكوس" إلا أنه توفي عام 270 ميلادية وخلفه الإمبراطور أوريليان الذي اتبع سياسات مختلفة مع تدمر وملكتها.

في البداية قامت زنوبيا بسك عملات معدنية تحمل صور أوريليان كإمبراطور وابنها فابالاثوس كملك، لكنها ما لبثت أن أعلنت انفصالها الرسمي عن الإمبراطورية عام 272 حيث نصبت نفسها إمبراطورة مستقلة.

لكن الإمبراطور الروماني "أوريليان" لم يتغاض عن ذلك التحدي، ومن ثم استجمع كل قواته وتوجه إلى مصر، حيث استطاع استردادها إلى جانب منطقة وسط الأناضول، مما جعل زنوبيا وأتباعها يتراجعون باتجاه تدمر.

ومن المؤكد أن الأباطرة الرومان، قد فشلوا في مراقبة طموحات زنوبيا، وربما لم يكن لديهم من الموارد اللازمة ما يكفي لفعل أي شيء حيال ذلك.

غير أن أوريليان بدا وكأنه نوع مغاير من هؤلاء الأباطرة، سيما أن وراءه مسيرة من الصعود والكفاح، جعلته يترقى من جندي مشاة في جنود الإمبراطورية، إلى أن يصل إلى مرتبة جنرال، ومن بعد إلى إمبراطور.

ما ميز أوريليان وفترة حكمه، هو أنه كان جندياً أولاً وسياسياً تالياً.

عندما تولى الحكم كان عليه أن يتعامل مع هزيمة الوندال واليماني والقوط، ولكن بحلول عام 272 ميلادية، كان مستعداً لاستعادة المقاطعات الشرقية من زنوبيا.

لم يرسل أوريليان مبعوثين يحملون رسائل يطلبون فيها تفسيراً من زنوبيا عن طموحاتها الفائقة، التي تكاد تعد ضرباً من ضروب التمرد على الإمبراطورية الأم في روما، كما أنه لم ينتظر أن تقدم زنوبيا نفسها تفسيراً، بل سار مباشرة على رأس جيشه بالكامل ناحية تدمر.

أحد الأسئلة السائرة والحائرة التي لا يزال المؤرخون يطرحونها حتى الساعة: هل حاولت زنوبيا التواصل مع الإمبراطور أوريليان؟

لا تبدو هناك إجابة واضحة، وإن وجدت تقارير تتحدث عن رسائل بينهما بمجرد وصوله إلى تدمر.

غير أنه يعتقد أنها اختراعات لاحقة، بل ويظن أيضاً أن رسالته إليها في بداية حملته العسكرية التي طالبها فيها بالاستسلام وردها المتعجرف، الواردة في كتاب "تاريخ الأباطرة"، هي افتراءات تم حبكها لتسليط الضوء على نهج أورليان الرحيم والمعقول تجاه الصراع على النقيض من رد فعل زنوبيا المتغطرس.

معركة أنطاكيا ونهاية مملكة زنوبيا

لم يبادر الإمبراطور أوريليان بالدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع زنوبيا في مملكتها تدمر وسط سوريا، بل عمد إلى الاستيلاء على التخوم قبل أن يتوجه مباشرة إلى المركز.

كانت المدن والبلدان الخاضعة لسلطة زنوبيا في آسيا الصغرى هي هدف لجيش أوريليان، وهناك قصة مشهورة في هذا الصدد تتعلق بحلم رآه أوريليان في المنام، فقد جاءه الفيلسوف الشهير "أبولونيوس" من تيانا، ونصحه بالقول: "إن أردت النصر فكن رحيماً"، ولهذا أول ما توجه أوريليان كان إلى مدينة "تيانا"، التي تعامل جنوده معها بشكل سلمي وسار قدماً.

أثبتت الرحمة أنها سياسة سليمة للغاية لأن المدن الأخرى أدركت أنها ستكون أفضل حالاً في حال الاستسلام للإمبراطور الرحيم بدلاً من تحمل غضبه من خلال المقاومة. بعد "تيانا" لم تعارضه أي من المدن، بل أرسلت كلمة إلى أوريليان قبل أن يصل إلى بوابتها، وسرعان ما وصل سوريا.

لم تكن هزيمة زنوبيا بالأمر اليسير، فقد استدعى الأمر أكثر من جولة عسكرية، واحدة عند مدينة أنطاكيا، حيث فاز أوريليان بالاشتباك من خلال التظاهر بالتراجع ثم التأرجح في تشكيل كماشة بمجرد أن سئمت قوات تدمر من المطاردة، تم الانقضاض عليهم ثم ذبحهم.

غير أن زنوبيا كانت قد تمكنت من الهرب مع جنرالها "زايداس"، إلى مدينة حمص، حيث كان لديها مزيد من الرجال، وحيث توجد خزائنها وكنوزها.

مرة أخرى لاحقها أوريليان، حيث انتصر الرومان باستخدام نفس التكتيك، إذ تظاهروا بالتراجع في مواجهة الفرسان التدمريين، الذين لاحقوهم، ثم استداروا وهاجموهم في موقع يسمى ميمون.

تم تدمير القوات التدمرية واستولى أوريليان على المدينة، وهناك روايات عن نهبه لما فيها من خزائن مليئة بالكنوز التي جمعتها زنوبيا من قبل.

يصف "غيبون" ما جرى بالقول: "تراجعت زنوبيا إلى داخل أسوار عاصمتها، وقامت بالإعداد لمقاومة قوية، وأعلنت بجرأة البطلة، أن اللحظة الأخيرة من حكمها وحياتها يجب أن تكون فيها كما كانت من قبل ملكة وقائدة".

يقول بعض الرواة، إن زنوبيا كانت تراهن على أن تأتيها التعزيزات والمساعدات من الفرس، وعندما فشلت في الوصول، فرت من تدمر مع ابنها على ظهر جمل وحاولت الوصول إلى بر الأمان في بلاد فارس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نهاية زنوبيا... غموض مثير للدهشة

كيف كانت نهاية زنوبيا ملكة تدمر المثيرة للدهشة، التي قدر لها أن تواجه أكبر وأخطر إمبراطورية على وجه الأرض في ذلك الوقت؟

لا تبدو هناك روايات مؤكدة بالكلية عن نهاية زنوبيا، وهو أمر يتسق ومجريات التاريخ، حيث المنتصر دوماً يكتب الصفحات كما يريد، ويعمد غالباً إلى تشويه وربما محو سيرة عدوه مرة وإلى الأبد.

تقول إحدى الروايات إنه حين دخل أوريليان إلى تدمر وجدها قد اختفت، فأرسل في الحال فرسانه للقبض عليها، وقد تم أسرها بالفعل أثناء محاولتها عبور نهر الفرات، وأعيدت إلى أوريليان مقيدة بسلاسل.

في محضر أوريليان، دفعت زنوبيا ببراءتها، ودافعت عن نفسها، فيما ألقت باللوم كله على كبار مستشاريها الذين اتهمتهم بأنهم حرضوها على التمرد على الإمبراطورية في روما وعلى الإمبراطور الجالس سعيداً هناك.

من الواضح أن أوريليان تأثر بنحو أو آخر بدفاع زنوبيا عن نفسها، وليس سراً القول إن فصاحتها وإجادتها اللغة اللاتينية، أي لغة الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت، قد ساعداها في التعبير عن نفسها، فيما أمر أوريليان بإعدام بعض الجنرالات من مستشاريها مثل "كاسيوس لونجينوس" وأرسلت زنوبيا إلى روما مباشرة.

ما الذي جرى لزنوبيا بعد ذلك؟

هنا تتبدى مآسي التاريخ غير الموثق أو المدقق، إذ توجد عدة روايات منها ما ذكره الكاتب المصري "زوسيموس"، من أنها قد غرقت هي وابنها في مضيق البوسفور أثناء نقلهما إلى روما.

غير أنه وفي موضع آخر من كتاباته يعدل تلك الرواية بناء على معلومات مستجدة ويشير إلى أنها وصلت روما من دون ابنها، وقدمت للمحاكمة وتمت تبرئتها، وبعد ذلك عاشت في أحد قصور روما وتزوجت من أحد أفراد الحاشية العسكرية الرومانية.

لكن روايات أخرى تقول، إنه تم اقتيادها بالسلاسل وعرضت في شوارع روما على الملأ، فيما مصادر مغايرة تذهب إلى أن أوريليان قد أفرج عنها بعد أن تزوج واحدة من بناتها.

وعلى رغم وجود رواية واحدة في شأن إعدامها، فإن فكرة انضمام أحفادها إلى طبقة النبلاء الرومان لاحقاً، أمر يفيد بأنها ظلت على قيد الحياة، وربما كانت عوناً سياسياً وعقلياً وعسكرياً للإمبراطورية ومخططات توسعها في الجانب الشرقي منها.

وفي كل الأحوال، فإن نهاية زنوبيا تبدو غامضة كما الحال مع بداياتها وجذورها وأصولها، وهو ما يجعل منها قصة ثرية بكثير من التفاصيل لواحدة من أكثر النساء اللاتي صنعن التاريخ.

المزيد من تحقيقات ومطولات