ملخص
حتى الباريسيون حييوا تشارلز بهتافات "يعيش الملك!" بالفرنسية.
على نقيض الأجواء العامة الراهنة – وطبعاً المزاج السائد في بريطانيا – شكلت زيارة الملك تشارلز لفرنسا على مدى ثلاثة أيام نصراً تاماً.
لم تكن الأمور مضمونة فعلاً. فقد جرى التخطيط للزيارة كي تحصل في مطلع العام الحالي، فتمثل النشاط الخارجي الأول للملك الجديد. بيد أن إلغاءها جاء اضطرارياً وسط صدامات عنيفة عمت فرنسا ضد قانون إصلاح النظام التقاعدي. وعلى مدى أيام عدة من الصدامات أطلقت الشرطة قنابل الغاز على آلاف المتظاهرين في الشوارع، تلك الشوارع ذاتها التي سيقت فيها العائلة الملكية الفرنسية إلى المقصلة قبل قرنين من الزمن. وهذا الأمر الأخير، إزاء زيارة ملكية جديدة، أرخى على المشهد ظلالاً غير مطمئنة، في أقل تقدير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإلى هذا المشهد، هناك أيضاً مئات السنين من علاقة "الحب والكره" الموثقة جيداً بين بلدينا، والتي أسهمت في تبريد حرارة أي اقتراب ودي بينهما. لكن ما شهدناه الأسبوع الماضي لم يكن سوى علاقة حب متبادل.
هتافات عالية "يعيش الملك!" أطلقتها الجماهير الفرنسية وكانت وحياً، إضافة إلى ردود فعل تلقائية أخرى (كلها إيجابية)، خلال سير الرئيس ماكرون والملك تشارلز من قصر الإليزيه إلى السفارة البريطانية. فالحقيقة ينبغي أن تقال: الفرنسيون يعشقون بالسر كل ما هو ملكي – وأيضاً، إن تجرأوا على الاعتراف، كل ما هو بريطاني.
اسألوا "مواطني" (citoyens) "ساوث كينزينغتون" (المنطقة التي يسكنها فرنسيون كثر في لندن)، أو مئات آلاف الفرنسيين الذين يعيشون في المملكة المتحدة، أو الملايين الذين يزورون بريطانيا في كل عام. فمعظمهم سيعترفون ويقرون على مضض بأنهم مولعون ببريطانيا (أو آنجلوفيلز).
خذوا مثلاً "ماركس أند سبنسر". الفرنسيون يحبونه للغاية – سندويتشاته مسبقة التوضيب، ووجباته الجاهزة، وخصوصاً نقانقه (أي أطعمة اللحوم الباردة). فالمدير التنفيذي السابق لـ "M&S"، السير سيتوارت روز، أخبرني مرة أن سلسلة المتاجر البريطانية هذه ارتكبت خطأً أساسياً عام 2001 حين أقفلت فروعها الناجحة جداً في قلب العاصمة الفرنسية باريس. وجرى في السنوات التالية لذاك التاريخ إقفال المزيد من الفروع، بحسب الشركة، نظراً لـ "نقص إمدادات الأطعمة بفعل بريكست". هذا الأمر مثل صفعة للقوة الناعمة البريطانية.
هجوم الجاذبية الذي قام به الملك (تشارلز) الأسبوع الماضي أسهم في نجاحه إسهاماً كبيراً استخدامُه المتكرر للغته الفرنسية الممتازة – خصوصاً عندما جرى تبادل الأنخاب خلال مأدبة باهرة في قصر فيرساي، وحين ألقى خطابه البليغ والمسبوك أمام مجلس الشيوخ (في البرلمان الفرنسي).
شخصيته المرحة أيضاً، كان لها وقع كبير، إذ حيا السياسيين الفرنسيين باللغة الفرنسية لاستضافتهم "بطولة كأس العالم في الرغبي"، قائلاً: "لا ضربات في الأسفل، وليفز الأفضل!" (pas de coups bas, et que le meilleur gagne!). مرة أخرى علا الضحك والتصفيق.
الأسبوع الماضي كان الفرنسيون أمام ملك ليس فرنكوفونياً وحسب، بل مولعاً بفرنسا ولعاً شديداً، مثل والدته الراحلة، الموقرة والمحبوبة، التي رثاها ماكرون عند موتها وكرمها تكريماً كبيراً بقوله: "بالنسبة لكم (للبريطانيين) كانت ملكتكم. أماً بالنسبة لنا فكانت [الملكة]".
والملكة كاميلا من جهتها، سحرت الحضور بأناقتها وهي ترتدي ثوباً من تصميم "ديور" (Dior)، وبهرتهم بحسها الفكاهي حين، بلا تردد أو خجل، لعبت الـ "بينغ بونغ" (تنس الطاولة) مع السيدة ماكرون. وتلك الهمسات المتحمسة في أخبار المساء السائلة "من هو ذاك الرجل صاحب التنورة الذي يظهر في ظل الملك؟" (Qui est l’homme en kilt dans l’ombre du roi?) – الجواب، المساعد الملكي الوسيم، الرائد جوني ثومبسون – لم تسهم إلا في إبراز هيام الفرنسيين.
هل لهذا الأمر أهمية؟ بعد سنوات من العدائية بفعل البريكست والامتعاض من مقاربة الحكومة البريطانية لمسألة المهاجرين عبر القناة (الإنجليزية)، تأتي هذه الزيارة مانحة الفرنسيين فرصة لإغفال مراقبتهم لذواتهم والتصرف بتلقائية. فعودة المملكة المتحدة أخيراً للانضمام مجدداً إلى برنامج "هورايزن" (الأفق Horizon) العلمي أسهمت برفع الآمال في إمكانية إعادة بناء الجسور بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، تلك الآمال التي بدت في مرحلة سابقة بأنها تبددت نهائياً. وما قد يسمى الآن بـ "الحلف الملكي" entente royale يبشر بالخير في السنة المقبلة عندما تحل الذكرى السنوية الـ 120 لـ "الحلف الودي" Entente Cordiale. فشهر مايو (أيار) 2024 سيكون فرصة للاحتفاء بصداقة راسخة ومستمرة، متجذرة عميقاً في تاريخ متبادل وقيم مشتركة. وإن أمكن إقناع "ماركس أند سبنسر" بإعادة افتتاح بعض متاجره التي أغلقها، سيقوم الفرنسيون بكسر (إطار) راية الاتحاد (الأوروبي). إذن، لعل وعسى.
بينيديكت بافيو مراسل "فرانس 24" في المملكة المتحدة
© The Independent