Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سفيرا طهران والرياض يباشران العمل بعد أشهر من الانتظار

عودة رجال "مرحلة خاتمي" إلى السعودية

سفير السعودية عبد الله العنزي لدى وصوله إلى طهران (واس)

أبلغت السفارة الإيرانية في السعودية "اندبندنت عربية" بوصول سفيرها المعين حديثاً لدى الرياض علي رضا عنايتي في وقت باكر من صباح الثلاثاء بعد أشهر من استئناف البلدين علاقاتهما ضمن اتفاق تاريخي وقّع في بكين في الـ 10 من مارس (آذار) الماضي عقب سلسلة من المحادثات.

ويأتي ذلك بعد أن بدأت السفارة من قبل ممارسة أعمالها في مقرها الرئيس في الحي الدبلوماسي بالرياض وعبر قنصليتها في جدة، فضلاً عن مندوب طهران في منظمة التعاون الإسلامي الذي سبقت عودته، بحسب المصادر، حتى اتفاق بكين.

من هو السفير الجديد؟

بوصول السياسي الإيراني المخضرم إلى الرياض، أول سفير لطهران في العاصمة العربية الأكثر تأثيراً بعد أعوام القطيعة، تكون الحكومة الإيرانية قد دفعت بأحد رجالات "حقبة خاتمي" على أمل أن تبعث روحها التصالحية مجدداً بعد أطول مرحلة حرجة شهدتها علاقات البلدين الكبيرين منذ عقود، وذلك في وقت لفتت وزارة الخارجية في إيران عبر خبر توديعها السفير إلى أنه ليس جديداً على الرياض التي كان قائماً بالأعمال فيها قبل نحو 20 عاماً.

 

وكان عنايتي في ذلك الحين أحد أعضاء السلك الدبلوماسي البارزين لدى سفارة إيران بالسعودية يوم كان رئيس البعثة علي أصغر خاجي الذي يشغل الآن منصب كبير المستشارين في الخارجية.

وتحدثت مصادر دبلوماسية إلى "اندبندنت عربية" عن تلك المرحلة بوصفها واحدة من أفضل المحطات التي ساد فيها التناغم الدبلوماسي خطوات البلدين، على رغم مجيئها بعد الشرخ الكبير الذي أحدثته تفجيرات الخبر عام 1996 وموقف إيران من تسليم بعض المتهمين بها من الجانب السعودي.

 

 

وعلى رغم ذلك تقول المصادر إن " شخصية عنايتي اتسمت بروح ايجابية وتواصل سلس مع المجتمع الإعلامي والدبلوماسي في الرياض في ما بعد أحداث الـ 11 من سبتمبر (أيلول)، يساعده في ذلك معرفته الجيدة باللغة العربية والتواضع الذي يجعلك تبصره في بعض مطاعم الرياض المحدودة في ذلك الوقت من دون تكلف".

وقد تكون سيرته في تلك الحقبة هي التي دفعت طهران إلى الدفع به والرياض للموافقة عليه، بعد أن ترددت أنباء بأن واجهة الصفقة بين السعودية وإيران علي شمخاني قبل أن تتم إزاحته عن المشهد كان يفضل شخصاً آخر غير عنايتي الذي عمل سفيراً لبلاده في الكويت بعد الرياض، في آخر مهماته المعلنة خارج طهران.

ومع أن السفراء ينفذون تعليمات بلادهم إلا أن ترشيح أشخاص بعينهم لأداء مهمات في عواصم أخرى عادة ما يجري بتدقيق بالغ، خصوصاً من جهة مناسبة المرحلة والدور المكلف به السفير، مما يرجح أنه كان من بين أسباب اختيار الإيرانيين رجالاً من مرحلة خاتمي أمثال شمخاني وخاجي وعنايتي ليلعبوا دوراً أكبر يساعد في بناء الثقة المنخفض منسوبها بين طهران وكثير من الدول العربية.

ومنذ بدء جولة المحادثات بين السعودية وإيران في كل من مسقط وبغداد أظهر عنايتي، بوصفه مسؤول شؤون الخليج في خارجية طهران، قدراً من التأييد غير المتحفظ لإحياء العلاقة مع الرياض أسوة بكثير من الإصلاحيين، على ما يسود تيارهم من التباين، فضلاً عن معسكر المحافظين المقابل.

ثقل أكبر في الموازنات الدولية

وينظر السفير الجديد إلى العلاقات الخليجية - الإيرانية باعتبارها أولوية ينبغي أن يعمل الطرفان على تنميتها لما توافره من فرص للجميع.

ويعتبر في آخر تصريحاته الصحافية أن السعودية وإيران "قادرتان من خلال التعاون الثنائي وانطلاقاً من الآفاق المستقبلية بعيدة المدى والطاقات المتاحة لديهما على بناء قاعدة للتعاون الجماعي بعيداً من التدخل الأجنبي في المنطقة"، وهو ما أكد عليه كذلك الرئيس إبراهيم رئيسي لدى استقباله علي رضا، إذ نقلت وكالة "إرنا" عن رئيسي اعتقاده بأن التعاون بين البلدين "سيؤدي إلى تحسين مكانة دول المنطقة في المعادلات الدولية والإقليمية"، داعياً سفيره إلى "الاستفادة من الإمكانات المتاحة لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين".

أما مرحلة محمد خاتمي التي تعد امتداداً لعهد سلفه هاشمي رفسنجاني فتتميز بأن الأول ليس فقط سياسياً وإنما أيضاً مفكر ومنظر لثقافة الحوار بين الثقافات والحضارات، فضلاً عن التقارب بين المذاهب الإسلامية التي تشكل السعودية وإيران قطبا رحاها، إلا أن توظيف جماعات الإسلام السياسي السنيّة والشيعية المتطرفة الفكرة في تحقيق أغراض سياسية ضيقة جعلها صحبة عوامل أخرى تخلف أثاراً عكسية كادت تتطور إلى حرب مذهبية في العراق وسوريا واليمن ولبنان.

لكن مع ذلك يرى مراقبون أن خاتمي ظل من الشخصيات الإصلاحية البارزة مسموعة الصوت بين أطراف عدة في بلاده، باعتباره من المنادين بضرورة اتخاذ النظام إصلاحات جذرية وخصوصاً بعد الاحتجاجات الأخيرة التي أعقبت مقتل الشابة مهسا أميني في الـ 16 من سبتمبر (أيلول) 2022، غير أنه على خلاف ابن تياره الآخر مير موسوي لا يرى تغيير النظام بين الحلول المنطقية لحل أزمات البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية محمد الصياد إلى أن خاتمي يرى أن تحسين الأوضاع في الداخل الإيراني نحو الأفضل لا يتطلب تغيير الدستور، فهو يعتقد أن "كثيراً من الإصلاحات متاحة من خلال العودة لروح أو حتى نص الدستور نفسه".

لكنه، أي خاتمي، في الوقت نفسه قدم اقتراحات عملية غير تغيير الدستور ارتأى أنها كفيلة بإحداث انفراجة للأزمة الإيرانية، مثل "لاهتمام بالانسجام الوطني ومراعاة كل الميول والأذواق والفئات العرقية وإنهاء التوترات وإلغاء الإقامة الجبرية عن قادة الحركة الخضراء والإفراج عن المعتقلين السياسيين وإعلان العفو العام وإصلاح آلية تشكيل مجلس الخبراء وإصلاح مجلس صيانة الدستور"، استناداً إلى ما أوردت "بي بي سي فارسي" عن مقترحات خاتمي لتجاوز البلاد أزمتها التي تراجعت حدتها ولم تنته بعد.

وتؤكد السعودية وإيران الرغبة في طي صفحة الماضي وبناء علاقات يسودها التفاهم في العلاقات الثنائية بينهما والملفات الإقليمية والعربية الأخرى، إلا أن كلا الجانبين يقر بأن إصلاح مشكلات تمتد جذور بعضها لعقود يتطلب جهداً ووقتاً كبيرين.

الرهان على كسب الثقة

ويرى رئيس "معهد رصانة" محمد السلمي أن التركيز منذ "اتفاق بكين" حتى الآن كان على كسب الثقة، وهي مهمة صعبة تحتاج قدراً كبيراً من الصدقية، في حين اعتاد السلمي انتقاد مواقف طهران في ترجمة ذلك عملياً عبر مواقع عدة مثل اليمن الذي يظهر للجميع دعم طهران للحوثيين فيه.

وفيما تشكك تقارير أجنبية في جدية طهران جهة الجنوح للسلم بعد أعوام من التصعيد، تقول مصادر في الخارجية الأميركية لـ "اندبندنت عربية" إن واشنطن تقيّم "سلوك طهران من خلال ما تقوم به على الأرض وليس ما تقوله، لكننا نشجع أجواء التهدئة في المنطقة". لكن أطرافاً غربية وإسرائيلية أبدت مواقف متضاربة نحو الاتفاق بين السعودية وإيران، إما لجهة دور بكين فيه أو لأسباب أخرى إقليمية وأمنية.

ومن المفارقات أن أصعب ظروف علاقات البلدين الكبيرين على ضفتي الخليج العربي مرت في وقت رئيس إصلاحي في إيران وهو حسن روحاني، والآن تتحسن في عهد حكم المحافظين عكس المتوقع، مما يرجح لدى مراقبين ما كانوا يعتقدونه منذ حين بأن أثر توجه الحكومات هناك محدود طالما أن المفاتيح السياسية، خصوصاً الخارجية، بيد المرشد الأعلى.

ومع أن السفير عنايتي لم يكشف حتى الآن عن ملامح الخطة التي قالت خارجية بلاده إنه تقدم بها إليها قبل التوجه إلى الرياض، إلا أن تصريحاته السابقة في مناسبات عدة قد تظهر بعض جوانبها.

منطق البحث عن الفرص

وفي إحدى حواراته مع وكالة "إرنا" قبل تعيينه، تحدث السفير عن الفرص التي يمكن أن يجنيها البلدان من الاتفاق الذي أبرماه في بكين على مستويات توحيد ضفتي الخليج وعدم ارتهان أمنهما لقوى أجنبية، بحسب قوله، إلى جانب التنسيق على الصعيد الاقتصادي في مجالات أهمها منظمة "أوبك" التي تقودها السعودية وتعد إيران من بين أكبر المنتجين فيها، مشيراً إلى أن الدولتين سبق أن تمكنتا عبر التفاهم بينهما عام 2000 من تحسين أداء سوق النفط التي تراجعت حينها لمستويات قياسية، مؤكداً أن "البلدين قادران على مواصلة مثل هذا التعاون".

ويرى السفير كذلك أن التعاون بين الرياض وطهران من شأنه أن يمنح ثماني دول في الخليج (دول مجلس التعاون الست والعراق وإيران) فرصة خدمة الأهداف "بصورة موحدة مع هوية واحدة تمكنها من لعب دور بناء في الخليج"، معرباً عن أمله في أن تسهم تهدئة الأوضاع في اليمن في فسح المجال أمام تسع دول في المنطقة للتعاون والاضطلاع بدور بناء في المنطقة التي تعتبر من أهم المناطق الجيوسياسية في العالم.

وكانت تطلعات دول المنطقة سبقت بدعم الاستقرار والأمن في الإقليم لولا أن سياسات طهران إلى جانب صدام اتسمت دائماً بالتهور في تقدير المراقبين مدفوعة بأطماع توسعية حتى في عهد نظام الشاه، قبل أن تأتي الثورة الإسلامية في أواخر سبعينيات القرن الماضي لتزيد الأمور سوءاً، لكن التحديات الخارجية التي تهدد الجميع والتحولات الجيوسياسية في العالم قد تقنع الأطراف مجدداً بتجربة مكاسب التوافق بعد تجرع مرارات الصراع مرات عدة.

وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية الإيراني أخيراً في مؤتمر صحافي مع نظيره التركي إنه يعمل على عقد "قمة ثلاثية تضم إيران وتركيا والسعودية لبحث التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية"، وهي خطوة قال إن الرياض رحبت بها.

 

 

السفير السعودي في طهران 

ومساء الثلاثاء، أعلنت وكالة الأنباء السعودية (واس) وصول السفير السعودي لدى إيران عبد الله العنزي إلى العاصمة طهران لمباشرة مهام عمله رسمياً.

وقال السفير العنزي لدى وصوله العاصمة طهران، إن بلاده تؤكد أهمية تعزيز العلاقات وتكثيف التواصل واللقاءات بين البلدين، ونقلها نحو آفاق أرحب بين البلدين الجارين بما يمتلكانه من مقومات اقتصادية وموارد طبعية تسهم في تعزيز أوجه التنمية والرفاهية والأمن بالمنطقة، بما يعود بالنفع المشترك على البلدين والشعبين الشقيقين.

وأكد، أن رؤية 2030 تمثل خريطة طريق تعكس جميع أوجه التعاون التي يمكن البناء عليها لتعزيز التعاون بين البلدين، وفق منظور استراتيجي يرسخ مبادئ حسن الجوار والتفاهم والحوار البناء ويعزز الثقة المتبادلة بين البلدين.

وكان العنزي سفيراً فوق العادة برتبة وزير مفوض، له نشاط استثنائي في مسقط قبل أن يترأس بعثة بلاده إلى طهران في هذه المرحلة الخاصة من تاريخ العلاقة بين الدولتين، وجمعه بنظيره الإيراني في عُمان بعيد اتفاق بكين لقاء ودي، كما أنه قريب من أجواء المحادثات بين الرياض وطهران، إذ كانت السلطنة إحدى محطاتها الباكرة.

ويتحدث العمانيون على نطاق واسع عن الطريقة التي أدار بها العمل في سفارة الرياض هنالك، وكيف أنه أصبح شخصاً يتردد ذكره في مختلف المجالس والمناسبات الاجتماعية قبل السياسية في السلطنة، ما توج أخيراً بمنح الدولة إياه إحدى أرفع أوسمتها "النعمان" من الدرجة الأولى، تكريماً لدوره في تنمية العلاقات والمصالح المشتركة بين الجارتين الخليجيتين، في وقت تشهدان فيه معاً تحولات جذرية، على الصعيد السياسي والتنموي، وينسقان مواقفهما عبر الاتصال الثنائي أو من خلال منظومة "دول مجلس التعاون"، خصوصاً في القضايا الإقليمية والدولية الاستراتيجية، مثل الملف اليمني، والمحادثات مع الجانب الإيراني، الذي أبقت السلطنة دائماً على خيوط من التفاهم معه حتى في لحظات الإقليم الحرجة.

المزيد من تقارير