Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بدائل القمح... مصر تستدعي تجاربها القديمة

متخصصون يربطون نجاح زراعتها باقتصارها على الأراضي المستصلحة حديثاً وتجنب أخطاء سابقة

مزارع مصري خلال موسم حصاد القمح (مواقع التواصل)

ملخص

تعد مصر واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم ولا يكفي إنتاج البلاد منه عدد سكانها الذي يتخطى 100 مليون نسمة.

تركت تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أخيراً في شأن زراعة محاصيل بديلة للقمح تكون أكثر ربحية، علامات استفهام كبيرة وعديدة أمام المتخصصين والمزارعين في شأن طبيعة تلك المحاصيل البديلة التي يمكن أن تنجح ومدى توافقها مع مقتضيات الواقع الاقتصادي والمناخي، والعقبات التي قد تشكل عائقاً أمام تنفيذها.

رؤية السيسي طرحها خلال الاحتفال بموسم حصاد القمح 2024 ضمن مشروع "مستقبل مصر" للتنمية المستدامة، لتتبعها آراء عديد من المتخصصين في الشأن الزراعي، تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" معهم، التي أظهرت بدورها تبايناً وانقساماً واضحاً في الرؤى، بين قابلية التنفيذ مع النباتات الطبية والعطرية وبعض الخضراوات والفاكهة وتعميمها في الأراضي المستصلحة حديثاً، واعتبارها تجربة قديمة منذ عهد الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك وأثبتت فشلاً ذريعاً.

وتعد مصر واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم، إذ لا يكفي إنتاج البلاد منه عدد سكانها الذي يتخطى 100 مليون نسمة.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، سجلت واردات مصر من القمح ارتفاعاً ملحوظاً منذ يناير (كانون الثاني) 2023 وحتى يوليو (تموز) من العام نفسه، فيما بلغت القيمة الإجمالية لواردات القمح مليارين و96 مليون دولار، بينما كانت نحو مليار و796 مليون دولار في الفترة نفسها من عام 2022.

تجارب ناجحة

يقول كبير خبراء الأمم المتحدة للزراعة والمياه والبيئة الدكتور أحمد فوزي دياب، إن محصول القمح له بدائل عدة يتحكم فيها اقتصادات التشغيل والحاجات المائية، منوهاً بأنه كانت هناك عديد من التجارب البحثية الناجحة في زراعة محاصيل بديلة للقمح مثل محصول "الكينوا" الذي حقق نجاحاً كبيراً في منطقتي الدلتا وشمال الصعيد ويعد بديلاً للقمح حال تعميمه لأنه يحتاج إلى ممارسات معينة ويمكن التوسع فيه لأنه يتحمل درجات عالية من الملوحة.

ولفت كذلك إلى تجارب "السورجم" في جنوب مصر، إضافة إلى بعض أنواع من البطاطا، علاوة على دراسات بحثية أجريت أيضاً على زراعة بعض أنواع الموز الذي ينتج منه نشا ويستخدم في الخبز، لكن لم تطبق في مصر بسبب العجز المائي كونه يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، في حين يزرع حالياً في دول أخرى تتسم بكثافة الأمطار مثل جنوب غربي أفريقيا.

 

 

"ينبغي أن يكون هناك توسع مرحلي وليس سريعاً في زراعة محاصيل بديلة للقمح من خلال البدء بزراعة 1000 فدان ثم التوجه لزراعة آلاف الأفدنة بعد ذلك"، وفقاً لـ"دياب" الذي أوضح أن مصر يوجد بها 14 مليون فدان صالحة للزراعة حال توافر المياه.

وبحسب "دياب" فإن التوسع في الزراعة يتطلب عمل اختبار للمحاصيل ورؤية النشاط والمردود الاقتصادي ثم عمل تجارب إرشادية لتعليم الفلاحين والزراعيين، مضيفاً "يجب أن يكون هناك توجه نحو التنوع لأننا نواجه أزمة مياه تتبعها أزمة غذاء".

ويرى أنه لا توجد دولة لديها اكتفاء ذاتي من حاجاتها الزراعية، مشيراً إلى أن مصر لن تستطيع تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح نظراً إلى النظام الغذائي المصري المرتبط بصورة كبيرة بالعادات والتقاليد، مؤكداً أن معدل الاستهلاك العالمي للفرد من القمح لا يتجاوز 25 كيلوغراماً، في حين في مصر يتجاوز معدل الاستهلاك 80 كيلوغراماً.

ويتناول المصريون يومياً ما يزيد على 254 مليون رغيف، أي نحو 762 مليوناً و500 ألف كيلوغرام من القمح شهرياً، وبذلك يبلغ مجموع ما يأكلون سنوياً 93 مليار رغيف، يتكلف الواحد منها نحو 85 قرشاً يشتريها المواطن المشمول بمنظومة الدعم بخمسة قروش، والباقي تدفعه الدولة.

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أعلن في أغسطس (آب) 2023 أن حجم الاستهلاك المحلي من القمح سيصل إلى 20 مليون طن سنوياً.

تحول تدرجي

تتوافق تصريحات دياب مع العميد السابق لكلية الزراعة بجامعة عين شمس وعميد المعهد العالي للتعاون الزراعي الدكتور أحمد جلال، إذ يرى أن زراعة محاصيل بديلة عن القمح فكرة قابلة للتنفيذ وسيكون لها مردود إيجابي حال تنفيذها وستعود بالنفع على الدولة وستسهم في جلب مزيد من العملة الصعبة، موضحاً أنه يمكن تنفيذ تلك التجربة في الأراضي المستصلحة حديثاً مثل مشروع "مستقبل مصر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف جلال، "مصر لن تتأثر كثيراً في حالة التحول لزراعات محاصيل بديلة عن القمح، شريطة أن يكون هذا التحول تدريجاً وليس فجائياً مع أهمية إعداد دراسات جيدة عن الأسواق الأوروبية الخارجية لمعرفة ما تحتاج إليه من محاصيل".

ويرى جلال أن البلدان الأوروبية تحتاج في فترات الطقس البارد والظروف المناخية المتقلبة إلى بعض النوعيات من المحاصيل، وهو أمر يمكن اعتباره ميزة تصب في صالح مصر، إذ يمكن زراعة تلك المحاصيل مثل التوت والفراولة والفاصولياء ثم تصديرها لأوروبا للاستفادة من عوائدها.

النباتات الطبية والعطرية

بقدر حماسة بعض المتخصصين لتلك الفكرة فإن عضو لجنة الزراعة بمجلس النواب المصري مجدي ملك اعتبرها "جيدة وقابلة للتنفيذ" لكنه ربط نجاحها بشرط دراستها مع المتخصصين بالمراكز البحثية الزراعية والمستثمرين.

ويشير إلى أن مصر تمتلك مزايا نسبية في إنتاج محاصيل ذات جدوى اقتصادية وعوائد مجزية وطلب تصديري كبير مثل حاصلات الورقيات والنباتات العطرية والطبية وبعض الفاكهة مثل العنب والبرتقال والفراولة، منوهاً بأنه يمكن تعظيم الاستفادة من تلك المحاصيل بتصديرها والاستفادة من عوائدها لاستيراد القمح.

وتعد مصر من أهم الدول المنتجة والمصدرة للنباتات الطبية والعطرية على مستوى العالم، إذ تصل المساحة المنزرعة منها إلى 80 ألف فدان سنوياً، وتتنوع فيها تلك المحاصيل إلى أكثر من 30 محصولاً، ويصل حجم الصادرات منها إلى 95 في المئة من الزيوت والعجائن، و85 في المئة من الأعشاب الجافة سنوياً.

وهناك بعض المحاصيل مثل الخضراوات والفاكهة إنتاج الفدان الواحد منها يعادل زراعة من أربعة إلى ستة أضعاف القمح، موضحاً أنه إذا تم الاهتمام بها ستصب في صالح الدولة وستعظم من الصادرات المصرية للخارج.

أذواق المستهلكين

فيما يطرح الأستاذ المساعد بمركز البحوث الزراعية في مصر، الدكتور محمد سياف، تساؤلاً في هذا السياق حول مدى تناسب الزراعات البديلة للقمح التي تدرس الدولة تنفيذها مع أذواق المستهلكين مع توافر شرط توفيرها المياه، مشيراً إلى أنه على رغم تأييده المبدئي المقترح فإنه يرى أنه في حاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث المعمقة بالتعاون مع الجهات المتخصصة قبل تطبيقه.

يضيف سياف أن زراعة القمح تعاني عديداً من العقبات في مصر نظراً إلى عدم تبني المزارعين المستحدثات الزراعية والاعتماد على أنواع معينة من التقاوي دون غيرها، إلى جانب وجود فجوة بين المرشدين المتخصصين، علاوة على أن زراعات القمح تستهلك كميات كبيرة من المياه، كما يصعب زراعته في بعض الأراضي التي تعاني ملوحة التربة.

ويرى أن الحل يكمن في التوسع الرأسي لزراعته، موضحاً أن مصر تحتل المرتبة الـ14 في إنتاج القمح عالمياً في حين تعد المستورد الأول، مرجعاً ذلك إلى سوء الاستهلاك. ونوه بأن ضرورة أن يكون هناك وعي لدى المواطن للاستفادة من القمح وتقليل الهدر منه.

 

 

وأولت مصر خلال السنوات القليلة الماضية اهتماماً كبيراً بملف الزراعة على صعيد المشروعات القومية العملاقة مثل مشروعات الدلتا الجديدة ومستقبل مصر والمليون ونصف المليون فدان وتقديم الدعم للمحاصيل الاستراتيجية، علاوة على التنوع في مصادر المياه واستصلاح الأراضي لتوفير قدر كبير من الأمن الغذائي للمواطنين.

وكان وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري السيد القصير أكد في تصريحات صحافية أن القطاع الزراعي يسهم بنحو 15 في المئة من الناتج المحلي، ويستوعب أكثر من 25 في المئة من العمالة ويوفر الأمن الغذائي للمواطنين، كما يوفر المواد الخام لمعظم الصناعات الأخرى.

الشركات المصدرة هي المستفيدة

على النقيض يبدي نقيب الفلاحين حسين أبو صدام تحفظه على تلك الفكرة، مؤكداً أنها ليست جديدة وسبق طرحها في عهد الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، كما حاول وزير الزراعة الأسبق يوسف والي في عهد الرئيس الأسبق مبارك تطبيقها ولم تكن ناجحة وتراجع عنها.

ويرى نقيب الفلاحين أن الدولة المصرية تحاول زراعة محاصيل ذات عائد اقتصادي عال وعليها طلب تصديري كبير، لكن لا يعتمد عليها المواطن محلياً مثل النباتات الطبية والعطرية والبردقوش والخرشوف، علاوة على أن الشركات هي التي ستستفيد من وراء ذلك وليس الفلاح، مردفاً "الدولة لا يمكنها أن تجبر الفلاح على زراعة محصول بعينه والفلاح يزرع القمح دائماً ولا يستطيع الاستغناء عنه لأنه يحتاج إليه في منزله".

ويظهر تقرير رسمي صادر عن مركز معلومات مجلس الوزراء المصري (جهة حكومية) زيادة إنتاج مصر من القمح ثمانية في المئة ليبلغ 10 ملايين طن عام 2023، مقابل 9.26 مليون طن عام 2014، إلى جانب انخفاض واردات القمح بنسبة 39.5 في المئة، لتصل إلى 9.02 مليون طن عام 2022، مقارنة بـ14.9 مليون طن عام 2014.

 

 

ويقول نقيب الفلاحين "نستورد 50 في المئة من حاجاتنا من القمح وإذا توسعنا في فكرة عدم زراعته محلياً سيكون ضررها أكبر من نفعها".

وعلى رغم رفض نقيب الفلاحين للفكرة فإنه يتفق مع جلال في أن الدولة المصرية إذا تمسكت بتنفيذ الفكرة فيمكن تعميمها في الأماكن المستصلحة حديثاً وليس الأراضي المنزرعة من قبل.

"فشل ذريع"

المخاوف ذاتها التي طرحها نقيب الفلاحين، عبر عنها أيضاً خبير بورصات الحبوب والمحلل الاستراتيجي في الجمعية العمومية للفاو الدكتور نادر نور الدين، إذ يقول إن تلك التجربة حاول وزير الزراعة الأسبق يوسف والي تطبيقها قبل 40 عاماً بالتوسع في زراعة "الكنتالوب" ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً.

يشير نور الدين إلى أنه كانت هناك عديد من الدراسات والأبحاث التي أجريت لزراعة النباتات الطبية والعطرية وزراعة الخضراوات والفاكهة مثل الفراولة والكانتالوب والاستفادة من عوائدها التصديرية من أجل استيراد القمح، مضيفاً أن الأزمة تكمن في أن زراعة محاصيل مثل النباتات الطبية والعطرية تعد احتكارية.

كما أن هناك أسواقاً عديدة منافسة لمصر في ذلك المجال، علاوة على أن قرارات التصدير تصب في صالح المكاتب التصديرية التي تستفيد بـ80 في المئة من أرباحها فيما يستفيد المزارع بـ20 في المئة منها فحسب، وفق المحلل الاستراتيجي، الذي أضاف "لا يصح زراعة محصول ولا أستطيع بيعه أو تسويقه".

ويبدى تخوفه من الاضطرابات والنزاعات الدولية الراهنة التي أثرت بصورة كبيرة في تلك المحاصيل مثل حربي أوكرانيا وغزة، مشدداً على ضرورة إعادة النظر في تلك الفكرة والتراجع عنها.

ووفقاً لتقرير صادر عن وزارة الزراعة الأميركية، تعتمد مصر بصورة كبيرة على واردات القمح من روسيا وأوكرانيا بسبب الأسعار التنافسية وانخفاض كلف الشحن، وأثرت الحرب في مستوردي القمح الرئيسين الذين يعتمدون على إمدادات البحر الأسود، إذ إن ثمانية في المئة من واردات مصر من القمح تأتي من البلدين.

وتوقعت التقارير نفسها أن تستورد مصر خلال العام المالي الجديد 2025/2024 نحو 12.3 مليون طن قمح للقطاعين الحكومي والخاص، على أن تظل روسيا وأوكرانيا ورومانيا وفرنسا الوجهات المفضلة لواردات القمح المصري.

ويرى خبير بورصات الحبوب أن الأنسب لمصر زراعة محاصيل استراتيجية تدر عوائد بالعملة الصعبة حتى لا يكون سعر السلعة مرتبطاً بالدولار، منوهاً بأن بلاده تتكبد 15 مليار دولار لاستيراد السلع الاستراتيجية.

 


 

وتشير بيانات رسمية إلى أن مصر استوردت نحو 10.88 مليون طن من القمح في 2023، بزيادة 14.7 في المئة من 9.48 مليون طن في 2022.

مصير خطة الاكتفاء الذاتي

اللافت أن تصريحات السيسي في شأن التفكير في زراعات بديلة للقمح، جاءت مغايرة لتحركات الحكومة المصرية التي وضعت خطة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح على رأس أولوياتها، مما يطرح بدوره تساؤلاً في شأن مصير خطة الحكومة التي أعلنت عنها من قبل.

وبحسب تقرير رسمي صادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية في أغسطس 2023، فإن الحكومة المصرية وضعت خطة لاستهداف رفع الاكتفاء الذاتي من خمس سلع استراتيجية يتصدرها القمح، وأظهرت خطة عام 2023/2024 التوسع في المساحات المخصصة لزراعات القمح لتصل إلى 3.43 مليون فدان، وزيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح والذرة إلى 49 في المئة.

وكان وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري أعلن في يناير الماضي، أن مساحة الأراضي التي جرى زراعتها حتى الآن من محصول القمح وصلت إلى 3 ملايين و62 ألف فدان، بزيادة نصف مليون فدان، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، لافتاً إلى أن حجم الأراضي المقرر زراعتها مرشحة للزيادة.

المزيد من تحقيقات ومطولات