Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإسكندر الأكبر... باعث أول شرارة عولمة

هل كان الإمبراطور الشاب غازياً أم صاحب رؤية فلسفية شمولية للكون والبشر والحضارات والثقافات؟

لم تزد سنوات حكم الإسكندر الأكبر على ثلاثة عشر عاماً (غيتي)

ملخص

#الإسكندر_الأكبر لم يحكم أكثر ثلاثة عشر عاماً، لكنها مع ذلك، بدت مثل الشعاع الكوني الذي سافر من شرق المسكونة إلى غربها عبر لمح البصر، ليطلق أول شرارة لـ #العولمة في التاريخ

لم تزد سنوات حكمه على ثلاثة عشر عاماً، لكنها مع ذلك، مثلت تاريخاً إنسانياً مثيراً للتفكر والتدبر، بدت مثل الشعاع الكوني الذي سافر من شرق المسكونة إلى غربها عبر لمح البصر، فغير كل ما لمسته يداه، بحسب بول كارتليدج أستاذ الحضارة اليونانية في جامعة كامبريدج البريطانية.

على من يدور الحديث؟

قطعاً إنه الإسكندر المقدوني، أو الإسكندر الأكبر، وقد كثرت ألقابه، وحار معه المؤرخون في حاضرات أيامنا، وعلا التساؤل المصاحب لسيرته ومسيرته، والذي يدور حول طبيعة فتوحاته وإمبراطوريته، وهل كان صاحب دعوة لغزوات حربية، بما تتسم به الحروب من وحشية ودموية، أم أنه كان ذا رؤية حضارية إنسانوية، سعى من خلالها لتوحيد العالم القديم، وضم السياقات الجغرافية، ضمن معين فكري وروحي، والسعي في طريق بسط روح إنسانية أكثر توافقاً واتساقاً بين معاصريه.

البحث في عولمة الإسكندر الأكبر، تساؤل يطرح ذاته في أوقاتنا المعاصرة، لا سيما أن النموذج العولمي الذي بشر به الكثيرون في العقود الأخيرة، يكاد يأفل وتفشل تجربته وتذهب ريحه، بعدما اتخذ القوة الخشنة مساراً والمسلحة مداراً، ومن غير تغليب للرؤى الحضارية والأخلاقية، ومن غير وعي فلسفي لإشكالية الهويات الإنسانية، واحترام خصوصيات الأمم والشعوب.

أسطورة مولد الإسكندر وابن من هو؟

مؤكد أننا لسنا في سياق البحث في جذور وأصول الإسكندر الأكبر، لكن لا بأس من نظرة سريعة على مولده ونشأته، تلك التي تعطينا فكرة عن السياقات التاريخية والجغرافية التي ولد فيها هذا الإمبراطور الشاب المثير.

بحسب الموسوعات الدولية، يذكر أن تاريخ ميلاده هو 20 يونيو (حزيران) من سنة 356 قبل الميلاد، وعلى الأرجح في مدينة بيلا عاصمة مملكة مقدونيا.

من هو والد الإسكندر؟

هنا نحن لدينا ثلاث روايات، فهناك من يقطع بأن فيليب المقدوني والده، وأن أوليمبياس هي والدته، وهي الزوجة الرابعة لفيليب، وإن كانت أحب نسائه إلى قلبه، لا سيما أنها أنجبت له الذكر الذي سيرثه.

لكن سيرة حياة الإسكندر التي كتبها "كالليسثينيس المزيف"، أحد كهنة اليونان، عام 300 قبل الميلاد، تحمل لنا رواية مثيرة، وهي أن فيليب المقدوني، كان يحب الإسكندر كثيراً جداً، غير أنه ذات مرة قال له إنه لا يشبهه، الأمر الذي دعا الإسكندر للبحث عن والده الحقيقي وعرف أنه عراف القصر.

الرواية الأسطورية الثالثة ذكرها الكاتب الإغريقي القديم بلوتارخ (120-64)، قبل الميلاد، وفيها أن أوليمبياس والدته، رأت في نومها ليلة زواجها من فيليب أن صاعقة أصابت رحمها، فتولدت عنها ناراً انتشرت "في كل مكان"، قبل أن تنطفئ.

قدم بلوتارخ في كتاباته عدة تفسيرات لتلك المنامات، منها أن أوليمبياس كانت حاملاً، وأن والد الإسكندر الحقيقي هو زيوس كبير آلهة الإغريق.

مهما يكن من أمر تلك القصص، فإن المؤكد أن الإسكندر ولد في عالم مليء بأمرين، حياة عسكرية وصراعات سياسية من جهة، ورؤى فلسفية وسياقات أخلاقية من جهة ثانية، لا سيما أنه تأثر بأستاذه المباشر الفيلسوف الإغريقي الأشهر، أرسطو، عطفاً على الانطباع الكوزموبوليتي، الذي خلفه قربه من الفيلسوف ديوجنيس الكلبي (400-323) قبل الميلاد.

عن تربية الإسكندر وبواكير حياته

عندما وصل الإسكندر إلى سن الدراسة والتعلم، كانت مربيته هي "لاينكي" أخت ميلاس لوينديس القائم على طعامه، فيما "بولينيكس" قام على تدريسه الموسيقى، بينما تلقى دروس الهندسة من قبل العلامة "مينليكس" عضو جماعة البيلوبونيز.

غير أن معلمه للفلسفة كان أرسطو، وأستاذه في الخطابة "أناكمسيمينيس"، وتالياً سيلعب ديوجنيس الأسينوبي أو الكلبي، الدور الأهم والأعظم في تشكيل عقل الإسكندر وبلورة الطرح العولمي، أو الكوزموليتيني في ذلك الزمن.

كان الإسكندر يدرس كل الموضوعات النظرية، ومنها كذلك علم الفلك، وحين ينتهي من دروسه، يجمع رفاق دراسته في مكان قريب، ويلقي عليهم درساً، أو يمارس تدريبات عسكرية معهم، وحينئذ يصدر لهم أوامر القتال بنفسه، فإذا رأى معسكر فريق ما ينهزم من الآخر، كان يذهب ليحارب إلى جانب الفريق المهزوم ويساعده حتى ينتصر، حتى ولو كان جلياً تماماً أنه هو الذي كان سبب الانتصار.

هكذا كان الإسكندر يكبر وينضج، كما كان يشترك في تدريبات المشاة ويمتطي صهوة جواده قافزاً على ظهره مباشرة من الأرض.

عولمة الإسكندر وتأثير ديوجنيس

تذكر الكاتبة المتخصصة في التاريخ "سوزان أيرنيثي"، أن شخصية الإسكندر الأكبر كانت فارقة، كاريزماتية على نحو غير مسبوق، تحيط به هالة من قوة الشخصية ما جعلت منه حديث القاصي والداني.

من هنا انطلق التساؤل محور الجدل القائم بين الكثير من المؤرخين عن الإسكندر، والذي ينفي عنه قوم منهم أنه كان غازياً يعمد إلى استخدام القوة الغاشمة، ويميلون إلى القول إن حلماً داعب خياله منذ أن تلقى علومه من أرسطو، وخالط ديوجنيس، وقد أراد تحقيقه على أرض الواقع من خلال فتوحاته.

تمثل الحلم في فكرة المزج بين الحضارات، والسعي في طريق بناء إنساني يتسع لجميع الثقافات، فيما عرف بالنموذج الكوزموبوليتي، والذي يحمل بين ضفتيه معايير الأخلاق، وقيم السياسة العالمية ومبادئها.

يصف أبو الفتح الشهرستاني في كتابه الشهير "الملل والنحل"، ديوجنيس الكلبي بأنه كان "حكيماً فاضلاً متقشفاً لا يقتني شيئاً ولا يأوي إلى منزل".

تمتد جذور المفهوم الكوزموبوليتي إلى الفيلسوف الكلبي، والذي سئل ذات مرة عن موطنه أو جنسه فقال "العالم" على وجه العموم، وأضاف: "أنا مواطن العالم"، في إشارة أخلاقية إلى أنه لا فرق بين إنسان وآخر على أساس العرق أو اللون أو الدين أو أي معيار آخر.

هل تأثر الإسكندر بديوجنيس تأثراً دفعه لفكرة العالم الموحد عبر الأخلاق والفلسفة، وليس عبر البطش والقوة المسلحة؟

هناك قصة مروية في الإرث اليوناني القديم، عن لقاء جرى بين الإسكندر وديوجنيس، فبينما كان الأخير مسترخياً في ضوء الشمس في الصباح، مر به الإسكندر، وقد أبدى الإمبراطور الأشهر سعادة بالغة في مقابلته للفيلسوف الكبير ومن ثم سأله عما إذا كان هناك معروف يقدمه له. أجاب ديوجنيس: "نعم، قف بعيداً من ضوء الشمس الخاص بي".

ترك رد ديوجنيس في نفس الإسكندر تأثيراً واضحاً، ما دعاه للقول: "لو لم أكن الإسكندر لوددت أن أكون ديوجنيس".

وفي رواية أخرى، تحمل بعداً فلسفياً روحانياً، ترك ولا شك بصمته على مستقبل إمبراطورية الإسكندر، أن الأخير وجد ديوجنيس ينظر باهتمام إلى كومة من عظام البشر، ولما سأله الإسكندر ماذا يفعل، رد الفيلسوف بالقول: "أنا أبحث عن عظام والدك، ولكن لا يمكنني تمييزها عن عظم العبد".

تأثيرات أرسطو في فكر الإسكندر

حين بلغ الإسكندر الثالثة عشرة من عمره، أخذ والده يبحث له عن معلم يلقنه الفلسفة والمعارف البشرية المختلفة، فعُرض عليه حشد كبير من العلماء اختار منهم أرسطو.

اتخذ أبو الفلسفة اليونانية من معبد حوريات بنات إله البحار بوسيدون، مكاناً له ليقوم بتدريس الإسكندر، والذي لم يكن وحده في هذا الصرح التعليمي، فقد انضم إليه الكثير من أبناء النبلاء المقدونيين، مثل بطليموس، وهفستيون، وكاسندر، الذين استحالوا أصدقاء الإسكندر المقربين، وقادة جيشه المستقبليين، وغالباً ما يشار إليهم بأصحاب الإسكندر ورفاق دربه.

تلقى هؤلاء الشباب مبادئ الطب، والفلسفة والأخلاق، والدين، والمنطق، والفن، على يد أرسطو، وأظهر الإسكندر ولعاً كبيراً بأعمال هوميروس، وبخاصة ملمحة الإلياذة، فقدم له أرسطو نسخة مشروحة منها، حملها الإسكندر في كل حملاته العسكرية.

هل جمع أرسطو في عقل الإسكندر البعدين السياسي والأخلاقي، ما جعل منه مزيجاً من القائد العسكري الناجح، والفيلسوف المفكر الناصح؟

من المؤكد أن هذين البعدين يمثلان في واقع الأمر عمودي الحياة الكوزموبوليتية، حيث كانت السياسة في الفكر الكلاسيكي اليوناني أولاً، والروماني تالياً، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأخلاق.

ترك أرسطو من غير أدنى شك رؤية تتجاوز الفتوحات العسكرية في ذهن الإسكندر منذ صباه، رؤية موصولة بفكرة الدعوة إلى عالم واحد أو وطن واحد، وتنظيم سياسي واحد، يمكن من خلاله أن تستقيم أحوال البشرية.

لاحقا سندرك كيف أن "آمون" كبير آلهة المصريين، احتل في عقيدة الإسكندر السياسية والأخلاقية، مكانة "زيوس"، كبير آلهة اليونان في جبل الأوليمب، وبنفس القدر اعتبر أن "بيلوس" الإله البابلي، له ذات المكانة، وقد كان إله مدينة صور "ملكارت"، له في نفسه ذات التوقير والتقدير الذي كان للإله الهندي "كريشنا".

لم يفرق الإسكندر بين أي إله منهم، وكأنه كان يرى العالم صادراً من نبع واحد، والبشرية أسرة واحدة، ومن هنا اعتمد في مشروعه السياسي على ترسيخ هذا المعنى والمبنى، الساعي لتوحيد العالم، والمزج بين حضاراته، في حضارة إنسانية واحدة، ذلك المفهوم الذي برز في العصر الحالي تحت اسم العولمة.

الإسكندر ورؤية لتاريخ في الظل

في كتابه المعنون "تاريخ في الظل... بحثاً عن الحقيقة في مناطق معتمة"، يتحدث الكاتب والباحث المصري وليد فكري، عن عبقرية شخصية الإسكندر، تلك التي تتجاوز عبقريته كقائد أو توفيقه كفاتح للعالم القديم، إلى حكمته كصاحب رؤية لتأسيس دولة عالمية واحدة تنصهر فيها حضارات الشرق والغرب، في حضارة واحدة عالمية، هي الحضارة الهلينيستية، الابنة الشرعية لتزاوج الحضارة اليونانية (الهلينية)، مع حضارات الشرق، المصرية والعراقية، السورية والفارسية، عطفاً على الهندية.

يؤكد فكري على أنه لم يصدر عن الإسكندر سلوك الفاتحين من أبناء عصره، من سبي وجمع شره للغنائم، أو استنزاف للثروات، فضلاً عن أنه لم يتعامل مع المناطق المفتوحة على أنها مستعمرات مقدونية، بل اعتبرها من أراضي ذلك العالم المعولم الجديد، وأن أبناءها رعايا تلك الدولة الأممية الكوزموبوليتية، لا مجرد "شعوب مقهورة"، والدليل على ذلك أنه تعامل مع المكونات الحضارية والإنسانية لتلك المناطق على أساس أنها من مكونات "هذا الكيان الوليد الجديد".

حرص الإسكندر على التواصل مع أصحاب الأراضي التي قام بفتحها، بشتى الطرق، كمصاهرتهم في فارس والعراق، وإقامة مدنهم المعولمة كما جرى مع المصريين في الإسكندرية...

لقد قرأ الإسكندر "اللغة الإنسانية" لكل أرض رفع رايته عليها، وتعامل مع كل واحدة منها باعتبارها لغته وثقافته، حتى أنه أمر قادته بأنهم حين ينزلون بلداً أن يراعوا تقاليده ويتبعوا عاداته ويرتدوا أزياءه.

هل كان ذلك يعني أنه تنكر لهويته اليونانية؟

المثير جداً أن الإسكندر بدا وكأنه تنبه قبل ألفي عام ونيف، إلى مفهوم اللزوجة في الحضارات، أي أنها قابلة للتشكل بأوضاع مختلفة.

لم يكن ما تقدم من تثاقف مع الحضارات الوليدة أنه قد نسي أو تناسى جذوره، بل حقق المعادلة الصعبة بين الاندماج مع الآخر والتمسك بالهوية، فقد أمر أتباعه باتباع عادات الشعوب التي يخالطونها، لكن من غير أن ينسوا أو يتناسوا جذور هويتهم اليونانية... هل من أمثلة تاريخية على تجربة الإسكندر العولمية؟

الإسكندر في مصر وتقديس معبوداتهم

عرف الإسكندر من معلمه قيمة مصر كموقع وحضارة، وقوة اقتصادية هائلة في ذلك الوقت.

يحدثنا المؤرخ الروماني من أصول عراقية، إريانوس النيقوميدي، (86-160) ميلادية، عن حسن معاملة الإسكندر للمصريين، وزيارته لمعبد الإله "بتاح" في العاصمة منف، وتقديم القرابين للآلهة.

ويقال إن الإسكندر نصب نفسه فرعوناً بحسب التقاليد الدينية المصرية.

وفي الواقع فإن المتتبع لرحلة حملات الإسكندر، سوف يقف باستمرار عند هذه السنُة التي استنها أثناء فتوحاته، في أي مكان آخر غير مصر.

اتجه الإسكندر غرباً إلى الشمال الغربي، وقام بزيارة معبد الإله آمون، في واحة سيوه، وفي طريقه إلى الساحل غرباً وصل الإسكندر ورجاله إلى قرية كانت تعرف باسم راقوده، مواجهة لجزيرة في البحر تسمى فاروس، وتقع إلى الجنوب منها بحيرة مريوط.

في هذا الموقع قرر الإسكندر تأسيس مدينة الإسكندرية، وأمر بأن تكون عاصمة لمصر، ولم يكن يعرف بطبيعة الحال أنها ستصبح حاضرة وعاصمة العالم الهلينيستي، الذي يؤرخ له منذ وفاة الإسكندر عام 323 ق.م. وقد كانت الإسكندرية منذ ذلك الوقت النموذج العولمي القديم.

حين دخل الإسكندر مصر، طلب من الكهنة المصريين أن يدفعوا له هو الضرائب التي كانوا يدفعونها للملك الفارسي داريوس ملك الفرس.

لكن الإسكندر لم يطلب تلك الأموال بوصفه الإمبراطور الغازي، إذ قال للمصريين: "اعطوني الجزية، ليس لكي أضعها في خزانتي الأم، ولكن كي أنفقها في بناء الإسكندرية، مدينتكم، والتي هي المدينة الأم، لكل العالم".

 ولما سمع المصريون هذا الكلام، أعطوه برضاء تام أموالاً كثيرة وقاموا بتكريمه... هل ما فعله الإسكندر في مصر تكرر في مواقع ومواضع أخرى حول العالم؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

موقف الإسكندر من داريوس ملك الفرس

حين قرر داريوس ملك الفرس، الدخول في حرب مع الإسكندر، فكر ولاة الأقاليم الفارسية تفكيراً خبيثاً، لا سيما بعد أن علموا أن الإسكندر اقترب منهم، وكان على رأس الخبثاء "بيسوس" و"أريوبارزانيس"، اللذان خططا لقتل دارا والتخلص منه طمعاً في مكافأة الإسكندر لهم.

استطاع دارا مواجهتهم واحداً واحداً، لكنهم تمكنوا منه بخناجرهم، وأصابوه وقد أخذ ينزف كثيراً، حتى وصل إليه الإسكندر، وصرخ بألم مما رآه، بل ودمعت عيناه من أجل عدوه الذي كان يصارع الموت، فغطاه بعباءته، وأشفق عليه وأخبره بأنه سينتقم من القتلة من أجله.

بكى الإسكندر بإحساس حقيقي على موت داريوس، وبعدها أمر بأن يهتموا بجسد الملك الفارسي، وأن يقوموا بدفنه بوصفه ملكاً طبقاً للقانون الفارسي، ثم أصدر أوامره أيضاً بأن تصاحب الجثمان عربة وموكب يتكون من جنود فُرس غير مسلحين.

أما الإسكندر، فكان يحمل على كتفه جنباً إلى جنب، مع الولاة الفُرس، تابوت جثمان الملك داريوس، ومن اللافت للنظر أن كل من كان يتابع الموكب الجنائزي للملك داريوس، كان يشفق على الإسكندر نفسه، بالضبط كما كانوا حزانى على المتوفي أيضاً.

بعد أن تم دفن الملك داريوس، قدم الإسكندر له القرابين، فذبح الثيران وأقام له تذكاراً، وأصدر قرارات لكل منطقة، ولكل بلاد فارس، كان من بينها:

** الاستمرار في العيش والحياة وفقاً للعادات والتقاليد الفارسية، كما كان في السابق على عهد داريوس.

** لكل إنسان الحق في العيش في أرضه وموطن مولده.

** لكل فرد حق التملك لأي شيء.

 تاليا قام الإسكندر بنشر السلام في عاصمة الفرس، ولهذا سأله الشعب بأن يعين عليهم "أدوليتس"، عم الملك المتوفي، فوافق.

أبدى الإسكندر احتراماً وتوقيراً كبيرين لوالدة الملك داريوس، ويقال إنها من فرط حزنها عليه بعد وفاته المفاجئة في بابل، انتحرت.

عطفاً على ذلك، وتنفيذاً لوصية داريوس وهو على فراش الموت، تزوج الإسكندر من ابنته روكسانا، وضم بقية جيش الفرس لقواته، ليصنع تاريخاً عولمياً غير مسبوق، صالح فيه الفرس مع المقدونيين.

وهناك وقائع شبيهة، عندما ذهب الإسكندر إلى الهند، والحوارات الفلسفية والسياسية التي أقامها مع البراهمة، وكلها كانت حوارات ذات طابع أخلاقي، قدم لهم في نهايتها هدايا، بما لا يتسق أبداً مع الغزو العسكري.

كان الإسكندر إذن رجلاً سابقاً لعصره، إذ وضع أول رؤية للعولمة، التي تحترم ثقافات الشعوب وتنشئ الجسور بينها، ولم يكن مجرد محارب غاز مدمر، كما سيفعل الرومان من بعد أن يرثوا ملكه.

المزيد من تحقيقات ومطولات