Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما هي المحددات الأميركية لتقييم زيارة بايدن لإسرائيل؟

افتقر الرئيس الأميركي للبوصلة بحسب البعض لكن أولوياته تثبتت داخلياً وخارجياً

حملت زيارة الرئيس الأميركي لإسرائيل تحذيراً لحكومة نتنياهو من التمادي في الانتقام بعد هجوم السابع من أكتوبر (أ ف ب)

ملخص

بدت الصورة مختلطة في واشنطن عما إذا كانت رحلة بايدن ناجحة أم فاشلة، إذ تباينت التقييمات والأسباب حول ما أنجزته الزيارة عملياً على الأرض، وما يمكن أن يستتبعها من تداعيات قد تمتد إلى الشرق الأوسط برمته

على قدر ما كانت زيارة أول رئيس أميركي لإسرائيل في زمن الحرب عاطفية وداعمة لتل أبيب في حربها المعلنة ضد حركة "حماس"، إلا أنها حملت تحذيراً لحكومة بنيامين نتنياهو من التمادي في الانتقام والكراهية بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على إسرائيل، وضرورة احترام قانون الحرب، وعدم الوقوع في الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. فكيف كان وقع الزيارة على واشنطن، وإلى أي مدى يرى المراقبون أن الزيارة نجحت أو فشلت؟

لست وحدك

كما كان متوقعاً، شارك الرئيس الأميركي جو بايدن رسالة التضامن مع إسرائيل في حربها ضد "حماس" في أعقاب الهجمات المباغتة التي شنتها الحركة في 7 أكتوبر، حاملاً رسالة مفادها بأن "إسرائيل ليست وحدها"، ليمنح أهم حليف استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط تعهداً بضمان أمن تل أبيب، والحفاظ على التفوق العسكري النوعي، ومطالبة الكونغرس بتمويل إضافي للدفاع عنها، كما دعم ادعاء إسرائيل بأنها ليست مسؤولة عن الانفجار الذي وقع في مستشفى المعمداني في مدينة غزة، والذي تسبب في احتجاجات حاشدة وأدى إلى إلغاء رحلته إلى الأردن. وفي الوقت نفسه أعلن بايدن أيضاً عن مساعدات بقيمة 100 مليون دولار لغزة، والتي وافقت إسرائيل على السماح بدخولها إلى القطاع، وحث حكومة نتنياهو على توخي الحذر مع قرب شن غزو بري في الأيام المقبلة.

ومع هذه التعهدات والمساعدات، بدت الصورة مختلطة في واشنطن عما إذا كانت رحلة بايدن ناجحة أم فاشلة، إذ تباينت التقييمات والأسباب حول ما أنجزته الزيارة عملياً على الأرض، وما يمكن أن يستتبعها من تداعيات قد تمتد إلى الشرق الأوسط برمته خلال الأسابيع والأشهر المقبلة التي ستشهد على ما يبدو حرباً لا أحد يعلم نطاقها ومدى اتساعها المحتمل، ومن سيكون الفائز والخاسر فيها.

القيادة

كانت رحلة بايدن إلى إسرائيل محفوفة بالتحديات في هذا الوقت الحساس، لكنها قدمت أيضاً فرصة فريدة لم تستغل بالشكل المناسب بحسب ما يرى بعض المراقبين في واشنطن. ففي حين أن دعمه الثابت لإسرائيل وتنديده بـ"حماس" كان متوقعاً، إلا أنه كان يجب عليه أيضاً، وبحسب المراقبين، "توفير الوضوح المنطقي والقيادة المطلوبة من الولايات المتحدة من خلال الاعتراف بأن محنة إسرائيل لا تنفصل عن محنة الشعب الفلسطيني، مما يتطلب دعم مسار أوضح للحل العادل".

وبينما كان بايدن واضحاً في إدانة روسيا لهجومها على أوكرانيا، واستخدم النفوذ الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة في تعبئة العالم، فإنه "لم يكن مستعداً لإجبار إسرائيل على إنهاء عقود من احتلالها للشعب الفلسطيني، مما يسيء إلى سمعة الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في الجنوب العالمي وبين الشباب، وما يجعل الزيارة محل تساؤلات أن بايدن تسبب من وراء هذه الاستراتيجية في إعطاء الذخيرة للمنافسين، مثل الصين، لإثبات الحجة في جميع أنحاء العالم بأن واشنطن لا تدافع عن حقوق الإنسان إلا عندما يناسب ذلك مصالحها"، وفق محللين استراتيجيين.

ويحذر رئيس مبادرة تمكين الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي أمجد أحمد، من أن "استمرار محنة الفلسطينيين سيسهم في تآكل مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وخارجه، وسوف تستمر القضية في المساهمة في تغذية دائرة العنف التي تزعزع استقرار المنطقة الأوسع، وتمنع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

تغيير اللهجة

ويرى آخرون أنه يجب على بايدن أن يغير لهجته تجاه إسرائيل إذا كان يريد أن يلعب دوراً بناء في الصراع، لأن رسائل بايدن ونبرته تحددان مسار الصراع في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، إذ ينظر إلى موقف الإدارة الأميركية باعتباره "موقفاً يتجاهل حقوق الآخرين، وهو ما يؤكده تضامن بايدن الأحادي الجانب مع إسرائيل، وتأكيده حقها في الدفاع عن النفس، مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية، لأنه مع تكرار هذه العبارات يرتكب بايدن خطأ استراتيجياً يضر بصورة بلاده العالمية، كما أنه يجعل الدبلوماسية الأميركية غير قادرة على لعب دور الوساطة في هذا الصراع في المستقبل المنظور.

ومن الأفضل لبايدن أن يقرأ المنطقة، وأن يدفع ولو سراً في الأقل، إلى ضرورة التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، لإعطاء إسرائيل مخرجاً والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة من خلال إنقاذ إسرائيل من أسوأ دوافعها، وكسب حسن نية الجماهير العربية، والأهم من ذلك أنه سيعمل أيضاً على وقف التصعيد الذي تشتد الحاجة إليه، والذي من شأنه أن ينقذ حياة الفلسطينيين والإسرائيليين"، وذلك وفقاً للمحلل السياسي في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عماد الدين بادي.

"كما أن تماهي بايدن مع نتنياهو في وصف هجوم السابع من أكتوبر بأنه أشد 15 مرة من هجمات 11 سبتمبر عام 2001 يثير الانزعاج لدى ملايين من الناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، حيث كانت أحداث 11 سبتمبر وتداعياتها بمثابة سابقة مثيرة للقلق العميق"، بحسب أستاذة العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد علياء الإبراهيمي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رسالة ضرورية

غير أن الخبيرة في مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط كارميل أربيت، ترى أن بايدن حقق نجاحات مهمة. ففي حين أنه قدم خطاباً عاطفياً وأظهر أنه قادر على الوقوف بثبات خلف إسرائيل، لكنه في الوقت نفسه وجه رسائل صعبة تدعو إلى الحذر والدعم الإنساني حيث استغل الرحلة لتأمين اتفاق في شأن التدابير الإنسانية التي يجب على إسرائيل اتخاذها أثناء شن حربها على غزة، وأعلن عن حزمة مساعدات مفاجئة بقيمة 100 مليون دولار لغزة والضفة الغربية في خطوة رمزية بالنسبة إلى المساعدات الأوسع التي ستخصص لمساعدة إسرائيل في حربها ضد "حماس"، مذكراً إسرائيل بعبارات لا لبس فيها بأنها يهودية وديمقراطية في الوقت نفسه وعليها أن تتحمل مسؤولياتها على هذا النحو، كما يجب عليها التصرف وفقاً للمعايير الغربية أثناء انخراطها في الحرب.

تابعت أربيت "ومن خلال احتضان بايدن إسرائيل بقوة، وتمتعه بشعبية جارفة أكثر من أي زعيم سياسي آخر في تل أبيب، لا يمكن لأحد هناك أن يتهم الولايات المتحدة بالتخلي عن البلاد أو حاجاتها الأمنية، بل على العكس من ذلك، فقد قوبل بايدن في إسرائيل بترحيب الأبطال وتمتع بوضع فريد يسمح له بالضغط على إسرائيل في شأن هذه القضايا".

تحذيرات خفية من احتلال غزة

وترى الخبيرة الاستراتيجية أليسا بافيا أن بايدن حاول تأطير الصراع باعتباره معركة بين القيم الديمقراطية والتطرف، وأن المعركة ضد "حماس" ليست معركة إسرائيل فحسب، بل إنها قضية يدعمها العالم الغربي بأكمله، وأن الأمر لا يتعلق بمصالح الولايات المتحدة فحسب، بل يتعلق أيضاً بالمصلحة الإنسانية الأوسع في مكافحة الإرهاب.

كما تعتبر بافيا أن "إعراب بايدن عن أسفه لبعض جوانب السياسة الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر، واعترافه بارتكاب أخطاء، يشير على الأرجح إلى الغزو الأميركي للعراق، وهذه كلمات قوية تشير إلى أنه ينصح بعدم غزو غزة، لأن مثل هذه الخطوة يمكن أن تعوق الطريق إلى إقامة الدولة الفلسطينية، كما أنه سيضع إسرائيل في موقع المسؤولية عن رفاهية الفلسطينيين في غزة تحت الاحتلال، وهو الأمر الذي أهملته إسرائيل تاريخياً مراراً".

وأضفت "علاوة على ذلك، فإن احتلال غزة سيثير انتقادات قاسية تجاه إسرائيل، الأمر الذي سينعكس بدوره على الولايات المتحدة، باعتبارها حليفها الرئيس في المنطقة، ويجعل التزامات الولايات المتحدة المستقبلية تجاه إسرائيل أكثر صعوبة في تبريرها أمام الكونغرس والرأي العام الأميركي بشكل عام".

نصف معركة

في المقابل، ينظر سياسيون ودبلوماسيون ومنهم السفير الأميركي السابق في الكويت ريتشارد لوبارون، أن ظهور بايدن في إسرائيل كان بمثابة "نصف معركة" لكنه يتحول الآن إلى مرحلة شاقة طويلة تتمثل في استمرار الجهود الدبلوماسية المكثفة لإقناع قادة آخرين في المنطقة للمساعدة في تهدئة الوضع، وتشمل هذه المرحلة جهوداً من وراء الكواليس لتحرير الرهائن من "حماس" وحلفائها، فضلاً عن الدعوة إلى التفاوض على وقف موقت لإطلاق النار للسماح بالحركة الإنسانية للأشخاص والبضائع.

ويرى دبلوماسيون أن الأمر قد يتطلب من الآخرين في المنطقة أن يمارسوا نفوذهم على "حماس" وغيرها من الجماعات الفلسطينية المتطرفة، من أجل ترسيخ بعض الأمل في إذعان إسرائيل للطريق إلى الأمام الذي يقلل من مزيد من الكوارث الإنسانية، وهذا كله يتطلب الاستعانة بكامل موارد الدبلوماسية الأميركية للتأكد من عدم وجود موقف يتطلب من القوات الأميركية القريبة الانتقال من حال الردع إلى التدخل النشط مع خطر اندلاع الحرب مع إيران، ووفقاً للسفير الأميركي لوبارون فسوف يشمل جزءاً كبيراً من هذه المهمة مساعدة القيادة الإسرائيلية على اختيار الخيارات التي لديها فرصة لتحقيق أهداف معقولة من دون جعل الوضع أسوأ.

محددات النجاح والفشل

وفي كل الأحوال، سيتم الحكم على الزيارة في نهاية المطاف بأنها ناجحة أم فاشلة وفقاً لمحددات أميركية معينة، أولها الاستمرار في إظهار دعم الولايات المتحدة العسكري الثابت للدفاع عن إسرائيل، والقضاء على حركة "حماس" في قطاع غزة، وتوفير الردع اللازم ضد الجهات الأخرى المدعومة من إيران ومنعها من دخول الحرب، وتأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والأجانب من غزة، وكذلك ضمان وجود اتفاقيات تضمن حماية المدنيين في غزة أثناء النزاع.

وأخيراً، بدء المناقشات بين القادة الإسرائيليين والإقليميين والدوليين في تنفيذ خطة لليوم التالي في شأن تأمين حدود إسرائيل على مدى بعيد، وإنشاء سلطة فلسطينية أو نظام حماية دولي يحكم غزة، وإطلاق عملية إعادة إعمار جنوب إسرائيل وغزة التي يمكن أن تكون الأساس من أجل التوصل إلى تسوية سلمية في نهاية المطاف، وضمان بقاء إسرائيل دولة ديمقراطية في أوقات السلم من حيث معايير سلوكها في القتال.

المزيد من تقارير